مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 20

هوية الکتاب

سرشناسه : سبزواري، سيدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان قراردادي : عروه الوثقي . شرح

عنوان و نام پديدآور : مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 20/ تاليف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

مشخصات نشر : سوریه - دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع

مشخصات ظاهري : 30 ج.

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر ''عروه الوثقي ''، محمد كاظم يزدي است .

مندرجات : ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزكاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المكاسب.- ج.17. البيع.- ج.18. البيع الي الوديعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشركة الي الكفالة.- ج.21. الدين الي الغصب.- ج.22. الوقف الي الكفارة.- ج.23. الصيدوالذباحة الي اللقطة.- ج.24، 25. النكاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدياتج.30. الارث.

موضوع : يزدي، محمدكاظم بن عبدالعظيم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- نقد و تفسير

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

موضوع : حلال و حرام

شناسه افزوده : يزدي، محمد كاظم بن عبدالعظيم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب الشركة

اشارة

كتاب الشركة

______________________________

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه و رسوله محمد و آله الطيبين الطاهرين حماة معالم الدين و معاهدة هذه المادة- ش ر ك- تستعمل في المعنى الأعم من العين و المنفعة و الانتفاع و الحق و النية و القصد- كما في الرياء حيث أطلق عليه المشرك في جملة من الأخبار (1)- و المعبود و غير ذلك من موارد استعمالاته في الكتاب و السنة، و في بعض الأخبار إن النطفة قد تصير شرك الشيطان و إن لم يذكر الزوج اسم اللّه تعالى عند المواقعة (2)، و كذا الشركة في النسب و الوطن و غيرهما مما لا يخفى.

و استعمالاتها في الكتاب و السنة- و منها اصطلاح الفقهاء- عين المعنى اللغوي العرفي.

المذكور في المتن لا أن يكون في البين اصطلاح خاص بينهم و حقيقة شرعية أو متشرعة.

و لا ريب في ان مورد بحث الفقهاء لبعض أنواع الشركة العرفية اللغوية لا يوجب ذلك أن يكون لهم اصطلاح خاص في مقابل العرف و اللغة.

ص: 5


1- الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات: 13.
2- راجع الوسائل باب: 68 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه: 6.

و هي: عبارة عن كون شي ء واحد (1) لاثنين أو أزيد ملكا أو حقا (2) و هي إما (واقعية قهرية) كما في المال أو الحق الموروث، و إما (واقعية اختيارية) من غير استناد إلى عقد كما إذا أحيا شخصان أرضا مواتا بالاشتراك، أو حفرا بئرا، أو اغترافا ماء، أو اقتلعا شجرا، و إما (ظاهرية قهريّة) (3) كما إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما و لو بفعل

______________________________

نعم، تختلف استعمالاته بحسب اختلاف المتعلق و الأغراض كما يأتي تفصيله.

و لا وجه للنقض و الإبرام في المقام.

كما لا وجه لإنكار صاحب الحدائق الشركة العقدية رأسا لأنه فاسد بلا كلام بل مخالف لإجماع الخاص و العام كما سيأتي، فمهما صدقت الشركة عرفا تترتب عليها الأحكام.

نعم، منشأ الشركة لها مراتب متفاوتة عرفا يكفي في ترتب أحكامها مجرد الصدق العرفي، و في مورد الشك لا يصح التمسك بدليل الشركة و لا تترتب أحكامها عليه لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(1) المراد بالوحدة الوحدة الاعتبارية العرفية لا الدقية الحقيقية البسيطة من كل جهة.

إن قيل: فعلى هذا يصدق الشركة فيما إذا بنى دارا و كان جصّها مثلا من أحد و حجرها من آخر.

يقال: لا بأس بذلك بعد الصدق العرفي و إن كان الظاهر من كلمات الفقهاء اختصاصها ببعض أقسامها.

(2) منفعة أو انتفاعا و بلا فرق بين ما في الخارج أو ما في الذمة لصدق مفهوم الشركة في جميع ذلك.

(3) إذا سقط تمييز المالين و بطل جهة الاختصاص عرفا تكون الشركة

ص: 6

أجنبي بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر، سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة بحنطة أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخلل بالدبس، و إما (ظاهرية اختيارية) كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد الشركة فإن مال كل منهما في الواقع ممتاز عن الآخر (4)، و لذا لو فرض تمييزهما اختص كل منهما بماله (5)، و أما الاختلاط مع التمييز (6).

______________________________

واقعية أيضا لا ظاهرية فقط فعد هذا القسم بإطلاقه في مقابل القسم الأول مشكل بل ممنوع، و الظاهر أن المراد من الظاهرية القهرية الشركة الحكمية أي:

في الحكم الظاهري.

و خلاصة تفصيله رحمة اللّه يرجع إلى أن الامتزاج قد يوجب الشركة الواقعية الحقيقة، و هو فيما إذا حصل خلط و امتزاج تام بين المائعين المتجانسين- كالماء بالماء مثلا- و غير المتجانسين كدهن الجوز بدهن اللوز مثلا، و مثله بحسب العرف خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقة بل لا يبعد أن يلحق بها ذوات الحبات الصغيرة كالخشخاش و الدخن و السمسم و نحوها.

و قد يوجب شركة ظاهرية حكمية كخلط الحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير و نحوها، و كذا الدراهم المتماثلة لو اختلط على نحو يرفع الامتياز بينهما أصلا فيتحقق الشركة حينئذ، فالشركة إما واقعية أو عرفية أو ظاهرية حكمية.

(4) إن كان المراد بالامتياز في الواقع الامتياز في علم اللّه تعالى ففي الشركة الواقعية القهرية أيضا ممتاز كل منهما عن الآخر في علم اللّه تعالى، و إن كان الامتياز بحسب علومنا و واقع إدراكاتنا ففي بعض أقسام هذا القسم أيضا لا تمايز بينهما كما هو واضح.

(5) هذا الفرض يجري في جميع موارد الاشتراك و لا اختصاص له بالمقام.

(6) إن كان المراد من التمييز إمكانه عرفا فلا إشكال في عدم تحقق

ص: 7

فلا يوجب الشركة و لو ظاهرا (7)، إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح القهري أو القرعة (8)، و إما (واقعية) مستندة إلى عقد غير عقد الشركة كما إذا ملكا

______________________________

الشركة حينئذ لا ظاهرا و لا واقعا لفرض تمييز كل واحد من المالين عن الآخر و حينئذ فلا معنى لقوله رحمة اللّه بعد ذلك: «إذ مع الاشتباه» لفرض إمكان التمييز و إن كان المراد به التميز الواقعي و إن تعسر ذلك عرفا فالشركة محققة فحينئذ يصح قوله: «إذ مع الاشتباه» لأنّ كل مميز واقعي يمكن أن يصير مورد الاشتباه مع غيره ظاهرا، و لكنه لا وجه حينئذ لقوله رحمه اللّه: «و مرجعه الصلح القهري أو القرعة»، بل يتعين الشركة الحكمية.

نعم، لو فرض التميز الواقعي بين المالين و عدم تحقق الشركة عرفا و حصل الاشتباه بين المالين فالمرجع حينئذ الصلح أو القرعة كما إذا اشتبهت السلعة الخارجة من مصنع واحد- بدون امتياز بينها- أحدها لزيد و الآخر لعمرو و لكن اشتبه كل منهما بالآخر، و الظاهر أن مراده من عبارته رحمة اللّه هذا القسم.

(7) هذا الإطلاق مخالف للعرف في بعض أقسام الاختلاط فإنهم يرون الشركة حقيقة، و يشهد له الوجدان أيضا.

(8) يعني أنهما يكونان في مقام تمييز الحق لا أن يتحققا في موضوع الاشتراك لما تقدم من عدم حكم العرف بالاشتراك.

ثمَّ أن المعروف بين الفقهاء اصطلاحات ثلاثة:

الأول: الشركة الحقيقة.

الثاني: الشركة الحكمية «أي عدم جواز تصرف أحد المالكين في المال بدون إذن الآخر، و صحة مطالبة القسمة، و كون عوض المالين مشتركا بين المالكين».

الثالث: اشتباه مال أحد المالكين بالآخر، و يأتي تفصيل الجميع إن شاء اللّه تعالى في مطاوي الكتاب، و أما الشركة الظاهرية التي اصطلح عليها الماتن

ص: 8

شيئا واحدا بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها (9).

و إما (واقعية) منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله (10) كما إذا اشترى شيئا فطلب منه شخص أن يشركه فيه و يسمى عندهم بالتشريك، و هو صحيح لجملة من الأخبار (11)، و إما (واقعية) منشأة بتشريك كل منهما الآخر في ماله، و يسمى هذا بالشركة العقدية و معدود من

______________________________

تبعا لصاحب الجواهر فليس قسما خاصا في مقابل الشركة الحقيقة و الحكمية بل راجع إلى أحدهما و لا مشاحة في الاصطلاح.

(9) فيتحقق الشركة بالضرورة الشرعية بل العرفية، ثمَّ أن المرجع في تحقق الشركة هو المتعارف كما في جميع الموضوعات للأحكام، و إذا راجعنا إلى العرف ..

تارة: يحكم بتحقق الشركة.

و أخرى: يشك في تحققها و يتردد في صدقه.

و ثالثا: يحكم بالاختلاط دون الشركة فالحكم في الأول معلوم فتشمله أدلة الشركة.

و أما الثاني: فلا يمكن التمسك بدليل الشركة لفرض الشك في تحققها، فلا بد إما من الرجوع إلى الصلح أو القرعة فيكون كالقسم الثالث.

(10) و الفرق بينه و بين سابقة أن الأول منشأ الشركة بتحقق العقد- غير عقد الشركة- بينهما بخلاف الثاني فإنه من مجرد فعل التشريك.

(11) منها صحيح ابن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يشارك في السلعة؟ قال عليه السّلام: إن ربح فله و إن وضع فعليه» (1)، و صحيح الحلبي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها، فأتى رجل من أصحابه فقال يا فلان انقد عني هذه الدابة و الربح بيني و بينك فنقد عنه

ص: 9


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الشركة: 1.

العقود (12)، ثمَّ إن الشركة قد تكون في عين، و قد تكون في منفعة (13).

______________________________

فنفقت الدابة؟ قال عليه السّلام: ثمنها عليهما لأنّه لو كان ربح فيها لكان بينهما» (1)، و يمكن استفادة ذلك من إطلاق صحيح ابن عمار أيضا، قال: «قلت للعبد الصالح عليه السلام لرجل يدل الرجل على السلعة، فيقول: اشترها و لي نصفها فيشتريها الرجل و ينقد من ماله، قال عليه السّلام: له نصف الربح، قلت: فإن وضع يلحقه من الوضيعة شي ء؟ قال: عليه من الوضيعة كما أخذ الربح» (2). و نحوه غيره، و دعوى ظهورها فيما إذا ملكا شيئا واحدا بالشراء أو الصلح أو الهبة أو نحوها بلا شاهد.

و يمكن تطبيق الصحة على عموم مثل قاعدة السلطنة أيضا.

(12) بلا خلاف فيه بين العامة و الخاصة بناء على كونها عقدا كما هو المشهور خلافا لصاحب الحدائق حيث أنكر الشركة العقدية، بل يظهر منه إنكار الشركة المنشأة بالصيغة مطلقا مدعيا أن ذلك لا يستفاد من النصوص، و المنساق من كلمات الفقهاء أيضا الشركة المالية الخارجية.

و فيه: أولا أنه يكفي العمومات و الإطلاقات بعد صدق العقد و العهد عليه عرفا، فلا نحتاج إلى دليل خاص.

و ثانيا: تدل عليه صحاح الحلبي و هشام المتقدمة و ابن رئاب (3)، فإن ظهورها في الشركة العقدية مما لا ينكر و على فرض الخدشة في الظهور فإطلاقها يشملها.

بل يمكن دعوى وقوعها بالإذن من طرف واحد و عدم رد الآخر فتكون من الإيقاعات لا من العقود، لأن إظهار الرضا بالشركة و الإذن فيها خفيف المؤنة جدا، و الإجماع لو تمَّ انما هو بلحاظ الغالب لا التقوم.

(13) أو انتفاع و كل ما فيه غرض صحيح، و اقتصار الفقهاء على بعض

ص: 10


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الشركة: 2 و 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الشركة: 2 و 4.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الشركة حديث: 1.

و قد تكون في حق، و بحسب الكيفية إما بنحو الإشاعة، و إما بنحو الكلي في المعين (14)، و قد تكون على وجه يكون كل من الشريكين أو الشركاء مستقلا في التصرف (15)، كما في شركة الفقراء في الزكاة و السادة في الخمس و الموقوف عليهم في الأوقاف العامة و نحوها (16).

مسألة 1: لا تصح الشركة العقدية إلا في الأموال

(مسألة 1): لا تصح الشركة العقدية إلا في الأموال بل الأعيان (17).

______________________________

دون بعض لعله يكون من باب ذكر الأهم الغالب دون الاستقصاء.

(14)، قد مر أنه ليس للشركة المبحوث عنها عند الفقهاء حقيقة شرعية و لا متشرعة، بل اللفظ بحسب معناه اللغوي العرفي جعل مورد بحثهم فمع الصدق عرفا تصح و مع عدم الصدق أو صدق العدم لا تصح، و لا دليل على اختصاص الشركة بخصوص مورد الإشاعة فقط، بل المناط كله كما مر الصدق العرفي.

(15) إن كان مراده رحمة اللّه بالاستقلال الاستقلال بعد القبض فلا ربط له بالشركة لحصول التقسيم حينئذ، و إن كان مراده الاستقلال قبل القبض فلا وجه له لعدم استقلال كل واحد من الفقراء و السادة في التصرف في مورد الخمس و الزكاة، إذ ليست ولاية التقسيم للفقير و السادة و إنما هو للمالك و حاكم الشرع في بعض الحالات كما تقدم في كتاب الزكاة، كما تقدم فيه أن تعلق حق الفقراء و السادة ليس بنحو الشركة الحقيقة في العين، بل هو نحو حق تعلق بمالية المال فراجع و تأمل، و لعله أراد بقوله رحمة اللّه: «مستقلا في التصرف» أي في الجملة و لو بملاحظة الاستيلاء على القبض.

(16)، الأوقاف العامة إما أن تكون الشركة فيها في المنفعة كوقف الأشجار المثمرة للفقراء، و أما أن تكون من الشركة في الانتفاع كوقف المدارس و الكتب و نحوها، و ليس للموقوف عليهم الولاية على القسمة و إنما هي للمتولي و مع عدمه فللحاكم الشرعي كما يأتي في محله.

(17) أما عدم صحتها إلا في الأموال فلعدم صحتها في الوجوه و الأعمال.

ص: 11

فلا تصح في الديون، فلو كان لكل منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كل منهما بينهما لم يصح، و كذا لا تصح في المنافع (18) بأن كان لكل منهما دار مثلا و أوقعا العقد على أن يكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف مثلا، و لو أراد ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر، أو صالح نصف منفعة داره بدينار- مثلا- و صالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار، و كذا لا تصح شركة الأعمال- و تسمى شركة الأبدان أيضا (19)- و هي أن يوقعا العقد على أن يكون

______________________________

و أما اعتبار كونها في الأعيان فلما يأتي من اعتبار الامتزاج فيها و يتعذر الامتزاج في غير الأعيان الخارجية.

و فيه: أنه لو كان المانع منحصرا بذلك لأمكن دفعه بأنه يمكن أن يعتبر الامتزاج فيها بالصلح مقدمة للشركة، فيصالح أحدهما النصف المشاع مما في ذمته إلى الآخر، و كذا العكس، بحيث يصير ما في الذمة مشتركا و مشاعا بينهما، و هذا اعتبار حسن عرفا و لا مانع فيه شرعا فيتحقق شرط الشركة حينئذ.

(18) لا دليل له أيضا إلا تعذر الامتزاج فيها، و هذا جمود منهم على لفظ الامتزاج الظاهر في مزج العين الخارجية. و ليس في الأخبار لفظ الامتزاج.

و يمكن أن يراد به سقوط الاختصاص بأي وجه أمكن عرفا.

نعم، الغالب في الشركة الشركة العينية الخارجية، فلو لم يكن إجماع معتبر في البين أمكن القول بالتعميم بالنسبة إلى الديون و المنافع أيضا، مع ملاحظة تصحيح رفع الاختصاص بأي نحو أمكن عرفا.

(19) للإجماع محصله و منقولة في كتب كثيرة، و الظاهر أنه اجتهادي حصل من ملاحظتهم عدم الامتزاج فيها، و لو فرض صحة اعتباره فيها بنحو من الأنحاء صحت الشركة العقدية فيها أيضا، و لا يشملها إجماعهم على المنع حينئذ إذ المتيقن- على فرض اعتباره- غير هذه الصورة.

ص: 12

أجرة عمل كل منهما مشتركا بينهما (20)، سواء اتفق عملهما كالخياطة مثلا أو كان عمل أحدهما الخياطة و الآخر النساجة، و سواء كان ذلك في عمل معين أو في كل ما يعمل كل منهما (21)، و لو أرادا الاشتراك في ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعينة أو منافعه إلى مدة كذا بنصف منفعة أو منافع الآخر، أو صالحه نصف منفعته بعوض معين و صالحه الآخر أيضا نصف منفعته بذلك العوض. (22)،

______________________________

و أما توهم أن الشركة في الأبدان باطلة لاختصاص كل من الشريكين بفائدة عمله و نتيجته فلا موضوع للشركة.

فاسد: إذ لا نقول بالشركة مع قيد الاختصاص و إنما نقول بها بعد إلقاء ذلك و اعتبار الامتزاج عرفا.

و أما الاستدلال على بطلان الشركة فيها بالأصل و الغرر فلا وجه له مع صدق العموم كما هو المفروض، و الغرر لا وجه له أصلا لأن الكلام فيما إذا كان المورد جامعا للشرائط من كل جهة و فاقدا للموانع كذلك، مع أنه لا وجه للغرر.

بعد تباني الشركاء على التعيين و بيان الخصوصيات كيف ما اتفقوا عليه.

(20) مع قطع النظر عن لحاظ الخلط و الامتزاج بأي وجه أمكن، و أما مع اعتبار ذلك اعتبارا صحيحا فلا محذور فيه.

(21) لشمول إجماعهم لجميع ذلك، و لعدم تحقق المزج و الخلط الذي هو شرط صحة الشركة في الجميع و قد ناقشنا في الإجماع.

و أما الامتزاج فهو يدور مدار صحة اعتباره عرفا فبأي وجه أمكن ذلك فيتحقق به موضوع صحة الشركة العقدية حينئذ.

(22) فيتحقق بذلك موضوع الشركة العقدية. إن قيل بعد تحقق نتيجتها بنفس المصالحة أو بعنوان آخر لا وجه لعقد الشركة و الشركة العقدية لأنه لغو حينئذ.

ص: 13

و لا تصح أيضا شركة الوجوه (23)، و هي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع كل منهما في ذمته إلى أجل و يكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه و يؤديان الثمن، و يكون ما حصل من الربح بينهما (24)، و إذا أرادا ذلك على الوجه الصحيح و كلّ كل منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما و في ذمتهما (25)،

______________________________

يقال: سيأتي اعتبار الامتزاج في الشركة العقدية قبل العقد أو بعده.

و يمكن إيراد هذا الإشكال على اعتبار هذا الشرط أيضا، و المناط كله ترتب الغرض الصحيح على الشركة العقدية، و هذا النحو من التصالح طريق لتصحيح الشركة العقدية لترتب غرض صحيح عليها، لأن العقود تدور مدار الأغراض الصحيحة التي لم يرد ردع عنها.

(23) يظهر منهم الإجماع عليه، و يمكن الاستدلال عليه بعدم الامتزاج أيضا، و يمكن الإشكال في كل من الدليلين كما مر خصوصا في الإجماع لاختلاف كلماتهم في بيان الشركة الوجوه.

(24) نسب هذا إلى الأشهر، و عن بعض أنها أن يبتاع وجيه في الذمة و يفوض بيعه إلى خامل بشرط أن يكون الربح بينهما، و عن آخر هي أن يشترط وجيه لا مال له و خامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه و المال من الخامل، و يكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه و يكون الربح بينهما، و الكل صحيح في نفسه مع التراضي خصوصا الأخير فإنه نحو مضاربة و لا إشكال فيه إلا شبهة انه إذا كان المبيح عن شخص يكون الثمن له، لأن هذا هو معنى المبادلة، و قد أجبنا عن ذلك في أول البيع فراجع، و إنما الكلام في تحقق الشركة العقدية المعهودة بذلك و لا دليل لهم على البطلان إلا ما تقدم و قد مرت المناقشة فيه.

(25) فيصح حينئذ لعموم دليل الوكالة و إطلاقه الشامل لذلك أيضا، و لو كان لهما غرض صحيح في الشركة العقدية يصح إيجادها مع ملاحظة

ص: 14

و شركة المفاوضة أيضا باطلة (26)، و هي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كل ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصية أو نحو ذلك مشتركا بينهما، و كذا كل غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما.

فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة في الأعيان (27) المملوكة فعلا و تسمى بشركة العنان (28).

______________________________

اعتبار الامتزاج.

(26) لا دليل لهم على الفساد إلا الإجماع بقسميه.

و أما الاستدلال للبطلان بكون الربح تابعا للمال و إن الغرامة على الغريم فقط، فهذا النحو من الشركة خلاف الكتاب فهو مردود لأن تبعية الربح للمال و كون الغرامة على الغريم لا ريب فيه بحسب العنوان و الحكم الأولي، و أما إذا جعل المالك الرابح بعض ربح ماله للغير برضاه، أو أعطى شخص بعض غرامة الغريم برضاه فأي مانع فيه فيكون ذلك نحوا من التبرع و الإحسان، و هما مضافا إلى حسنهما خفيف المؤنة يحصل بالإظهار بأي وجه تحقق.

(27) الشركة العقدية الصحيحة أقسام ثلاثة:

الأول: الشركة العقدية في مال واحد التي اصطلحوا عليه بالتشريك و تقدم صحته نصا و فتوى (1)، و يصح تسميته ب- «الشركة العقدية» كما يستفاد من النص (2)، و الفتوى.

الثاني: عقد شركة بين المالين لمالكين لغرض صحيح، و يشمله الإطلاقات و العمومات فتصح أيضا، و لا يعتبر فيها الامتزاج للأصل.

الثالث: الشركة العقدية المعهودة فيها المزج.

(28) لأن العنان زمام الفرس المستوي طرفاه، و في المقام يستوي الحق

ص: 15


1- راجع صفحة: 9.
2- راجع صفحة: 9.

مسألة 2: لو استأجر اثنين لعمل واحد بأجرة معلومة صح

(مسألة 2): لو استأجر اثنين لعمل واحد بأجرة معلومة صح و كانت الأجرة مقسمة عليهما بنسبة عملهما (29)، و لا يضر الجهل بمقدار حصة كل منهما حين العقد لكفاية معلومية المجموع (30)، و لا يكون من شركة الأعمال التي تكون باطلة بل من الشركة الأموال (31)، فهو كما لو استأجر كلا منهما لعمل (32) و أعطاهما شيئا واحدا بإزاء أجرتهما، و لو اشتبه مقدار عمل كل منهما فإن أحتمل التساوي حمل عليه لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر (32).

______________________________

بين الشريكين.

(29) أما الصحة فللعمومات و الإطلاقات.

و أما التقسيم بنسبة العمل فلأنه المنساق في المقام إلا مع القرينة على الخلاف.

(30) لصدق المعلومية في الجملة و أصالة عدم اعتبار الأزيد من ذلك كما في بيع الصفقة.

(31) أما عدم كونه من شركة الأعمال فلعدم وقوع عقد الشركة بين العاملين للاشتراك في العمل.

و أما كونه من الشركة في الأموال فلاشتراكهما في المال الذي هو عوض عملهما إن كان عينا خارجيا أو دفعه المالك إليهما دفعة و مجتمعا، و أما لو دفع الى كل منهما حصته الخاصة به فلا اشتراك في المال أيضا.

(32) بقدر معين من المال لتصح الإجارة لكل واحد منهما مستقلا قبل وصول المال المشترك إليهما.

(33) إن كانت الزيادة مما يتسامح فيها بحسب المتعارف و تراضيا فلا إشكال و لا نحتاج إلى إجراء أصالة عدم الزيادة، و كذا إن كانت مما لا يتسامح فيها و تصالحا و تراضيا عليها و إن تشاحا فالأصول الموضوعية لا تصلح لإثبات

ص: 16

و إن علم زيادة أحدهما على الآخر (34) فيحتمل القرعة في المقدار الزائد، و يحتمل الصلح القهري (35).

مسألة 3: لو اقتلعا شجرة، أو اغترفا ماء بآنية واحدة، أو نصبا معا شبكة للصيد، أو أحييا أرضا معا

(مسألة 3): لو اقتلعا شجرة، أو اغترفا ماء بآنية واحدة، أو نصبا معا شبكة للصيد، أو أحييا أرضا معا، فإن ملّك كل منهما نصف منفعة بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي، و إلا فلكل منهما بنسبة عمله و لو بحسب القوة و الضعف (36)، و لو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة (37)، و ربما يحتمل التساوي مطلقا لصدق اتحاد فعلهما في السببية و اندراجهما في قوله «من حاز ملك»، و هو كما ترى (38).

مسألة 4: يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية

(مسألة 4): يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية مضافا إلى الإيجاب و القبول و البلوغ و العقل و الاختيار (39)، و عدم الحجر

______________________________

التساوي لكونها ساقطة بالمعارضة، فلا بد من التصالح.

(34) إجمالا مع الجهل بكمية الزيادة.

(35) لو لم يكن في البين طريق عرفي أو أصل موضوعي لإحراز مقدار الزيادة.

(36) مع إحراز الكمية و الكيفية بالطرق المعتبرة العرفية، و إلا فلا بد من التصالح

(37) على ما تقدم الكلام في ذيلها.

(38) أما الاحتمال فهو ما صاحب الجواهر.

و أما الخدشة فيه فلأنه خلاف مرتكزات العرف من تفاوت استحقاق الحصة بتفاوت مراتب العمل كمية و كيفية.

(39) لأنه عقد و يشترط جميع ذلك في العقد و المتعاقدين بالأدلة العامة التي تقدمت مكررا في البيع و غيره فراجع، و في عدم الاختيار يصح العقد بالإجازة اللاحقة بعد تحقق الاختيار و رفع الإكراه.

ص: 17

لفلس أو سفه (40)- امتزاج المالين (41)

______________________________

(40) لأنه تصرف مالي و يعتبر في كل تصرف مالي عدم الحجر، و لكنه يصح بإمضاء الغرماء و إذن الولي.

(41) نسب هذا الشرط إلى المشهور، و لكن البحث فيه.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأدلة.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم اعتبار هذا الشرط بعد صدق الشركة عرفا بدون هذا الشرط، و لو مع لحاظ الوحدة الاعتبارية عند الشريكين التي هي أعم من الامتزاج، كما في كل شرط مشكوك في كل عقد.

و دعوى: أن مقتضى الأصل الموضوعي عدم ترتب الأثر و معه لا تصل النوبة إلى الحكمي.

مردود: بأنه إنما يتمسك به في مورد عدم الصدق العرفي أو الشك فيه، و أما مع الصدق العرفي فتدفع الشرائط المشكوكة بالأصل و الإطلاق، كما في جميع القيود المشكوكة في كل العقود.

و أما الثانية: فليس فيما وصل إلينا من النصوص لفظ «الامتزاج»، و إنما وردت مطلقات تدل على صحة أصل الشركة أو بيان بعض أحكامها و مقتضاها كفاية الوحدة الاعتبارية عرفا و لو لم تكن بنحو الامتزاج في أي نحو من الشركة.

و أما الأخيرة فليس في البين إلا دعوى الإجماع على اعتبار الامتزاج و لا ريب أن للامتزاج مراتب مختلفة، و عن العلامة التعبير ب- (الاختلاط) و دعوى الإجماع على الصحة فيه، و لكنه لا يدل على اعتبار الامتزاج في الصحة لأن الاختلاط أعم من الامتزاج كما هو معلوم، فلا دليل على اعتبار هذا الشرط ليصح الاعتماد عليه.

ص: 18

سابقا على العقد (42) أو لا حقا بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر (43) من النقود كانا أو من العروض، بل اشترط جماعة (44).

اتحادهما في الجنس و الوصف و الأظهر عدم اعتباره (45)، بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر (46) كما لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير و نحوه، أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر، بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير (47)، و ذلك للعمومات العامة

______________________________

إلا أن يقال: ان مرادهم فيما أدعوا فيه الإجماع الامتزاج بالمعنى العام الشامل للاختلاط أيضا.

(42) فيكون عقد الشركة حينئذ كاشفا عن تحقق الشركة الحقيقة و دالا على الإذن في التصرف.

(43) عدم التمييز إما دقي عقلي أو عرفي دقي أو عرفي مسامحي، و اعتبار الأول لا دليل عليه من عقل أو نقل بل الدليل على خلافه لعدم ابتناء الأحكام الشرعية على الدقيقات العقلية مطلقا، و كذا الثاني لأنه أيضا قيد مشكوك يرجع فيه إلى الأصل و الإطلاق.

(44) منهم الشهيد و المحقق الثانيين و المحقق الأول في الشرائع، و عن ابن إدريس دعوى الإجماع عليه.

(45) لإطلاق الأدلة الشامل لمختلف الجنس و الوصف أيضا، و لا دليل على الاتحاد إلا دعوى الإجماع، و هو مخدوش لظهور المخالفة عن جمع منهم العلامة في القواعد، و الشيخ رحمة اللّه في ظاهر المبسوط مع احتمال أن يكون اعتبار اتحاد الجنس و الوصف عند من اعتبرهما لأجل تحقق عدم التمييز عرفا لا لأجل الموضوعية فيهما.

(46) عدم التمييز بنحو ما مر بالنظر العرفي المسامحي.

(47) لصدق المزج و الخلط عرفا، و قد مر أنه ليس المراد بعدم التمييز في

ص: 19

كقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و قوله عليه السّلام «المؤمنون عند شروطهم» و غيرهما (48)، بل لو لا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقا (49) عملا بالعمومات، و دعوى عدم كفايتها لإثبات ذلك (50) كما ترى (51)، لكن الأحوط مع ذلك أن يبيع كل منهما حصة مما هو له بحصة

______________________________

الواقع و لا بالنظر الدقي العرفي، بل بالنظر المسامحي العرفي، و العرف و إن كان يرى الحنطة و الشعير مميزا في بادي النظر لكن تعذر تمييز أحدهما عن الآخر، خصوصا إذا كان كثيرا يلحقها بالخلط و عدم التمييز العرفي فتشمله الأدلة.

(48) و دعوى أن ذلك من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك مردود: بعد فرض الصدق العرفي، كما أن الإجماع على اعتبار الخلط و عدم التمييز لا يشمل ذلك.

مخدوش: أيضا لفرض صدقهما كذلك.

(49) للامتزاج و الاختلاط عرض عريض جدا و مراتب متفاوتة، خصوصا في هذه الأزمان التي كثرت الأشياء التي تصدر من المعامل الخاصة بشكل واحد مخصوص مساو في الجميع بلا فرق و تفاوت أصلا، فإذا اختلط بعضها مع بعض يصدق الامتزاج و الاختلاط عرفا، و يشملها إطلاق كلماتهم أيضا، مع أن لحاظ الوحدة الاعتبارية أيضا اختلاط و امتزاج في مرحلة الاعتبار لأنه خفيف المؤنة، و لم يظهر من إجماعهم ما يخالف ذلك، و ما مثلوا به من الأمثلة انما هو من باب المثال بحسب الغالب في تلك الأزمان كما هو العادة في غالب أمثلتهم.

(50) منشأه أن العقد انما يفيد الإذن في التصرف، و الشركة الملكية لا بد و أن تحصل بالامتزاج، و العقد غير متكفل لذلك فمقتضى الأصل حينئذ عدم ترتب الأثر، و يمكن أن يستظهر هذه الدعوى عن الشيخ و المسالك و جامع المقاصد.

(51) لأن المنساق من الشركة العقدية عرفا إنما هو لحاظ الوحدة

ص: 20

مما للآخر أو يهبها كل مهما للآخر أو نحو ذلك في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقن (52)، هذا و يكفي في الإيجاب و القبول كل ما دل على الشركة من قول أو فعل (53).

مسألة 5: يتساوى الشريكان في الربح و الخسران مع تساوي المالين

(مسألة 5): يتساوى الشريكان في الربح و الخسران مع تساوي المالين (54)، و مع زيادة فنسبة الزيادة ربحا و خسرانا (55)، سواء كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف أو من متبرع أو أجير (56)، هذا مع الإطلاق، و لو شرطا في العقد زيادة لأحدهما فإن كان

______________________________

الاعتبارية في المالين و الإذن في التصرف من المالكين، و كل عقد شركة متكفل لذلك شرعا و عرفا و إجماعهم على اعتبار المزج و الخلط ليس إلا بيانا لما هو المرتكز في الأذهان مما يصدق معه المزج و الخلط العرفي، و هو مما يتفاوت بحسب الأشياء بل الأعصار و الأمصار كما مر.

و تلخيص المقام: ان كل مورد صدق المزج و الخلط بأي مرتبة من مراتبهما يتحقق الشركة العقدية للإطلاقات و العمومات، و لا يكون من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(52) للامتزاج مراتب كثيرة عرفا تختلف بحسب الأشياء و الأزمان فأي مرتبة هو المتيقن و في أي عصر يلاحظ ذلك مع اختلاط العرف أيضا، و المتيقن من كل جهة و بقول مطلق هو الدقي العقلي و هو بمعزل عن الشرعيات، ثمَّ المتيقن في العرف أيضا يختلف باختلاف الخصوصيات و الجهات فالأولى الإيكال إلى متعارف الخبراء من كل جنس.

(53) ظاهر ظهورا عرفيا و لو بالقرائن في الشركة و الإذن في التصرف، و قد تعرضنا لاعتبار الظهور العرفي و في الإنشائيات مطلقا في أول البيع فراجع.

(54) للإجماع و السيرة و أصالة تبعية الربح للمال.

(55) لما مر في سابقة من غير فرق.

(56) لأن المناط في تساوي الربح و الخسران و تفاوتهما نفس المال من

ص: 21

للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلا إشكال و لا خلاف على الظاهر عندهم في صحته (57)، أما لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ففي صحة الشرط و العقد (58)، و بطلانهما (59)، و صحة العقد و بطلان الشرط (60) فيكون كصورة الإطلاق، و أقوال أقواها الأول (61)، و كذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد، و ذلك لعموم «المؤمنون عند شروطهم»، و دعوى أنه مخالف لمقتضى العقد كما ترى (62).

______________________________

حيث هو، ما لم تكن قرينة على الخلاف من شرط، و نحوه و المفروض عدمه.

(57) و عن جمع دعوى الإجماع عليه، و تقتضيه المرتكزات العرفية أيضا و السيرة المستمرة.

(58) نسب ذلك إلى جمع منهم المرتضى و العلامة، و سيأتي وجهه.

(59) نسب ذلك إلى جمع منهم المحقق و هو مبني على أن الشرط فاسد، و الشرط الفاسد يوجب فساد العقد، و سيأتي بطلان الأول و تقدم في أبواب الشروط بطلان الثاني فراجع.

(60) نسب ذلك إلى جمع أيضا، و هو مبني على أن الشرط فاسد و لكنه لا يوجب فساد العقد.

(61) كما اختاره في الجواهر، و اختار الأخير صاحب النافع و الغنية و الكافي.

(62) لأن اقتضاء العقد لشي ء على قسمين:

الأول: أن يكون بنحو العلية التامة المنحصرة بحيث لا يقبل التخلف.

الثاني: أن يكون من مجرد الاقتضاء من دون أن يصل إلى مرتبة العلية و يكون قابلا للتغير و التبدل بالشرط و نحوه، و اقتضاء الشركة لتساوي الربح و الخسران من قبيل الثاني دون الأول، و الشك في كونه من العلة التامة المنحصرة يكفي في عدمها، لأن ذلك قيد مشكوك مدفوع بالأصل كما في سائر القيود

ص: 22

نعم، هو مخالف لمقتضى إطلاقه، و القول بأن جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة بل هو أكل بالباطل كما ترى باطل (63)، و دعوى أن العمل بالشرط غير لازم لأنه

______________________________

المشكوكة، مع أن التساوي و التفاضل من شؤون سلطنة الشريكين و مقتضى إطلاق سلطنتهم كونهما تحت اختيارهما مطلقا.

و دعوى: ان مثل هذا الشرط مخالف للسنة.

باطل: و لا وجه له إلا بناء على إحراز كون الشركة بالنسبة إلى عدم التفاضل من العلة التامة المنحصرة و مع الشك فيه و دفع هذا القيد بالأصل كيف يكون مثل هذا الشرط مخالفا للسنة، فأصل هذا النزاع صغروي بينهم فمن أثبت كون عقد الشركة مقتضيا للتساوي بنحو العلية التامة المنحصرة فلا ريب و لا إشكال في أن الشرط باطل، و مخالف للسنة و مخالف لمقتضى العقد أيضا.

و من لم يثبت ذلك جعل جميع فروع التساوي و التفاضل تحت اختيار الشريكين لا ريب و لا إشكال في عدم كونه مخالفا للسنة و لا لمقتضى العقد.

و احتمال: أن هذا النحو من الجعل غير صحيح لعدم إحراز تقرير الشارع له.

مدفوع: بأنه يكفي في طريق إحرازه قاعدة السلطنة و أصالة الصحة ما لم يثبت عنه نهى الخصوص في المقام.

(63) نسب هذا القول إلى جامع المقاصد و استدل عليه بجميع ما دل على حرمة أكل مال الغير بالباطل من الآيات و الروايات كما سبق.

و وجه بطلان قوله رحمة اللّه أنه ليس المقام من الباطل في شي ء لا لغة و لا عرفا و لا شرعا لفرض إذن صاحب المال و رضاه بذلك، فكيف يكون باطلا مع تراضيهما عليه و عدم وصول نهي من الشارع.

و توهم: أن الإذن و الرضاء مقيد بصحة عقد الشركة، و هو يصير باطلا

ص: 23

في عقد جائز (64).

مدفوعة أولا: بأنه مشترك الورود إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته (65)، و ثانيا: بأن غاية الأمر جواز فسخ العقد (66) فيسقط وجوب الوفاء بالشرط و المفروض في صورة عدم الفسخ فما لم يفسخ يجب الوفاء به (67)، و ليس معنى الفسخ حل العقد من الأول بل من حينه فيجب الوفاء فمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين (68)، هذا و لو شرطا

______________________________

لمكان هذا الشرط.

فاسد: لما مر من عدم بطلان عقد الشركة بذلك لعدم كون هذا الشرط شرطا فاسدا و منافيا لمقتضى العقد على ما مر.

(64) المراد بهذا العقد الجائز خصوص عقد الشركة المعهودة دون التشريك في البيع الذي تقدم فإنه عقد لازم، و دون المعاملة بين الشريكين في الزيادة لغرض صحيح عقلائي فإنه أيضا لازم فإن كل ذلك من احتمال خلاف الظاهر كما لا يخفى فلا وجه لإطالة الكلام في ذلك.

ثمَّ أن كون عقد الشركة جائز أول الدعوى، إذ يمكن القول بلزومه- كما اختاره بعض مشايخنا- نعم، يكون لكل من الشريكين مطالبة القسمة، و هي غير كون ذات العقد جائزا.

(65) مع أنه جائز و صحيح إجماعا كما تقدم فيستكشف منه انه لا وجه لبطلان أصل هذا الشرط.

(66) مر أن هذا أول الدعوى.

نعم، يجوز لكل منهما مطالبة القسمة الرافعة لموضوعها.

(67) لوجود المقتضى و فقد المانع فلا بد من الوفاء به حينئذ، فيكون على فرض الجواز مثل العقود الجائزة التي مر منه مرارا من أنه يجب الوفاء بالشرط المذكور فيها ما دام العقد باقيا.

(68) لتحقق المقتضى للوفاء إلى ذلك الحين و فقد المانع عنه فيجب

ص: 24

تمام الربح لأحدهما بطل العقد لأنه خلاف مقتضاه (69).

نعم، لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر صحته لعدم كونه منافيا (70).

______________________________

الوفاء به لا محالة، ثمَّ أن هذا الشرط يتصور على وجوه:

الأول: أن يكون مفاد الشرط كون المقدار الزائد من الربح للمشروط له بلا عمل منه في نفس عقد الشركة.

الثاني: أن يتملك الشارط الزائد لنفسه، ثمَّ يملّكه للمشروط له بنفس عقد الشركة.

الثالث: عين وجه السابق مع كون التمليك بعقد آخر، و الكل صحيح لا بأس به لعموم الوفاء بالشرط.

إلا ما يقال في الوجه الأول من إن معنى الشركة أن يكون تمام ربح المال لصاحبه فمع صحة هذه الشركة لا وجه لصحة الشرط و مع صحة الشرط تبطل أصل الشركة فهما متنافيان لا يجتمعان.

و هذا الإشكال مردود بأن الشركة بالنسبة إلى هذه الجهة اقتضائية لا أن تكون من العلة التامة المنحصرة، و يكفي الشك في العلية في عدمها لأنها قيد مشكوك يرجع فيها إلى الأصل فيصح الشرط للعمومات، و تصح الشركة لعدم المنافاة.

(69) لأن العرف لا يرى هذا من الشركة أو يشك في الصدق و عدمه فلا يصح التمسك بالأدلة حينئذ لأجل الشك في الصدق.

و ليس لنا أن نقول أن الشركة بالنسبة إلى هذه الجهة اقتضائية أيضا، و ليست من العلة التامة المنحصرة لفرض عدم مساعدة العرف لذلك، فما عن بعض من أنه لا فرق بين تمام الربح و بعضه فاذا كان في بعضه يصح الشرط فليصح في تمامه أيضا مخدوش كما عرفت.

(70) لأن الغرض الأهم من الشركات بين الناس إنما هو الاسترباح- و هي

ص: 25

مسألة 6: إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما

(مسألة 6): إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كل منهما أو مع انضمامهما فهو المتبع و لا يجوز التعدي (71)، و إن أطلقا لم يجز لواحد منهما التصرف إلا بإذن الآخر (72).

و مع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه فإن كان مقيدا بنوع خاص من التجارة لم يجز التعدي عنه (73)، و كذا مع تعيين كيفية خاصة، و إن كان مطلقا فاللازم الاقتصار على المتعارف من حيث النوع و الكيفية (74)، و يكون حال المأذون حال العامل في المضاربة فلا يجوز البيع بالنسيئة بل و لا الشراء بها و لا يجوز السفر بالمال (75) و إن تعدى عما عين له أو عن

______________________________

الجهة الغالبة فيها نوعا- و الخسارة انما تلحظ في المرتبة اللاحقة عن الاسترباح لأن تمام همة الشريكين في الاسترباح و المدافعة عن الخسارة مهما أمكنهم ذلك، فالخسارة تلحظ في رتبة المدافعة لا في رتبة الاقتضاء و الجلب فعدم التساوي في الخسارة ليس في مرتبة اقتضاء الشركة حتى يكون بشرط كون تمامها على أحد الشريكين منافيا لمقتضى العقد.

و من ذلك تظهر الخدشة في جملة من الحواشي على الكتاب و بعض الشروح من كونها مثل التساوي في الربح لأن مرتبة الخسارة مرتبة الدفع بأي وجه أمكن، و مرتبة الربح مرتبة الجلب.

(71) لوجوب الوفاء بالشرط و حرمة نقضه، و هذا يشمل جميع موارد الشركة الصحيحة مطلقا و لو كانت الحصة بالعنوان الثاني من صلح أو بيع أو نحوهما كما مر.

(72) لأصالة عدم جواز التصرف في المال المشترك إلا بالإذن إن لم يكن نفس العقد كاشفا عن الإذن.

(73) لفرض تقييد الإذن بجهة خاصة و في غيرها يرجع إلى الأصل.

(74) لانصراف الإذن إلى المتعارف ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(75) كل ذلك لأنّها من غير المتعارف فلا يشملها الإذن.

ص: 26

المتعارف ضمن الخسارة و التلف (76)، و لكن يبقى الإذن بعد التعدي أيضا (77)، إذ لا ينافي الضمان بقاءه (78)، و الأحوط مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة و إن كان لا يبعد كفاية عدم المفسدة (79).

مسألة 7: العامل أمين فلا يضمن التلف

(مسألة 7): العامل أمين (80) فلا يضمن التلف (81) ما لم يفرط أو يتعد (82).

______________________________

نعم، لو كان ذلك متعارف في زمان أو مكان يشملها الإذن حينئذ.

(76) لقاعدة اليد و ظهور الإجماع لو لم يجز الطرف.

(77) لأصالة بقائه إلا إذا قلنا أن الخيانة توجب زوال الإذن رأسا، و تقدم في الوديعة و نظائره ما ينفع المقام، و يمكن التفصيل بحسب الخيانات و مواردها و أشخاص الخائنين

(78) لو لم يسقط الإذن بالخيانة.

(79) أما اعتبار المصلحة فلدعوى أن غالب الشركاء يلاحظون المصلحة في شركتهم، و لا بد من ملاحظتها من هذه الجهة.

و أما كفاية عدم المفسدة فلأن هذا الغالب لا يوجب تقييدا في عنوان الشركة و حينئذ فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم ملاحظة المصلحة.

نعم المفسدة مما يقطع باعتبار عدمها.

(80) لفرض اذن الشريك في تصرفه حينئذ و استيمانه عليه، و يعبر عن هذا بالاستئمان المالكي.

(81) لقاعدة عدم تضمين الأمين المستدل عليها بالإجماع و النصوص كما تقدم (1)، و مرتكزات العرف و العقلاء و تقدم بعض ما يناسب المقام في الإجارة و المضاربة أيضا فراجع.

(82) لقاعدة اليد بعد سقوط أمانته بالتعدي أو التفريط لقاعدة زوال الأمانة

ص: 27


1- تقدم بعضها في ج: 18 صفحة: 283.

مسألة 8: عقد الشركة من العقود الجائزة

(مسألة 8): عقد الشركة من العقود الجائزة (83) فيجوز لكل من الشريكين

______________________________

بجميع مراتب الخيانة التي منها التعدي و التفريط، بلا فرق بين الأمانة الشرعية و المالكية.

(83) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الدليل.

و ثالثة: بحسب التحليل العرفي.

أما الأول: فمقتضى أصالة اللزوم في كل عقد لزومه إلا ما خرج بالدليل، و قد أسسنا هذا الأصل في أول البيع و الخيارات فراجع.

و أما الثاني: فليس في البين إلا دعوى الإجماع من الغنية و التذكرة على جواز عقد الشركة، و المتيقن منه على فرض اعتباره مطالبة كل من الشريكين القسمة و رجوعهما عن الإذن فينتفي موضوع الشركة لا محالة، كما انه يجوز للزوج الطلاق فينتفي موضوع النكاح الدائم و يجوز له هبة المدة في البقية فينتفي موضوع النكاح المنقطع، و هذا لا ربط له بجواز العقد لأن القسمة و الرجوع عن الإذن غير مربوط بجواز العقد الذي هو حكم شرعي.

و أما الأخير: فالشركة.

تارة، تشريك في البيع.

و أخرى: شركة خارجية اذنية.

و ثالثة: عقدية إنشائية بشروطها التي مرت.

أما الأولى: فلا إشكال في لزومها للأدلة الدالة على لزوم البيع و ظهور الإجماع.

و أما الثانية: فلا عقد فيها حتى يبحث فيه عن لزومه و جوازه، و انما فيه مجرد الرضا و الإذن و لا ربط لهما بالعقد، بل هما من سنخ الإيقاع و لكن يأتي في

ص: 28

فسخه لا بمعنى أن يكون الفسخ موجبا للانفساخ من الأول أو من حينه بحيث تبطل الشركة (84)، إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة (85)، بل بمعنى جواز رجوع كل منهما عن الإذن في التصرف الذي بمنزلة عزل الوكيل عن الوكالة (86)، أو بمعنى مطالبة القسمة (87)، و إذا رجع أحدهما

______________________________

(مسألة 9) إمكان كونها عقدا أيضا فيجري عليها حكم الشركة العقدية.

و أما الأخيرة فالعقد فيها بحسب الأصل لازم و لا دليل على جوازه غير ما مر من الإجماع و تقدم المتيقن منه فما اختاره جمع من مشايخنا قدّس سرّهم من لزوم عقد الشركة بنفسه هو المتيقن.

نعم، لأحد الشريكين ازالة موضوع هذا اللزوم رأسا، فالجواز فيه من باب الوصف بحال المتعلق لا بحال الذات و لعل هذا مراد الجميع و ان قصرت عباراتهم عن ذلك فراجع و تأمل.

(84) لأن الشركة متقومة بامتزاج المالين أو وحدتهما العرفية و كل منهما أجنبي عن العقد و إن كان من شرط صحته فالشركة الخارجية باقية ما لم تحصل القسمة، و الرجوع عن الإذن يزيل موضوع الشركة العقدية فينعدم لا محالة لا أن ينفسخ و فرق بين إعدام الموضوع أصلا و بين فسخه.

(85) و هذا هو الذي ذكرناه سابقا في بيان وجه الجواز فالشركة العقدية لازمة لأصالة اللزوم في كل عقد، و جواز مطالبة القسمة شي ء آخر لا ربط له بلزوم أصل العقد.

(86) فهو إعدام لموضوع الوكالة في مرحلة البقاء و لا ربط له بالفسخ، و كذا لو جن الوكيل أو نحو ذلك مما يوجب زوال أصل الموضوع، و هذا أيضا لا ينافي لزوم عقد الشركة كما في كل عقد لازم يزول موضوعه بما هو رافعا له.

(87) أما أصل مطالبة القسمة فلا ريب في جوازه لقاعدة السلطنة.

و أما عدم كونها موجبا لانفساخ العقد فلما مر من أنه باق ما دامت الشركة

ص: 29

عن إذنه دون الآخر فيما لو كان كل منهما مأذونا لم يجز التصرف للآخر و يبقى الجواز بالنسبة إلى الأول (88)، و إذا رجع كل منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما (89)، و بمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر (90)، و إذا أوقعا الشركة على وجه يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصان في الخسارة يمكن الفسخ بمعنى إبطال هذا القرار (91)، بحيث لو حصل بعده ربح أو خسران كان بنسبة المالين على ما هو مقتضى إطلاق الشركة (92).

مسألة 9: لو ذكرا في عقد الشركة أجلا لا يلزم

(مسألة 9): لو ذكرا في عقد الشركة أجلا لا يلزم (93) فيجوز لكل

______________________________

الخارجية باقية و ما لم تقسم المالان.

نعم، لا يجوز حينئذ التصرف لكشفها عن سقوط الإذن فيه بحسب الظاهر.

(88) أما عدم جواز التصرف بالنسبة إلى الآخر فلعدم الإذن. و أما الجواز بالنسبة إلى الأول فلبقاء الإذن بالنسبة إليه.

(89) لسقوط الإذن بالنسبة إلى كل منهما فلا يجوز لهما التصرف حينئذ.

(90) لأن هذا من مقتضيات قرار الشركة الواقعة بينهما، لأن قوامها بتوافق الشريكين فيما يتعلق بمقاصد الشركة، و القسمة من أهم مقاصدها، و لكن لا بد و أن يقيد ذلك بما إذا لم يكن ضرر في البين.

(91) لقاعدة أن كل شرط يجوز إسقاطه، و لا يضر ذلك ببقاء الشروط فيه إلا إذا كان الشرط مقوما له فيسقط حينئذ و يحتاج في بقائه إلى استئنافه.

(92) لزوال الشرط و القيد بالفسخ فيه و يبقى الإطلاق على حاله.

(93) الشركة إما اذنية فقط من دون عقد من الشريكين في البين و أما عقدية بشروطها التي مرت الإشارة إليها، و في الأولى تدور مدار الإذن- سعة و ضيقا كمية و كيفية- و يصح التحديد فيها بالتحديد المعين كما شاء و أرادا، و حيث انها ليست بعقد فلا موضوع للشرط في ضمن العقد بالنسبة إليها مطلقا.

ص: 30

منهما الرجوع قبل انقضائه (94) إلا أن يكون مشروطا في ضمن عقد لازم فيكون لازما (95).

______________________________

إلا أن يقال: حيث أن إذن كل منهما مربوط بإذن الآخر في حاق الواقع فهي أيضا من التعهد من كل منهما في مقابل الآخر فيجري فيه كل ما يجري في الشركة العقدية إذ لا يعتبر في عقدها لفظ مخصوص، بل يحصل بكل ما يكون مفهما للمعنى المتعارف لدى الناس و لو كان بالفعل و الكتابة و نحوهما، و حينئذ فعدم لزوم الشرط في مثل هذه الشركة لظهور إجماعهم عليه و جواز مثل هذا العقد و تسالمهم على عدم لزوم الشرط في العقود الجائزة و اعتبار مثل هذا الإجماع و التسالم مشكل، و على أي تقدير يمكن القول بلزوم الشرط ما دام العقد باقيا و ينتفي موضوعه بالرجوع عن الإذن لزوال العهد و الإذن فيزول الشرط لا محالة هذا بناء على كونه من العقد.

و أما بناء على كونه من مجرد الإيقاع فلا وجه للزوم الشرط بناء على عدم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائية كما هو المشهور، و بناء على عدم وجوب الوفاء بالشرط المذكور في الإيقاعيات كما ادعي عليه الإجماع.

و أما الشركة العقدية فعدم لزوم الوفاء بالشرط لأنها عقد جائز و المشهور عدم وجوب الوفاء به.

و فيه: أنه يمكن القول بوجوب الوفاء ما دام العقد باقيا، و قد مر من الماتن مكررا، مع أنا قلنا بلزوم الشركة العقدية و انما الجواز في مطالبة القسمة.

(94) لو رجع كل من أراد الرجوع عن أصل إذنه في الشركة الخارجية و الشركة العقدية لإبطال الشرط لكان أولى، لأنه يصح حتى على القول بلزوم هذا الشرط لكونه إزالة لأصل الموضوع.

(95) بناء على كون جواز عقد الشركة من مجرد الاقتضاء دون العلية التامة و إلا فلا أثر للشرط، و كونه بالنسبة إلى الجواز من العلة التامة مشكوك و من مجرد

ص: 31

مسألة 10: لو ادعى أحدهما على الآخر الخيانة

(مسألة 10): لو ادعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر عليه الحلف مع عدم البينة (96).

مسألة 11: إذا ادعى العامل التلف، قبل قوله مع اليمين

(مسألة 11): إذا ادعى العامل التلف، قبل قوله مع اليمين لأنه أمين (97).

مسألة 12: تبطل الشركة بالموت و الجنون

(مسألة 12): تبطل الشركة بالموت و الجنون و الإغماء و الحجر بالفلس أو السفه بمعنى أنه لا يجوز للآخر التصرف (98).

و أما أصل الشركة فهي باقية (99).

نعم، يبطل أيضا ما قرراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ما له

______________________________

الاقتضاء معلوم فيرجع في المشكوك إلى الأصل.

(96) لقاعدتي انه «ليس في الدعوى على الأمين إلا اليمين مع عدم البينة» نصا و إجماعا كما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى، و أن «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر».

(97) و ليس على الأمين إلا اليمين، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون دعوى التلف بالسبب الخفي أو الجلي.

(98) لما يظهر منهم الإجماع على الحكم في الجميع، و لقاعدة أن «كل ما هو شرط حدوثا شرط بقاء إلا مع الدليل على الخلاف» و هو مفقود في المقام، مع أن الموت يوجب تعلق حق الورثة بالمال، و الفلس يوجب تعلق الغرماء، و السفه يوجب التوقف على نظر الحاكم الشرعي و أما في غيرها فمقتضى الاستصحاب البقاء لو لا ظهور الإجماع على الخلاف.

(99) للأصل و ظهور الإجماع مع أنه لا بد في إفراز الحقوق و تعيين الحصة من عمل خاص، و لا ربط لما ذكر بالعمل المفيد لإفراز الحق و تعيين الحصة، و حينئذ لو أجازت الورثة أو الغرماء أو الحاكم الشرعي تبقى أصل الشركة على صحتها و يصح التصرف إلى أن يفرز الحق و تتعين الحصة.

ص: 32

أو نقصان الخسارة كذلك (100)، و إذا تبين بطلان الشركة فالمعاملات الواقعة قبله محكومة بالصحة (101)، و يكون الربح على نسبة المالين لكفاية الإذن المفروض حصوله (102).

نعم، لو كان مقيدا بالصحة (103) تكون كلها فضوليا بالنسبة إلى من يكون إذنه مقيدا (104)، و لكل منهما أجرة مثل عمله بالنسبة إلى حصة

______________________________

(100) لقاعدة بطلان الشرط بزوال المشروط، و بطلانه هذا مع عدم اجازة الورثة أو الغرماء أو الحاكم الشرعي و إلا فيصح العقد و يترتب عليه صحة الشرط أيضا.

(101) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(102) أي: من أول حصول العقد إلى حين البطلان بناء على أن الشركة العقدية نحو إذن خاص، و بزوال الخصوصية لا يزول أصل الإذن في عالم الاعتبار.

كما قالوا: انه بزوال الوكالة لا يزول أصل الإذن المتحقق في ضمنها، فلا يكون تصرفات الوكيل تصرفا عدوانيا إلا إذا دلت القرائن على تقييد أصل الإذن ببقاء خصوص الوكالة فيسقط أصل الإذن حينئذ، و أما بناء على أن الشركة العقدية ليست إلا أصل الإذن فمع بطلانها يسقط الإذن لا محالة، و كذا الكلام في شرط الزيادة أو كون الخسارة على أحدهما فإنّه أيضا يمكن أن يلحظ بنحو تعدد المطلوب من أصل الإذن و خصوصية أخرى، فلا ينتفي أصل الإذن بانتفاء الشرط كما يمكن أن يلحظ بنحو التقييد و وحدة المطلوب فينتفي أصل الإذن بانتفائه حينئذ.

(103) أي: كان الإذن بنحو وحدة المطلوب يعني في خصوص الشركة الخاصة الصحيحة فقط.

(104) لأنه مع التقييد بالصحة لا وجه له للصحة مع فرض عدمها فيكون

ص: 33

الآخر إذا كان العمل منهما، و إن كان من أحدهما فله أجرة مثل عمله (105).

مسألة 13: إذا اشترى أحدهما متاعا و ادعى أنه اشتراه لنفسه

اشارة

(مسألة 13): إذا اشترى أحدهما متاعا و ادعى أنه اشتراه لنفسه و ادعى الآخر أنه اشتراه بالشركة فمع عدم البينة القول قوله مع اليمين لأنه أعرف بنيته (106)، كما أنه كذلك لو ادعى أنه اشتراه بالشركة و قال الآخر إنه اشتراه لنفسه فإنه يقدم قوله أيضا لأنه أعرف و لأنه أمين (107).

______________________________

فضوليا لا محالة، و متوقف على الإجازة اللاحقة لفرض سقوط الإذن مع البطلان.

(105) لا بد و ان يبين أولا أنه هل تكون في الشركة الصحيحة أجرة العمل العامل سواء كان من أحدهما أو هما معا، أو يكون العمل فيها مجانيا مطلقا؟

مقتضى المتعارف بين الناس هو الثاني لأن العرف يرى هذا النحو من العمل كالعمل في مال نفس العامل، فكما أنه لا أجرة للعامل الذي يعمل في مال نفسه فكذا في المقام لأن عمله في مصلحة نفسه فلا أجرة له، و حينئذ فمقتضى قاعدة: «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» عدم الأجرة للعمل في صورة بطلان الشركة أيضا.

نعم، لو قلنا بثبوت الأجرة للعمل في الشركة الصحيحة تثبت في الباطلة أيضا لقاعدة: «ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده»، هذا إذا لم يقصد العامل التبرع و إلا فلا أجرة في البين أصلا لأجل التبرع.

(106) فيدخل في القاعدة المشهورة المعمول بها عند الأصحاب من أن:

«قبول قول كل من لا يعرف المقول إلا من قبله»، بل قد يقال أنها من القواعد العقلائية.

(107) فيقبل قوله في الفعل الذي أو تمن فيه و له نظائر كثيرة في الفقه، و قد تقدم في كتاب الطهارة قاعدة: «أن كل من استولى على شي ء فقوله مقبول فيه».

ص: 34

فصل في القسمة

فصل في القسمة (1) و هي: تعيين حصة الشركاء بعضها عن بعض (1) و ليست ببيع و لا صلح و لا معاوضة، و إن اشتملت على الرد (2) فليس فيها الشفعة و لا خيار المجلس و لا خيار الحيوان (3)، و لا يدخلها الربا و إن عممناها لجميع

______________________________

فصل في القسمة

(1) كما في اللغة و العرف و الشرع، و ليس في الشرع فيها اصطلاح خاص كما في غيرها من موضوعات الأحكام.

ثمَّ أن القسمة مشروعة بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى «وَ إِذٰا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبىٰ» (2)، و قوله تعالى «وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمٰاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ» (3)، و من السنة قوله عليه السّلام: «الشفعة لا تكون إلا لشريك لم يقاسم» (4)، و مثله غيره.

و من الإجماع إجماع المسلمين. و من العقل قاعدة السلطنة التي هي من القواعد النظامية العقلائية.

(2) لعدم اعتبار قصد ذلك كله فيها، بل تتحقق بقصد نفس ذاتها و مفهومها، هذا مع اختلافها مع جميع المعاوضات في اللوازم الكاشف عن الاختلاف في الملزوم مضافا إلى إجماع الإمامية على عدم كونها منها.

(3) لاختصاص كل ذلك بالبيع، و القسمة ليست ببيع.

ص: 35


1- هذه التكملة- لكتاب الشركة- من إضافات سيدنا الوالد قدس السّرة.
2- سورة النساء: 8.
3- سورة القمر: 28.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الشفعة: 6 ج: 17.

المعاوضات (4)، بل تكون أمرا مستقلا بنفسها (5).

مسألة 1: يشترط فيها الرضا في تعيين الحصة في الشركة الأشياء حتى في قسمة الإجبار

(مسألة 1): يشترط فيها الرضا في تعيين الحصة في الشركة الأشياء حتى في قسمة الإجبار (6)، و لو لم يتراضيا يتعين القرعة (7)، و إذا كانت الشركة بنحو الكلي في المعين فالتعيين باختيار من وجب عليه الدفع كالبائع في البيع و المتولي في الوقف، و المالك في الزكاة و الخمس (8).

و يمكن أن يصير الكلي في المعين من الإشاعة فيعتبر رضاء الجميع حينئذ (9).

مسألة 2: يجوز تصدي الشريكين للقسمة بنفسهما

(مسألة 2): يجوز تصدي الشريكين للقسمة بنفسهما أو بوكيلهما و لو كان أحدهما عن الآخر، و لا يعتبر في الوكيل الإيمان و العدالة بل و لا البلوغ و يكفي الوثوق و المعرفة بكيفية القسمة (10).

______________________________

(4) لفرض عدم كون القسمة معاوضة كما هو واضح، فلا يجري فيها الربا المعاوضي لانتفاء الموضوع.

(5) كما هو ظاهر العرف و يظهر إجماع الفقهاء عليه أيضا.

نعم، تشتمل على معنى التعاوض لكن لا بعنوان المعاوضة حتى يترتب عليها أحكامها.

(6) للإجماع و أصالة عدم التعيين إلا بذلك، و أما قسمة الإجبار فالجبر إنما يكون في أصل القسمة لا في تعين الحصة، فلا بد من التراضي.

(7) لانحصار التعين فيها حينئذ.

(8) لأن تكليف وجوب الدفع مختص بمن ذكر فتكون سلطنة الإخراج له أيضا، و مع الامتناع تكون للحاكم الشرعي.

(9) كما إذا كانت صبرة مشتملة على عشرة أصوع مثلا فباع كل صاع لشخص خاص، فتصير حينئذ من الشركة الإشاعية في اشتراط رضا الجميع في تعيين حصة كل واحد منهم لفرض تحقق الإشاعة حينئذ.

(10) كل ذلك للأصل و الإطلاقات، و عموم سلطنة الناس على أموالهم

ص: 36

مسألة 3: لو احتاجت الوكالة فيها إلى أجرة

(مسألة 3): لو احتاجت الوكالة فيها إلى أجرة تكون عليهما، و كذا لو احتاجت القسمة إليها و لو بدون الوكالة (11).

مسألة 4: لا يحتاج أصل القسمة إلى القرعة

(مسألة 4): لا يحتاج أصل القسمة إلى القرعة (12)، و تتحقق بدونها مع التراضي أيضا.

نعم، لو توقف رفع التنازع عليها لا بد من القرعة حينئذ (13) و إن كان الأحوط القرعة مطلقا. (14).

مسألة 5: لا بأس بقسمة بعض المال المشترك

(مسألة 5): لا بأس بقسمة بعض المال المشترك و إبقاء بعضه على الاشتراك، و كذا يجوز مع تعدد الشركاء إفراز حصة بعضهم و إبقاء حصة الباقين على الاشتراك (15).

______________________________

و عدم الدليل على الخلاف.

نعم بناء على انها معامله، يعتبر البلوغ هنا أيضا و لكن المبنى و أصل البناء مخدوش و منه يظهر وجه الاحتياط.

(11) لأنها من مصالحها فتكون عليهما إلا أن تختص إحداهما بخصوصية تكون من مصالحه فقط، فلا تكون على الآخر حينئذ.

(12) للأصل، و لكفاية التراضي بينهما، و لأن القرعة انما هي فيما إذا انحصر رفع النزاع بها، فلا يشمل ما إذا تراضيا على شي ء فلا موضوع لها في المقام تخصصا.

(13) فما في الجواهر من توقفها على القرعة مطلقا لتوقف رفع النزاع عليها مخدوش كما هو معلوم مما تقدم.

(14) خروجا عن خلاف جمع، حيث قالوا باحتياجها إليها مطلقا بل ربما ينسب ذلك إلى اتفاق الأصحاب، و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه كما لا يخفى على من راجع المطولات و تأمل.

(15) كل ذلك لقاعدة السلطنة، و أصالة الإباحة.

ص: 37

مسألة 6: لا بد في القسمة من تعديل السهام

(مسألة 6): لا بد في القسمة من تعديل السهام (16)، و هو أقسام ثلاثة (17).

الأول: أن تكون القسمة بحسب الأجزاء كيلا أو وزنا أو عددا أو مساحة و تسمى «قسمة الافراز» (18)، و هي جارية في المثليات مطلقا- كالحبوب و الادهان و الخل و الألبان و نحوها- و كذا في القيميات المتساوية الأجزاء- كجملة كثيرة من المزروعات و الكثير مما يخرج من معمل واحد بقالب واحد- و كذا في الأراضي المتساوية الاجزاء (19).

الثاني: أن تكون القسمة بحسب القيمة و المالية كجملة القيميات إذا تعددت مثل الجواهر و الأنعام و الأشجار إذا تساوى بعضها مع بعض من

______________________________

(16) لأن القسمة متقومة بذلك عرفا و شرعا.

(17) يمكن أن نجعل هذه القسمة قسمة عقلية بأن يقال: القسمة إما أن تشتمل على الرد أو لا؟ و الثاني إما في المثليات أو لا، فتحصل بذلك الأقسام الثلاثة المعروفة بين الفقهاء للقسمة، و اصطلحوا في الأول على قسمة الرد، و في الثاني على قسمة الإفراز، و في الأخير على قسمة التعديل، و على أي حال هذه القسمة صحيحة و واقعة في الخارج، و ظاهر الفقهاء الإجماع على صحتها و وقوعها في الخارج.

(18) و هو بمعنى العزل يقال: فرزت الشي ء أفرزه أي أعزله عن غيره، و هذه القسمة متقومة بتساوي الأجزاء من حيث المالية كما هو معنى المثلية و ما يلحق بها.

(19) المرجع في ذلك أهل الخبرة من العرف فكلما حكم العرف بأنه مثلي يجري فيه قسمة الأفراز، و ذلك يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات و ليس في ذلك تعبد شرعي، كما انه ليس لنظر الفقيه فيه دخل إلا إذا كان من أهل خبرة هذه الأمور.

ص: 38

حيث القيمة، و يسمى ذلك «قسمة التعديل» (20)، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام مثلا قد ساوى قيمة أحدهما مع اثنين منها فيعدل ذلك و يجعل الواحد سهما و الاثنان سهما آخر (21) الثالث: ما تسمى ب- «قسمة الرد» و هي ما إذا احتاجت القسمة إلى ضم مقدار من المال إلى بعض السهام ليعادل السهم الآخر (22) كما إذا كان بين اثنين شيئان قيمة أحدهما خمسة دنانير و الآخر أربعة دنانير فاذا ضم الأول إلى الثاني نصف دينار ساوى مع الأول (23).

مسألة 7: الأموال المشتركة، قد لا تجري فيها إلا قسمة الافراز

(مسألة 7): الأموال المشتركة (24)، قد لا تجري فيها إلا قسمة الافراز، و هو فيما إذا كان من جنس واحد من المثليات كما إذا اشترك اثنان

______________________________

(20) لاحتياجها الى لحاظ المالية و تعديلها بالنسبة إلى حصة الشركاء.

(21) فيحصل بذلك العدل و الإنصاف بالنسبة إلى المالكين، و إن تعدد موضوع مالهما بالنسبة إلى أحدهما و اتحد بالنسبة إلى الآخر.

(22) لتقوّم تعديل الحصص برد المال من أحد الشركاء، و من هذه الجهة تسمى بقسمة الرد.

(23) و تطابق التسمية مع المسمى لغة و عرفا و شرعا.

و يأتي قسم رابع تسمى قسمة التراضي، و هي ما إذا كانت القسمة مشتملة على الضرر و تراضيا على تحمل الضرر.

و قسم خامس و هي قسمة الإجبار، و لكن هذين القسمين بحسب الحكم، و الأقسام الثلاثة السابقة بحسب الموضوع.

(24) هذه المسألة تتعرض لبيان ما يجري فيه قسم واحد من أقسام القسمة و ما يجري فيه قسمان منها و ما يجري فيه الأقسام الثلاثة و صورها معلومة مما يأتي، و الظاهر صحة جريان قسمة الرد في الجميع بعد التراضي به كما يصح جريان الجميع في الجميع بالتصالح.

ص: 39

أو أزيد في وزنة حنطة (25)، و قد تتعين فيها قسمة التعديل، كما إذا اشترك اثنان في ثلاثة أغنام قد ساوى أحدهم مع اثنين منهم بحسب القيمة (26)، و قد تتعين قسمة الرد كما إذا كان بين اثنين أغنام قيمة أحدهما خمسة دنانير و الآخر أربعة (27) و قد تجري قسمة الافراز و التعديل معا (28)، و ذلك فيما إذا اشترك اثنان في جنسين مثليين مختلفي القيمة و المقدار و كانت قيمة أقلهما مساوية لقيمة أكثرهما، كما إذا كان بين اثنين وزنة من حنطة و وزنتان من شعير و كانت قيمة من حنطة مساوية لقيمة وزنتين من شعير فاذا قسم المجموع بجعل الحنطة سهما يكون من قسمة التعديل، و إذا قسم كل منهما منفردا يكون من قسمة إفرازه (29)، و قد تجري فيها قسمة الافراز و الرد معا كما في المثال السابق إذا فرض كون قيمة الحنطة خمسة عشر درهما و قيمة الشعير عشرة، و قد تجري فيها قسمة التعديل مع قسمة الرد كما إذا كان بينهما ثلاثة أغنام أحدها يقوم بعشرة دنانير و اثنان منهما كل منهما بخمسة فيكن أن يجعل الأول سهما و الآخران سهما فتكون من

______________________________

(25) لأن المفروض أن المورد مشاع بين الشريكين أو الشركاء و أنه من جنس واحد فتتعين حينئذ قسمة الأفراز فقط، و كذا في جميع المثليات.

(26) لأن المفروض أن مورد القسمة قيمي و ليس بمثلي، كما أن المفروض اختلاف قيمة مورد الشركة فلا يمكن إلا قسمة التعديل.

(27) لفرض اختلاف القيمة، و لا يمكن تعيين حق الشركاء الا برد ما يتدارك به حقه و تتساوى الحقوق هذه كلها مما يختص المورد بقسمة واحدة، و هي ثلاثة أقسام كما مر

(28) هذا شروع في بيان ما يمكن أن يجري فيه قسمين من ما تقدم من صور القسمة.

(29) و الوجه فيهما يعلم مما مر فلا وجه لتكرار بالإعادة.

ص: 40

قسمة التعديل، و إن يجعل الأول مع واحد من الآخرين سهما و الآخر منهما مع عشرة دنانير سهما فتكون من قسمة الرد، و قد تجري فيها كل من قسمتى الافراز و الرد، كما إذا كان بينهما وزنة حنطة كانت قيمتها اثنى عشر درهما مع وزنة شعير قيمتها عشرة فيمكن قسمة الافراز بتقسيم كل منهما منفردا و قسمة الرد بجعل الحنطة سهما و الشعير مع درهمين سهما.

و قد تجري الأقسام الثلاثة كما إذا اشترك اثنان في وزنة حنطة قيمتها عشرة دراهم مع وزنة شعير قيمتها خمسة و وزنة حمص قيمتها خمسة عشر، فاذا قسمت كل منها بانفرادها كانت قسمة إفراز، و إن جعلت الحنطة مع الشعير سهما و الحنطة مع عشرة دراهم سهما كانت قسمة الرد، و لا إشكال في صحة الجميع مع التراضي (30)، و أما قسمة الرد مع إمكان غيرها فقد يشكل في صحتها بعد التراضي، و قالوا: يحتاج بعد ذلك إلى صلح أو هبة و الإشكال ضعيف (31)، و إن كان الأحوط التراضي بالصلح أو

______________________________

(30) لقاعدة السلطنة، و تحقق التراضي، و ظهور الإجماع.

(31) خلاصة الإشكال فيها: انها حيث تشتمل على الرد و العوض تكون من المعاوضات، فتحتاج إلى ما تحتاج إليه سائر المعاوضات من الإيجاب و القبول و سائر الشرائط صحتها و لزومها، و مع عدم الإيجاب و القبول تصير من المعاطاة و لا تلزم إلا بعد التصرف، و مع عدم معلومية العوضين تبطل أصلا فلا وجه للأصل الصحة حينئذ إلا بعد التعديل و القرعة و الرضا بعد القرعة، و نسب هذا القول إلى جمع منهم الشيخ الطوسي و الشهيد قدس سرّهما.

و فيه: أن القسمة و المعاوضة عنوانان مختلفان لغة و عرفا و شرعا كما مر.

و مطلق الاشتمال على الرد أعم من كونها معاوضة اصطلاحية.

و نعم ما قال في الجواهر: «و كأنّه اشتبه عليهم العوض و المعاوضة المصطلحة، و لا ريب في الفرق بينهما و أقصى ما في قسمة الرد الأول لا الثاني

ص: 41

الهبة (32).

مسألة 8: لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام

(مسألة 8): لا يعتبر في القسمة تعيين مقدار السهام بعد إن كانت معدلة (33)، فلو كانت صبرة من حنطة مجهولة الوزن بين ثلاثة أقسام معدلة بمكيال مجهول المقدار، أو كانت بينهم عرصة متساوية الأجزاء فجعلت ثلاثة أجزاء متساوية بخشبة أو حبل لا يدري كمية ذراعها صحت القسمة (34).

مسألة 9: إذا طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها

(مسألة 9): إذا طلب أحد الشريكين القسمة بأحد أقسامها ليس للآخر الامتناع عنها (35)، و مع الامتناع يجبر عليها (36).

______________________________

كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم، لو لم نقل بأنها من أفراد القسمة بل هي قسمة و معاوضة اعتبر حينئذ قصد معاوضة خاصة و تعين المعوض عنه و غير ذلك مما في تلك المعاوضة التي يتفقان على إنشائها»، فراجع و تأمل فيه على طوله.

(32) خروجا عن خلاف من اعتبر ذلك.

(33) لفرض تحقق التراضي و التعادل بما يأتي من الكيفية فلا وجه للتعيين بعد ذلك، و مقتضى الأصل عدمه.

(34) إذ المقصود فيها التعادل و التراضي و قد حصلا، و المفروض انها ليست ببيع و لا معاوضة.

(35) أما جواز مطالبة الشريك للقسمة فلقاعدة السلطنة، و أما عدم صحة امتناع الشريك الآخر فلأنه تفويت لحق الغير و تضييق لسلطنته بلا مجوز شرعي.

(36) لأن ذلك من صغريات النهي عن المنكر، و من الأمور الحسبية التي لا بد من قيام الحاكم الشرعي بها، و مع عدم إمكان التوصل إليه يتصدى ذلك الثقات من أهل الخبرة، و تسمى هذه القسمة «قسمة الإجبار» كما تقدم.

ص: 42

نعم، لو استلزمت القسمة ضررا على الشريك الآخر لا تصلح القسمة إلا برضاه (37)، فإذا كان المال المشترك مما لا يمكن فيه إلا قسمة الافراز أو التعديل من دون ضرر في البين أجبر الممتنع (38)، كما إذا كان شريكين في أنواع متساوية الأجزاء- كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب- و طلب أحدهما قسمة كل نوع بانفراده قسمة الافراز أجبر الممتنع، و كذا إن طلب قسمتها بالتعديل ما لم يكن ضرر في البين، و إن كان الأحوط التراضي في الأخير (39)، و كذا الكلام في الأرض و الدار و الدكان و نحوها إذا كانت متساوية الأجزاء فيجري فيها قسمة الرد و التعديل و يجبر الممتنع مع عدم الضرر.

______________________________

(37) لقاعدة «نفي الضرر و الضرار» و تسمى هذه القسمة «قسمة التراضي» كما تقدم، و لو كان عدم القسمة أيضا ضررا على الشريك الآخر يلاحظ أقوى الضررين، و المرجع في تشخيص الضرر ثقات أهل الخبرة و أهل المعرفة بالشي ء المقسوم.

ثمَّ أنه يظهر عن جمع أنه لو اشتملت القسمة على الرد يجوز لمن يلزمه الرد من الشريكين الامتناع عن القسمة و لا يجبر عليها.

و فيه: أنه لا موضوع للرد من حيث هو بل المناط كله تحقق الضرر، و تقدم أن القسمة مطلقا ليست من المعاوضة الاصطلاحية و إن اشتملت على الرد و لكن الأحوط التراضي.

(38) لفرض عدم الضرر في البين، و حينئذ يجبر الممتنع لإحقاق حق الغير و إيصال حقه اليه، و قد مر أن الأحوط في قسمة التعديل مطلقا التراضي، سواء كان ذلك قبل القسمة أو حينها أو بعدها.

(39) خروجا عن مخالفة القول بكون قسمة الرد في معنى المعاوضة فيحتاج إلى تراضي الطرفين، و قد مر ضعفه فراجع.

ص: 43

مسألة 10: الدار ذات العلو و السفل المشتركة لا بد من قسمتها

(مسألة 10): الدار ذات العلو و السفل المشتركة لا بد من قسمتها بحيث لا يتضرر أحد الشركاء لا من حيث قرار البناء و لا من حيث الهواء بحسب نظر الثقات من أهل الخبرة بهذه الأمور بأي نحو رأوا ذلك، فإن تراضوا بذلك و إلا يجبر الممتنع مع عدم ضرر في البين (40)، و كذا في دار ذات بيوت أو خان ذات حجر بين الشركاء، و طلب بعض الشركاء القسمة أجبر الباقون مع عدم الضرر (41).

مسألة 11: إذا كانت بين الشركاء أرض مشتملة على نخيل و أشجار فقسمتها بما فيها بالتعديل

(مسألة 11): إذا كانت بين الشركاء أرض مشتملة على نخيل و أشجار فقسمتها بما فيها بالتعديل (42) تكون قسمة إجبار فإذا طلبها أحد الشركاء يجبر الآخر إن لم يكن ضرر في البين (43)

______________________________

(40) لأن المرجع في تشخيص هذه الأمور الخبراء الثقات من المهندسين و المعمارين من تثبتهم و تأملهم في إحقاق الحقوق، و يختلف ذلك بحسب الخصوصيات و الأمكنة و سائر الجهات، و ليس تعيين ذلك من شأن الفقيه، و مع عدم إمكان الوصول إليهم و تعاصر الشركاء لا بد من التصالح و التراضي و الرجوع الى الحاكم الشرعي فيقطع نزاعهم بالقرعة.

(41) لقاعدة السلطنة و لزوم إيصال كل ذي حق الى حقه من باب الحسبة و أما مع الضر كما إذا كان الشركاء كثيرا و المحل ضيقا فلا موضوع للإجبار، لقاعدة نفي الضرر و الضرار فلا بد من التصالح و التراضي بأي وجه اتفقوا عليه.

نعم، لو لم يتصالحوا أيضا يجبرهم الحاكم على التخلص بما يوجب النزاع.

(42) بأن تكون القسمة فيها بحسب القيمة كما مر من أن هذا هو المراد بقسمة التعديل.

(43) لما مر في سابقة من غير فرق، و أما مع الضرر فلا بد من التراضي و تسمى ب- «قسمة التراضي» حينئذ.

ص: 44

مسألة 12: إذا كانت بين الشركاء أرض مزروعة يجوز قسمة كل من الأرض و الزرع

(مسألة 12): إذا كانت بين الشركاء أرض مزروعة يجوز قسمة كل من الأرض و الزرع- قصيلا كان أو سنبلا- على حدة (44)، و تكون القسمة قسمة إجبار (45)، و أما قسمتهما معا فهي قسمة تراض (46) لا يجبر الممتنع عليها إلا إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر فيها فيجبر عليها (47).

هذا إذا كان الزرع قصيلا أو سنبلا (48)، و أما إذا كان حبا مدفونا أو مخضرا في الجملة و لم يكمل نباته (49)، فلا إشكال في قسمة الأرض وحدها و بقاء الزرع على إشاعته (50)، كما إنه لا يجوز قسمة الزرع مستقلا (51).

______________________________

(44) للأصل، و لقاعدة السلطنة.

(45) لفرض عدم الضرر في البين فيجبر الممتنع حينئذ من باب قاعدة لزوم إحقاق الحق، و لو فرض وجود الضرر فلا بد من التراضي.

(46) لأنها غالبا أما مستلزمة للرد أو للضرر مع عدمه فيتعين التراضي حينئذ، و لا وجه لإجبار الممتنع إذ لا وجه لإجبار الممتنع عن الضرر على التضرر.

(47) لفرض عدم الضرر حينئذ فيتحقق موضوع قسمة الإجبار.

(48) لتحقق القسمة في الأرض و الزرع معا و في كل منهما وحده حينئذ، فيتحقق موضوع ما ذكر من القسمة.

(49) بحيث لم تكن ماليته معينة بنظر أهل الخبرة و لم يكن طريق معتبر إلى ذلك لديهم.

(50) أما صحة قسمة الأرض فلوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها، و أما بقاء الزرع على إشاعته فللأصل.

(51) لمكان الجهالة و عدم تعيين حصة الشركاء بوجه معتبر.

ص: 45

نعم، يجوز قسمة الأرض بزرعها بحيث يجعل الزرع من توابعها (52)، و لكن الأحوط قسمة الأرض وحدها و التصالح و التراضي بالنسبة إلى الزرع (53).

مسألة 13: لو كانت بين الشركاء دكاكين متعددة متجاوزة أو منفصلة

(مسألة 13): لو كانت بين الشركاء دكاكين متعددة متجاوزة أو منفصلة- فإن أمكن قسمة من كل منها بانفراده و طلبها بعض الشركاء و طلب بعضهم قسمة بعضها في بعض بالتعديل لكي يتعين حصة كل منهم في دكان تام أو أزيد يقدم ما طلبه الأول مع عدم الضرر (54)، و حينئذ فيجبر البعض الآخر (55).

نعم إذا انحصرت القسمة الخالية عن الضرر في النحو الثاني يجبر الأول (56).

______________________________

(52) لتعين حصة الشركاء حينئذ، و انما الجهالة فيما هو تابع محض و لا تضر الجهالة فيه.

(53) جمودا على لزوم تعين الحصة حتى في التابع من المقسوم.

(54) لأنها أملاك متعددة عرفا و لكل واحد منها خصوصية خاصة لا توجد في الآخر فلا يضم بعضها إلى بعض، فليست مثل الأرض بحيث يكون المجموع منها كملك واحد، و كذا الحنطة أو الشعير أو نحوهما مما هو متساوي الأجزاء.

(55) لفرض عدم كون القسمة مستلزمة للضرر فيتحقق موضوع الإجبار على إيصال الحق إلى صاحبه و عدم تعطيله.

(56) لوجوب إيصال الحق الى صاحبه و عدم تعطيله، و المفروض انحصار عدم الضرر فيه فيتحقق موضوع الإجبار لا محالة، و لو كانت كل من القسمتين خالية عن الضرر فالحكم هو التخيير، و لو امتنع مع ذلك أحدهما يجبره الحاكم من باب الحسبة.

ص: 46

مسألة 14: لو كان بين الشركاء ما لا تقبل القسمة

(مسألة 14): لو كان بين الشركاء ما لا تقبل القسمة الخالية عن الضرر كالحمام و نحوها لم يجبر الممتنع (57).

نعم، لو أمكن تدارك الضرر بوجه صحيح عرفي يجبر حينئذ (58).

مسألة 15: لو كان حصة أحد الشركاء العشر مثلا و هو لا يصلح للانتفاع بها

(مسألة 15): لو كان حصة أحد الشركاء العشر مثلا و هو لا يصلح للانتفاع بها و يتضرر بالقسمة دون باقي الشركاء، فلو طلب هو القسمة لغرض صحيح يجبر البقية (59) و لم يجبر هو لو طلبها الآخرون (60).

مسألة 16: المرجع في تحقق الضرر متعارف أهل الخبرة

(مسألة 16): المرجع في تحقق الضرر متعارف أهل الخبرة، فيكفي فيه نقصان في العين أو في القيمة بسبب القسمة بما لا يتسامح فيه عادة بالنسبة إلى المال المقسوم و إن لم يسقط المال عن قابلية الانتفاع بالمرة (61).

______________________________

(57) لأن مورد الإجبار ما إذا لم يكن ضرر في البين و المفروض تحققه فلا موضوع له حينئذ.

(58) لتحقق موضوع الإجبار، حينئذ لفرض إمكان تدارك الضرر فيكون وجوده كالعدم.

(59) لفرض عدم الضرر بالنسبة إليهم فيتحقق موضوع الإجبار لا محالة.

(60) لفرض تحقق الضرر فلا وجه لإجباره.

نعم، لو لزم الضرر على الآخرين من عدم القسمة يلاحظ أقوى الضررين حينئذ، و مع التساوي يصح الإجبار.

(61) لقاعدة أن «كل ما لم يرد فيه تحديد من الشارع لا بد و أن يرجع فيه إلى العرف»، كما تقدم مكررا و المقام كذلك إذ لم يرد تحديد شرعي للضرر فيما نحن فيه، فلا بد و إن يرجع إلى العرف فمع الحكم بالضرر لا يتحقق موضوع الإجبار، و مع حكمه بعدم الضرر يصح الإجبار، و مع الشك فيه و في عدمه فمقتضى عموم قاعدة «السلطنة» و قاعدة «لزوم إحقاق الحقّ» مطلقا صحة

ص: 47

مسألة 17: لا بد في القسمة من تعديل السهام

(مسألة 17): لا بد في القسمة من تعديل السهام (62) ثمَّ القرعة (63).

______________________________

الإجبار، و لكن الأحوط التراضي و التصالح.

(62) لأن هذا من مقومات القسمة و لا تتحقق إلا بذلك فهو مع كونه مقوما لها يكون مورد إجماع الفقهاء أيضا.

(63) البحث في القرعة من جهات:

الأولى: في اعتبار أصل القرعة. و لا ريب في اعتبارها في الجملة بالأدلة الثلاثة، فمن الكتاب ما ورد في قصتي كفالة مريم (1)، و إلقاء يونس في البحر (2)، و من السنة نصوص مستفيضة بين العامة(3)، و الخاصة منها قول أبي الحسن عليه السّلام: «كل مجهول ففيه القرعة» (4)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «ليس من قوم تقارعوا ثمَّ فوضوا أمرهم إلى اللّه إلا خرج سهم المحق» (5)، و عن الصادق عليه السّلام:

«القرعة سنة» (6)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و من الإجماع إجماع الإمامية- بل المسلمين- على اعتبارها في الجملة، و الظاهر صحة دعوى جريان بناء العقلاء على التمسك بها في الحيرة المطلقة فتصير الأدلة أربعة، فلا وجه لما نسب إلى بعض من أنها نحو من القمار.

ثمَّ ان الظاهر عدم اختصاص القرعة بخصوص المسلمين بل هي دائرة بين الناس في الجملة على ما نقل.

نعم، تخفيف كيفية الاستقراع كما ان الظاهر انه ليست لها كيفية خاصة، بل تحصل بكلما حصلت به استخراج المجهول بإيكال الأمر إلى ما هو خارج عن

ص: 48


1- و هي قوله تعالى «وَ مٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ» سورۀ آل عمران: 44.
2- كما في قوله تعالى فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ سورة الصافات: 141.
3- راجع سنن ابن ماجه باب: 20 من كتاب الأحكام.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم 11 و 6 و 1.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم 11 و 6 و 1.
6- الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم 11 و 6 و 1.

.....

______________________________

الاختيار، و ما ورد في بعض الأخبار(1) من الكيفية انما هي من باب بيان احدى الطرق و المصاديق، و إلا فالإطلاقات الواردة فيها غير قابلة للتقييد بذلك.

الثانية: لا ريب في ان موردها الشبهات الموضوعية المطلقة من كل حيثية و جهة على نحو تنقطع اليد عن كل أمارة و قاعدة و أصل و اجتهاد ظني، و مع ذلك لا بد من الانجبار بعمل الأصحاب في مورد جريانها لأن تشخيص موردها صعب جدا على الفقيه فضلا عن غيره.

الثالثة: هل تكون لها موضوعية خاصة في القسمة و تكون شرطا لصحتها و لو مع رضاء الشركاء بالقسمة بدونها، بحيث لو عدلت السهام و حصل التراضي من كل جهة- حدوثا و بقاء- لا تحصل القسمة إلا بالقرعة أو أنها طريق محض لقطع التنازع لو وقع نزاع في البين و انحصر رفعه بالقرعة و تراضيا عليها؟ الحق هو الأخير لإطلاق قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (2)، الدالة على كفاية التراضي مطلقا.

و القسمة و إن لم تكن تجارة لكن يستفاد من الآية الكريمة أن المناط كله في حلية الماليات التراضي و ذكر التجارة من باب الغالب، و لقاعدة «السلطنة» و قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» (3)، و إطلاق ما ورد في قسمة الدين كخبر غياث عن عليّ عليه السّلام: «في رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، و أحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب فاقتضى أحدهما و لم يقتض الآخر قال عليه السّلام: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما و ما يذهب بينهما» (4)، و مثله غيره فإن عدم ذكر القرعة يكشف عن كفاية الرضاء بالقسمة مطلقا و لو بدون القرعة، و عن صاحب الجواهر اشتراط صحة القسمة بالقرعة

ص: 49


1- راجع الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم: 19.
2- سورة النساء: 29.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام الشركة: 1.

أما كيفية التعديل (64)

______________________________

و لم يأت بدليل إلا المصادرة فراجع و تأمل.

الرابعة: ليس عند الإمامية شي ء تكون له موضوعية خاصة في إثبات مؤداه من الأمارات و القواعد و البينات و الايمان و القضاء و الفتوى و الأصول مطلقا و غيرها، بل جميعها قد تصيب الواقع و قد تخطئ فما ورد في القرعة من أنه «ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم إلى اللّه عز و جل إلا خرج سهم المحق» (1)، و مثله ما تقدم عن أبي جعفر عليه السّلام و خبر ابن حكيم قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن شي ء، فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: أن القرعة تخطئ و تصيب، قال: كل ما حكم اللّه به فليس بمخطئ» (2)، فلا بد من حمل لها على اعتبار القرعة في الحكم الظاهري و قطع النزاع و فصل الخصومة لا الإصابة الدائمية بالنسبة إلى الحكم الواقعي، كما ورد في قولهم عليه السّلام بالنسبة إلى الحاكم الشرعي بأن الراد عليه «كالراد علينا» (3).

(64) لا يخفى أن الشركاء إما أن يكونوا قد تساوت حصصهم أو لا، و كل منهما إما في متساوي الأجزاء من حيث القيمة أو لا، فالأقسام أربعة:

الأول: التعديل على قدر السهام المتساوي في الحصص و القيمة، و تتحقق ذلك في متفقة الإجزاء بحسب القيمة.

الثاني: التعديل بحسب القيمة فيما إذا تساوت الحصص قدرا لا قيمة، كما في مختلفة الأجزاء من حيث القيمة مع كون الحصص متساوية فتعدل السهام من حيث القيمة لانحصار عدم الضرر فيه حينئذ.

الثالث: التعديل بحسب أقل السهام، كما إذا اختلفت الحصص في متفقة الأجزاء كما إذا كان لأحدهم النصف و للآخر الثلث و الثالث السدس و كان

ص: 50


1- الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم: 13 و 5 و 11.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية الحكم: 13 و 5 و 11.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب كيفية الحكم: 1.

فإن كانت حصص الشركاء متساوية (65)- كما إذا كانوا اثنين و لكل منهما نصف أو ثلاثة و لكل منهم ثلث و هكذا- يعدل السهام بعدد الرؤوس، فيجعل سهمين متساويين إن كانوا اثنين، و ثلاثة أسهم متساويات إن كانوا ثلاثة، و هكذا و يعلّم كل سهم بعلامة تميزه عن غيره فإذا كانت قطعة أرض متساوية الأجزاء بين ثلاثة مثلا تجعل ثلاث قطع متساوية بحسب المساحة و يميز بينها إحداها الأولى و الأخرى الثانية و الثالثة الثالثة، و إذا كانت دار مشتملة على بيوت بين أربعة مثلا تجعل أربعة أجزاء متساوية بحسب القيمة و تميز كل منهما بمميز، كالقطعة الشرقية و الغربية و الشمالية و الجنوبية المحدودات بحدود كذائية.

و إن كانت الحصص متفاوتة- (66) كما إذا كان المال بين ثلاثة سدس لعمرو و ثلث لزيد و نصف لبكر- يجعل السهام على أقل الحصص، ففي المثال تجعل السهام ستة معلمة كل منها بعلامة كما مر.

و أما كيفية القرعة (67) ففي الأول- و هو فيما إذا كانت الحصص إن متساوية- تؤخذ رقاع بعدد رؤوس الشركاء رقعتان إذا كانوا اثنين و ثلاث

______________________________

المورد متفقة الاجزاء من حيث القيمة، و مقتضى القاعدة فيه التعديل بحسب أقل السهام فتعدل القسمة حينئذ أسداسا، هذا إذا لم يكن فيه كسر و إلا تعدل القسمة بعدد ينطبق عليها كما إذا كان النصف في مفروض المسألة لاثنين فإنه لا تصح القسمة حينئذ أسداسا، بل يتحقق التعديل حينئذ بتقسيمها باثني عشر جزء لأنه الذي فيه الثلث و السدس و الربعان صحيحا.

(65) هذا هو القسم الأول الذي ذكرناه.

(66) هذا هو القسم الثالث الذي تعرضنا له.

(67) للقرعة طرق و أنحاء و هذه الطريقة التي ذكرها سيد مشايخنا في وسيلته أحسنها و أخصرها اكتفينا بها.

ص: 51

كانوا ثلاثة و هكذا، و يتخير بين أن يكتب عليها أسماء الشركاء (68) على إحداها زيد و أخرى عمرو و ثالثة بكر مثلا، أو أسماء السهام على إحداها أول و على أخرى ثاني و على الأخرى ثالث مثلا، ثمَّ تشوش و تستر و يؤمر من لم يشاهدها فيخرج واحدة واحدة، فإن كتب عليها اسم الشركاء يعين السهم الأول و يخرج رقعة باسم ذلك السهم قاصدين أن يكون هذا السهم لكل من خرج اسمه، فكل من خرج اسمه يكون ذلك السهم له ثمَّ يعين السهم الثاني، و يخرج رقعة أخرى لذلك السهم فكل من خرج اسمه كان السهم له و هكذا و إن كتب عليها اسم السهام يعين أحد الشركاء و يخرج رقعة فكل سهم خرج اسمه كان ذلك السهم له ثمَّ يخرج رقعة أخرى لشخص آخر و هكذا.

و أما في الثاني- و هو ما كانت الحصص متفاوتة كما في المثال المتقدم الذي قد تقدم انه يجعل السهام على أقل الحصص و هو السدس- يتعين فيه أن تؤخذ الرقاع بعدد الرؤوس يكتب مثلا على إحداها زيد و على الأخرى عمرو و على الثالثة بكر و تستر كما مر، و يقصدان كل من خرج اسمه على سهم كان له ذلك مع ما يليه بما يكمل تمام حصته ثمَّ يخرج إحداها على السهم الأول فإن كان عليها اسم صاحب السدس تعين له، ثمَّ يخرج أخرى على السهم الثاني فإن كان عليها اسم صاحب الثلث كان الثاني و الثالث له، و يبقى الرابع و الخامس و السادس لصاحب النصف و لا يحتاج إلى إخراج الثالثة، و إن كان عليها اسم صاحب النصف كان له الثاني و الثالث و الرابع، و يبقى الأخير لصاحب الثلث، و إن كان ما خرج

______________________________

(68) لإطلاق أدلة القرعة الشامل لجميع ذلك مضافا إلى ما يأتي في المسألة التالية من أنه ليست لها كيفية خاصة، و إنما المناط كله قطع النظر عن

ص: 52

على السهم الأول صاحب الثلث كان الأول و الثاني له، ثمَّ يخرج أخرى على السهم الثالث فإن خرج اسم صاحب السدس كان ذلك له، و يبقى الثلاثة الأخيرة لصاحب السدس، و إن خرج صاحب النصف كان الثالث و الرابع و الخامس له و يبقى السادس لصاحب السدس، و قس على ذلك غيرها.

مسألة 18: الظاهر إنه ليست للقرعة كيفية خاصة

(مسألة 18): الظاهر إنه ليست للقرعة كيفية خاصة (69) و إنما يكون كيفيتها منوطة بمواضعة القاسم و المتقاسمين بإناطة التعين بأمر ليس لإرادة المخلوق مدخلية مفوضا للأمر إلى الخالق جل شأنه، سواء كان بكتابة رقاع أو إعلام علامة في حصاة أو نواة أو ورق أو خشب أو غير ذلك.

مسألة 19: الأقوى إنه إذا بنوا على التقسيم و عدلوا السهام و أوقعوا القرعة قد تمت القسمة

(مسألة 19): الأقوى إنه إذا بنوا على التقسيم و عدلوا السهام و أوقعوا القرعة قد تمت القسمة و لا يحتاج إلى تراض آخر بعدها (70) فضلا عن إنشائه، و إن كان هو الأحوط في قسمة الرد (71).

______________________________

الاختيار و إيكال الأمر الى اللّه تعالى.

(69) للأصل و الإطلاق و لتحقق المقصود مع التراضي بغير ما ذكره الفقهاء أيضا بعد إيكال الأمر إلى اللّه تعالى.

(70) لإطلاق أدلة القسمة و القرعة، و أصالة عدم اعتبار رضاء مستأنف بعد عدم الدليل عليه.

و توهم: أن القرعة إنما هو لتمييز ذوي الحقوق و تميز حقهم، فلا بد بعد ذلك في صحة التصرف من رضاء جديد لاستصحاب بقاء منع التصرف.

مدفوع: بأنه بعد رضائهم أو لا بالتمييز و رضائهم بالقرعة و إيكال الأمر الى اللّه تعالى تكون القرعة كالعقد الواقع بينهم، فيكون اعتبار الرضاء المستأنف بعد ذلك من اللغو الباطل فهو مثل ما إذا قيل بأنه لا بد في البيع مثلا من رضاء مستأنف بعد تمامية العقد و الفراغ منه.

(71) خروجا عن خلاف من اعتبر الرضاء المستأنف، و خروجا عن

ص: 53

مسألة 20: إذا طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة

(مسألة 20): إذا طلب بعض الشركاء المهاياة في الانتفاع بالعين المشتركة أما بحسب الزمان بأن يسكن هذا في شهر و ذاك في شهر مثلا.

و أما بحسب الأجزاء بأن يسكن هذا في الفوقاني و ذاك في التحتاني مثلا لم يلزم على شريكه القبول و لم يجبر إذا امتنع (72).

نعم يصح مع التراضي (73) لكن ليس بلازم (74) فيجوز لكل منهما الرجوع هذا في شركة الأعيان، و أما في الشركة المنافع فينحصر إفرازها بالمهاياة (75) لكنها فيها أيضا غير لازمة (76).

نعم، لو حكم الحاكم الشرعي بها في مورد لأجل حسم النزاع و الجدال يجبر الممتنع و تلزم (77).

______________________________

خلاف من جعل قسمة الرد بيعا، و قد تقدم منعه فراجع.

(72) للأصل و قاعدة السلطنة هذا إذا أمكنت القسمة بحيث يكون لكل منها نصيب من العلو و السفل بحسب التعديل، و أما إن لم يكن ذلك فيجب عليه القبول و يجبر عليه مع الامتناع لوجوب إحقاق الحق و انحصاره فيه حينئذ.

(73) لوجود المقتضي للصحة حينئذ- و هو التراضي- و فقد المانع عنها.

(74) لأنه من مجرد التباني و التراضي و ليس بعقد حتى تشمله أصالة اللزوم في العقد فمقتضى قاعدة السلطنة و الأصل جواز الرجوع لكل منهما.

(75) لعدم إمكان تقسيمها غالبا إلا بذلك.

نعم، يمكن فرض قسمة المنفعة بحسب الأجزاء في بعض الموارد كما إذا استأجر مثلا آلة لأجل الاستفادة من حرارتها أو برودتها، فيمكن التقسيم بأن توضع في محل على أن يكون طرف اليمين مثلا لأحد و اليسار مثلا لآخر.

(76) لقاعدة السلطنة، و أصالة صحة الرجوع و أرسل ذلك في الدروس و الروضة و اللمعة إرسال المسلمات.

(77) لوجوب إنفاذ حكم الحاكم و عدم جواز نقضه كما يأتي في كتاب

ص: 54

مسألة 21: القسمة في الأعيان إذا وقعت و تمت لزمت

(مسألة 21): القسمة في الأعيان إذا وقعت و تمت لزمت (78)، و ليس لأحد من الشركاء أبطالها و فسخها (79) بل ليس لهم فسخها و أبطالها بعنوان الإقالة (80).

نعم، يجوز التبادل بعنوان البيع (81) كما يجوز تغيير القسمة في ضمن عقد لازم (82).

مسألة 22: لا تشرع القسمة في الديون المشتركة

(مسألة 22): لا تشرع القسمة في الديون المشتركة (83) فإذا كان

______________________________

القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(78) لإفراز الحق بالتراضي و تحقق السلطنة المطلقة من كل جهة لكل واحد من الشركاء على ماله، و لا معنى للسلطنة المطلقة إلا دفع المزاحم و المنافي كما انه لا معنى للزوم إلا هذا.

(79) لأصالة عدم ثبوت هذا الحق بعد زوال السلطنة الأولية بالإفراز المقرون بالتراضي.

(80) لعدم جريان الإقالة في غير البيع.

(81) لعموم أدلة البيع و الصلح الشامل للمقام أيضا.

(82) لعموم أدلة الشرط الشامل لهذا بعد عدم كونه مخالفا للكتاب و السنة.

(83) لما يأتي من النص، و لأصالة عدم تعيين ما أخذه أحدهما للآخذ، و أصالة بقائه على ملك الدافع لأن المشترك بينهما كلي ضرورة تلازم ملك كل منهما بالقبض على ملك الآخر، فليس لكل منهما نصف مستقل عن الآخر حتى يتعين له بقبضه فقط.

هذا مضافا إلى ظهور الإجماع إلا من ابن إدريس، و صحيح ابن خالد قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما و منه متفرق عنهما فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما و ما كان غائبا عنهما فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا و استوفى الآخر، عليه أن يرد على صاحبه؟ قال عليه السّلام: نعم ما يذهب

ص: 55

لزيد و عمرو معا ديون على الناس بسبب يوجب الشركة كالإرث فأرادا تقسيمها قبل استيفائها فعدلا بين الديون و جعلا ما على الحاضر مثلا لأحدهما و ما على البادي لأحدهما لم يفرز بل تبقى إشاعتها فكل ما حصل كل منهما يكون لهما و كل ما يبقى على الناس يكون بينهما (84).

نعم، لو اشتركا في دين على أحد و استوفى أحدهما حصته بأن قصد كل من الدائن و المديون أن يكون ما يأخذه وفاء و أداء لحصته من الدين المشترك الظاهر تعينه له و بقاء حصة الشريك في ذمة المديون (85).

مسألة 23: لو ادعى أحد الشريكين الغلط في القسمة

(مسألة 23): لو ادعى أحد الشريكين الغلط في القسمة أو عدم التعديل فيها و أنكر الآخر لا تسمع دعواه إلا بالبينة (86)، فإن أقامها على

______________________________

بماله»(1)، و موثق ابن سنان عنه عليه السّلام أيضا: «عن رجلين بينهما مال منه دين و منه عين، فاقتسما العين و الدين فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه و خرج الذي للآخر أ يرد على صاحبه؟ قال عليه السّلام: نعم ما يذهب بماله» (2)، و مثله غيره، و عن ابن إدريس الاستدلال على مدعاه بأنه يجوز إبراز أحد الشريكين أو هبته لحصته فيجزي قبضة أيضا، و أما الأخبار فهي أخبار آحاد لا اعتبار بها.

و فيه: ان الأول قياس لا اعتبار به، و الأخبار بين صحيح و موثق فلا وجه لردها.

(84) كما هو مورد النصوص المتقدمة و مورد كلمات الفقهاء.

(85) لانصراف النصوص السابقة عنه و كون المتيقن من الإجماع غيره، و لا ريب فيه إن كان ذلك بنحو التصالح، و أما مع عدمه فمقتضى إطلاق ما مر من النصوص عدم تحقق القسمة فيه أيضا.

(86) لأصالة عدم ترتب الأثر إلا بثبوته شرعا، و هو منحصر في المقام ببينة المدعي أو يمين المنكر.

ص: 56


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الدين و القرض.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الشركة: 2.

دعواه نقضت القسمة و احتاج إلى قسمة جديدة (87)، و إن لم يكن بينة كان له إحلاف الشريك (88).

مسألة 24: إذا قسم الشريكان فصار في حصة هذا بيت و في حصة الآخر بيت آخر

(مسألة 24): إذا قسم الشريكان فصار في حصة هذا بيت و في حصة الآخر بيت آخر، و قد كان يجري ماء أحدهما على الآخر لم يكن للثاني منعه إلا إذا اشترطا حين القسمة رد الماء عنه، و مثل ذلك لو كان مسلك البيت الواقع لأحدهما في نصيب الآخر من الدار (89).

مسألة 25: لا يجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم

(مسألة 25): لا يجوز قسمة الوقف بين الموقوف عليهم (90) إلا إذا وقع تشاح بينهم مؤديا إلى خرابه لا يرتفع غائلته إلا بالقسمة (91).

نعم، يصح قسمة الوقف عن الطلق (92) بأن كان ملك واحد نصفه.

______________________________

(87) لكشف البينة عن عدم تحقق القسمة حقيقة لأن فائدتها تمييز الحق و ثبت بالبينة عدم حصوله.

(88) لانحصار قطع النزاع في إقامة البينة أو الحلف، و مع عدم الأولى تتعين الثانية كما في جميع موارد تحقق المدعي و المنكر هذا إذا كانت القسمة بنظر الشريكين و كانا مباشرا لها، و أما إن كانت القسمة بتعيين حاكم الشرع قاسما معينا ففي ادعاء الغلط على القاسم يرجع إلى الحاكم الشرعي المعين له.

(89) كل ذلك لأن القسمة مبنية على عدم الضرر بالنسبة إلى أحد الشركاء فيما اقتسم و معه تبطل القسمة إلا إذا رضي بالضرر و أقدم عليه باختياره فتصح القسمة حينئذ، و سيأتي في كتاب أحياء الموات بعض الكلام إن شاء اللّه تعالى.

(90) لأن الحق ليس بمنحصر في المتقاسمين و لا ولاية للمتولي لذلك للأصل بعد عدم دليل على ثبوتها، مضافا إلى ظهور إجماعهم على عدم الجواز.

(91) لدوران الأمر بين زوال أصل عنوان الوقف أو بقائه في الجملة و تقسيمه، و الثاني أولى عرفا و شرعا بلا إشكال فيجوز قسمة الوقف في كل مورد يجوز بيعه مع انحصار التخلص في القسمة.

(92) أرسله في الجواهر إرسال المسلمات لإطلاق أدلة القسمة من غير ما

ص: 57

المشاع وقفا و نصفه ملكا، بل الظاهر جواز قسمة وقف عن وقف (93)، و هو فيما إذا كان ملك بين اثنين فوقف أحدهما حصته على ذريته مثلا و الآخر حصته على ذريته فيجوز افراز أحدهما عن الآخر بالقسمة، و المتصدي لذلك الموجودون من الموقوف عليهم و ولى البطون اللاحقة (94).

مسألة 26: لو تحققت القسمة بين الشركاء

(مسألة 26): لو تحققت القسمة بين الشركاء ثمَّ ظهر شريك آخر و كانت شركته بنحو الإشاعة تبطل القسمة (95)، و لو ظهر بعد القسمة كون بعض المقسوم مستحقا للغير و كان معينا في حصة أحد الشريكين بطلت القسمة (96)، و لو كان ذلك مشاعا في حصص الشركاء بالسوية تصح القسمة (97)، و لو قسّم الورثة تركة مورثهم ثمَّ ظهر على الميت دين فإن أدوا الدين من غير الإرث تصح القسمة (98)، و إلا فيباع من التركة ما يفي بالدين (99).

______________________________

يصلح للمنع، بل قال بصحتها و لو كانت مستلزمة للرد؛ و الوجه إطلاق أدلة القسمة بعد عدم محذور في البين.

(93) لوجود المقتضى- و هو ثبوت الحق و الشركة، و إطلاق أدلة القسمة- و فقد المانع عنها من نص أو إجماع أو نحو ذلك، فلا بد من الصحة.

(94) لأصالة عدم ثبوت الولاية لهذه القسمة لغيرهم و مع التشاح و التنازع لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي.

(95) لكشف ذلك عن عدم تحقق التعديل في السهام على ما هي عليها في الواقع.

(96) لعدم تحقق التعديل فلا وجه للصحة.

(97) لتحقق التعديل حينئذ.

(98) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها.

(99) لانحصار طريق تفريغ ذمة الميت بذلك بعد كون الشركة متعلق حق

ص: 58

مسألة 27: تجري الفضولية في القسمة

(مسألة 27): تجري الفضولية في القسمة بأن يقسم مال الشركاء شخص أجنبي فأجازوا قسمته (100).

مسألة 28: لو نهى الوالد أولاده عن قسمة أموالهم

(مسألة 28): لو نهى الوالد أولاده عن قسمة أموالهم و خالفوا و قسموا المال ففي بطلان القسمة وجهان؟ (101).

مسألة 29: تبقى الشركة بين أربابها ما لم يقسم المال

(مسألة 29): تبقى الشركة بين أربابها ما لم يقسم المال و لو كان عدم التقسيم لأجل مانع من الخوف من الظالم أو نحوه (102)، و لو أجبر الظالم الشركاء على القسمة فاقتسموا بينهم فمع تحقق طيب النفس بها تصح (103)، و مع عدمه تبقى الشركة بحالها (104).

مسألة 30: تجري القسمة في مثل المكائن و السيارات و نحوها

(مسألة 30): تجري القسمة في مثل المكائن و السيارات و نحوها لو كانت متعددة (105)، و أما لو انفردت و كانت مشتركة بين اثنين أو أكثر فتنحصر القسمة بالمهاياة حينئذ (106).

______________________________

الديان في الجملة.

(100) لشمول دليل القسمة لهذه أيضا بعد الإجازة.

(101) من كون القسمة من مظاهر نهي الوالد فلا تصح، و من أن النهي إنما هي تكليفي محض فتصح و ان أثموا بالمخالفة، فلا يترك الاحتياط بالاسترضاء و لو بعد القسمة.

(102) لأصالة بقاء الشركة ما لم تتحقق القسمة.

(103) لوجود المقتضى و فقد المانع.

(104) للأصل فلا تترتب أقسام القسمة على مثل هذا التقسيم.

(105) لوجود المقتضى و فقد المانع و هي إما تعديل أو غيرها.

(106) لعدم جريان سائر أقسام القسمة فيها كما هو واضح.

ص: 59

ص: 60

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

كتاب المزارعة

اشارة

كتاب المزارعة

______________________________

الحمد للّه الذي جعل الأرض مهادا و فراشا و جعل الزرع للأنام قوتا و معاشا و الصلاة و السلام على خير البرية و آله الذين أصبح الناس إلى موائد فضائلهم عطاشا.

المعروف في فن الأدب في المفاعلة انها لحاظ الفعل من حيث المساس بالغير، و ينسب الفعل المشتق منها إلى من هو الأصيل و مع كون الأصالة في الطرفين يعبر عنه بالتفاعل، و ظاهر هم أن المفاعلة قائمة بالطرفين، و لكن الاستعمالات الفصيحة القرآنية و غيرها تشهد بالخلاف قال تعالى يُخٰادِعُونَ اللّٰهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا (1)، و قوله تعالى وَ مَنْ يُهٰاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ (2)، و كذا قوله تعالى شَاقُّوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ (3)، إلى غير ذلك من الآيات المباركة، و كذا يقال: «ساعده التوفيق» و «بارزة بالمحاربة» و «عاجلة بالعقوبة» إلى غير ذلك مما لا يصح فيها نسبة المادة إلى الطرفين.

فالحق أن هيئة المفاعلة لمجرد تعدية المادة و انهائها إلى الغير مثال ذلك

ص: 61


1- سورة البقرة: 9.
2- سورة النساء: 100.
3- سورة الأنفال: 13.

.....

______________________________

أن الكتابة لا تقضي إلا تعدية المادة إلى المكتوب، فيقال: «كتب الحديث» من دون تعديتها إلى المكتوب إليه بخلاف كاتبه فإنه يدل على تعديتها إلى الغير، و لو أريد إفادة هذا المعنى في المجرد لقيل: «كتب إليه» فلا فرق بين كاتبه و كتب إليه من هذه الجهة لا أن يكون مفاد الأول كتابة الغير إليه أيضا.

نعم، هيئة الفاعل تدل على نسبة متقومة بالطرفين كالمعاني الإضافية المتقومة بهما من الأبوة و البنوة و نحوهما، فمعنى المزارعة في المقام هو الفعل من حيث التعدية إلى الغير، سواء كان للغير دخل فيها مباشرة أو تسبيبا بأي نحو كان، كما ان الفاعل المزارع أيضا كذلك فلا تعتبر فيه المباشرة و إن كان الغالب فيه المباشرة، و قد تعرضنا لبعض ذلك في أول كتاب المضاربة أيضا.

ثمَّ أن المزارعة كانت من هبوط آدم عليه السّلام و ستكون إلى انقراض العالم.

لأن بها قوام حياة الإنسان بل الحيوان و بها يقوم نظام المعاش و المعاد، و هي أول مبادي النسل و الحياة؛ و قد اهتم اللّه تعالى و اعتنى بالزرع في القرآن العظيم بما لم يهتم و لم يعتن بشي ء من مثله فنسب طبيعي الزرع إلى ذاته الأقدس و افتخر به- و لا يفتخر إلا بما هو راجح- قال تعالى أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّٰا نَسُوقُ الْمٰاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً (1)، و قال تعالى أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّٰارِعُونَ (2)، و قال تعالى الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْ ءَ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ (3)، و الخب ء بإطلاقه يشمل الزرع، كما سيأتي- و المعادن و الكنوز.

و المزارعين أعرف بها من الفقهاء- خصوصا في هذه الأزمان التي جعلت المزارعة من الفنون التي يهتمون بتعلمها و تعليمها، و يبحثون في جميع جهاتها و نواحيها- و يمكن بحسب التحليل أن تكون على أقسام:

ص: 62


1- سورة السجدة: 17.
2- سورة الواقعة: 64.
3- سورة النمل: 25.

و هي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها (1)، و تسمى مخابرة أيضا و لعلها من الخبرة بمعنى النصيب- كما يظهر من مجمع البحرين (2)- و لا إشكال في مشروعيتها (3)، بل يمكن دعوى استحبابها، لما دل على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعم من المباشرة

______________________________

الأول: بأن تكون كإجارة الأملاك فتقع المعاملة على الأرض للزراعة بحصة من حاصلها فتكون الحصة كأجرة الأرض، و قد تقدم الكلام فيه في (فصل لا يجوز إجازة الأرض لزرع الحنطة) من كتاب الإجارة.

الثاني: من قبيل إجارة النفس و تقبل بعض الأعمال فتكون الأجرة- و هو بعض الحاصل من الأرض- عوضا للعمل، كما في الإجارة على سائر الأعمال.

الثالث: أن تكون معاملة مستقلة كما هو مرتكز الزارعين و ظاهر عنوان الفقهاء حيث جعلوها عنوانا مستقلا في عوض الإجارة.

الرابع: مشاركة خاصة بين المالك و العامل و لها أحكام خاصة تأتي الإشارة إليها في محلّها، و لا بأس بكونها معاملة مستقلة للسيرة و الأدلة الخاصة سواء كانت من سنخ المشاركات فتكون نحو تسبب إلى الاشتراك في النتيجة بما بنيا عليه. أو المعاوضات، و تصح بكل ما وقع عليه التراضي بحسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة و المزروع و نحوها مع مراعاة ما تأتي من الشرائط.

ثمَّ انه مع اختلاف موضوعي الإجارة و المزارعة عرفا فلا ريب في اختلاف أحكامهما، و قد تقدم أحكام الإجارة و سيأتي أحكام المزارعة في المسائل الآتية.

(1) و هذا هو المعروف بين الفقهاء و المتعارف بين المزارعين مطلقا.

(2) و هناك احتمالات أخر مذكورة في القاموس و جملة من الكتب الفقهية.

(3) بل هي من ضروريات الفقه بين المسلمين.

ص: 63

و التسبيب (4)، ففي خبر الواسطي «قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السّلام عن الفلاحين قال: هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه و ما في الأعمال شي ء أحب إلى اللّه من الزراعة و ما بعث اللّه نبيا إلا زارعا إلا إدريس عليه السّلام فإنه كان خياطا» و في آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيب أخرجه اللّه و هم يوم القيامة أحسن الناس مقاما و أقربهم منزلة يدعون المباركين»، و في خبر عنه عليه السّلام قال: «سئل النبي صلّى اللّه عليه و آله أي الأعمال خير، قال: زرع يزرعه صاحبه و أصلحه و أدّى حقه يوم حصاده، قال: فأي الأعمال بعد الزرع؟

قال: رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة، قال: فأي المال بعد الغنم؟ خير، قال: البقر يغدو بخير و يروح بخير قال:

فأي المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في الوحل المطعمات في المحل.

نعم المال النخل، من باعها فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها (5)، قيل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت فقام إليه رجل، فقال له: فأين الإبل؟ قال: فيها الشقاء و الجفاء و العناء (6).

______________________________

(4) و يمكن أن يستدل على الاستحباب مطلقا بإطلاق الآية المباركة الدالة على الاستباق إلى الخيرات (1)، و التعاون (2)، و ما تقدم من الآيات، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ابتغوا الرزق في خبايا الأرض» (3)، و هي جمع خبيثة و أراد بالخبايا الزرع كما في قول الشاعر:

تتبع خبايا الأرض و أدع مليكها لعلك يوما أن تجاب و ترزقا

(5) و عن بعض دعوى التجربة في ذلك.

(6) يعني: أن من يتخذ الإبل تكون فيه هذه الصفات غالبا.

ص: 64


1- سورة البقرة: 148.
2- سورة المائدة: 2.
3- النهاية لابن الأثير ج: 2 صفحة: 3.

و بعد الدار (7)، تغدو مدبرة، و تروح مدبرة (8)، لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم (9)، اما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة» (10) و عنه عليه السّلام:

«الكيمياء الأكبر الزراعة»، و عنه عليه السّلام: إن اللّه جعل أرزاق أنبيائه في الزرع و الضرع (11) كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء» و عنه عليه السّلام: «إنه سأله

______________________________

(7)، لعل مراده صلّى اللّه عليه و آله أن الإبل لأجل بطوء حركتها تكون بعيدا عن دار صاحبها غالبا، أو لأنها لأجل انه غير مألوفة من جهة كيفية خلقها و شكلها بخلاف سائر البهائم.

(8) كناية عن عدم البركة فيها لا عينا و لا ثمنا، و عن الصادق عليه السّلام: «في الغنم إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أقبلت، و البقر إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أدبرت، و الإبل إذا أقبلت أدبرت و إذا أدبرت أدبرت» (1)، و الأول كناية عن البركة في عينه، و ثمنه، و الثاني كناية عن البركة في عينه دون ثمنه، و الأخير كناية عن عدم البركة لا عينا و لا ثمنا.

(9) كناية عن انها لا تحلب و لا تركب إلا من الجانب الأيسر و الشمال و قال تعالى أَصْحٰابُ الْمَشْئَمَةِ (2)، يريد بها أصحاب الشمال.

(10) يوضح هذه الجملة ما في معاني الأخبار: «قيل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمن يتخذها بعد ذا؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: فأين الأشقياء الفجرة» (3)، و يدل على ذلك أيضا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إن الجفاء و القسوة في الفدادين» (4)، و تشهد له التجربة أيضا.

(11) و هو عبارة أخرى عن الرعي لما ورد: «ما بعث اللّه نبيا إلا راعي غنم» (5)، و تقدم في أول المكاسب ما يتعلق بالمقام (6).

ص: 65


1- الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام الدواب: 2.
2- سورة الواقعة: 9.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام الدواب: 4.
4- النهاية لابن الأثير ج: 3 صفحة: 419.
5- لا تقدم في ج: 16 صفحة: 11 فراجع.
6- لا تقدم في ج: 16 صفحة: 11 فراجع.

رجل فقال له: «جعلت فداك أسمع قوما يقولون إن المزارعة مكروهة، فقال عليه السّلام: ازرعوا فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحل و لا أطيب منه» (12)، و يستفاد من هذا الخبر ما ذكرنا من أن الزراعة أعم من المباشرة و التسبيب (13)، و أما ما رواه الصدوق مرفوعا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: انه نهى عن المخابرة قال: و هي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع، فلا بد من حمله على بعض المحامل لعدم مقاومته لما ذكر، و في مجمع البحرين: و ما روي من أنه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن المخابرة، كان ذلك و حين تنازعوا فنهاهم عنها.

و يشترط فيها أمور:

أحدهما: الإيجاب و القبول (14)، و يكفي فيهما كل لفظ دال، سواء كان حقيقة أو مجازا مع القرينة (15) كزارعتك أو سلمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا، و لا يعتبر فيهما العربية، و لا الماضوية (16) فيكفي الفارسي، و غيره (17)، و الأمر كقوله ازرع هذه الأرض على كذا (18)، أو

______________________________

(12) لعل مراد القوم ما سمعوه من النهي عن المخابرة من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لم يفهموا معناه و قالوا بكراهة أصل المزارعة.

(13) كما هو المعروف بين الناس في جميع الأزمنة و الأمكنة و يقتضيه الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(14) لكونها عقدا و العقد متقوم بهما بالضرورة.

(15) لما مر مرارا من أن المناط في الإنشاءات مطلقا الظهور العرفي المعتبر في المحاورات، سواء كان الظهور مستندا إلى الحقيقة أو المجاز كما تقدم في أول البيع.

(16) للأصل و الإطلاق بعد صدق المزارعة على الجميع.

(17) للإطلاق الشامل له مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(18) لظهوره العرفي المحاوري في المزارعة المعهودة بين الناس بلا

ص: 66

.....

______________________________

دليل على الخلاف فلا بد من الصحة لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها؛ و المعاملات العرفية لا بد في المنع عن شي ء منها من الردع عن الشارع، و مع عدم ثبوته تكفي الإطلاقات للصحة بعد الصدق العرفي، و قد صرح به في الشرائع و يدل عليه صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل يعطى الرجل أرضه و فيها ماء أو نخل أو فاكهة، و يقول: اسق هذا من الماء و أعمره و لك نصف ما أخرج اللّه عز و جل منه؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (1) بناء على عدم الفرق من هذه الجهة بين المزارعة و المساقاة كما هو مقتضى المرتكزات العرفية، و يشهد له خبر نضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان انه قال:

«في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره، فيقول: ثلث للبقر، و ثلث للبذر، و ثلث للأرض، قال: لا يسمى شيئا من الحب و البقر و لكن يقول: أزرع فيها كذا و كذا إن شئت نصفا و إن شئت ثلثا» (2)، فإن الظاهر انه نقل عن الإمام عليه السّلام لكونه من خواصه عليه السّلام، و كذا يدل على التوسعة في عقد المزارعة خبر أبي الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام: «انه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر؟ فقال عليه السّلام: لا ينبغي أن يسمى بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط- الحديث- (3)، فإن وقوعها بلفظ متكلم المضارع يدل على التوسعة فيها مما لا يوسع في غيرها.

و يمكن أن يجعل ذلك مقتضى القاعدة أيضا إذ المناط في العقود و الإيقاعات إبراز المراد بلفظ مفهم عرفي محاوري ما لم يرد فيه ردع شرعي و المقام كذلك بل ورد التقرير بصحيح يعقوب.

إن قيل: فيصح بناء على هذا في سائر المعاملات أيضا.

ص: 67


1- الوسائل باب: 9 من أبواب المزارعة: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب المزارعة: 5.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب المزارعة: 10.

المستقبل، أو الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء بها (19).

و كذا لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول (20)، و يصح الإيجاب من كل من المالك و الزارع (21)، بل يكفى القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي على الأقوى (22).

______________________________

يقال: نعم، لو لا ظهور إجماعهم على عدم الجواز فيها فلا وجه لمناقشة المسالك في المقام بل تقويته عدم الصحة بلفظ الأمر.

(19) لتحقق الظهور العرفي في المزارعة المعهودة في جميع ذلك فلا بد من الصحة و الإجزاء بعد شمول الإطلاق له أيضا، مع أن المستفاد من النصوص المتقدمة تسهيل الأمر فيها بما لم يسهل في غيرها كما عرفت.

(20) لأن القبول عبارة عن إبراز الرضاء بما أنشأه الطرف فيصح تعلقه بما يأتي كما يصح تعلقه بما سبق، فالمعاملة متقومة بالطرفين و إبراز الرضاء بتبادل العوضين فكل منهما ابتدأ يكون طرف المعاملة عرفا موجبا كان من ابتدأ أو قابلا، و تقدم في صحة تقدم القبول على الإيجاب في البيع ما ينفع المقام.

(21) لتحقق المعاهدة المعروفة بكل منهما، و كذا الحال في جميع العقود فيصح الإيجاب من كل واحد من الطرفين فيجوز في البيع أن يقول المشتري:

«اشتريت منك الثوب بدرهم» و يقول البائع «قبلت»، و في النكاح يقول الزوج للزوجة: «أنكحتك نفسي» و تقول الزوجة «قبلت» و كذا في سائر العقود و لكن الأحوط في النكاح ما هو المتعارف من كون الإيجاب من طرف الزوجة، و يدل على ذلك في المقام ما تقدم من خبري نضر بن سويد و أبي الربيع الشامي.

(22) لأنه لا فرق فيما يكون مبرزا للمعنى المعهود بين اللفظ و الفعل، و كل منهما معتبر في المحاورات العرفية في إبراز مقاصدهم المتعارفة من غير استهجان بينهم لذلك و لم يثبت ردع عنه شرعا بل مقتضي الإطلاقات التقرير، فكلما تحقق عقد و عهد تشمله الإطلاقات و العمومات الدالة على الصحة، سواء

ص: 68

و تجري فيها المعاطاة (23)، و إن كانت لا تلزم إلا بالشروع في العمل (24).

الثاني: البلوغ، و العقل، و الاختيار (25)، و عدم الحجر لسفه، أو فلس (26)، و مالكية التصرف في كل من المالك و الزارع (27).

نعم، لا يقدح حينئذ فلس الزارع إذا لم يكن منه مال، لأنه ليس

______________________________

كان الإيجاب و القبول لفظين أو فعلين أو بالاختلاف، هذا مع الصدق العرفي و أما مع عدم الصدق كذلك أو الشكل فيه فلا وجه لشمول الأدلة له، و المرجع حينئذ أصالة عمد ترتب الأثر و بذلك يمكن أن يجمع بين الأقوال فمن قال بعدم الصحة أي فيما إذا شك في الصدق و من قال بالصحة أي في مورد الصدق العرفي.

(23) لعموم أدلتها و إطلاقها الشامل لكل معاملة إلا ما خرج بالدليل- كما تقدم في أول البيع- و لا دليل في المقام على الخلاف، كما تقدم أن المراد بالمعاطاة ما تكون خالية عن الإيجاب و القبول اللفظي، سوآء تحقق التعاطي من الطرفين أو من طرف واحد فتتحقق بالإعطاء و الأخذ أيضا.

(24) بناء على عدم لزومها إلا بالتصرف كما نسب إلى المشهور، و ادعي عليه الإجماع و تقدم الكلام في أول البيع.

(25) هذه كلها من الشرائط العامة لكل عقد و معاملة، و تعرضنا لأدلة اعتبارها في أول البيع و هي تجري في الجميع بلا فرق فلا وجه للإعادة.

(26) لأن المزارعة تصرف مالي إن كان من الزارع مال، و التصرفات المالية يعتبر فيها عدم الحجر و تصح بنظر الحاكم الشرعي في الأول و الغرماء في الثاني.

(27) يعني أنه تصح المزارعة بمالكية التصرف أعم من ملك العين و المنفعة و الانتفاع و لا تختص بملك العين فتجري في الأراضي الخراجية و الموقوفة و ما كانت ملكا للغير و وقعت المزارعة بإذنه، و كذا في البذر إن أذن مالكه بكون نمائه للزارع مثلا فتخرج عن قاعدة «تبعية النماء للملك» حينئذ.

ص: 69

تصرفا ماليا (28).

الثالث: أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو جعل الكل لأحدهما لم يصح مزارعة (29).

الرابع: أن يكون مشاعا بينهما، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع- كالذي حصل أولا- و الآخر بنوع آخر، أو شرطا أن يكون ما حصل من القطعة الأخرى للآخر لم يصح (30).

الخامس: تعيين الحصة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك فلو قال ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أو لي شي ء من حاصلها بطل (31).

السادس: تعيين المدة بالأشهر و السنين، فلو أطلق بطل (32).

______________________________

(28) فينتفي شرطية عدم الحجر حينئذ تخصصا لا تخصيصا.

(29) لقوله عليه السّلام في الصحيح: «لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به، و لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس» (1)، مضافا إلى الإجماع هذا إذا كان بعنوان المزارعة و أما إن كان بعنوان المصالحة فلا بأس به.

(30) لظهور الإجماع، و ما تقدم من الصحيح، مضافا إلى أن الإشاعة هو المعهود بين الناس في مزارعاتهم فتنزل الأدلة عليه.

(31) لما تقدم من الأخبار، مضافا إلى الإجماع.

(32) لظهور الإجماع، و تعارف ذلك في المزارعات المعهودة بين الناس فتنزل الأدلة عليه.

و أما الاستدلال عليه بحديث: «نفي الغرر»، (2) و بأنها لازمة فلا بد من

ص: 70


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المزارعة و المساقاة: 3.
2- تقدم في ج: 17 صفحة: 8.

نعم، لو عين المزروع أو مبدأ الشروع في الزرع لا يبعد صحته إذا لم يستلزم غررا (33)، بل مع عدم تعيين ابتداء الشروع أيضا إذا كانت الأرض

______________________________

تعيين الأجل فيها كما يظهر عن المحقق، و بحديث أبي الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن أرض يريد رجل أن يتقبلها، فأي وجوه القبالة أحل؟ قال عليه السّلام: يتقبل الأرض من أربابها بشي ء معلوم إلى سنين مسماة فيعمر و يؤدى الخراج» (1).

فمخدوش إذ الأول لم يثبت إطلاقه، و الثاني أصل المدعى بنحو الكلية، و الأخير لم يعلم كونه من المزارعة المعهودة.

نعم، يصلح كل ذلك للاستشهاد به للمقام، و لكنه مع ذلك لا موضوعية لتعين المدة من حيث هي، و المناط كله إحراز إدراك النماء بوجه معتبر و لو لم تكن المدة معلومة تفصيلا، و يدل عليه إطلاق خبر الكرخي عن الصادق عليه السّلام:

«أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر و يكون على العلج القيام و السقي و العمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا، و تكون القسمة فيأخذ السلطان حقه، و يبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك» (2)، فلم يذكر فيه المدة بل ذكر الإدراك فقط فيكون سائر الأخبار الذي ذكر فيها ثلاث سنين أو خمس سنين (3)، طريقا لذلك.

(33) بل و مع استلزامه له في الجملة بما هو متسامح في المزارعة عند المتعارف، و في الجواهر ما لفظه: «و لا نهي عن مطلق الغرر على وجه يشمل هذه المعاملة التي هي بنيت عليه»، و بالجملة المدار على المتعارف في كل زمان و مكان في هذه المعاملة التي هي شائعة بين الناس الغير المبنية على المداقة.

ص: 71


1- الوسائل باب: 18 من أبواب المزارعة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 11 من أبواب المزارعة.

مما لا يزرع في السنة إلا مرّة (34) لكن مع تعيين السنة (35) لعدم الغرر فيه، و لا دليل على اعتبار التعيين تعبدا و القدر المسلم من الإجماع على تعيينها غير هذه الصورة (36)، و في صورة تعيين المدة لا بد و أن تكون بمقدار يبلغ فيه الزرع فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء (37).

السابع: أن تكون الأرض قابلة للزرع و لو بالعلاج، فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها، أو كان يستولي عليها الماء قبل أو ان إدراك الحاصل أو نحو ذلك، أو لم يكن هناك ماء للزراعة و لم يمكن تحصيله و لو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك و لم يمكن الاكتفاء بالغيث بطل (38).

______________________________

(34) لأن المدة معلومة حينئذ بحسب المتعارف لدى الزارعين، و لا دليل على اعتبار الأزيد من هذا المقدار من التعيين بل مقتضى الإطلاق عدمه.

(35) بل و مع التعيين أيضا إذا كانت المدة التي يدرك فيها الزرع معلوما عادة لعدم الغرر حينئذ فيها كما يأتي من الماتن.

(36) و إجماعهم على فرض الاعتبار ليس تعبديا بل حصل من ارتكازاتهم العرفية في مثل هذه الأمور، فيرجع بالأخرة إلى نظر متعارف أهل الخبرة بهذه الأمور.

(37) لأنها حينئذ من السفه الذي لا يقدم عليه العقلاء، و الظاهر أن المدار على ادراك النماء، لأن قوام المزارعة به و تعيين المدة طريق إليه لا أن تكون له موضوعية خاصة، و حينئذ فلو كان ادراك النماء معلوما و لم تكن المدة معلومة تفصيلا لا بأس به.

و من ذلك يعلم أن المدة لو كانت قليلة و لم تنطبق على ادراك النماء فهو سفه، و إن كانت كثيرة بحيث يحصل النماء قبله فهو لغو.

(38) كل ذلك لأن البطلان في جميعها من السالبة المنتفية بانتفاء

ص: 72

الثامن: تعيين المزروع من الحنطة و الشعير و غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه، فمع عدمه يبطل (39)، إلا أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين (40)، أو كان مرادهما التعميم (41) و حينئذ فيتخير الزارع بين أنواعه.

التاسع: تعيين الأرض و مقدارها فلو لم يعينها بأنها هذه القطعة أو تلك القطعة أو من هذه المزرعة أو تلك أو لم يعين مقدارها بطل مع اختلافها بحيث يلزم الغرر (42).

نعم، مع عدم لزومه لا يبعد الصحة كأن يقول: «مقدار جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها» أو «أي مقدار شئت منها» و لا يعتبر كونها شخصية فلو عين كليا موصوفا على وجه يرتفع الغرر فالظاهر صحته (43)،

______________________________

الموضوع فتكون أصل هذه المعاملة- مضافا إلى أنها سفهية- باطلة بالذات.

(39) لاختلاف الأغراض العقلائية في ذلك في جملة من الأراضي اختلافا كثيرا، و مع عدمه يوجب الجهالة بل قد يوجب الضرر إن لم تكن الأرض معدة لكل زراعة و كانت معدة لزراعة مخصوصة.

(40) لأن الانصراف المعتبر بمنزلة التعيين اللفظي.

(41) و كانت الأرض صالحة لذلك عند المتعارف و لا إشكال حينئذ في الصحة أن أقدم الناس عليه لفرض التعيين بنحو التعميم، و لو فرض وجود غرر في الجملة فهو مغتفر في المزارعة.

نعم، يضر الغرر الغير المتسامح فيه بلا إشكال، و أما مع عدم الإقدام من الناس بالنسبة إلى التعميم فلا ريب في البطلان.

(42) الغير المغتفر في المزارعة و الذي لا يتسامح فيه متعارف الناس في هذه المعاملة المبنية على الغرر في الجملة لديهم.

(43) كل ذلك لأن هذه المعاملة ليست مبنية على المداقة و المكايسة من

ص: 73

و حينئذ يتخير المالك في تعيينه (44).

العاشر: تعيين كون البذر على أي منهما و كذا سائر المصارف و اللوازم إذا لم يكن هناك انصراف مغن عنه و لو بسبب التعارف (45).

مسألة 1: لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع

(مسألة 1): لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع، بل يكفي كونه مسلطا عليها بوجه من الوجوه كأن يكون مالكا لمنفعتها بالإجارة أو الوصية أو الوقف عليه، أو مسلطا عليها بالتولية كمتولي الوقف العام أو الخاص و الوصي، أو كان له حق اختصاص بها بمثل التحجير و السبق و نحو ذلك (46)، أو كان مالكا للانتفاع بها كما إذا أخذها بعنوان

______________________________

هذه الجهات فمقتضى الإطلاقات الصحة ما لم يدل دليل على المنع، و لا فرق في الكلي بين كونه من الكلي في المعين أو غيره لشمول الإطلاق للجميع مع وجود السيرة في الجملة.

(44) لأن من لوازم جعل المورد غير معين بالخصوص هو تخيير من استولى عليه كما في جميع العقود المتضمنة للكلي، و يمكن جعل التخيير بالنسبة إلى الزارع إن استفيد ذلك من القرائن.

(45) فيتبع المتعارف حينئذ لأنه كالتعيين، و يأتي في مستقبل الكلام ما ينفع المقام.

(46) كل ذلك للأصل و الإطلاق و السيرة و المستمرة في الوقف، و عدم ما يصلح للمنع مطلقا.

و ما يقال: من أن حق التحجير و نحوه يفيد الأولوية بالاحياء و لا يفيد الاختصاص بمنافعه.

مدفوع: بأنه يجوز جعل المزارعة فيه من متممات مالكية من له حق السبق و حق التحجير، إذ لا يعتبر في حدوث هذا الحق و في وصوله إلى مرتبة الملكية المباشرة قطعا كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

ص: 74

المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره، بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة (47).

نعم، لو لم يكن له فيها حق أصلا لم يصح مزارعتها (48)، فلا يجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك فإن المزارع و العامل فيها سواء.

نعم، يصح الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك، لكنه ليس حينئذ من المزارعة المصطلحة (49)، و لعل هذا مراد الشهيد قدس سرّه في المسالك (50) من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين قاطبة إلا مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر، فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها، و إلا فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان، كما

______________________________

(47) لشمول الإطلاقات لكل فرد من أفراد هذه المعاملة المبنية على المسامحة ما لم يدل دليل على المنع و هو مفقود.

(48) لأصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم شمول الأدلة لذلك أو الشك في الشمول.

(49) لتغاير الموضوعين شرعا و عرفا و عقدا و لغة كما هو معلوم.

(50) و قد حمل في الجواهر كلام الشهيد على ذلك أيضا، و قال: «و دعوى ظهور كلامه في اعتبار ملكية العين في المزارعة مقطوع بفسادها فإن القواعد و النصوص و الفتاوي صريحة في خلافها، و يبعد خفاء مثل ذلك على مثله» أقول يعني: بملاحظة النصوص و القواعد و مقام فقاهة الشهيد يكون كلامه غير ظاهر في عدم اعتبار ملكية العين في المزارعة، و إلا فلو خلي كلامه عن هذه الجهات الخارجية يكون كلامه ظاهرا في اعتبار ملكية العين فراجع المسالك و تأمل.

ص: 75

يدل عليه جملة من الأخبار (51).

مسألة 2: إذا أذن لشخص في زرع أرضه

(مسألة 2): إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما فالظاهر صحته، و إن لم يكن من المزارعة المصطلحة (52) بل لا يبعد كونه منها أيضا (53)، و كذا لو أذن

______________________________

(51) كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث؟ قال: نعم، لا بأس به قد قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر، و الخبر: هو النصف» (1)، و خبر الفيض بن المختار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثمَّ أوجرها أكرتي على أن ما أخرج اللّه منها من شي ء كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان؟ قال عليه السّلام: لا بأس به كذلك أعامل أكرتي» (2)، و ما تقدم من صحيح ابن شعيب في الشرط العاشر فراجع.

(52) أما أصل الصحة فلوجود المقتضي لها و هو تراضي الطرفين على هذه المعاملة و فقد المانع عنها، إذ المانع المتوهم في المقام إنما هو الغرر و لا وجه له بعد معلومية العمل و سائر الجهات و مقدار الحاصل بحسب المتعارف مع عدم بناء المتعارف على المداقة في هذه الأمور فتشمله إطلاق التجارة عن تراض.

و أما عدم كونه من المزارعة المعهودة فقيل فيه إن مجرد الإذن من الإيقاع، و المزارعة عقد لازم فلا وجه لكونه منها.

و هو باطل، لأن الإذن مع العمل يصير عقدا و تقدم في الشرط الأول جواز كون القبول فعلا، و قد اغتفر في المزارعة ما لم يغتفر في غيرها من العقود.

(53) لصدق المزارعة فيشمله إطلاق دليلها.

ص: 76


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المزارعة و المساقاة: 8.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب المزارعة و المساقاة: 3.

لكل من يتصدى للزرع و إن لم يعين شخصا، و كذا لو قال: «كل من زرع أرضي هذه أو مقدارا من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه»- مثلا- فأقدم واحد على ذلك (54)، فيكون نظير الجعالة (55) فهو كما لو

______________________________

نعم، لو تردد العرف في الصدق و عدمه يشكل التمسك بالإطلاق حينئذ، و لكن الظاهر عدم ترددهم في الصدق فيكون للمزارعة عرض عريض جدا، فكلما صدق عليه هذا العنوان يترتب عليه حكمها، سواء كان بنحو ما هو المعهود بين الفقهاء أو بغيره مما يقدم عليه المتعارف من العقلاء.

(54) و كل ذلك من المزارعة المعهودة بين الناس لأنهم يقدمون على هذا المورد بعنوان انها من المزارعة الشائعة بينهم، و لم يرد نهى عن ذلك فتشملها الإطلاقات و العمومات و توهم أن هذه كلها إيقاع لا أن يكون من العقود مع أن المزارعة عقد، فلا وجه لكونها من المزارعة المعهودة.

مدفوع، بأن ما ذكر عقد مركب من اللفظ و الفعل و لا بأس به في المزارعة كما مر.

ثمَّ ان الفرق بين هذه الأقسام واضح لا يحتاج إلى البيان، إذ الأول تخصيص للإذن بشخص مخصوص، و الثاني تعميم في الإذن، و الثالث من مجرد التسبيب.

(55) المقصود من التنظير و التشبيه إنما هو في مجرد حدوث التسبب إلى شي ء و الإذن في تحصيله، لا أن يكون المقصود من التشبيه كون الجعالة إيقاعا أو عقدا أو من مجرد التسبب المحض إلى حصول شي ء، إذ ليس المقصود في المقام التعرض له، و الوجوه المتصورة في الجعالة ثلاثة- كما تقدم- كونها عقدا مركبا من إيجاب لفظي و قبول فعلي، و لكن وسع فيه بما لم يوسع في غيرها من العقود، كعدم المقارنة بين الإيجاب و القبول، و عدم لزوم مخاطب خاص

ص: 77

.....

______________________________

للقبول، و صحة كون القابل صغيرا بل و غير مميز.

كما قيل و نحو ذلك مما لا يقولون به في سائر العقود، و لا بأس بذلك بعد دلالة الدليل فيصح جعلها عقدا مع هذه التوسعة بعد دلالة الدليل على صحتها بنحو الإطلاق، كما يصح كونها إيقاعا، كما يصح أن تكون من سنخ التسبيبات الصادرة من الشارع مثل قوله: من فعل كذا فله كذا، فلا يكون حينئذ عقدا و لا إيقاعا، و يختلف ذلك باختلاف الموارد و القرائن و الخصوصيات.

فتارة: ينطبق عليه عنوان العقد.

و أخرى: عنوان الإيقاع.

و ثالثة: عنوان مجرد التسبب و لا محذور من عقل أو شرع في أن ينطبق على شي ء واحد عناوين مختلفة بحسب الجهات و الخصوصيات.

و بذلك يمكن أن يجمع بين شتات الكلمات كما تقدم في كتاب الجعالة.

و لا يخفى أن الجعالة و المزارعة و المضاربة مبنية على الجهالة في الجملة.

ثمَّ أن الجعالة جعل الجاعل شيئا على نفسه لغيره على فرض حصول العمل من الغير، و حيث إن هذا كان هو الغالب في الأزمنة القديمة عبر بذلك، و يصح أن يقال: «انها جعل الجاعل شيئا على نفسه على فرض وصول عوض إليه»، مثل قول صاحب الفندق: «كل من بات في فندقي فلي عليه كل ليلة دينار مثلا»، و يشمله عموم دليل الجعالة، و لا ينافي العموم كون بعض الأفراد أغلبي الوجود في الخارج في عصر صدور الروايات.

و بالجملة الجعالة بالمعنى اللغوي شامل للجميع، و بهذا المعنى تكون مورد بحث الفقهاء، و غلبتها الوجودية في فرد لا يوجب انحصارها فيه فالجعالة بجميع مراتبها صحيحة، للإطلاقات و العمومات.

إن قيل: فعلى ما قلت ليست للجعالة حقيقة معلومة معينة، لكونها عقدا تارة و إيقاع أخرى و تسببا ثالثة.

يقال: حقيقتها التسبب إلى حصول المقصود بعقد كان أو إيقاع أو

ص: 78

قال: «كل من بات في خاني أو داري فعليه في كل ليلة درهم» أو «كل من دخل حمامي فعليه في كل مرة ورقه» فإن الظاهر صحته للعمومات إذ هو نوع من المعاملات العقلائية (56)، و لا نسلم انحصارها في المعهودات (57)، و لا حاجة إلى الدليل الخاص لمشروعيتها، بل كل معاملة عقلائية صحيحة إلا ما خرج بالدليل الخاص، كما هو مقتضى العمومات.

مسألة 3: المزارعة من العقود اللازمة لا تبطل إلا بالتقايل

(مسألة 3): المزارعة من العقود اللازمة (58) لا تبطل إلا بالتقايل (59) أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط- أي تخلف بعض الشروط المشروطة على أحدهما (60).

و تبطل أيضا بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك (61)، و لا تبطل بموت أحدهما (62) فيقوم وارث الميت

______________________________

غيرها، و ذلك لمكان التوسعة فيها بما لا يوسع في غيرها من حيث الجهالة، و هذه التوسعة تستلزم عرفا التوسعة في السبب أيضا.

(56) هذا إذا لم تدخل في موضوع الجعالة، و إلا فتشملها أدلة نفس الجعالة بلا احتياج إلى جعلها معاملة مستقلة.

(57) بل مقتضى العمومات و الإطلاقات عدم الانحصار كما يأتي في المتن.

(58) لما تقدم في أول البيع من أصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل.

(59) لإطلاق دليله الدال على جريانه في كل عقد إلا ما خرج بالدليل.

(60) لإطلاق أدلة الخيارين الدال على جريانهما في المزارعة أيضا، و كذا جميع الخيارات التي لا تختص بخصوص البيع و يجري دليله في كل معاملة.

(61) لانتفاء الموضوع فتنتفي المعاهدة الا محالة بانتفاء موضوعها.

(62) للأصل و ظهور الإجماع.

ص: 79

منهما مقامه (63).

نعم، تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل، (64)، سواء كان قبل خروج الزرع أو بعده (65)، و اما المزارعة المعاطاتية فلا تلزم إلا بعد التصرف (66) و أما الإذنية فيجوز فيها الرجوع دائما (67)، لكن إذا كان بعد الزرع و كان البذر من العامل يمكن دعوى لزوم إبقائه إلى حصول الحاصل لأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه (68)، و فائدة و الرجوع أخذ

______________________________

(63) لعموم أدلة الإرث الشامل لذلك أيضا.

(64) لانتفاء الموضوع إن كان اعتبار المباشرة بنحو التقييد الحقيقي و وحدة المطلوب، و أما إن كان بنحو تعدد المطلوب فيوجب ذلك ثبوت الخيار للمالك و ينتقل الحق إلى وارث العامل متعلقا بحق الخيار للمالك.

(65) لانتفاء الموضوع الشامل لكل واحد من الصورتين، و أما حصة العامل فإن كان عمله مشروطا بإتمام العمل بنحو التقييد الحقيقي فلا شي ء له من الحصة و ليست له أجرة المثل أيضا لإقدامه على هتك عمله، و إن لم يكن كذلك فله من الحصة ما تعاهدا عليه فتنتقل الحصة إلى الورثة حينئذ.

(66) لما تقدم في أول البيع من عدم لزومها إلا بعد التصرف على المشهور فراجع.

(67) لأنها مزارعة اصطلاحية، لكن تعاهدهما على عدم اللزوم و الرجوع مهما شاءا يمنع عن شمول ما دل على لزوم كل عقد لمثلها، و تكون كمزارعة جعلا فيها الخيار بأن يرجعا عنها مهما شاءا و أرادا.

(68) لأن المتعارف من الإذن في الزرع عند أهل الخبرة بهذه الأمور بل عند العقلاء مطلقا بعد توجههم إلى أن الغرض المهم من الزرع هو الثمرة و النتيجة، إنما هو الإذن في البقاء إلى حصول النتيجة لا في مجرد حدوث الزرع، فيكون الإبقاء و البقاء من اللوازم المتعارفة فيشمله الإذن بالدلالة الالتزامية، و هذا

ص: 80

أجرة الأرض منه حينئذ و يكون الحاصل كله للعامل (69).

مسألة 4: إذا استعار أرضا للمزارعة ثمَّ أجرى عقدها لزمت

(مسألة 4): إذا استعار أرضا للمزارعة (70) ثمَّ أجرى عقدها لزمت (71)، لكن للمعير الرجوع في إعارته (72) فيستحق أجرة المثل

______________________________

هو معنى القاعدة المعروفة: «أن في الشي ء إذن في لوازمه» و يمكن استفادة اعتبار القاعدة من الأخبار أيضا كما سيأتي في محله، فيسقط حينئذ حق رجوع المالك عن إذنه عند العرف، لأنه أسقط هذا الحق بنفسه في الاذن بالإبقاء بالدلالة الالتزامية المعتبرة عرفا، و من ذلك يظهر ان ما أطال به بعض الشراح من الإشكال على الماتن لا وجه له.

ثمَّ انه قد ذكروا نظير هذه المسألة في موارد متعددة منها ما تقدم في الرجوع عن الإذن بعد الدفن (1)، و منها ما مر في الرجوع عن الإذن بعد الشروع في الصلاة (2)، و غيره مما مر و قد أطالوا الكلام في كل واحد من تلك الموارد مع عدم نص خاص في البين، و من أثبت جواز الرجوع لا بد له أن يتمسك بقاعدة السلطنة، و من منعه لا بد له أن يسقط القاعدة من جهة إقدام المالك عن الإبقاء كما مر فيصير النزاع في الجميع صغرويا.

(69) لقاعدة تبعية النماء للملك.

(70) مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار كون الأرض ملكا لصاحب الأرض في المزارعة، بل يكفي مجرد استيلائه على الانتفاع منها بأي وجه أمكن شرعا مباشرة أو تسبيبا.

(71) لما تقدم من لزوم عقد المزارعة، فالمقتضي للزوم- و هو التسلط على الانتفاع من الأرض- موجود و المانع عنه مفقود.

(72) أما احتمال جواز الرجوع فلعدم لزوم العارية، و قاعدة «سلطنة الناس

ص: 81


1- راجع ج: 4 صفحة: 258.
2- تقدم في ج: 5 صفحة: 404.

لأرضه على المستعير (73) كما إذا استعارها للأجرة فآجرها بناء على ما هو الأقوى من جواز كون العوض لغير مالك المعوض (74).

مسألة 5: إذا شرط أحدهما على الآخر شيئا في ذمته

(مسألة 5): إذا شرط أحدهما على الآخر شيئا في ذمته أو في الخارج

______________________________

على أموالهم».

و أما احتمال عدم جوازه لأن إقدام المعير على إعارة أرضه للزراعة التزام منه ببقاء العارية إلى حين حصول النتيجة، و هذه المسألة من احدى الموارد التي مرت الإشارة إليها آنفا من أنهم أطالوا الكلام فيها، مع أن الالتفات إلى أن المعير التزام بالبقاء و الإبقاء يسقط حق المعير عن الرجوع، فلا مجال لبعض التطويلات.

(73) يعني بالنسبة إلى ما بعد الرجوع لا ما قبله لفرض كون المستعير مأذونا في التصرف فيها ما لم يرجع المعير عن إذنه، و لا وجه لأجرة المثل مع الإذن.

(74) للإطلاقات و العمومات الشاملة لما إذا كان العوض ملكا لمالك المعوض و لما إذا لم يكن كذلك، مع أن المقام لا ربط له بما ذكره قدس سرّه، لأن المفروض أنه مستول على استيفاء المنفعة- مباشرة أو تسبيبا- و يكفي في صحة المزارعة و الإجارة التسلط على استيفاء المنفعة مطلقا، و لا نحتاج إلى ملك العين، فلا وجه للإشكال بأن الاستعارة إباحة الانتفاع و المنفعة، و الإجارة استيفاء بعوض المنفعة فإنه مردود، بأنه إذا كان المعير ملتفتا إلى ذلك فكأنه أباح الانتفاع و المنفعة بالمعنى الأعم من ذاتهما و عوضهما.

و أما حديث أنه لا بد و أن يكون العوض لمالك المعوض فلا ريب في انه من الأمور الغالبية، و أما كونه مقوما لحقيقة المعاوضة فلم يثبت بعقل أو نقل لأن قوام المعاوضة بتبادل المالين و يستلزم ذلك تبادل المالكين في الجملة، و الغالب فيه دخول المعوض في ملك مالك العوض، و قد يكون العوض

ص: 82

- من ذهب أو فضة أو غيرهما- مضافا إلى حصته من الحاصل صح (75).

و ليس قراره مشروطا بسلامة الحاصل (76)، بل الأقوى صحة استثناء مقدار معين من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعا بينهما (77).

______________________________

لشخص و المعوض لشخص آخر كما في قول المالك: «اشتر بمالي لنفسك شيئا»، و قد تقدم البحث فيه في أول البيع فراجع.

و أما احتمال أن في الاستعارة للإجارة أن المعير يملك الأجرة ثمَّ هو ينقلها إلى المؤجر و في مثل اشتر بمالي لنفسك شيئا تمليك المال، أولا، إلى المشتري ثمَّ إنشاء البيع أو تملك ما اشتراه المشتري أولا، ثمَّ رده إلى المشتري.

فتكلف و خارج عن سياق الاستعارة للإجارة.

(75) نسب ذلك إلى المشهور و عامة المتأخرين، لعموم أدلة الشروط الشامل لجميع ما ذكر في المقام، و يدل عليه أيضا خبر ابن اليسع قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يزرع له الحراث بالزعفران، و يضمن له على أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهما، فربما نقص و غرم و ربما استفضل و زاد؟ قال عليه السّلام: لا بأس به إذا تراضيا» (1).

(76) للأصل و الإطلاق بعد عدم دليل على هذا الشرط إلا تنظير المقام باستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع، لأنه لو تلف البعض منه سقط بحسابه.

و فيه: أنه قياس أولا و مع الفارق ثانيا؛ لأن المقام الشرط في الذمة و المقيس عليه في الخارج و حصة خارجية.

نعم، لو كان في البين انصراف معتبر إلى اشتراط السلامة أو قرينة معتبرة دالة عليه يتبع لا محالة، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(77) كما عن جمع منهم الشيخ و ابني البراج و إدريس و غيرهم للأصل

ص: 83


1- الوسائل باب: 14 من أبواب المزارعة و المساقاة: 1.

.....

______________________________

و الإطلاق، و نسب إلى المشهور البطلان، و استدل عليه.

تارة:- كما عن المحقق في الشرائع- بجواز أن لا تحصل الزيادة فينتفي الإشاعة و موضوع المزارعة.

و أخرى: بعدم المشروعية بعد كون العقود متلقاة من الشارع، و هذا النحو من المزارعة لم تتلق منه كما عن المحقق الثاني في جامع المقاصد.

و ثالثة: بأن ذلك خلاف وضع المزارعة كما عن المسالك.

و رابعة: بأنه من سنخ تمليك المعدوم و هو باطل.

و الكل مردود .. أما الأول: فلا وجه له مع اشتراط العلم ببقاء مقدار آخر يكون مشاعا بينهما.

كما لا وجه للثاني بعد العمومات و الإطلاقات المنزل على العرفيات إلا مع دليل على الخلاف و هو مفقود، و لا أساس لكون العقود متلقاة من الشارع أصلا لأنها عرفيات معتبرة مطلقا إلا ما ثبت الردع عنها، كما قررنا ذلك في هذا الكتاب مكررا.

و كذا الثالث لأن وضع المزارعة على الإشاعة في الجملة و هو في المقام حاصل.

و أما الرابع فلا ريب في بطلانه، لأن المعدوم على أقسام:

الأول: العدم المطلق من كل حيثية و جهة بحيث لا احتمال لانقلابه إلى الوجود و العاقل بما هو عاقل لا يقدم على العقد و المعاملة بالنسبة إليه.

الثاني: العدم الذي اصطلحوا عليه ب- (عدم الملكة)، أي: ما من شأنه أن ينقلب إلى الوجود و له آثار خاصة في فني الأصول و المعقول.

الثالث: العدم الفعلي الذي له معرضية عرفية للوجود، و يقدم عليه العرف و العقلاء بالعقد عليه و ترتيب الأثر، و يصح أن يصير موردا للتمليك و النقل و الانتقال باعتبار المعرضية العرفية، و على ذلك يدور جملة من المباحث الفقهية خصوصا في المعاملات، و من ذهب إلى عدم الصحة بالنسبة إلى قسم الأخير خلط بين الأقسام و لم يفرق فيها في الأحكام كما هو واضح، و التفصيل هنا بأزيد من ذلك من التطويل بلا طائل.

ص: 84

فلا يعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما على الأقوى (78) كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه أو استثناء مقدار خراج السلطان أو ما يصرف في تعمير الأرض (79)، ثمَّ القسمة، و هل يكون قراره في هذه الصورة مشروطا بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار (80) أو لا؟

وجهان (81).

______________________________

(78) للأصل و الإطلاق بعد صدق المزارعة عرفا و لا دليل على الخلاف، و ما ذكر من الدليل على الخلاف مرت الخدشة فيها.

(79) لإطلاق الأدلة، و السيرة في الجملة، و خبر الكرخي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر، و يكون على العلج القيام و السقي و العمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا، و تكون القسمة فيأخذ السلطان حقه و يبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك، قلت: فلي عليه أن يرد على مما أخرجت الأرض البذر و يقسم ما بقي؟ قال: انما شاركته على أن البذر من عندك و عليه السقي و القيام» (1)، و في صحيح ابن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (2).

(80) تقدم ما يتعلق باستثناء الأرطال في بيع الثمار فراجع (3).

(81) بعد كون مفروض المسألة استثناء هذه الأمور من الحاصل يتعين الأول و يسري النقص إلى المستثنى أيضا، و لا يبقى للاحتمال الثاني موضوع.

هذا إذا كان ذلك بعنوان الاستثناء و الإشاعة، و أما إن كان على الذمة فقد تقدم حكمه، و إن كان بعنوان الكلي في المعين فلا ينقص منه شي ء ما دام

ص: 85


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة 1، 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة 1، 2.
3- تقدم في ج: 18 صفحة: 67.

مسألة 6: إذا شرط مدة معينة يبلغ الحاصل فيها غالبا فمضت و الزرع باق لم يبلغ

(مسألة 6): إذا شرط مدة معينة يبلغ الحاصل فيها غالبا فمضت و الزرع باق لم يبلغ فالظاهر أن للمالك الأمر بإزالته بلا أرش (82)، أو إبقائه و مطالبة الأجرة إن رضى العامل بإعطائها (83)، و لا يجب عليه الإبقاء بلا أجرة، كما لا يجب عليه الأرش مع إرادة الإزالة لعدم حق للزارع بعد المدة و الناس مسلطون على أموالهم (84)، و لا فرق بين أن يكون ذلك

______________________________

الكلي باقيا.

(82) أما جواز الإزالة فيظهر منهم التسالم عليه، و أرسله في الشرائع و التحرير و المسالك و غيرها إرسال المسلمات، و تدل عليه قاعدة السلطنة و لا تعارض بقاعدة الضرر بدعوى: إن الإزالة ضرر على العامل لأن إبقاء الزرع محدود بحد معين غالبا فكأن الإقدام المعاملي وقع على هذا الحد المعين عرفا، و وقع على التضرر لو لم يبلغ الزرع إلى هذا الحد المعين.

و أما عدم الأرش فهو مقتضى الأصل من غير دليل على الخلاف و ظاهرهم- ممن عدى العلامة- التسالم عليه، كما أن ظاهرهم في المغارسة ذلك أيضا.

(83) لقاعدة: «ان الاستفادة من مال الغير لا بد له من العوض و البدل ما لم تكن مجانية في البين».

(84) و لا تعارض بقاعدة الضرر للإقدام المعاملي على حد معين، و مع عدم بلوغ المقصود في ذلك الحد فهو إقدام على التضرر و لو حصل، فلا موضوع لجريان قاعدة الضرر من جهة إقدامه عليه.

نعم، لو كان في البين شرط أو قرينة معتبرة على الإبقاء إلى بلوغ المقصود و لو بعد الحد المعين يتبع و ليس للمالك الإزالة حينئذ لحكومة قاعدة الضرر على قاعدة السلطنة، و لكن لو تضرر المالك بالإبقاء أيضا كما يتضرر الزارع بالقلع لا بد حينئذ من ملاحظة أقوى الضررين أو تصالح منهما في البين.

ص: 86

بتفريط الزارع أو من قبل اللّه كتأخير المياه أو تغير الهواء (85)، و قيل بتخييره (86) بين القلع مع الأرش و البقاء مع الأجرة، و فيه ما عرفت (87) خصوصا إذا كان بتفريط الزارع (88) مع أنه لا وجه لإلزامه العامل بالأجرة بلا رضاه (89).

نعم، لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا أجرة أو معها إن مضت المدة قبله لا يبعد صحته (90) و وجوب الإبقاء عليه.

______________________________

(85) لإطلاق الدليل الشامل لكل ذلك كما مر.

(86) نسب ذلك إلى العلامة في قواعده مع أنه في تحريره ذهب إلى الخلاف.

(87) من أن مقتضى الأصل عدم الأرش بعد عدم دليل عليه.

(88) فإنه هو الذي أدخل الضرر حينئذ على نفسه جزما فلا وجه لتدارك المالك له بالأرش.

(89) لأصالة عدم هذا الحق بالنسبة إلى المالك و انّما له السلطنة على ماله فقط.

(90) لعموم أدلة الشروط و إطلاقها الشامل للمقام و لم يذكروا مانعا في البين إلا انه من الجهالة، بل ذكر بعضهم أن الجهالة تتعدى إلى عقد المزارعة فيبطل أصل العقد.

و غفلوا عن أن المزارعة مبنية على الجهالة في الجملة حتى أن صاحب الجواهر في أول كتاب المزارعة أعترف بذلك، و في المقام أشكل فقال في أول الكتاب؛ «و لا نهي عن مطلق الغرر على وجه يشمل هذه المعاملة التي هي مبنية عليه».

و الحق أن الغرر و الجهالة على قسمين:

الأول: ما لا يقدم عليه متعارف الناس و لو أقدم عليه لاموه و وبّخوه، و لا

ص: 87

مسألة 7: لو ترك الزارع الزرع بعد العقد

(مسألة 7): لو ترك الزارع الزرع بعد العقد و تسليم الأرض إليه حتى انقضت المدة ففي ضمانه أجرة المثل للأرض (91)- كما إنه يستقر عليه

______________________________

ريب في أنه غير مقدم عليه عرفا، و لا نحتاج إلى النهي عنه شرعا فيكون النهي عنه إرشادا إلى ما ارتكز في أذهانهم كما في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «نهى عن بيع الغرر» (1).

أو «نهي عن الغرر» (2).

الثاني: الغرر الذي بناء متعارف الناس على المسامحة فيه بحيث لو بنى أحد على المداقة و المكايسة يلام و يوبخ، و لا وجه لنفيه في الشريعة المبنية على التسهيل و التيسير، و الغرر في المقام على فرض وجوده من الثاني لا الأول فراجع حالات الناس في مزارعاتهم و تأمل، فلا وجه لبطلان الشرط فضلا عن سرايته إلى بطلان العقد، هذه خلاصة ما قرره بعض مشايخنا العظام «قدست أسرارهم في دار السلام».

(91) قال به جمع- منهم المحقق في الشرائع- و نسب إلى ظاهر الأصحاب أيضا، للتفويت، و الإتلاف، و قاعدة «اليد» و قاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و قاعدة «نفي الضرر».

و الكل مردود. أما الأولان: فلأنه لا تفويت و لا إتلاف المال الغير في البين، إذ لا مال بعد حتى يتحقق التفويت، و الإتلاف و يثبت الضمان و انما يجب عليه الاستنماء و تسليم الحصة بعد القسمة، و هذا يوجب الإثم بالمخالفة لما التزمه على نفسه بالعقد لا الضمان.

إن قيل: إن التفويت من حيث كونه سببا لتضرر المالك فيثبت الضمان من هذه الجهة.

يقال: لا تضرر على المالك في شي ء و إنما هو عدم وصول النفع إليه، كما إذا حبس أحد حرا فحرمه و منعه عن عمله و لا يقولون فيه بالضمان.

ص: 88


1- تقدم في ج: 17: صفحة: 8.
2- تقدم في ج: 17: صفحة: 8.

المسمى في الإجارة (92)- أو عدم ضمانه أصلا (93) غاية الأمر كونه

______________________________

و منه يظهر أنه لا وجه لجريان قاعدة «اليد» إذ ليس تحت يد العامل شي ء إلا الأرض و هي أمانة لم ينقص منها شي ء فلا وجه للضمان، كما أنه لا موضوع لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» أيضا.

أما الأول: فلأن الأرض أمانة و في الأمانة الصحيحة لا ضمان في البين.

و أما ثانيا: فلأن المنساق من القاعدة ما إذا كان الفساد من الأول لا مثل المقام.

و أما توهم: أن الضمان هنا ضمان المعاوضة و لا ربط له باليد و الإتلاف لأن الأرض إنما أعطيت إلى العامل بإزاء العمل، و تقدم في معنى المزارعة أنها اما إجارة الأرض للعمل أو إجارة النفس فيكون الضمان ضمان المعاوضة.

ففيه أولا: أنه لم يعلم من الأدلة كونها من الإجارة موضوعا.

نعم، هو احتمال من الاحتمالات ثبوتا، إذ يحتمل كونها من المشاركات لا المعاوضات.

و ثانيا: إن ظاهر قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» في المعاوضات انما هو فيما إذا كانت المعاوضة فاسدة من الأول لا فيما إذا امتنع أحد المتعاوضين عن الوفاء بما التزم فيبطل أصل العقد حينئذ، فلا بد في الضمان من الاستناد إلى قاعدة أخرى، و التمسك لإثبات الضمان بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و أما قاعدة: «نفي الضرر» فإنما يوجب الخيار لا الضمان.

(92) القياس مع الفارق لأن في الإجارة المنفعة خرجت من ملك المالك و دخل في ملك المستأجر و تسلمها بتسلم العين، و في المقام لم يملك العامل شيئا و انما حصل له حق التصرف في الأرض و الزرع و استنمائه فلا ربط لأحدهما بالآخر.

(93) لعدم موجب له كما مر.

ص: 89

آثما (94) بترك تحصيل الحاصل، أو التفصيل بين ما إذا تركه اختيارا فيضمن أو معذورا فلا (95)، أو ضمانه ما يعادل الحصة المسماة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة (96)، أو ضمانه بمقدار تلك الحصة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث و من قيمة عمل الزارع (97)، أو الفرق بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن و بين صورة عدم اطلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن (98) وجوه، و بعضها أقوال.

فظاهر بل صريح جماعة الأول، بل قال بعضهم يضمن النقص

______________________________

(94) لوجوب الوفاء بالعقود مع التمكن و عدم العجز فيكون تركه إثما لا محالة.

(95) تقدم انه لا منشأ لضمان أجرة الأرض مع الاختيار فضلا عن العذر،

(96) لا دليل له إلا الإتلاف و تقدم انه لا وجه له، إذ ليس في الخارج مال للمالك و أتلفه العامل حتى يضمن، و كذا بالنسبة إلى التفويت.

(97) أي: بمقدار ما يصرف من العمل في استنماء حصة المالك لكون هذا المقدار ملكا للمالك.

و فيه: أما بالنسبة إلى ضمان الحصة فلما تقدم في سابقة من عدم دليل و كذا بالنسبة إلى قيمة العمل فلا ضمان أيضا للأصل، و لأنه لم يصر ملكا للمالك، و إنما العمل للعامل و يجب عليه دفع حصة المالك من عمله بمقتضى معاهدته.

(98) أما عدم الضمان في الأول فمعلوم لاقدام العامل بنفسه على عدم النفع.

و أما الضمان في الأخير فلا بد و أن يكون مدركه إحدى الوجوه التي ذكرت في أول المسألة، و تقدم أن كلها مردودة فلا وجه للضمان أصلا.

ص: 90

الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص (99) و استظهر بعضهم الثاني، و ربما يستقرب الثالث، و يمكن القول بالرابع، و الأوجه الخامس، و أضعفها السادس (100).

ثمَّ هذا كله إذا لم يكن الترك بسبب عذر عام و إلا فيكشف عن بطلان.

المعاملة (101)، و لو انعكس المطلب بأن امتنع المالك من تسليم الأرض

______________________________

(99) ان كان هذا من جهة التفريط فلا ريب و لا إشكال في ضمانه، و إلا فلا وجه له لقاعدة «عدم تضمين الأمين إلا مع التعدي و التفريط».

(100) ظهر من جميع ما تقدم انه لا وجه لجميع الأقوال إلا الثاني، لأن الضمان مطلقا يدور مدار إحدى الوجوه المزبورة في الوجه الأول، و ظهر مما مر ضعفها بلا فرق في ذلك كله بين كون الأرض تحت استيلاء العامل أو المالك أو هما معا لجريان الأصل و عدم تمامية دليل الضمان في الجميع، كما أنه ظهرت الخدشة لإثبات الضمان بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

و يمكن اختلاف الحكم باختلاف الجهات و الخصوصيات الخارجية الغير المحدودة بحد خاص، فتصير تلك الخصوصيات.

تارة: منشأ للضمان عند أهل الخبرة.

و أخرى: موجبا للنقص الحاصل فيصير جميع تلك الأقوال من باب النزاع اللفظي المختلف باختلاف تلك الخصوصيات المحفوفة بالموضوع، و لكن الأحوط التراضي مطلقا خصوصا فيما إذا كانت الأرض تحت استيلاء العامل

(101) لما مر في الشرط السابع من اشتراط كون الأرض قابلة للزراعة فينتفي المشروط بانتفاء الشرط، و لا ضمان حينئذ على العامل بوجه للأصل بعد عدم دليل عليه.

نعم، لو أمكن زرع شي ء آخر غير ما ذكر في عقد المزارعة و أذن له

ص: 91

بعد العقد فللعامل الفسخ (102) و مع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصته من منفعة الأرض (103) أو ما يعادل حصته من الحاصل بحسب التخمين (104)، أو التفصيل بين صورة العذر و عدمه (105)، أو عدم الضمان حتى لو قلنا به في الفرض الأول بدعوى الفرق بينهما (106).

______________________________

المالك و لم يفعل دخل في المسألة السابقة.

(102) لأن التسليم من الشروط البنائية الارتكازية العقلائية المقررة شرعا فمع عدم تحققه يثبت خيار تخلف الشرط لا محالة.

(103) لكون الزارع مسلطا على الأرض، و المالك قد حال بين الزارع و بين انتفاعه بعمله في الأرض التي يكون الزارع مسلطا عليه بمقتضى القرار المزارعي.

و فيه: انه مخالف لما تسالموا عليه من أن منافع الحر انما يضمن بالاستيفاء لا بالتفويت، و جميع ما تقدم في المسألة السابقة لعدم الضمان يجري هنا أيضا.

(104) لأن حق العامل في الواقع في حصته فقط لا في تمام الأرض و منفعتها فالتفويت انما هو بالنسبة إلى حقه فقط فلا بد من الضمان.

و فيه: إن الضمان لا بد و أن يتحقق بالنسبة إلى ملك الغير، و لا موضوع للملك بعد فلا وجه للضمان إلا إذا رجع ذلك إلى ضمان حرمانه عن ثمرة عمله و لا يقولون به في الحرّ كما مرّ.

(105) ظهر مما مر أنه لا دليل على الضمان في صورة عدم العذر فضلا عن وجوده.

(106) بدعوى: أنه لا شي ء للزارع هنا حتى يضمن بخلاف المسألة السابقة، فإن الأرض و منفعتها كانت للمالك عطلها الزارع فيتصور فيها الضمان يظهر ذلك من الجواهر.

ص: 92

وجوه (107).

مسألة 8: إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب

(مسألة 8): إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب و لم يمكن الاسترداد منه فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخير بين الفسخ و عدمه (108)، و إن كان بعده لم يكن له الفسخ (109)، و هل يضمن

______________________________

و فيه: ما مر في المسألة السابقة من عدم وجه صحيح للضمان فيها لا ضمان اليد و لا المعاوضة فكذا في المقام.

(107) ظهر من جميع ما مر أنه لا وجه للضمان لا في المسألة السابقة و لا في المقام، و المصنف استوجه في المسألة السابقة الوجه الخامس و سكت في المقام، مع أن المسألتين داخل تحت كبرى واحدة فلا وجه للتفريق بينهما.

و يمكن اختلاف ذلك أيضا باختلاف الجهات و الخصوصيات المحفوفة بالموضوعات الخارجية، و يختلف الحكم بلحاظها لا محالة، و ليس كل واحد من الموردين حينئذ داخلة تحت كبرى واحدة حتى تتعارض فيها الأقوال، بل كل من قال بقول لاحظ خصوصية خاصة في نظره لو أطلع عليه الآخر لقالوا بقوله أيضا.

(108) لأن من الشروط البنائية العقلائية المقررة شرعا في كل معاملة التسليم و التسلم، و مع عدم تحققه يثبت خيار تخلف الشرط، و لكن لا أثر لفسخه و عدمه لانفساخ المزارعة بعد التمكن من العمل و لا ضمان على العامل للمالك، و كذا العكس كما مر.

نعم، مع عدم الفسخ يدخل العامل في مورد الاحتمالات الآتية بالنسبة إلى ضمان الغاصب.

(109) لأصالة اللزوم فيحتمل ضمان الغاصب للعامل، كما يأتي في الاحتمالات و لا أثر لهذا اللزوم غير هذا.

ص: 93

الغاصب تمام منفعة الأرض في تلك المدة للمالك فقط (110)، أو يضمن له بمقدار حصته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض و يضمن له أيضا له بمقدار حصته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض و يضمن له أيضا مقدار قيمة حصته من عمل العامل حيث فوّته عليه (111) و يضمن للعامل أيضا مقدار حصته من منفعة الأرض (112)؟ وجهان (113)، و يحتمل ضمانه لكل منهما ما يعادل حصته من الحاصل بحسب التخمين (114).

مسألة 9: إذا عين المال نوعا من الزرع

(مسألة 9): إذا عين المال نوعا من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما تعين و لم يجز للزارع التعدي عنه (115)، و لو تعدى إلى غيره

______________________________

(110) لبقاء منفعة الأرض على ملك المالك و عدم انتقاله إلى العامل، للأصل بعد عدم دليل عليه، و إنما يجب على المالك تسليمها إلى العامل للقرار الذي وقع بينهما في استنماء الأرض فالمنفعة فاتت تحت يد الغاصب، و مقتضى قاعدة «اليد» ضمانه لها بجميع ما فاتت أعم مما وقعت مورد عقد المزارعة و غيرها.

(111) و لكنه لا دليل على كون تفويت كل منفعة يوجب الضمان، بل مقتضى الأصل عدمه إلا ما دل عليه الدليل بالخصوص و هو مفقود.

(112) بدعوى: أن المالك و العامل أقدما على تحديد المنفعة بحد خاص فكأنهما أسقطا جميع المنافع إلا ما بنيا عليه من المنفعة، فلا وجه لضمان جميع المنافع.

و فيه: أن ضمان اليد انما هو بالنسبة إلى جميع ما ثبت يد الغاصب عليه، و لا ريب في كونه جميع المنافع الأعم مما بنيا عليه و من غيره كما في سائر الموارد.

(113) الظاهر هو الأول لو لم تكن قرينة خارجية يستفاد منها تعيين غيره.

(114) ظهر مما تقدم انه لا وجه له، و الأحوط لهما التصالح و التراضي.

(115) لوجوب الوفاء بالعقد، مضافا إلى الإجماع.

ص: 94

ذهب بعضهم (116) إلى أنه إن كان ما زرع أضر مما عينه المالك كان المالك مخيرا بين الفسخ (117)، و أخذ أجرة المثل للأرض و الإمضاء و أخذ الحصة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضر و إن كان أقل ضررا لزم و أخذ الحصة منه (118)، و قال بعضهم (119)، يتعين أخذ أجرة المثل للأرض مطلقا (120) لان ما زرع غير ما وقع عليه العقد فلا يجوز أخذ الحصة منه مطلقا، و الأقوى (121) إنه إن علم أن المقصود مطلق الزرع و أن الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض و ترك ما يوجب ضررا فيها، يمكن أن يقال إن الأمر كما ذكر من التخيير بين الأمرين (122) في صورة كون المزروع أضر و تعيين الشركة في صورة كونه

______________________________

(116) كالمحقق في الشرائع و العلامة في التذكرة و الشهيد في اللمعة.

(117) أما أصل ثبوت الخيار فلقاعدة «نفي الضرر و الضرار»، و أما التخيير بين الأمرين المذكورين فلعدم شق ثالث في البين، و لا إشكال في ضمان العامل في المقام للتعدي، و لكن تأتي الخدشة في أصل ثبوت الخيار.

(118) أما اللزوم فلما دل على لزوم المزارعة، و يترتب عليه أخذ الحصة هذا إذا أحرز أن التعيين بنحو تعدد المطلوب، و أما إن كان بنحو التقييد الحقيقي فلا وجه للزوم كما يأتي و منه يظهر حكم المساوي، فالتعدي أما إلى أكثر ضررا أو إلى الأقل أو إلى المساوي و حكم الأخيرين واحد.

(119) كالمحقق و الشهيد الثانيين و من تبعهما فحكموا بضمان أجرة المثل في جميع صور التعدي لقاعدة «اليد» بعد بطلان العقد.

(120) لعدم حق العامل بعد فرض بطلان أصل العقد.

(121) كيف يكون هذا أقوى مع ما يأتي منه من أن التحقيق خلافه.

(122) لا وجه للخيار مع إمكان تدارك ضرره بوجه آخر- من أخذ التفاوت من العامل الذي حصل النقص بتجاوزه- فيستحق أخذ الحصة مع كون تعيين

ص: 95

أقل ضررا (123)، لكن التحقيق مع ذلك خلافه (124)، و إن كان التعيين لغرض متعلق بالنوع الخاص لا لأجل قلة الضرر و كثرته فإما أن يكون التعيين على وجه التقييد و العنوانية (125)، أو يكون على وجه تعدد المطلوب و الشرطية، فعلى الأول إذا خالف ما عين فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلا (126) حتى انقضت المدة (127)، فيجري فيه الوجوه

______________________________

الحصة من باب تعدد المطلوب، لفرض شمول العقد لمطلق المزروع و كون التعيين من باب تعدد المطلوب كما أن له أخذ التفاوت كما مر لمكان التعدي، و إن كان التعيين بنحو وحدة المطلوب فلا موضوع لأخذ الحصة لبطلان العقد فيتعين أخذ أجرة المثل.

(123) مع كون التعيين من باب تعدد المطلوب لا الوحدة.

ثمَّ ان المراد بوحدة المطلوب و تعدده انما هو الوحدة و التعدد بحسب الأغراض المعاملية النوعية العرفية، و لا ريب في صحة تصوير ذلك عندهم كما أن المراد بالشرطية و القيدية ذلك أيضا و يعتبر عن القيدية بالعنوانية أيضا.

نعم، الشرطية بالمعنى الأعم يصح انطباقها على كل من وحدة المطلوب و تعدده، و لكن إذا أطلقت في مقابل القيدية يراد بالشرطية تعدد المطلوب، و لا وجه للإشكال على الماتن و غيره و تطويل الكلام في ذلك كما عن بعض.

(124) لما مر آنفا من إمكان جبر النقص بوجه آخر فلا وجه للخيار في مقابل أصالة اللزوم.

(125) المراد بالعنوانية هو التقييد الأصولي، و الشرط أعم من التقييد الأصولي و غيره.

(126) لأن ما قيد به العقد لم يقع و ما وقع لم يكن العقد مقيدا و معنونا به فيصير شي ء آخر غير عقد المزارعة فيدخل في موضوع تلك المسألة.

(127) إذ لا فرق في الترك بين أن يترك الزرع رأسا و يعطل الأرض، أو زرع

ص: 96

الستة المتقدمة في تلك المسألة، و أما بالنسبة إلى الزرع الموجود فإن كان البذر من المالك فهو له (128)، و يستحق العامل أجرة عمله على إشكال في صورة علمه بالتعيين و تعمده الخلاف لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله (129)، و إن كان البذر للعامل كان الزرع له (130) و يستحق المالك عليه أجرة الأرض (131) مضافا إلى ما استحقه من بعض الوجوه المتقدمة (132)، و لا يضر استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه

______________________________

غير ما أمر به المالك لأنه أيضا ترك لما وقع عليه العقد.

(128) لقاعدة التبعية التي هي من القواعد العقلائية المقررة في الشريعة.

(129) و لم يحصل تسبب من المالك لاستيفاء عمله حتى يكون ضامنا لأجرة عمله من جهة أصالة الاحترام في العمل؛ لأن ما تسبب به المالك لم يحصل و ما حصل لم يكن للمالك تسبب إليه فمقتضى الأصل عدم الضمان، و كذا في صورة جهل العامل لأصالة براءة ذمته عن الضمان بعد عدم تحقق تسبب منه إليه، و هذه الجهة مثل صورتي العلم و الجهل معا كما أن العامل لا يكون ضامنا لقيمة البذر و أجرة الأرض لأن ذلك إحسان بالنسبة إلى المالك و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1).

و توهم ان التسبب في الذات و الطبيعة يكفي في التسبب للفرد فيحصل التسبب من المالك فيكون ضمانا للمسمى.

فاسد لأنه فيما إذا كانت الافراد داخلة تحت طبيعة واحدة لا فيما إذا كانت هناك طبيعتين مختلفتين كما في المقام.

(130) لما تقدم من قاعدة التبعية.

(131) لفرض انتفاعه منها بغير ما أذن به المالك.

(132) إن قلنا بالضمان فيه و تقدم أنه لا وجه له.

ص: 97


1- سورة التوبة: 91.

مرتين (133) على ما بينا في محله لأنه من جهتين (134)، و قد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة أيضا (135).

و على الثاني (136) يكون المالك مخيرا بين أن يفسخ المعاملة لتخلف شرطه (137)، فيأخذ أجرة المثل للأرض (138) و حال الزرع الموجود حينئذ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر (139) و بين أن لا يفسخ

______________________________

(133) أي: ضمان الأرض لقاعدة «اليد» بعد بطلان المعاوضة و ضمان استيفاء منفعة الأرض مخالفة المالك فيما عينه للزرع.

(134) أي: جهة استيفاء المنفعة و جهة ضمان اليد بالنسبة إلى الأرض.

(135) راجع (مسألة 6) من (فصل يكفي في صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة)، هذا إذا أمكن تصوير ضمانين في المقام ضمان المعاوضة و ضمان اليد، و أما مع عدم إمكانه فالتنظير في غير المحل.

(136) أي: ما إذا أخذ التعيين بنحو تعدد المطلوب و الشرطية الخارجية عن قوام المزارعة.

(137) و يسمى هذا بخيار الاشتراط كما في جميع موارد تخلف الشرط.

(138) إذا كان البذر للعامل يعني بالنسبة إلى الزمان المتقدم على الفسخ، و أما بالنسبة إلى ما بعده فيصح لهما التراضي بالإبقاء مع الأجرة إن كان البذر من العامل، كما أنه يجوز للمالك القلع حينئذ، و أما إن كان البذر للمالك فلا وجه لاستحقاقه أجرة مثل الأرض على العامل لفرض أن الزرع وقع بإذن المالك و يكون له.

(139) لما مر من قاعدة التعبية، لكن إذا كان البذر للمالك و صار الحاصل له يستحق العامل عليه أجرة العمل، لأن عمله وقع بإذنه فيكون محترما بخلاف الصورة السابقة التي كان التعيين بعنوان تقييد أصل المعاملة به و كونه من مقوماته بحيث ينعدم أصلها و أصل الإذن عند التخلف

ص: 98

و يأخذ حصته من الزرع الموجود بإسقاط حق شرطه (140)، و بين أن لا يفسخ و لكن لا يسقط حق شرطه أيضا بل يغرم العامل (141) على بعض الوجوه الستة المتقدمة و يكون حال الزرع الموجود كما مر من كونه لمالك البذر (142).

______________________________

فتسقط أجرة عمله لعدم الإذن.

(140) لقاعدة ان لكل ذي حق إسقاط حقه إلا إذا دل دليل على الخلاف، و إذا أسقط حقه تصح المزارعة بلا شرط و تصير حصته له.

(141) يعني لا يسقط حق شرطه، و يطالب العامل بعوض التصرف الغير المأذون فيه من جهة مخالته للشرط فيصير تصرفه بلا إذن لا محالة.

و فيه: أولا أن المفروض أن الإذن انحلالي فلا وجه لاحتمال عدم الإذن في أصل المزارعة كما في كل معاملة اشترط فيها شرط و خولف الشرط حيث انه لا وجه لاحتمال عدم الإذن و الا لفسد أصل المعاملة، و هو مناف لاعتراف المالك بالإذن، و تقدم أن هذا هو الفارق بين المقومية و الشرطية.

و ثانيا: لا وجه للتغريم و الضمان عند تخلف الشرط مع كون المالك معترفا بالإذن، و لا يقولون به في سائر موارد خيار الاشتراط، و انما يوجب تخلف الشرط الخيار فقط إلا إذا ثبت بدليل خارجي ثبوت الأرش في البين كما في خيار العيب و اشترط البكارة و الختان عند بعض، و تقدم التفصيل في خيار العيب و لا دليل عليه في المقام.

و ثالثا: لا وجه لكون الغرامة على بعض الوجوه المتقدمة كما صرح قدس سرّه بذلك، لأنه على فرض ثبوت الغرامة فهو تابع لدلالة دليلها على فرض ثبوت الدليل لها، مع أنه تقدم فيها عدم الضمان فكيف بالمقام الذي يكون المالك معترفا بالإذن، ثمَّ على فرض صحة تغريم العامل فهو على ما به التفاوت بين الزرعين، و لكن أصل التغريم باطل كما مر.

(142) كيف يكون لمالك البذر مع اعترافهما ببقاء العقد و عدم تحقق

ص: 99

مسألة 10: لو زارع على أرض لا ماء لها فعلا لكن أمكن تحصيله

(مسألة 10): لو زارع على أرض لا ماء لها فعلا لكن أمكن تحصيله بعلاج من حفر سياقية أو بئر أو نحو ذلك فإن كان الزارع عالما بالحال صح و لزم و إن كان جاهلا كان له خيار الفسخ (143)، و كذا لو كان الماء مستوليا عليها و أمكن قطعة عنها (144)، و أما لو لم يمكن التحصيل في الصورة الأولى أو القطع في الثانية كان باطلا (145)، سواء كان الزارع عالما أو جاهلا (146)، و كذا لو انقطع في الأثناء و لم يمكن تحصيله أو استولى عليها و لم يمكن قطعة (147)، و ربما يقال بالصحة مع علمه بالحال (148)،

______________________________

الفسخ و الانفساخ، بل الزرع الموجود يكون بينهما على حسب القرار الذي بنيا عليه.

(143) أما الأول فللإطلاقات و العمومات الدالة على الصحة و اللزوم الشاملة لهذه الصورة.

و أما الثاني فلأنه من تخلف الشرط البنائي الذي هو كتخلف الشرط الذي لا بد من تقييده بما إذا كان في تحصيله ضرر للعامل، و إلا فلا وجه للخيار لفرض أن الشرط حينئذ كان حاصلا فلا وجه لخيار تخلف الشرط.

(144) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(145) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و تقدم في الشرط السابع اعتبار هذا الشرط فراجع.

(146) لأن شرط عدم المانع و وجود المقتضي للزراعة في الأرض شرط واقعي لا يفرق فيه بين صورتي العلم و الجهل.

(147) لأن الشرط استمراري لا أن يكون حدوثيا فقط كما هو مقتضى السيرة و ظواهر الأدلة.

(148) يظهر ذلك من الشرائع و القواعد، و لعل نظرهما رحمهم اللّه إلى قاعدة الإقدام على هتك العمل.

ص: 100

و لا وجه له (149)، و إن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع.

نعم، لو استأجر أرضا للزراعة مع علمه بعدم الماء و عدم إمكان تحصيله أمكن الصحة لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلا أن يكون على وجه التقييد فيكون باطلا أيضا (150).

مسألة 11: لا فرق في صحة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما

(مسألة 11): لا فرق في صحة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما (151)، و لا بد من تعيين ذلك إلا أن يكون هناك

______________________________

(149) لعدم تحقق موضوع المزارعة بعد عدم صلاحية الأرض للزرع و إن أقدم العامل على هتك عمله، و يمكن أن يكون نظرهما إلى صورة إمكان تحصيل الماء للعامل بصعوبة فتصح حينئذ للإقدام على تحمله للصعوبة بنفسه.

(150) لانتفاء المقيد بانتفاء القيد المقوم، و يمكن أن يكون مراد المحقق و العلامة ما إذا استأجر الأرض بداعي الزرع مع علم العامل بعدم القابلية فتكون الإجارة صحيحة لأن تخلف الداعي لا يوجب بطلان العقد، و لو شك في أنه من الداعي أو التقييد فمقتضى الظاهر هو الثاني إلا مع القرينة على الأول.

(151) للإطلاق، و السيرة، و ظهور الاتفاق، و ما ورد في بعض الأخبار من ذكر بعض الأقسام ليس من باب التخصيص به، بل من باب الغالب في تلك الأزمنة أو من باب المثال، كخبر ابن شعيب عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن المزارعة؟ فقال عليه السّلام: النفقة منك و الأرض لصاحبها فما خرج اللّه من شي ء قسم على الشطر، و كذلك أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر حين أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها و لهم النصف مما أخرجت» (1)، و خبر الكرخي عنه عليه السّلام أيضا:

«أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر و يكون على العلج القيام

ص: 101


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة.

معتاد ينصرف إليه الإطلاق (152)، و كذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصمة بالمزارع أو مشتركة بينه و بين العامل (153)، و كذا لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل فيجوز كونه عليهما، و كذا الحال في سائر المصارف.

و بالجملة هنا أمور أربعة: الأرض و البذر و العمل و العوامل، فيصح أن يكون من أحدهما أحد هذه و من الآخر البقية، و يجوز أن يكون من كل منهما اثنان منها، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها و من الآخر

______________________________

و السقي و العمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا فتكون القسمة، فيأخذ السلطان حقه و يبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك» (1): و ليس للفقيه التداخل في هذه الموضوعات لأن الزارعين أعرف بهذه الأمور منهم و الأدلة وردت على طبق مرتكزاتهم، و لو قلنا بأن في هذا الأمر النوعي النظامي يكون منع الشارع مانعا لا أن يكون بيانه لحدوده و قيوده شرطا لكان قولا صحيحا.

(152) أما الأول فلظهور الاتفاق، و سيرة الزارعين عليه دفعا للخصومة و اللجاج و تمسكا بالتعيين لدى الاحتجاج.

و أما الأخير فلأن الانصراف المعتبر بمنزلة التعيين.

(153) لما مر في سابقة من غير فرق.

نعم، الغالب في بعض الأمكنة كون الأرض من المالك، و هو لا يوجب تقييد أصل المزارعة المأذون فيها شرعا كما هو معلوم.

و ما عن بعض الشراح من أن ذلك يتوقف على صدق المزارعة و هو مشكوك.

مردود، بأنّ المناط في الصدق انما هو على الصدق العرفي عند المزارعين و الدهاقين لا الصدق عند نظر الفقيه الذي يكون بنائه على التشكيك

ص: 102


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة.

البقية، كما يجوز الاشتراك في الكل فهي على حسب ما يشترطان (154)، و لا يلزم على من عليه البذر دفع عينه فيجوز له دفع قيمته، و كذا بالنسبة إلى العوامل كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلا مع الشرط (155).

مسألة 12: الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين

(مسألة 12): الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين بأن تكون الأرض من واحد و البذر من آخر و العمل من ثالث و العوامل من رابع، بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك كأن يكون بعض البذر من واحد و بعضه الآخر من آخر، و هكذا بالنسبة إلى العمل و العامل، لصدق المزارعة (156) و شمول الإطلاقات، بل يكفي العمومات

______________________________

حتى في العرفيات المسلمة.

و قد راجعنا بعض خبراء المزارعين و ثقاتهم فقالوا إن كل ذلك مزارعة.

(154) لعموم ما يدل على وجوب الوفاء بالشرط ما لم يكن نهي شرعي في البين و هو مفقود، و لأن الحق لا يتعدى منهما فلهما أن يتراضيا عليه بكل ما شاء اللّه و أرادا، و قد وسع في المزارعة بما لم يوسع في غيره تسهيلا على المزارعين.

نعم، الغالب في بعض البلاد كون الأرض من المالك، و ذلك لا يوجب تقوم أصل المزارعة بذلك.

و من ذلك ظهر حكم الصور الكثيرة التي ذكروها في المقام فلا وجه لعدها تفصيلا بعد وضوح أصل الكبرى.

(155) كل ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و السيرة في الجملة و عدم دليل على المنع بعد تحقق التراضي على ما بنيا عليه فلهما أن يتراضيا بكل ما أرادا.

و توهم: أن الأصل في العمل المباشرة.

باطل، بل الأصل فيه الأعم منه لبناء الفقهاء على أن كل عمل يقبل النيابة إلا ما خرج بالدليل.

(156) أشكل عليه بعدم الصدق تارة، و بعدم عموم في المزارعة يشمل هذا

ص: 103

العامة (157)، فلا وجه لما في المسالك من تقوية عدم الصحة بدعوى أنها على خلاف الأصل فتتوقف على التوقيف من الشارع و لم يثبت عنه ذلك.

و دعوى: أن العقد لا بد أن يكون بين طرفين موجب و قابل فلا يجوز تركبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركانا له، مدفوعة: بالمنع فإنه أول الدعوى (158).

______________________________

أخرى.

و كلاهما باطل. أما الأول: فالوجدان و العرف و اللغة يحكم بأنها مزارعة بين أكثر من اثنين.

نعم، لعل الغالب كونها بين اثنين و لا ريب في أن الغلبة الوجودية لا تكون من المقومات.

و أما الثاني فأي عموم أقوى و أولى من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ازرعوا و اغرسوا فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحل و لا أطيب منه» (1)، و هو يشمل جميع ما يتصور فيها من فروض الموضوع إلا ما دل دليل على الخلاف.

و ما يتوهم: انه في مقام بيان أصل الجواز فلا يشمل الفروض المتصورة في موضوعها.

مدفوع: بأن كل عموم ورد في مقام التشريع يتمسك به مطلقا إلا مع وجود مخصص في البين و هو مفقود، مضافا إلى ما تقدم من أن في هذه المعاملة النوعية النظامية نحتاج إلى ورود ردع عن شي ء منها بالخصوص و الا فمطلق التراضي كاف فيها.

(157) أشكل عليها بأنها لا تكفي في صدق المزارعة.

و هذا الإشكال عجيب لأنه بعد قصد المزارعة و الانطباق القهري على ما وقع و الصدق العرفي أيضا كيف لا تكفي العمومات لإثباتها.

(158) لا ريب في تقوم العقد بالموجب و القابل، و لكن لا دليل على اعتبار

ص: 104


1- الوسائل باب: 3 من أبواب المزارعة و المساقاة: 1.

مسألة 13: يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعة

(مسألة 13): يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعة (159)، أو يزارعه في حصته (106)، من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك (161).

______________________________

كونهما واحدا بالوحدة الشخصية فيصح بكلما تتحقق به نظام المعاملة و المعاهدة و القرار المعاملي، و أصل الاشتباه حصل من اقتصار النظر إلى ما هو الواقع في الخارج خصوصا في الأزمنة القديمة من كون كل عقد بين اثنين شخصين، و أما التمسك لعدم الصحة بين أكثر من اثنين بمثل خبر أبي الربيع الشامي من المنع عن التسمية للبذر ثلثا و البقر ثلثا (1)، فلا ربط له بالمقام.

أما أولا فلأن مورده كون المزارعة بين الاثنين.

و أما ثانيا فلسقوطه بالإعراض فالعمومات و الإطلاقات متبعة مع الصدق العرفي، و أما مع الشك في الصدق العرفي فتصح على ما ترضوا عليه لعموم:

تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (2)، و إن لم يدخل في عنوان المزارعة.

(159) المراد بهذه المشاركة جعل الغير مزارعا مثل نفسه، و اعتبار هذه الصفة بالنسبة إليه و هو صحيح عرفا بلا إشكال.

(160) لقاعدة السلطنة و ظهور الإجماع في كل منهما.

(161) أما في الصورة الأولى فلكونه ملكه، و «الناس مسلطون على أموالهم» (3).

و أما في الصورة الثانية فلفرض كونه مسلطا من المالك على تنميته فحصل للعامل نحو حق بالنسبة إليه مع عدم قيد المباشرة، و لا وجه لعدم اعتبار المباشرة إلا جواز نقل هذا الحق إلى الغير تماما أو إتماما، و تقتضيه أصالة جواز

ص: 105


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المزارعة و المساقاة: 10.
2- سورة النساء: 29.
3- البحار ج: 2 ص 272 ط الحديثة.

و لا يشترط فيه إذنه (162).

نعم، لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلا بإذنه (163)، و إلا كان ضامنا كما هو كذلك في الإجارة أيضا (164)، و الظاهر جواز نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأنه هو الطرف للمالك بصلح و نحوه بعوض و لو من خارج أو بلا عوض (165)، كما يجوز نقل حصته إلى الغير سواء كان

______________________________

النيابة و الوكالة في كل شي ء إلا ما دل دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام، فما نسب في المسالك إلى بعض من عدم الصحة فيما إذا كان البذر للمالك لا وجه له على فرض وجود هذا القول، و لكن عن جمع عدم الظفر عليه و لا على قائله لا من العامة و لا من الخاصة و على فرض وجود هذا القول يمكن حمله على ما إذا كانت في البين قرينة دالة على المنع.

(162) لأن عدم اعتبار كون المزارعة بنفسه لنفسه إذن في صحة النيابة و الإيكال إلى الغير كلا أو بعضا كما في الإجارة مع عدم اشتراط المباشرة.

(163) لأصالة عدم التصرف في مال الغير إلا بإذنه.

هذا إذا لم يستفاد من عدم اعتبار المباشرة اذنه في التسليم بالملازمة العرفية، و إلا فلا نحتاج إلى إذن جديد لفرض حصول الإذن سابقا بالملازمة العرفية.

(164) لا ريب في الضمان مع عدم الإذن- و لو بالملازمة- لتطابق العقل و النقل عليه.

أما الأول فلأنه ظلم.

و أما الأخير فلقوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (1)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» (2)، و تقتضيه قاعدة «اليد».

(165) لأنه لا ريب في حصول حق للعامل في المزارعة، و يجوز لكل ذي

ص: 106


1- سورة النساء: 29.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.

ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده (166)، كل ذلك لأن عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض (167)، نصفا أو ثلثا أو نحوهما إلى العامل فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة، و لا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا (168)، إذ لا منافاة بين صحة المذكورات و بين مباشرته للعمل إذ لا يلزم في صحة المزارعة مباشرة العمل فيصح أن يشارك أو يزارع غيره و يكون هو المباشر دون ذلك الغير (169).

______________________________

حق نقل حقه إلى غيره بعوض أو غير عوض إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(166) لما مر في سابقة من غير فرق.

و توهم: انه قبل ظهور الحاصل لا وجود للحصة حتى تقبل النقل.

مردود: بأنه لا ريب في تعلق الحق بها، و يكفي في متعلق الحق صحة الاعتبار العرفي و لو لم يكن فعليا من كل وجه فينقل هذا الحق المعتبر عرفا؛ إذ الاعتباريات خفيفة المؤنة من كل جهة.

(167) لا ريب في ثبوت هذا الحق شرعا و عرفا، كما ان مقتضى أصالة سلطنة الناس على أموالهم و حقوقهم صحة نقل هذا الحق، فالمقتضي للنقل موجود و المانع عنه مفقود، و لا فرق بين كون متعلق الحق هو المنفعة أو الانتفاع لثبوت أصل الحق القابل للنقل على كل تقدير.

(168) يأتي آنفا ان في بعض أقسام المباشرة لا يجوز ذلك كما يأتي في (مسألة 15) بعض ما يرتبط بالمقام.

(169) المباشرة في المقام على أقسام أربعة:

الأول: عدم ملاحظتها و تقييدها أصلا.

الثاني: التقييد بها بأن يكون العمل بنفسه و من نفسه.

ص: 107

مسألة 14: إذا تبين بطلان العقد

(مسألة 14): إذا تبين بطلان العقد فإما أن يكون قبل الشروع في العمل، أو بعده و قبل الزرع بمعنى نثر الحب في الأرض، أو بعده و قبل حصول الحاصل، أو بعده، فإن كان قبل الشروع فلا بحث و لا إشكال (170)، و إن كان بعده و قبل الزرع بمعنى الإتيان بالمقدمات من حفر النهر و كري الأرض و شراء الآلات و نحو ذلك فكذلك (171).

نعم، لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض من جهة كريما أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها كان للعامل قيمة ذلك الوصف (172)، و إن لم يكن كذلك و كان العمل لغوا فلا شي ء له (173)، كما أن الآلات لمن أعطى ثمنها (174)، و إن كان بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر (175)، فإن كان للمالك كان الزرع له و عليه للعامل أجرة عمله

______________________________

الثالث: التقييد بها بأن يكون العمل بنفسه سوآء كان من نفسه أو من غيره.

الرابع: التقييد بها بأن يكون العمل بنفسه لغيره، و في الكل يجوز المشاركة مع الغير إلا في القسم الثاني.

(170) في أنه لا يجب شي ء على العامل و لا على المالك مطلقا من قسمة شي ء أو أجرة كل ذلك للأصل و الإجماع بعد عدم وقوع عمل من العامل، كما هو المفروض.

(171) بناء على أن المعاملة كانت على الزرع و المقدمات كانت خارجة عنها مطلقا، و إلا فعمله محترم لا بد للمالك من تدارك عوض عمله بعد حصول التسبب منه إلى استيفاء منفعة عمله، و المناط كله حكم ثقات أهل الخبرة في تعيين الموضوع.

(172) لاحترام عمله فيحترم أثر عمله قهرا.

(173) للأصل و العرف و الإجماع.

(174) لأن ذلك هو مقتضى المعاوضة، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(175) لقاعدة «التبعية» و ظهور الإجماع.

ص: 108

و عوامله (176)، و إن كان للعامل كان له و عليه أجرة الأرض للمالك (177)، و إن كان منهما كان لهما على النسبة نصفا أو ثلثا و لكل منهما على الآخر أجرة مثل ما يخصه من تلك النسبة (178)، و إن كان من ثالث فالزرع و له عليه للمالك أجرة الأرض و للعامل أجرة عمله و عوامله (179) و لا يجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل (180) إن كان التبين قبله بل له أن يأمر بقلعه و له أن يبقى بالأجرة إذا رضي صاحبه و إلا فليس له إلزامه بدفع الأجرة (181)، هذا كله مع الجهل بالبطلان، و أما مع العلم فليس للعالم منهما الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله لأنه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله فكأنه متبرع به (182)، و إن كان الآخر أيضا

______________________________

(176) لقاعدة «الضمان في استيفاء العمل المحترم» التي هي من القواعد النظامية المقررة شرعا.

(177) لقاعدة «الضمان في استيفاء منفعة مال الغير».

(178) جمعا بين القاعدتين قاعدة «تبعية النماء للمالك» و قاعدة «الضمان» بالاستيفاء.

(179) أما كون الزرع له فلقاعدة التبعية، و أما الأخيران فلقاعدة الضمان بالاستيفاء.

(180) لأن «الناس مسلطون على أموالهم» (1)، و هي قاعدة نظامية مقررة شرعا حتى لو تضرر صاحب البذر بذلك لفرض أن العقد فاسد و بنائهم على جريان أحكام الغصب على العقد الفاسد، و لكن فيه تفصيل تعرضنا له في المقبوض بالعقد الفاسد.

(181) للأصل بعد عدم دليل على ثبوت هذه الولاية للمالك.

(182) لا ريب في أن العلم بالبطلان شرعا في المعاملات الباطلة أعم من

ص: 109


1- البحار ج: 2 صفحة: 272 ط الحديثة.

عالما بالبطلان، و لو كان العامل بعد ما تسلم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن أجرتها للمالك مع بطلان المعاملة لفوات منفعتها تحت يده (183)، إلا في صورة علم المالك بالبطلان لما مر (184).

مسألة 15: الظاهر من مقتضى وضع المزارعة ملكية العامل

(مسألة 15): الظاهر من مقتضى وضع المزارعة ملكية العامل لمنفعة الأرض (185) بمقدار الحصة المقررة له و ملكية المالك للعمل على العامل بمقدار حصته و اشتراك البذر بينهما على النسبة (186)، سواء كان

______________________________

التبرع و المجانية بالنسبة إلى المال و العمل، فأصالة احترامهما جارية إلا مع دليل معتبر على الخلاف مضافا إلى قاعدة «اليد».

(183) فتشمله قاعدة «اليد» الموجبة للضمان.

(184) و مر أن العلم بالبطلان لا توجب المجانية، لا المجانية القصدية لفرض عدم قصدها و لا الانطباقية القهرية لفرض عدم الانطباق عرفا لكثرة المعاملات الباطلة لديهم.

(185) فيه: أولا إن كون ذلك مقتضى وضع المزارعة من مجرد الدعوى لاختلافها باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات.

و ثانيا: إن مجرد ثبوت الحق في الجملة لكل منهما على الآخر ببذل ما جعل عليه مما له دخل في المزارعة مسلم لا إشكال فيه.

و أما ملكية العامل لمنفعة الأرض بقدر الحصة المقررة له، و ملكية العامل على المالك بمقدار حصته إلى آخر ما قاله رحمة اللّه، فشي ء تتبع القرائن الخارجية فمع وجودها تثبت و مع عدمها يكون مقتضى الأصل عدمها و إن ثبت الحق في الجملة، و لا ريب في أن الحق أعم من الملكية.

(186) لا وجه لهذا الاشتراك لا ثبوتا و لا إثباتا، بل هو تابع للقرار الواقع بينهما فقد يكون على الاشتراك و قد يكون على غيره، و مع الإطلاق يتبع ما هو المتعارف و مع عدم التعارف لا بد من التعيين.

ص: 110

منهما أو من أحدهما أو من ثالث فإذا خرج الزرع صار مشتركا بينهما على النسبة (187) لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل (188)، فيصير الحاصل مشتركا من ذلك الحين- كما ربما يستفاد من بعض الكلمات (189)- أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل و إدراكه فيصير مشتركا في ذلك الوقت- كما يستفاد من بعض آخر (190).

نعم، الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع التصريح و الاشتراط به من حين العقد (191)، و يترتب على هذه الوجوه ثمرات:

______________________________

(187) هذا أيضا مما لا وجه له بل يجري فيه عين ما تقدم في سابقة بلا فرق.

(188) لا وجه لهذه الكلية بل تابع للخصوصيات و الجهات الخاصة، و مع عدمها لا بد من التراضي.

(189) كقولهم في تعريف المزارعة: بأنها «المعاملة على الأرض بحصة من حاصلها».

و فيه. أولا: يمكن أن يكون المراد من الحاصل المعنى الأعم الشامل لجميع المراتب.

و ثانيا: انهم لاحظوا المراتب الدانية المنطوية في المرتبة العليا و لذا عبروا بهذه العبارة.

(190) كل ذلك تابع للجعل و القرار المعاملي الواقع بينهما بأي نحو تبانيا عليه ما لم يكن نهي شرعي في البين، كما انه مبني على ما هو المتعارف في كل زمان و مكان، و مع عدم التعارف و عدم القرار المعاملي الظاهر في شي ء لا بد من التصالح و التراضي، و ليس هذه الأمور من الموضوعات المستنبطة حتى يرجع فيها إلى الفقيه و يكون نظره متبعا فيها.

(191) للعمومات و الإطلاقات إلا إذا كان الشرط منافيا للكتاب و السنة

ص: 111

منها: كون التبن أيضا مشتركا بينهما على النسبة على الأول دون الأخيرين (192) فإنه لصاحب البذر.

و منها: في مسألة الزكاة (193).

و منها: في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء (194) قبل ظهور الحاصل.

و منها: في مسألة مشاركة الزارع مع غيره (195) و مزارعته معه.

و منها: في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدة (196) إلى غير ذلك.

مسألة 16: إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه

(مسألة 16): إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه كما إذا انقطع الماء عنه و لم يمكن تحصيله أو استولى عليه و لم يمكن قطعه أو حصل مانع آخر عام فالظاهر لحوق حكم تبين البطلان.

______________________________

فيسقط حينئذ، و كذا لو كان منافيا لمقتضى العقد إن ثبت أن له مقتضى دائميا بحيث لا ينبغي أن يتخلف عنه.

(192) لأنه على الأول وقع جزء من المزارعة فيشتركان فيه بخلاف الأخيرين.

(193) لوجود المقتضي لوجوبها و فقد المانع، و يأتي التعرض لذلك في (مسألة 21).

(194) فيكون الزرع الموجود مشتركا بينهما، و يأتي التعرض له في (مسألة 17).

(195) لا اختصاص لهذه الثمرة بالوجه الأول، إذ تصح المشاركة على جميع الوجوه مع عدم اشتراط المباشرة.

(196) فإن البذر على الوجه الأول مشترك بينهما بخلاف الأخير فإنه لصاحب البذر.

ص: 112

من الأول على ما مر (197)؛ لأنه يكشف عن عدم قابليتها للزرع (198).

فالصحة كانت ظاهرية فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر، و يحتمل بعيدا (199) كون الانفساخ من حينه فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على ما يأتي فيكون مشتركا بينهما على النسبة.

مسألة 17: إذا كان العقد واجدا لجميع الشرائط

(مسألة 17): إذا كان العقد واجدا لجميع الشرائط و حصل الفسخ في الأثناء إما بالتقايل أو بخيار الشرط- لأحدهما أو بخيار الاشتراط بسبب تخلف ما شرط على أحدهما، فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة- و هو الوجه الأول من الوجوه المتقدمة- فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة، و ليس لصاحب الأرض على العامل أجرة أرضه و لا للعامل أجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى لأن المفروض صحة المعاملة و بقاؤها إلى حين الفسخ (200)، و أما بالنسبة إلى الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى

______________________________

(197) في المسألة التاسعة فراجع.

(198) إذ ليس المراد للقابلية مثل الزرع صرف وجود القابلية فقط، بل المراد القابلية الاقتضائية إلى حين حصول النتيجة.

(199) الظاهر الاختلاف باختلاف الموارد و الخصوصيات فقد تساعد على تبين البطلان من الأول و قد تساعد على كونه من حينه، و مع انتفاء القرائن فالعرف يساعد على كونه من حينه و الاحتياط في التراضي.

(200) بناء على أن المتعارف في المزارعة كون الفسخ من حين حدوثه لا من الأول و إلا فيجري عليه حكم المسألة التاسعة.

و ما يقال: من أن تأثير الفسخ و إن كان من حينه إلا انه يوجب رجوع كل من العوضين أو ما بحكمهما إلى من انتقل عنه.

و فيه: انه إن أريد بذلك رجوع كل من العوضين من حين إنشاء الفسخ فهذا عين المسألة السابقة في الحكم، و إن أريد بذلك رجوع كل من العوضين

ص: 113

البلوغ بلا أجرة أو معها، و لهما التراضي على القطع قصيلا (201)، و ليس للزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضى المالك (202) و لو بدفع أجرة الأرض، و لا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع و للمالك مطالبة القسمة (203)، و إبقاء حصته في أرضه إلى حين البلوغ و أمر الزارع بقطع حصته قصيلا (204)، هذا و أما على الوجهين الآخرين فالزرع الموجود لصاحب البذر (205)، و الظاهر عدم ثبوت شي ء عليه من أجرة الأرض أو العمل لأن المفروض صحة المعاملة إلى هذا الحين (206)، و إن لم يحصل للمالك أو العامل شي ء من الحاصل فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر و لم يحصل حاصل من جهة آفة سماوية أو أرضية و يحتمل ثبوت الأجرة عليه

______________________________

إلى من انتقل عنه من حين إنشاء العقد فهو خلف لأنه عبارة أخرى عن كون الفسخ من حين أصل العقد لا من حين إنشاء الفسخ.

(201) لأن الحق لا يعدوهما فلهما أن يتراضيان عليه.

(202) لأنه خلاف سلطنة المالك على ماله.

نعم، لو تضرر الزارع بالصلح و لم يتضرر بالإبقاء كان له الإبقاء بالأجرة، لحكومة قاعدة «نفي الضرر» على قاعدة «السلطنة».

(203) لقاعدة «أن لكل شريك مطالبة إفراز حصته مع عدم مانع في البين» كما هو المفروض.

(204) لقاعدة «السلطنة»، و لكن لا بد و أن يقيد ذلك بما إذا لم يتضرر الزارع بالقطع، و أما إن تضرر هو و لم يتضرر المالك بالبقاء يبقيه لقاعدة «نفي الضرر».

(205) لقاعدة «التبعية» من غير دليل على الخلاف في البين.

(206) و لا إشكال فيه إن ثبت أن بذل المالك الأرض للزارع أو بذل العامل عمله كان مجانا و تبرعا، و أما مع عدم إحراز ذلك فلا بد من تدارك العوض، لأصالة احترام المال و العمل بعد التسبب إلى الاستيفاء.

ص: 114

إذا كان هو الفاسخ (207).

فذلكة: قد تبين مما ذكرنا في طي المسائل المذكورة أن هنا صورا:

الأولى: وقوع العقد صحيحا جامعا للشرائط و العمل على طبقه إلى الآخر حصل الحاصل أو لم يحصل لآفة سماوية أو أرضية (208).

الثانية: وقوعه صحيحا مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدة سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلا (209).

الثالثة: تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع اختيار أو لعذر خاص به (210).

الرابعة: تبين البطلان من الأول (211).

______________________________

(207) مقتضى قاعدة «الضمان بالاستيفاء» هو الضمان مطلقا، سواء كان هو الفاسخ أو غيره فيضمن العامل أجرة الأرض و المالك عوض العمل مع التسبب إلى استيفاء عمله، و الأحوط التراضي، فالضمان إما بالمسمى أو بالاستيفاء.

و الأول: فيما إذا كان الفسخ من حينه فيكون الضمان بالمسمى بالنسبة إلى ما مضى.

و الثاني: فيما تبين بطلان العقد أو كان الفسخ من حين العقد، و هذه هي القاعدة المطردة في جميع الموارد، و تقدم في المسائل السابقة و يأتي في اللاحقة منها ما ينساب المقام.

(208) فيتحقق ضمان المعاوضة حينئذ و يكون الحاصل لهما على ما بنيا عليه هذا مع حصول الحاصل، و أما مع عدمه فمقتضى الأصل انه لا ضمان لأحدهما على الآخر إلا إذا كان شرط في البين فيتبع الشرط لا محالة.

(209) تقدم ما يتعلق بذلك في المسألة السابعة السابعة فراجع.

(210) راجع المسألة السابعة فإن حكم هذه الصورة يستفاد منها أيضا.

(211) مر التفصيل في المسألة الرابعة عشرة.

ص: 115

الخامسة: حصول الانفساخ في الأثناء لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامة (212).

السادسة: حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء (213)، و قد ظهر حكم الجميع في طي المسائل المذكورة، كما لا يخفى (214).

مسألة 18: إذا تبين بعد عقد المزارعة أن الأرض كانت مغصوبة

(مسألة 18): إذا تبين بعد عقد المزارعة أن الأرض كانت مغصوبة فمالكها مخير بين الإجازة (215)، فتكون الحصة له سواء كان بعد المدة أو قبلها في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محل للإجازة (216)، و بين الرد (217)، و حينئذ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال (218)، و إن كان بعد التمام فله أجرة المثل لذلك الزرع و هو لصاحب البذر (219).

______________________________

(212) تقدم في المسألة السادسة عشرة.

(213) راجع المسألة السابعة عشرة.

(214) و لا بد من تطبيق جميع تلك الأحكام على القواعد العامة، إذ ليس في المقام دليل مخصوص يتعبد به.

(215) لأصالة سلطنة المالك على ماله التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية كيف ما شاء و أراد ما لم يمنعه عن ذلك مانع شرعي، و المفروض عدمه.

(216) بأن كانت الإجازة معه خلاف المشروع، و أما في غير ذلك فالقيد و الشروط كلها قابلة للإجازة لفرض تعلقها بحق الغير.

(217) لأنه لا معنى لسلطنة ذي الحق على حقه و استيلائه عليه إلا هذا.

(218) فإن أجاز تصح المزارعة بينه و بين العامل، و إن رد فلا غرامة في البين لعدم عمل منه بعد.

(219) أما كون الزرع لصاحب البذر فلقاعدة التبعية، و أما أن للمالك أجرة

ص: 116

و كذا إذا كان في الأثناء (220) و يكون بالنسبة إلى بقية المدة الأمر بيده فإما يأمر بالإزالة و إما يرضى بأخذ الأجرة (221) بشرط رضا صاحب البذر (222)، ثمَّ المغرور من المزارع و الزارع يرجع فيما خسر على غارّه (223)، و مع عدم الغرر فلا رجوع (224).

و إذا تبين كون البذر مغصوبا فالزرع لصاحبه (225)، و ليس عليه

______________________________

المثل فلأصالة الاحترام في المال و العمل و قاعدة السلطنة.

ثمَّ أن أجرة الأرض قد تؤخذ من صاحب البذر، و قد تؤخذ من العامل و المدار على قوة السبب أو المباشر.

(220) لجريان عين ما تقدم في الابتداء في الأثناء أيضا من غير فرق في البين.

(221) كل ذلك لسلطنته على ماله، و لو أمر بالإزالة فلا أرش عليه للأصل و ما ورد من أنه: «ليس لعرق ظالم حق»(1)

(222) لما مر من قاعدة «السلطنة» و أصالة احترام المال و العمل.

(223) لأن رجوع المغرور إلى الغار من المرتكزات بين الناس في معاملاتهم و لم يرد ردع عنه في هذا الأمر العام البلوى، مضافا إلى ما أرسلوه إرسال المسلمات في الكتب الفقهية عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «المغرور يرجع إلى من غره» و جعلوه من القواعد المعتبرة، و قد ورد في بعض الصغريات من طرقنا كما إذا دلست الزوجة فإن الزوج يرجع إلى المدلس، و علل عليه السّلام ذلك بقوله: «كما غر الرجل و خدعه» (2).

(224) للأصل بعد عدم دليل عليه.

(225) لقاعدة التبعية المتبعة في جميع الموارد من غير دليل على الخلاف.

ص: 117


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الغصب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب العيوب و التدليس: 1.

أجرة الأرض و لا أجرة العمل (226).

نعم، إذا كان التبين في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة (227) هذا إذا لم يكن محل للإجازة كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلي لا المشخص في الخارج (228)، أو نحو ذلك أو كان و لم يجز، و إن كان له محل و أجاز يكون هو الطرف للمزارعة (229)، و يأخذ الحصة التي كانت للغاصب (230) و إذا تبين كون العامل عبدا غير مأذون فالأمر إلى مولاه (231) و إذا تبين كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة

______________________________

(226) لعدم تسبب منه لاستيفاء منفعة الأرض و العمل حتى يضمن، و لكن على الزارع أجرة الأرض إن كان هو الغاصب للبذر مع جهل مالك الأرض، و على المالك أجرة عمل الزارع إن كان عكس ذلك.

(227) لقاعدة السلطنة بلا أرش عليه لما مر.

(228) الوجه في ذلك كله انه لو كان البذر شخصيا و أجاز مالكه تكون الإجازة تصحيحا بالنسبة إلى من أوقع المزارعة لا بالنسبة إلى أصل المزارعة، و أما لو كان كليا فتكون تصحيحا بالنسبة إلى ذات المزارعة فيتحقق موضوع الإجازة حينئذ.

و فيه: أن مورد الإجازة تصحيح ما لولاها لكان لغوا و باطلا، و هذا الأثر ثابت لها في المقام كما لا يخفى فتصح الإجازة على كل من التقدير، ثمَّ يعمل فيه بحسب القواعد العامة سيما بناء على خروج البذر عن حقيقة المزارعة مطلقا و كونها عبارة عن تعهد خاص بين العامل و صاحب الأرض بشروط خاصة.

(229) لوجود المقتضي و فقد المانع فتقع له لا محالة بناء على ما تقدم من صحة كون البذر طرفا للمزارعة، و أما بناء على عدمها فلا وجه لذلك.

(230) لانقلاب الموضوع فينقلب الحكم لا محالة.

(231) فإذا أجاز المولى كانت الحصة له و مع عدم الإجازة تبطل المزارعة،

ص: 118

صحيحة (232) و لصاحبها أجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة (233)، و في بعض الصور يحتمل جريان الفضولية و إمكان الإجازة كما لا يخفى (234)،

مسألة 19: خراج الأرض على صاحبها

(مسألة 19): خراج الأرض على صاحبها، و كذا مال الإجازة إذا كانت مستأجرة، و كذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان و ما يؤخذ لتركها في يده (235)، و لو شرط كونها على العامل بعضا أو كلا صح (236)، و إن كانت ربما تزاد و ربما تنقص على الأقوى (237)، فلا يضر مثل هذه الجهالة للأخبار (238)، و أما سائر المؤمن كشق الأنهار و حفر

______________________________

و حينئذ فإن كان البذر من صاحب الأرض كان عليه أجرة عمل العبد، و إن كان من غيره كان على العبد أجرة مثل الأرض.

(232) لخروج جميع ذلك عن حقيقة المزارعة كما مر.

(233) لقاعدة احترام المال و العمل مطلقا الموجب للضمان بالمثل أو القيمة.

(234) لكون الفضولية على طبق القاعدة فتجري في المقام بلا إشكال، و لا وجه لمجرد الاحتمال.

(235) كل ذلك للأصل بالنسبة إلى الزارع، و السيرة المستمرة خلفا عن سلف.

(236) لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)، الشامل لجميع ذلك، مضافا إلى ظهور الاتفاق و إطلاق ما يأتي من الأخبار الخاصة.

(237) لإطلاق أدلة الشروط، و أصالة الصحة، و عدم دليل على قادحية مطلق الجهالة في الشرط.

(238) كصحيح ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل تكون له

ص: 119


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور: 4.

الآبار و آلات السقي و إصلاح النهر و تنقيته و نصب الأبواب مع الحاجة إليها و الدولاب و نحو ذلك مما يتكرر كل سنة أو لا يتكرر فلا بد من تعيين كونها على المالك أو العامل إلا إذا كان هناك عادة ينصرف الإطلاق إليها (239)، و أما ما يأخذه المأمورون من الزارع ظلما من غير الخراج فليس على المالك (240)، و إن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض.

______________________________

الأرض عليها خراج معلوم و ربما زاد و ربما نقص فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مأتي درهم في السنة، قال عليه السّلام: لا بأس» (1)، و مثله ما رواه في الفقيه، عن يعقوب بن شعيب، عنه عليه السّلام أيضا (2)، و في صحيح يعقوب بن شعيب كما في الكافي عنه عليه السّلام أيضا قال: «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما؟ قال عليه السّلام: لا بأس» (3)، و إطلاقها يشمل المزارعة أيضا لو لم نقل بأنها المتيقن منها باعتبار شيوعها و غلبتها، و إطلاقها يشمل صورة جهالة الخراج لو لم نقل بظهورها فيها فلا وجه لإشكال بعض الشارح في المقام.

(239) هذه هي القاعدة المتبعة في المقام، و الظاهر ان إيكال ذلك إلى المتعارف بين الزارعين المختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات أولى من تفصيل القول فيه، لأن الفقيه ليس من أهل الخبرة لذلك فكلما كان متعارفا بينهم في أمثال ذلك يصح و ما لم يتعارف لا بد من التعيين قطعا لحسم مادة النزاع من البين.

(240) الأقسام ثلاثة.

فتارة: بعد ذلك من الخراج و من تبعاته عرفا.

ص: 120


1- الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة حديث: 1 و ملحقة.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة حديث: 1 و ملحقة.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة: 2.

مسألة 20: يجوز لكل من المالك و الزارع أن يخرص على الآخر

(مسألة 20): يجوز لكل من المالك و الزارع أن يخرص على الآخر (241) بعد إدراك الحاصل (242) بمقدار منه بشرط القبول و الرضا

______________________________

و أخرى: يكون من غيره عند المتعارف.

و ثالثة: يشك في أنه من أيهما، ففي الأول يكون على المالك، و أما في الأخيرين فمقتضى الأصل عدم وجوبه عليه فلا بد من التعيين، و أما خبر الكندي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، قال عليه السّلام: أعطهم فضل ما بينهما، قلت،: أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم، قال: إنما زادوا على أرضك» (1)، فيمكن حمله على القسم الأول.

(241) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب العمومات.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول فمقتضى أصالة الجواز بالمعنى الوضعي و التكليفي الصحة و الإباحة، فلا محذور في هذا العمل بحسب التكليف و الوضع بمقتضى الأصل العملي.

و أما الثاني فمقتضى العمومات و الإطلاقات الصحة أيضا فيطابق الأصل العملي و اللفظي عليها.

و أما الأدلة الخاصة فلا خلاف في المسألة في الجملة إلا ما نسب إلى ابن إدريس، و عن الحدائق دعوى الإجماع عليه.

(242) مقتضى أصالة الجواز- بالمعنى الوضعي و التكليفي- و الإطلاق الجواز حتى قبل الإدراك إذا كان في معرض الإدراك عرفا و كان التخريص معلوما عند أهل الخبرة بذلك.

إن قيل: ما ليس بموجود كيف يخرص.

ص: 121


1- الوسائل باب: 16 من أبواب المزارعة و المساقاة: 10.

من الآخر (243).

______________________________

يقال: إذا كان له منشئية الوجود و عرف أهل الخبرة بحسب اختباراتهم الخصوصيات و الجهات صح التخريص كما لا يخفى، و يظهر ذلك من إطلاق بعض الأخبار أيضا كصحيح ابن شعيب الذي رواه المشايخ الثلاثة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه اختر إما أن تأخذ النخل بكذا و كذا كيل (كيلا) مسمى و تعطيني نصف هذا الكيل إما زاد أو نقص، و إما أن آخذه أنا بذلك و أرده عليك قال عليه السّلام: نعم، لا بأس به» (1)، و إطلاقه يشمل صورتي الإدراك و عدمه، و دعوى ظهوره في الأول بلا دليل.

نعم، في بعض الأخبار ذكر الإدراك كالأخبار الواردة في قضية خيبر مثل صحيح الحلبي (2)، قال: «أخبرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أباه حدثه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوم عليه قيمة، و قال لهم: إما أن تأخذوه و تعطوني نصف الثمر (الثمن. خ ل) و إما أعطيكم نصف الثمر، فقالوا: بهذا قامت السماوات و الأرض»، و يمكن حمله على الغالب أو على بيان أحد الأفراد الشائعة لا التقوم الحقيقي.

إن قيل: إن الحكم حيث انه خلاف الأصل لا بد و أن يقتصر فيه على القدر المتيقن و هو ما بعد الإدراك.

يقال: قد مر أنه موافق لأصالة الجواز و الصحة و الإطلاق فلا وجه لكونه مخالفا، كما لا وجه لجريان أصالة عدم ترتب الأثر مع ذلك.

(243) لأن المنساق من الأخبار أن ذلك من العقود، و هو ظاهر الكلمات أيضا.

ص: 122


1- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار: 1 و 2.

لجملة من الأخبار هنا و في الثمار (244).

فلا يختص ذلك بالمزارعة و المساقاة (245)، بل مقتضى الأخبار

______________________________

(244) أما ما ورد هنا كخبر سهل قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل يزرع له الحراث بالزعفران، و يضمن له على أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهما فربما نقص و غرم و ربما استفضل و زاد؟

قال عليه السّلام: لا بأس به إذا تراضيا» (1)، و خبر محمد بن عيسى عن بعض أصحابه قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إن لنا أكرة فنزارعهم فيقولون: قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمن لكن أن نعطيكم حصة على هذا الحرز، قال:

و قد بلغ؟ قلت: نعم، قال: لا بأس بهذا، قلت: فإنه يجي ء بعد ذلك فيقول لنا ان الحرز لم يجي ء كما حرزت قد نقص، قال: فإذا زاد يرد عليكم؟ قلت: لا، قال:

فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز كما أنه إذا زاد كان له، كذلك إذا نقص» (2)، و مثله غيره.

و أما ما ورد في الثمار كصحيح يعقوب بن شعيب و الحلبي المتقدمين (3)، و تقدم في بيع الثمار ما ينفع المقام (4).

(245) و ما ورد في قضية خيبر من الأخبار موردها المساقاة بلا إشكال فيها، ففي صحيح أبي الصباح الكناني قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إن النبي صلّى اللّه عليه و آله لما أفتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف فلما أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقالوا: إنه قد زاد علينا فأرسل إلى عبد اللّه، فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: خرصت عليهم بشي ء فإن شاءوا

ص: 123


1- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام الزراعة: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام المزارعة: 4.
3- تقدما في صفحة: 122.
4- راجع ج: 18 صفحة: 83.

جوازه في كل زرع مشترك أو ثمر مشترك (246)، و الأقوى لزومه بعد القبول (247) و إن تبين بعد ذلك زيادته أو نقيصته، لبعض تلك الأخبار، مضافا إلى العمومات العامة (248)، خلافا لجماعة (249).

و الظاهر أنه معاملة مستقلة (250).

______________________________

يأخذون بما خرجت و إن شاءوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض» (1)، و نحوه غيره.

(246) أما بناء على كون الحكم موافقا للعمومات و الإطلاقات فلا إشكال فيه لكفايتهما في الصحة، و أما بناء على استفادته من الأخبار الخاصة فلإطلاق بعض الأخبار المتقدمة و كون ما ذكر فيها من باب الغالب في تلك الأعصار، و إن المناط كله تحقق التراضي و عدم الغرر في البين.

(247) لأصالة اللزوم في كل عقد- قولي أو فعلى- إلا ما خرج بالدليل.

(248) أما بعض تلك الأخبار فهو خبر محمد بن عيسى المتقدم، و أما العمومات فهي قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمنون عند شروطهم» (3).

(249) نسب إلى إيضاح النافع و الميسية و شرح الإرشاد عدم اللزوم، و لا دليل لهم في مقابل أصالة اللزوم في كل عقد و ظاهر بعض ما مر من الأخبار.

(250) لأنها من الأمور الابتلائية بين الناس في كل عصر، و لم يشر في الأخبار إلى أى عنوان من عناوين العقود المعهودة، و كذا عبارات القدماء الذين تعرضوا لهذه المعاملة، و يمكن جعلها تبعا لما يخرص فيه ..

تارة: يكون من توابع المزارعة.

ص: 124


1- الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار: 3.
2- سورة المائدة: 1.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

و ليست بيعا (251) و لا صلحا معاوضيا (252)، فلا يجزي فيها إشكال اتحاد العوض و المعوض (253)، و لا إشكال النهي عن المحاقلة و المزابنة (254) و لا إشكال الربا و لو بناء على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع (255) و جريانه في مطلق

______________________________

و أخرى: من توابع المساقاة.

و ثالثة: من توابع بيع الثمار.

و الصحيح أنه يعم الجميع بلا إشكال.

(251) و قد ادعى في مفتاح الكرامة الاتفاق على عدم كونه بيعا، و تقتضيه المرتكزات أيضا إذ فرق بين تبديل مال معين بمال معين و تخريص و تقدير مشاع بمشاع آخر، مع أن المتصدين لهذا التخريص لا يقصدون البيع.

(252) نسب إلى جمع- منهم الدروس- أنه نوع من الصلح، و هو من مجرد الدعوى و لا دليل لهم عليه من عقل أو نقل، بل مرتكزات المتصدين لهذه المعاملة تأبى ذلك و إنما المرتكز في نفوسهم مجرد التقدير الإجمالي.

و يمكن أن يكون مرادهم التصالح و التراضي بالمعنى الأعم الذي يشمل التخريص أيضا و لا بأس به كما قلنا.

(253) لأنه ليس من المعاوضات، مع انه لو كان منها يكفي الاختلاف الجهتي في نفي الاتحاد.

(254) الأولى: بيع سنابل الحنطة مثلا بالحنطة.

و الثانية: بيع التمر على النخيل بالتمر، و تقدم في بيع الثمار ما ينفع المقام فراجع و لا وجه للإعادة، و أما جهة عدم جريان إشكالهما في المقام انه ليس بيعا و إنما هو تخريص و تقدير.

(255) لأن الشك في جريانه في المقام يكفي في عدم جواز التمسك بعموم حرمة الربا، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك

ص: 125

المعاوضات (256) مع أن حاصل الزرع و الشجر قبل الحصاد و الجذاذ ليس من المكيل و الموزون (257)، و مع الإغماض عن ذلك كله يكفي في صحتها الأخبار الخاصة، فهو نوع من المعاملة عقلائية ثبتت بالنصوص و لتسم بالتقبل (258) و حصر المعاملات في المعهودات ممنوع (259).

نعم، يمكن أن يقال إنها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي (260) فكأنهما يتسالمان على أن يكون حصة أحدهما من المال المشترك كذا مقدارا و البقية للآخر شبه القسمة أو نوع منها، و على ذلك يصح إيقاعها بعنوان الصلح (261) على الوجه المذكور مع قطع النظر عن الأخبار أيضا على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه إذا

______________________________

فيكون المرجع أصالة الحلية وضعا و تكليفا.

(256) راجع (فصل في الربا) من كتاب البيع فقد تعرضنا فيه (1)، لما ينفع المقام.

(257) لا عرفا و لا شرعا كما صرح به في الجواهر.

(258) و التخريص، و التقدير. و لا اختصاص لهذه الألفاظ بتحققه بل يتحقق بكل لفظ يفيد هذا المعنى.

(259) لأنه لا دليل على هذا الحصر من عقل أو نقل.

نعم، ما حصروه من الغالب الواقع في الخارج فيكون من الحصر الاتفاقي الغالبي لا الحقيقي، و على فرض الحصر الحقيقي فالمقام من إحدى أفرادها للنصوص الخاصة المتقدمة.

(260) لكنه تكلف مستغنى عنه مع دلالة النص على صحته و لو لم تدخل تحت عنوان الصلح، مع أنه مبني على صحة إنشاء الصلح بغير لفظه.

(261) يصح إيقاع كل معاملة بعنوان الصلح من غير اختصاص بالمقام و من

ص: 126


1- راجع ج: 17 صفحة: 301.

ارتفع الغرر بالخرص المفروض (262)، و على هذا لا يكون من التقبيل و التقبل.

ثمَّ إن المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة (263)، بل يكفي كل لفظ دال على التقبل، بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة أصلا فيكفي فيها مجرد التراضي (264) كما هو ظاهر الأخبار و الظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل و إدراكه فلا يجوز قبل ذلك (265)، و القدر المتيقن من الأخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع (266)، فلا يصح الخرص و جعل المقدار في الذمة من جنس ذلك الحاصل (267).

______________________________

غير توقف على أن ما نحن فيه أصل مستقل بنفسه، أو داخل تحت احدى العناوين المعهودة.

(262) يصح الصلح و لو لم يرتفع الغرر به لأنه قد اغتفر من الغرر في الصلح ما لم يغتفر في غيره، مع أن أصل تحقق الجهالة عند أهل خبرة هذه الأمور لا وجه له أصلا كما لا يخفى على من راجعهم.

(263) ليس هذا مختصا بهذه المعاملة، بل جميع العقود يجزي فيها كل لفظ يكون ظاهرا في إبراز عنوانها بلا فرق بين لفظ دون آخر.

(264) مع تحقق مبرز عنه في البين لفظ كان أو فعلا.

(265) تقدم الإشكال فيه، و المناط كله معرفة أهل الخبرة و صحة حكمهم بالمقدار كان ذلك بعد الإدراك أو لم يكن، و ما يستظهر من الأخبار من كونه بعد الإدراك إنما هو غالبي لا أن يكون مقوما حقيقيا، و كذا ما ذكره جمع من الفقهاء و إلا فلو فرض تخريص حقيقي قبل الإدراك يكون ذلك كما بعده عند الخبراء بذلك.

(266) نسب ذلك إلى المشهور و دليلهم انه المنساق من النصوص.

(267) لا دليل على منعه لا بحسب القواعد العامة و لا بحسب النصوص.

ص: 127

نعم، لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح على الوجه الذي ذكرنا لا مانع من ذلك فيه لكنه كما عرفت خارج عن هذه المعاملة (268).

ثمَّ إن المشهور بينهم أن قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل (269)، فلو تلف بآفة سماوية أو أرضية كان عليهما، و لعله لان تعيين الحصة في المقدار المعين ليس من باب الكلي في المعين (270) بل هي باقية على إشاعتها (271) غاية الأمر تعيينها في مقدار معين مع احتمال أن ذلك من الشرط الضمني بينهما (272)، و الظاهر أن المراد من الآفة الأرضية ما كان من غير الإنسان، و لا يبعد لحوق إتلاف متلف من الإنسان أيضا به (273)، و هل يجوز خرص ثالث حصة أحدهما أو كليهما في

______________________________

أما الأول: فلأن التخريص كالتعيين و ما في الذمة معين أيضا، فلا يلزم الغرر و لا الربا لفرض كون ما خرص من غير المكيل و الموزون.

و أما الثاني: فلو سلم أنه المنساق منها فهو من باب الغالب، و لا يستفاد منه التقييد كما ثبت في محله.

(268) أي: عنوانا فإنه يصير حينئذ من الصلح لا من التخريص المعهود، كما في كل صلح ورد في مورد عنوان من عناوين المعاملات المعهودة.

(269) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات من غير ذكر دليل عليه، و يمكن أن يجعل دليله انه من اللوازم العرفية لهذا القرار المعاملي لأن التخريص للعين، و في العين يلازم ذلك الإشاعة عرفا حدوثا و بقاء نفعا و ضررا فتكون الإشاعة من كل جهة من اللوازم العرفية و الإقدامية لهذا الترخيص الخاص.

(270) لأن ذلك عناية خاصة لا بد من التعرض لها و الالتفات إليها، و مع عدم الذكر فمقتضى الأصل هو الإشاعة.

(271) للأصل و عدم موجب للانقلاب عنها.

(272) و الظاهر أنه الغالب في هذا التخريص.

(273) بل ينبغي الجزم به لأن مناط كون التلف عليهما هو الإشاعة، و هو

ص: 128

مقدار؟ وجهان، أقواهما العدم (274).

مسألة 21: بناء على ما ذكرنا من الاشتراك من أول الأمر في الزرع

(مسألة 21): بناء على ما ذكرنا من الاشتراك من أول الأمر في الزرع يجب على كل منهما الزكاة إذا كان نصيب كل منهما بحدّ النصاب، و على من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما (275)، و كذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور الثمر لأن تعلق الزكاة بعد صدق الاسم و بمجرد الظهور لا يصدق، و إن اشتراط الاشتراك بعد صدق الاسم أو حين الحصاد و التصفية فهي على صاحب البذر منهما لأن المفروض أن الزرع و الحاصل له إلى ذلك الوقت فتتعلق الزكاة في ملكه (276).

______________________________

موجود في تلف الإنسان أيضا.

(274) بناء على كون الحكم موافقا للقاعدة لا بأس به و يكفي فيه العمومات بعد عدم جهالة في البين بتخمين أهل الخبرة، بل و كذا بناء على النصوص الخاصة إن قلنا بأن ذكر المالك و الزارع فيها من باب الغالب و المثال كما هو الظاهر.

(275) لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ لوجوب الزكاة في نصيبهما أو نصيب أحدهما و الصور أربع:

الأولى: الاشتراك من أول الأمر.

الثانية: الاشتراك من حين ظهور الثمر.

الثالثة: الاشتراك قبل الظهور بمدة معلومة.

الرابعة: الاشتراك بعد الحصاد و التصفية، و في غير الأخيرة تجب الزكاة عليهما مع تحقق الشرائط بالنسبة إليهما، و على أحدهما مع تحققها بالنسبة إليه قط، و في الأخيرة تجب على المالك البذر، و قد مر في كتاب الزكاة ما ينفع المقام.

(276) إذ لا موضوع لتعلق الزكاة لصاحبه، لفرض تعلقها به قبل ذلك.

ص: 129

مسألة 22: إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدة و القسمة فنبت بعد ذلك في العام الآتي

(مسألة 22): إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدة و القسمة فنبت بعد ذلك في العام الآتي فإن كان البذر لهما فهو لهما و إن كان لأحدهما فله (277)، إلا مع الإعراض و حينئذ فهو لمن سبق (278)، و يحتمل أن يكون لهما مع عدم الاعراض (279) مطلقا (280)، لأن المفروض شركتهما في الزرع و أصله و إن كان البذر لأحدهما أو الثالث و هو الأقوى (281)، و كذا إذا بقي في الأرض بعض الحب فنبت فإنه مشترك بينهما مع عدم الإعراض (282).

نعم، لو كان الباقي حب مختص بأحدهما اختص به.

ثمَّ لا يستحق صاحب الأرض أجرة لذلك الزرع النابت على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص به و إن انتفاع بها إذ لم يكن ذلك من

______________________________

(277) كل ذلك لقاعدة التعبية التي هي من القواعد العقلائية المقررة.

(278) بناء على أن الإعراض يوجب الخروج عن الملك و مقتضى الأصل عدمه إلا مع قرينة معتبرة عليه، و يجوز التصرف لمن سبق إليه لظاهر الحال، و يأتي في كتاب الأحياء و القضاء تمام المقال.

(279) و كذا معه لعدم كون الأعراض موجبا لزوال الملكية بل مقتضى الأصل بقائها.

(280) يفسره قوله رحمة اللّه بعد ذلك: «و إن كان البذر لأحدهما أو لثالث».

(281) لأن الاشتراك إنما يكون في جميع التبدلات و التطورات الحاصلة في الزرع مطلقا ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

(282) أما الاشتراك في الحب فهو مبنى على كونه مشتركا بينهما ببعض الوجوه المتقدمة، و سيصرح الماتن آنفا حكم الحب المختص بأحدهما.

و أما قيد عدم الاعراض فلا وجه له، لما مر من أن الاعراض لا يوجب زوال الملكية.

ص: 130

فعله و لا من معاملة واقعة بينهما (283).

مسألة 23: لو اختلفا في المدة و أنها سنة أو سنتان- مثلا- فالقول قول منكر الزيادة

(مسألة 23): لو اختلفا في المدة و أنها سنة أو سنتان- مثلا- فالقول قول منكر الزيادة، و كذا لو قال أحدهما أنها ستة أشهر و الآخر قال إنها ثمانية أشهر (284).

نعم، لو ادعى المالك مدة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل و لو نادرا ففي تقديم قوله إشكال (285)، و لو اختلفا في الحصة قلة و كثرة فالقول قول صاحب البذر المدعي للقلة (286)، هذا إذا كان نزاعهما في زيادة المدة أو الحصة و عدمها، و أما لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد و أنه وقع على كذا أو كذا فالظاهر التحالف (287) و إن كان خلاف إطلاق

______________________________

(283) و بعبارة أخرى: ليس من صاحب الحب استيفاء لمنفعة الأرض و لا تسبيب منه للضمان فلا وجه للضمان حينئذ للأصل هذا بالنسبة إلى الحدوث.

و أما بالنسبة إلى البقاء فله الأمر بالقلع أو الإبقاء بالأجرة كما انه لو كان لصاحب الأرض تسبيب لسقوط الحب و نبته يكون من أصل الحدوث.

(284) كل ذلك لأصالة عدم التعرض للزيادة، مضافا إلى ظهور الاتفاق، و مع ذلك لا تصل النوبة إلى استصحاب بقاء المزارعة.

(285) لمعارضة أصالة عدم الزيادة بظهور بناء العقلاء على عدم الإقدام بهذا المقدار، مضافا إلى أصالة الصحة.

(286) لأصالة عدم تسلط الطرف على ما زاد عما يعترف به صاحب البذر الذي يكون تمام النماء له لقاعدة التبعية و أصالة عدم خروج ما زاد عما يعترف به عن ملكه.

(287) كما عن جمع، منهم المحقق الثاني و صاحب الجواهر في المقام و لكن نسب إلى معظم الأصحاب أن القول قول مدعي الأقوال مطلقا و إن كان

ص: 131

كلماتهم، فإن حلفا أو نكلا فالمرجع أصالة عدم الزيادة (288).

مسألة 24: لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيهما فالمرجع التحالف

(مسألة 24): لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيهما فالمرجع التحالف (289)، و مع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة (290).

مسألة 25: لو اختلفا في الإعارة و المزارعة

(مسألة 25): لو اختلفا في الإعارة و المزارعة فادعى الزارع أن

______________________________

تحرير الدعوى في تشخيص ما وقع عليه العقد فلم يفرقوا بين هذه الصورة و الصورة السابقة من هذه الجهة، و عن صاحب الجواهر تقويته في كتاب البيع، و الوجه في ذلك أن المنساق من مثل هذه الدعاوي غالبا بمدلولها المحاوري انما هو النزاع في الزيادة و النقيصة المالية، و هما الغرض الأقصى من النزاع سواء كانت صورة الدعوى بمدلولها المطابقي الزيادة و النقيصة كما في الصورة الأولى أو بمدلولها المحاوري العرفي.

و بالجملة: الظهور العرفي حجة معتبرة سواء استند إلى الدلالة المطابقية أو السياقية فلا يبقى موضوع للتحالف، بل يكون المقام من المدعي و المنكر و يجري فيها حكم الصورة السابقة.

(288) ظهر مما مر عدم الاحتياج إلى التحالف بل يحلف مدعى الأقل فقط.

(289) لا وجه للتحالف، لأن مرجع النزاع عرفا إلى التضمين و عدمه فيتحقق المدعي و المنكر لا محالة فمع عدم البينة للمدعي يحلف المنكر و يثبت قوله من غير احتياج إلى التحالف، و كذا في كل مورد يرجع النزاع عرفا إلى تضمين الغير لمال أو إثبات إتلاف بالنسبة إلى الغير.

(290) لا إشكال فيه بناء على يكون المقام من التحالف، لتعارض النكولين أو الحلفين و تساقطهما، و أما بناء على كون المقام من المدعي أو المنكر فيحلف المنكر و يسقط أصل الدعوى.

ص: 132

المالك أعطاه الأرض عارية للزراعة و المالك ادعى المزارعة فالمرجع التحالف أيضا (291)، و مع حلفهما أو نكولهما تثبت أجرة المثل للأرض (292).

______________________________

(291) لأصالة عدم المزارعة و عدم العارية، فكل منهما يدعى خلاف الأصل مع أن أصالة تبعية النماء للبذر معارضة بأصالة الضمان بالنسبة إلى الأرض فلا بد من التحالف، و لكن الظاهر عدم جريان أصالة الضمان في الأرض لاتفاقهما على أن الزارع مأذون فيها فيرجع النزاع إلى أن المالك يدعي الحصة لنفسه و الزارع ينكرها.

(292) يصح ذلك إن تساوت أجرة المثل مع حصة المالك التي يدعيها و يعترف بأنه لا أجرة للأرض معها، و لا ثمرة حينئذ بين تقديم قول المالك أو سقوطه بالتعارض و الرجوع إلى أجرة المثل، و أما بناء على كونها أكثر فلا وجه له، لاعتراف المالك بأنه لا تستحق الزيادة.

و القول بسقوط دعواه بالتحالف كما عن الحدائق فلا يكون استحقاق أجرة المثل مخالفا لدعواه.

لا وجه له، لأن سقوط الدعوى إنما هو بالنسبة إلى مورد النزاع و أما ما هو خارج عن مورده و يكون الكلام ظاهرا فيه ظهورا عرفيا محاوريا فلا وجه للسقوط لو كان له أثر، و لو كانت أجرة المثل أقل من الحصة تثبت أجرة المثل بعد التحالف بناء على كون المقام من التداعي و لا وجه لها و لا لاستحقاق الحصة بناء على كونه من المدعي و المنكر بعد حلف المنكر على نفي المزارعة.

و يمكن أن يكون اختلاف الحكم باختلاف تقرير الدعوى و الخصوصيات المحفوفة بها فيكون المرجع حينئذ في تشخيص كونه من التداعي أو من المدعي و المنكر نظر الحاكم، و منه يظهر انه يمكن جعل

ص: 133

فإن كان بعد البلوغ فلا إشكال (293)، و إن كان في الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالك (294)، و في وجوب إبقاء الزرع إلى البلوغ عليه مع

______________________________

النزاع بين الفقهاء- في المقام من أنه من أيهما- لفظيا، كما أنه يظهر من ذلك كله إجمال قول الماتن. رحمة اللّه في المقام.

(293) أما بناء على كون المقام من المدعي و المنكر و حلف المنكر على نفي المزارعة فلا شي ء للمالك ظاهرا لاعتبار اليمين في إسقاط النزاع، و الحكم بكون النزاع لمن حلف بحسب الحكم الظاهري، و إن كان الواقع لا يتبدل عما هو عليه لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله كما في صحيح هشام: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل اقطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار»، (1) فعلى هذا لو كان المنكر كاذبا فيما بينه و بين اللّه تعالى لا يجوز له التصرف، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

و أما بناء على كون المقام من التداعي فبعد سقوط الإعارة و المزارعة يعمل بحسب القواعد العامة فيكون الزرع لصاحب البذر لقاعدة التبعية و عليه أجرة الأرض للاستيفاء.

(294) لفرض سقوط المزارعة بواسطة حكم الحاكم كسقوط العارية به أيضا فيجوز للمالك الرجوع في أرضه و ترتيب أثر عدم المزارعة، و لكنه يتم بناء على ثبوت الموضوعية لحكم الحاكم، و أما بناء على كونه طريقا محضا كما هو الظاهر منهم فلا وجه له مع اعترافه بعقد المزارعة و هي لازمة لا يرتفع إلا بالتقايل.

إلا أن يقال: إن إنفاذ حكم الحاكم مقدم في بعض الموارد على ملاحظة اعتراف المعترف بخلاف حكم الحاكم تحفظا على اعتبار الحكم مهما

ص: 134


1- الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى: 1.

الأجرة إن أراد الزارع و عدمه و جواز أمره بالإزالة وجهان (295)، و إن كان النزاع قبل نثر الحب فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما (296).

مسألة 26: لو ادعى المالك الغصب و الزارع ادعى المزارعة

(مسألة 26): لو ادعى المالك الغصب و الزارع ادعى المزارعة فالقول قول المالك مع يمينه على نفي المزارعة (297).

______________________________

أمكن، و لكنه محل تأمل لإطلاق ما مر من، صحيح هشام و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(295) أما وجه جواز أمره بالإزالة فلقاعدة السلطنة بعد سقوط الدعويين مطلقا بحكم الحاكم.

و أما وجه وجوب الإبقاء مع الأجرة فلقاعدة الإقدام حيث إن المالك أقدم باعترافه على الزرع فهما متفقان على ثبوت الإذن إما عارية أو مزارعة، فلا تجري قاعدة الضرر بالنسبة إليه من جهة إقدامه عليه، و حينئذ فمقتضى قاعدة نفي الضرر عدم صحة أمره للزارع للقلع، بل و في استحقاقه طلب الأجرة إذا كانت أكثر من الحصة على صحة دعواه المزارعة بحث تقدمت الإشارة إليه و لكن الاحتياط في التراضي.

(296) بناء على أن لحكم الحاكم موضوعية خاصة في نفي الدعويين، و أما بناء على أنه طريق محض فالمالك ملزم بإقراره و اعترافه، و لا وجه للانفساخ مع اعترافه باللزوم.

(297) لأن المنساق العرفي المحاوري من هذا الدعوى أن أصل النزاع في دعوى المزارعة و إنكارها، فالزارع مدع لها و المالك منكر لها فيقدم قول المنكر مع اليمين، و بعد تقديم قوله يترتب آثار الغصب فدعوى الغصبية طريق إلى بيان إنكار المزارعة.

نعم، لو كانت لدعوى الغصبية موضوعية خاصة يصير من التداعي ظاهرا و بعد سقوطهما بالحكم يرجع إلى قاعدة السلطنة بالنسبة إلى الأرض فتكون

ص: 135

مسألة 27: في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع

(مسألة 27): في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع هل يجوز له ذلك بعد تعلق الزكاة و قبل البلوغ، قد يقال بعد الجواز (298) إلا أن يضمن حصتها للفقراء لأنه ضرر عليهم، و الأقوى الجواز و حق الفقراء يتعلق بذلك الموجود و إن لم يكن بالغا (299).

مسألة 28: يستفاد من جملة من الأخبار أنه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلمها إلى غيره ليزرع لنفسه

(مسألة 28): يستفاد من جملة من الأخبار أنه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلمها إلى غيره ليزرع لنفسه و يؤدي خراجها عنه، و لا بأس به (300).

______________________________

النتيجة متحدة سواء فرض من المدعي و المنكر أو من التداعي.

(298) نسب ذلك إلى ابن الجنيد؛ و لكن يظهر من ذيل كلامه الذي نقله في الجواهر انه في المزارعة الصحيحة دون الفاسدة.

(299) لمكان ولايته في الجملة، و لأن حقهم لا يزيد على حق صاحب الزرع فمع جوازه بالنسبة إليه، يجوز بالنسبة إليهم أيضا.

(300) و يدل عليه الأصل أيضا، و في خبر ابن ميمون قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قرية الأناس من أهل الذمة لا أدري أصلهم لهم أم لا غير إنها في أيديهم و عليها خراج، فاعتدى عليهم السلطان، فطلبوا إلي فأعطوني أرضهم و قريتهم على أن أكفيهم السلطان بما قل أو كثر، ففضل لي بعد ذلك فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض؟ قال عليه السّلام: لا بأس بذلك لك ما كان من فضل» (1)، و مثله غيره.

ص: 136


1- الوسائل باب: 17 من أبواب المزارعة و المساقاة: 2.

مسائل متفرقة

اشارة

مسائل متفرقة

الأولى: إذا قصر العامل في تربية الزرع فقلّ الحاصل فالظاهر ضمانه التفاوت

الأولى: إذا قصر العامل في تربية الزرع فقلّ الحاصل فالظاهر ضمانه التفاوت (1) بحسب تخمين أهل الخبرة كما صرح به المحقق القمي قدس سرّه في أجوبة مسائله.

الثانية: إذا ادعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط

الثانية: إذا ادعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط أو ادعى عليه تقصيره في العمل على وجه يضر بالزرع و أنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه فالقول قوله، لأنه مؤتمن في عمله (2)، و كذا لو ادعى عليه التقصير في حفظ

______________________________

(1) إن كان عقد المزارعة وقع على العمل التام بقيد التمامية يبطل العقد بالإخلال بها، و يكون الزرع لصاحب البذر لقاعدة التبعية، و عليه أجرة الأرض إن كان هو الزرع و لا أجرة لعمله إن كان البذر للمالك، لفرض إقدامه على هتك عمله بالتقصير في إتمام العمل فلا ضمان على الزارع للمالك على التقديرين.

و إن كان عقد المزارعة انحلاليا بحسب الإجزاء و المراتب فبالنسبة إلى ما أتى به تصح المزارعة على ما قررا عليه و تبطل بالنسبة إلى ما لم يأت، و لا وجه للضمان على هذا التقدير أيضا.

و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص و الموارد و الخصوصيات.

فيتحقق الضمان حينئذ في الجملة إن حصل تفاوت عرفا، و تقدم في المسألة السابعة ما ينفع المقام فراجع.

(2) و إن كان مقتضى الأصل عدم العمل بالشرط فلا بد من تقديم قول المالك، و لكن قد تسالم الفقهاء و جرت السيرة على قبول قول الأمين مع عدم البينة على الخلاف، و هذه قاعدة متبعة في جميع الموارد و هي: «قبول

ص: 137

الحاصل بعد ظهوره و أنكر (3).

الثالثة: لو ادعى أحدهما على الآخر شرطا متعلقا بالزرع، و أنكر أصل الاشتراط فالقول قول المنكر

الثالثة: لو ادعى أحدهما على الآخر شرطا متعلقا بالزرع، و أنكر أصل الاشتراط فالقول قول المنكر (4).

الرابعة: لو ادعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة فعليه إثباته

الرابعة: لو ادعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة فعليه إثباته (5) و بعده له الفسخ. (6)

الخامسة: إذا زارع المتولي للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدة لزم

الخامسة: إذا زارع المتولي للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدة لزم و لا تبطل بالموت (7)، و أما إذا زارع البطن المتقدم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ثمَّ مات في الأثناء قبل انقضاء المدة فالظاهر بطلانها من ذلك الحين، لانتقال الأرض إلى البطن

______________________________

قول الأمين فيما ائتمن عليه»، سواء كانت الأمانة مالكية- كما في المقام و نحوه- أو شرعية- كالأب و الجد و الحاكم الشرعي- أو عرفية كقبول قول كل من استولى على شي ء فيما استولى عليه من حيث الطهارة و النجاسة و نحوهما لأن أهل العرف يرونه مؤتمنا بالنسبة إلى ما استولى عليه، و من فروع ذلك أيضا قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به»، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(3) لأنه أمين و لأصالة الصحة في فعله.

(4) لأصالة عدم الاشتراط إلا أن يثبت بدليل و المفروض عدمه.

(5) لأصالة عدم اعتبار قوله إلا إذا ثبت بحجة معتبرة.

(6) لظهور الإجماع على عدم اختصاص خيار الغبن بخصوص البيع، بل يجري في جميع المعاملات.

(7) أما اللزوم فلأصالة اللزوم- في كل عقد- الثابتة بالأدلة المعتبرة التي تقدمت في كتاب البيع.

و أما عدم البطلان بالموت فلأنه عقد صدر عن أهله و في محله فمقتضى الأصل اللزوم و عدم البطلان.

ص: 138

اللاحق، كما أن الأمر كذلك في إجارته لها (8)، لكن استشكل فيه المحقق القمي قدس سرّه بأن عقد المزارعة لازمة و لا تنفسخ إلا بالتقايل أو ببعض الوجوه التي ذكروها و لم يذكروا في تعدادها هذه الصورة مع أنهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا أجر البطن المتقدم ثمَّ مات في أثناء المدة، ثمَّ استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة فالتجأ إلى أن الإجارة أيضا لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدة و إن كان البطن اللاحق يتلقى الملك من الواقف لا من السابق و أن ملكية السابق كانت إلى حين موته بدعوى أنه إذا آجر مدة لا تزيد على عمره الطبيعي و مقتضى الاستصحاب بقاؤه بمقداره، فكما أنها في الظاهر محكومة بالصحة كذلك عند الشارع و في الواقع فبموت السابق ينتقل ما قرره من الأجرة إلى اللاحق لا الأرض بمنفعتها- إلى آخر ما ذكره من النقص و الإبرام- و فيه ما لا يخفى، و لا ينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين (9).

______________________________

(8) لأن في الوقف الترتيبي تسلط كل بطن و حقه في العين الموقوفة محدود بحياته فقط، فليس له التصرف فيها بما يتعلق بما بعد حياته فلو تصرف كذلك ثمَّ مات ينكشف بطلان تصرفه من حين موته.

(9) مقتضى أصالة عدم الولاية و عدم السلطنة على التصرف فيما زاد على عمره هو البطلان فيما زاد عليه مطلقا.

و بعبارة أخرى: سلطنة كل بطن ما دامية ظاهرا و واقعا لا دائمية فيكون البطلان مستندا إلى عدم المقتضي، و لا ينتقض ذلك بما إذا آجر شخص داره مثلا ثمَّ مات أو باع الدار حيث لا تبطل الإجارة بالموت و البيع، لأن ملكية المالك للمنفعة كانت مطلقة غير محدودة بحد شرعي لا ظاهرا و لا واقعا، فله السلطنة المطلقة على ملكه المطلق بما شاء و أراد بخلاف المقام الذي ليس له السلطنة المطلقة، و قد تقدم في (مسألة 1 و 3) من كتاب الإجارة (فصل الإجارة

ص: 139

السادسة: يجوز مزارعة الكافر مزارعا كان أو زارعا

السادسة: يجوز مزارعة الكافر مزارعا كان أو زارعا (10).

السابعة: في جملة من الأخبار النهي عن جعل ثلث للبذر و ثلث للبقرة و ثلث لصاحب الأرض

السابعة: في جملة من الأخبار النهي عن جعل ثلث للبذر و ثلث للبقرة و ثلث لصاحب الأرض و أنه لا ينبغي أن يسمي بذرا و لا بقرا فإنما يحرم الكلام، و الظاهر كراهته (11)، و عن ابن الجنيد و ابن البراج حرمته فالأحوط الترك (12).

الثامنة: بعد تحقق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته

الثامنة: بعد تحقق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما (13) بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه أو غيره بعد التخمين (14) بحسب المتعارف بل لا بأس به قبل ظهوره أيضا (15)، كما أن الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصته في هذه القطعة من الأرض بحصة الآخر في الأخرى، بل الظاهر

______________________________

من العقود اللازمة) ما ينفع المقام فراجع.

(10) للأصل و الإطلاق و الاتفاق، و ما تقدم من قضية خيبر و موثق سماعة في (مسألة 12).

(11) لإعراض الأصحاب عن ظاهر تلك الأخبار، فلا تصلح مستندا للحرمة لهذه الجهة، و تقدمت الإشارة إليها في (مسألة 12).

(12) خروجا عن مخالفتهم.

(13) لقاعدة السلطنة، و عموم أدلة الصلح، و لا ربا في المقام بعد عدم كونه من المكيل و الموزون كما تقدم.

(14) بل يجوز قبله أيضا لاغتفار الغرر في الصلح بما لم يغتفر في غيره كما تقدم في كتاب الصلح.

(15) مع الاطمئنان العادي بالحصول و لو من القرائن، و أما مع عدمه فلا موضوع للصلح حينئذ فيبطل من هذه الجهة.

و بذلك يمكن جعل النزاع بين من جوز هذا الصلح و بين من لم يجوزه لفظيا فراجع و تأمل.

ص: 140

جواز تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما و الأخرى للآخر (16)، إذ القدر المسلم لزوم جعل الحصة مشاعة من أول الأمر و في أصل العقد (17).

التاسعة: لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أول أمر

التاسعة: لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أول أمر (18)، و في السنة الاولى، بل يجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلا بعد إصلاحها و تعميرها سنة أو أزيد، و على هذا إذا كانت أرض موقوفة وقفا عاما أو خاصا و صارت بائرة يجوز للمتولي أن يسلمها إلى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقل أو أزيد حسبما تقتضيه المصلحة على أن يعمرها و يزرعها إلى سنتين مثلا لنفسه (19)، ثمَّ يكون الحاصل مشتركا بالإشاعة بحصة معينة.

______________________________

(16) كل ذلك للأصل، و قاعدة السلطنة، و إطلاق أدلة الصلح.

(17) و المفروض حصولها، فالمقتضي لصحة ما ذكر موجود و المانع عنه مفقود.

(18) للأصل و الإطلاق و السيرة و ظهور الاتفاق بلا وجود مقيد في البين،

(19) لأن مقتضى الإطلاقات و العمومات عدم اعتبار كون الحاصل مشتركا بين العامل و الزارع من أول إنشاء عقد المزارعة، بل يكفي الاشتراك في الجملة، سواء كان ذلك من أوله إلى آخره أو من الأول فقط أو من الوسط أو من الآخر لاختلاف أغراض المعاملية بذلك فيشمل الجميع، للإطلاقات و العمومات و لا مقيد في البين إلا دعوى الانصراف إلى القسم الأول، و على فرض صحته فهو بدوي لا وجه لاعتباره.

و دعوى: انه مخالف لظاهر الفتاوي، و القول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، و لكن بالنصف و الثلث و الربع لا بأس به.

ص: 141

العاشرة: يستحب للزارع، كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحب

العاشرة: يستحب للزارع، كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحب (20) بأن يقول: «اللهم قد بذرنا و أنت الزارع و اجعله حبا متراكما»، و في بعض الأخبار (21) «إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر و استقبل القبلة» و قل أَ فَرَأَيْتُمْ مٰا تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّٰارِعُونَ ثلاث مرات، ثمَّ تقول: «بل اللّه الزارع» ثلاث مرات، ثمَّ قل «اللهم اجعله حبا مباركا و ارزقنا فيه السلامة» ثمَّ انثر القبضة التي في يدك في القراح (22) و في خبر آخر (23) لما هبط آدم عليه السّلام إلى الأرض احتاج إلى الطعام و الشراب فشكى ذلك إلى جبرائيل؟ فقال له جبرائيل: يا آدم كن حراثا، فقال عليه السّلام: فعلمني دعاء، قال: قل «اللهم اكفني مئونة الدنيا و كل هول دون الجنة و ألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة».

تمَّ كتاب المزارعة

______________________________

و قال: لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس» (1).

مردود، لأن مقتضى إطلاق الفتاوي و مثل هذه النصوص كفاية الإشاعة في الجملة و دعوى ظهورها في أنه لا بد في كون الإشاعة من أول الحاصل إلى آخره عين المدعى و أصل الدعوى، و على فرض عدم كونه من المزارعة المعهودة يكون عقدا مستقلا و قد أثبتنا مرارا صحة ذلك.

(20) كما في خبر شعيب (2).

(21) كما في رواية ابن بكير (3).

(22) القراح: المزارع التي ليس عليها بناء و لا شجر و الجمع أقرحة.

(23) كما في رواية مسمع (4). و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 142


1- الوسائل باب: 8 من أبواب المزارعة و المساقاة: 3.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب المزارعة و المساقاة
3- الوسائل باب: 5 من أبواب المزارعة و المساقاة
4- الوسائل باب: 5 من أبواب المزارعة و المساقاة.

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب المساقاة

اشارة

كتاب المساقاة و هي معاملة على أصول ثابتة (1) بحصة من ثمرها، و لا إشكال في

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي يسوق الماء إلى الأرض الجرز فيخرج به عنبا و زيتونا و نخيلا و الصلاة و السّلام على محمد الذي سقي من الشراب الطهور و الرحيق المختوم و من كأس كان مزاجها زنجبيلا و آله الذين كانوا بعلمهم و عملهم للدين الحنيف هاديا و دليلا.

(1) لم يرد لفظ «المساقاة» في الكتاب و السنة و لا في أحاديث الأئمة عليهم السّلام، كما يأتي في المسألة الرابعة.

نعم، ذكر معناها في الجملة في صحيح ابن شعيب (1)، كما يأتي في المتن، و لعله لذلك لم يجعل متقدمو المحدثين و لا متأخريهم للمساقاة كتابا مستقلا و جعلوها تبعا للمزارعة، بل عن بعض الفقهاء أن المزارعة تطلق في

ص: 143


1- الوسائل باب: 9 من أبواب المزارعة و المساقاة: 2.

.....

______________________________

الأخبار على ما يشمل المساقاة فيمكن استفادة أحكام المساقاة منها.

و هو استظهار وجيه لوجود الجامع القريب بينهما و هو استنماء الجسم النامي و لعله لذلك أجمل المساقاة في الأخبار و لم يعنون لها كتاب مستقل في كتب الأحاديث، و عن بعض متتبعي مشايخنا رحمة اللّه أن فروع المساقاة و أحكامها لا بد و أن يستفاد من القواعد العامة إذ ليس فيها دليل خاص بها.

و قد تقدم في أول المزارعة ما ينفع للمقام أيضا لأن كلا منهما من المفاعلة بلا فرق بينهما من هذه الجهة.

ثمَّ إن المساقاة بالمعنى العام- المتطور بأطوار الأزمنة و الأمكنة فطورا بالرش من الآبار و آخر بالدوالي من الأنهار و ثالثة بالمكائن الحديثة منها و رابعة بما يسمى ب- (الآبار الارتوازية) إلى غير ذلك- من المفاهيم العرفية المعلومة عند عمال الجنان و البساتين، و اللازم للفقيه الرجوع إليهم في تشخيص ذلك خصوصا فيما قارب هذه الأعصار التي اهتم الناس بتربية الأشجار مطلقا كثيرا و وضعوا له علما خاصا و خبراء متخصصين.

ثمَّ أن الفقهاء قد يعبرون في تعريفها بما في المتن أي «المعاملة على أصول ثابتة ..» و قد يعبرون بقولهم: «نابتة» و لا ريب في كون التعبير الثاني أعم من الأول فيشمل مثل (البطيخ و الباذنجان) و نحوهما و المزارعة أيضا، لكن حيث يذكرونها في مقابل المزارعة لا بد و أن يحمل على معنى خاص لا تشمل المزارعة و يأتي في (مسألة 3) بعض الكلام.

و يمكن أن يقال: أن المساقاة إما ملحق بالإجارة حكما، أو تكون منها موضوعا فيملك صاحب الأصول على العامل العمل كالمستأجر بالنسبة إلى الأجير، و لكنه اغتفر في المساقاة من الجهالة ما لم يغتفر في الإجارة، كما أن ظاهر الأصحاب عدم وقوعها بلفظ الإجارة و لكنه بلا دليل بعد توسعة الأمر في المساقاة من كل جهة حتى ألفاظ عقدها كما يأتي.

ص: 144

مشروعيتها في الجملة (2)، و يدل عليها- مضافا إلى العمومات- خبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه و فيها رمان أو نخل أو فاكهة و يقول اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما أخرج؟ قال عليه السّلام لا بأس» و جملة من أخبار خيبر، منها صحيح الحلبي قال «أخبرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أباه حدثه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبرا بالنصف أرضها و نخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة (إلخ)، هذا مع أنها من المعاملات العقلائية و لم يرد نهي عنها و لا غرر فيها (3) حتى يشملها النهي عن الغرر.

و يشترط فيها أمور:

الأول: الإيجاب و القبول (4)، و يكفي فيهما كل لفظ دال على المعنى المذكور ماضيا كان، أو مضارعا، أو أمرا (5)، بل الجملة الاسمية مع

______________________________

(2) للإجماع، و السيرة خصوصا في الأزمنة القديمة، و خصوصا في الحجاز حيث كان غالب سقي الأشجار من الآبار و يستأجرون العامل لذلك بحصة من الحاصل.

(3) أي: زائدا على الغرر الذي هو من لوازمها المتعارفة، و إلا فحاصل المزارعة و المساقاة في معرض الغرر و الحوادث و الآفات الأرضية و السماوية.

(4) لأنها عقد و كل عقد متقوم بهما.

(5) لأن المناط كله الظهور العرفي في إنشاء المعاملة المقصودة، و لو كان الظهور مستندا إلى القرائن و ليس المراد الظهور اللغوي حتى يتوهم أن الأمر ليس إنشاء للمفهوم لغة فلا يقع به الإيجاب و القبول، و يتكلف في صحة وقوع الإيجاب و القبول به بأنه يرجع إلى الإذن، و من لوازم الإذن عرفا الإيجاب و القبول لأنه مردود بأنه يمكن أن يكون الأمر ظاهرا في المحاورات العرفية، و لو بالقرائن في إنشاء المفهوم و لا نحتاج إلى شي ء زائد غير الظهور المحاوري.

ص: 145

قصد الإنشاء بأي لغة كانت (6)، و يكفي القبول الفعلي (7) بعد الإيجاب القولي، كما أنه يكفي المعاطاة (8).

الثاني: البلوغ، و العقل، و الاختيار (9).

الثالث: عدم الحجر لسفه، أو فلس (10).

______________________________

إن قيل: فعلى هذا يمكن أن يقال بصحة إنشاء كل عقد بلفظ الأمر مع أنهم لا يقولون بها.

يقال: لا بأس بذلك إذا كان فيه ظهور عرفي لو لا دعوى الإجماع و إثباته على عهدة مدعية.

(6) لإطلاق أدلة العقود الشامل لجميع ذلك و عدم دليل على التقييد بشي ء في المقام.

(7) لأن المناط كله في القبول إظهار الرضاء بالإيجاب، و هو كما يحصل بالقول يحصل بالفعل أيضا و لا دليل على التقييد بالقول في المقام بل الأصل و الإطلاق ينفيه.

(8) لإطلاق أدلة العقود الشامل للفعلي منها كشموله للقولي إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف في المقام، فالأقسام أربعة:

الأول: كون الإيجاب و القبول كلاهما فعليين.

الثاني: كونهما لفظيين.

الثالث: الإيجاب لفظي و القبول فعلي.

الرابع: عكس ذلك و الكل صحيح لإطلاق الأدلة و عدم ما يصلح للتقييد.

(9) تقدم مرارا دليل اعتبار هذه الأمور في العقود مطلقا، لأنها من الشرائط العامة في كل إنشاء و ذكر أدلتها في البيع يجزي عن ذكرها في سائر العقود فلا وجه للإطلاقة بالتكرار.

(10) لأن هذه المعاملة تصرف مالي و المحجور ممنوع منه كما يأتي في

ص: 146

الرابع: كون الأصول مملوكة عينا و منفعة، أو منفعة فقط، أو كونه نافذ التصرف فيها لولاية، أو وكالة، أو تولية (11).

الخامس: كونها معينة عندهما معلومة لديهما (12).

السادس: كونها ثابتة مغروسة فلا تصح في الودي أي الغسل قبل الغرس (13).

السابع: تعيين المدة بالأشهر و السنين (14) و كونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالبا (15).

______________________________

كتاب الحجر هذا إذا كان من العامل مال أيضا، و أما إن لم يكن منه مال بل كان عليه مجرد العمل فقط ففلسه لا يضر بالصحة.

(11) و ذلك كله لأن عقد المساقاة تصرف خاص في الأصول لا بد في صحته من إذن مالكي أو شرعي و إلا يقع باطلا.

(12) ذكر التعيين يغني عن ذكر المعلوم لديهما فيكون الثاني تأكيدا للأول، و الدليل على اعتبار التعيين السيرة و ظهور الإجماع و عدم إقدام متعارف الناس على المعاملة بما هو مجهول مطلق.

نعم، يغتفر فيها الجهالة في الجملة و لا تعتبر المداقة في التعيين من كل جهة، للسيرة في ذلك أيضا.

(13) لأن ذلك هو الذي يقع في الخارج من المساقاة و هو المنساق مما ورد في هذا المساق، مضافا إلى ظهور الإجماع على اعتباره.

ثمَّ أن الودي بالياء المشددة ك- (غني) هو الفسيل و صغار النخيل.

(14) للإجماع و السيرة، و لأن هذا هو المنساق مما ورد في تشريع هذه المعاملة مع عدم إقدام متعارف الناس في معاملاتهم مطلقا على ما يتحقق فيه الغرر و الجهالة، بل يلام لديهم من أقدم عليه و يوبّخ و لم يرد ردع عن ذلك بل الأدلة الشرعية منزلة على هذه المرتكزات.

(15) إن احتاج الشجر إلى السقي، و أما إن استغني عنه لرطوبة الهواء أو

ص: 147

نعم، لا يبعد جوازها في العام الواحد إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر لأنه معلوم بحسب التخمين و يكفي ذلك في رفع الغرر (16)، مع أنه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة (17).

الثامن: أن يكون قبل ظهور الثمر (18) أو بعده و قبل البلوغ بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر، و أما إذا لم يكن كذلك ففي صحتها

______________________________

لجهات أخرى فلا موضوع للمساقاة حينئذ كما يأتي بعض الكلام في الشرط الثامن.

(16) الحق أن إيكال هذه الأمور إلى خبراء عمال النخيل و البساتين و الأشجار أولى من تعرض الفقيه لها، إذ ليست هذه الأمور من التعبديات الصرفة، كما أنه ليس الفقيه أهل خبرة هذه الأمور بل لا بد له أن يرجع إليهم فقد يرى الفقيه موردا غررا بحسب نظره و هو ليس غررا لديهم، مع أن المساقاة تختلف بحسب الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات و الخصوصيات التي لا تضبطها ضابطة كلية، و لعله لأجل ذلك أجمل أئمة الدين هذا الموضوع و لم يبينوا تفاصيله مع كونه ابتلائيا فأوكلوا ذلك إلى العارفين بهذه الأمور

(17)، إطلاقه (1)، يشمل صورة قصد الدوام و صورة ما إذا كانت المدة معلومة بالتخمين، و عن الجواهر ظهوره في الصورة الأولى.

و فيه: انه من مجرد المدعي كما لا يخفى.

(18) الأقسام خمسة:

الأول: قبل ظهور الثمرة مع الاحتياج إلى السقي و العمل.

الثاني: بعد الظهور و قبل البلوغ مع الاحتياج المذكور و ظاهر الفقهاء صحة المساقاة فيهما، و تقتضيه السيرة و المرتكزات و العمومات و الإطلاقات أيضا.

ص: 148


1- الوسائل باب: 9 من أبواب المزارعة: 2 و تقدم في صفحة: 143.

إشكال (19)، و إن كان محتاجا إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك.

التاسع: أن يكون الحصة معينة مشاعة (20)، فلا تصح مع عدم تعيينها إذا لم يكن هناك انصراف (21)، كما لا تصح إذا لم تكن

______________________________

الثالث: قبل الظهور مع عدم الاحتياج إلى السقي و العمل أصلا، و إن احتاج إلى الاقتطاف و نحوه.

الرابع: بعد الظهور و قبل البلوغ مع عدم الاحتياج إليهما، و إن احتاج إلى بعض الأمور فإن كانت المساقاة من الإجارة موضوعا و إن اغتفر في المساقاة الجهالة في الجملة دون الإجارة فالظاهر الصحة، لوجود عمل قابل لأن يستأجر لإتيانه، و إن كانت عنوانا مستقلا فمقتضى المرتكزات و الإجماع المدعى عدم الصحة فلا تشملها عموم وجوب الوفاء بالعقد و إطلاقه.

إلا أن يقال: انها يشمله مع وجود الغرض العقلائي في البين فتكون معاملة مستقلة و إن لم تكن داخلة في الإجارة و الجعالة، و من ذلك يظهر حكم القسم الخامس و هو ما إذا لم يكن عمل في البين أصلا و لكن كان هناك غرض عقلائي في إنشاء هذه المعاملة، و يأتي في (مسألة 1) أيضا بعض الأقسام و هي مكررة مع المقام كما يأتي في (مسألة 10) أيضا، و يظهر من قول الماتن المنافاة مع المقام فراجع.

(19) بناء على ما مر من التفصيل في الأقسام، و إنها تختص بما إذا كان في المورد عمل خاص من سقي، و نحوه و أما بناء على التعميم بكل ما فيه غرض صحيح فلا إشكال فيه.

(20) أما التعيين فلظهور الإجماع، و المنساق من النصوص.

و سيرة المتشرعة بل العقلائية قديما و حديثا.

و أما الإشاعة فقد أرسل ذلك إرسال المسلمات الفقهية و ادعى جمع من الفقهاء نفي الخلاف فيه بين الأصحاب.

(21) أما عدم الصحة مع عدم التعيين فلانتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

ص: 149

مشاعة (22) بأن يجعل لأحدهما مقدارا معينا و البقية للآخر.

نعم، لا يبعد جواز أن يجعل لأحدهما أشجارا معلومة (23)، و للآخر أخرى، بل و كذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة و الاشتراك في البقية أو اشترط لأحدهما مقدار معين مع الاشتراك في البقية إذا علم

______________________________

و أما اعتبار الانصراف فلأن الانصراف المعتبر كالتعين.

(22) لما مر من انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(23) بأن تجعل الحصة المشاعة الواقعة عليها العقد في النخلات المعلومة، و هذا صحيح لا إشكال فيه.

و أما ما قيل: من أنه متناف في نفسه مع اعتبار الإشاعة، و مخالف لكلام الفقهاء، و مخالف للأدلة الخاصة- لاقتضائها المنع من هذه الصورة- و العامة لاقتضائها الجواز في الصورة الأولى مردود: أما الأول فلأن مورد الإشاعة هي الثمرة و مورد التعيين النخلات فكيف يتحقق التنافي حينئذ.

نعم، لو كان مورد التخصيص خصوص الثمرة، من حيث هي مع قطع الإشاعة من كل جهة لتحقق التنافي و ظاهر المتن خلافه.

و أما الثاني: فلأن المخالفة مسلمة إن قطعت الثمرة عن الإشاعة من كل جهة و اما لو بقيت في الجملة و لو مع الشركة مع بقية الثمار في الجملة فأي مخالفة حينئذ؟ لأن تخصيص الأشجار أعم من تخصيص الأثمار.

و من ذلك كله يظهر الجواب عن الإشكال الثالث لأن مورد الأدلة الخاصة الاختصاص بالنسبة إلى الثمرة لا الشجر مع بقاء الإشاعة في الجملة.

و دعوى: أن ما ذكره هنا مناف لما ذكره في المزارعة (فلا وجه لها)، لأن في مورد المزارعة ورد الدليل بالخصوص بالمنع عن هذه الجهة بخلاف المقام، فإن ما وصل إلينا من الأدلة إنما هو الإشاعة في الجملة في الثمر، سواء كانت

ص: 150

كون الثمرة أزيد من ذلك المقدار و أنه تبقى بقية (24).

العاشر: تعيين ما على المالك من الأمور و ما على العامل من الأعمال (25).

______________________________

الشجر مختصة أو لا فالفرق بينهما واضح إلا أن يقال: أن المزارعة أصل للمساقاة من كل حيثية و جهة و يترتب أحكام المزارعة على المساقاة من كل جهة، و إثبات هذه الكلية يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

نعم، لو جعل أصل السهم من الأول في النخلات المعلومة بطلت بعنوان المساقاة على ما هو ظاهر كلماتهم.

و يمكن أن يقال بصحته إجارة، لفرض اشتمال المساقاة على عنوان الإجارة كما مر، و هذا المقدار من القصد يكفي و لا دليل على اعتبار الأزيد منه بل مقتضى إطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، عدمه بعد صدق العقد عليه عرفا.

(24) كل منهما لتحقق الإشاعة في الجملة، فتشمله الأدلة، مضافا إلى أصالة الصحة و عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2) و من ذلك يعلم أن ما توهم من أنه لا بد من الإشاعة في جميع الثمر قول بلا دليل و توهم عليل، و لو فرض استظهار ذلك فلا ريب أنه من باب الغالب لا المقوّم.

(25) أما أصل تعيين ما على المالك و ما على العامل في الجملة بنحو الكبرى الكلية فهو مجمع عليه بين الفقهاء بل من ضروريات الفقه؛ و تدل عليه السيرة قديما و حديثا.

و أما تعيين الصغريات فهو ليس من وظيفة الفقه و الفقيه لاختلافها باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات و الخصوصيات الغير المنضبطة بضابطة كلية كلما تعارف كونه على العامل في كل زمان و مكان لا بد من تعيينه، و كلما تعارف كونه على المالك فكذلك و ما شك فيه من أنه على أيهما لا بد فيه

ص: 151


1- سورة المائدة: 1.
2- سورة المائدة: 1.

إذا لم يكن هناك انصراف (26).

مسألة 1: لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمر

(مسألة 1): لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمر (27)، كما لا خلاف في عدم صحتها بعد البلوغ و الإدراك بحيث لا يحتاج استكشافه إلى عمل غير الحفظ و الاقتطاف (28)، و اختلفوا في صحتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ، و الأقوى كما أشرنا إليه صحتها (29) سواء كان العمل مما يوجب الاستزادة أو لا، خصوصا إذا كان في جملتها بعض الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها (30).

مسألة 2: الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي لا ثمر لها

(مسألة 2): الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي لا ثمر لها و إنما ينتفع بورقها (31) كالتوت و الحناء و نحوهما.

______________________________

من الرجوع إلى أهل الخبرة، و مع عدم الإمكان لا بد من التراضي و التصالح، و يأتي في (مسألة 9) ما ينفع المقام.

(26) لأن الانصراف المعتبر كالتعيين.

(27) للإطلاق، و الاتفاق، و السيرة بعد صدق عنوان المساقاة في الجملة، و تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في الشرط الثامن أيضا.

(28) لا اعتبار بدعوى عدم الخلاف في مثل هذه المسألة الاجتهادية، مع أنه يمكن القول بالصحة بجعلها من الإجارة أو تعميم المساقاة موضوعا للأغراض اللاحقة لكل غرض عقلائي يتعلق بهذا العمل الخاص، و ذلك يتخلف باختلاف الخصوصيات و الجهات.

(29) للإطلاقات و العمومات و السيرة في الجملة، و ظهور الاتفاق إلا ممن لا يعتد بخلافه لكثرة مناقشاته في المسلمات.

(30) ظهر مما مر صحة المساقاة بعنوانها الأعم خصوصا فيما إذا أو أوجبت الاستزادة، أو كان هناك أشجار بعد لم يظهر ثمرها فإن صحة المساقاة فيها مما لا يقبل الإنكار.

(31) نسب الجواز إلى المشهور، و يساعده القاعدة المرتكزة في أذهان

ص: 152

مسألة 3: لا يجوز عندهم المساقاة على أصول غير ثابتة

(مسألة 3): لا يجوز عندهم المساقاة على أصول غير ثابتة (32)

______________________________

العقلاء من صحة المعاملة على كلما فيه غرض صحيح عقلائي غير منهي عنه شرعا، و هذه القاعدة تشمل جميع المعاملات، بيعا كانت أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة أو غيرها- و يكفي عدم ورود المنع عن الشرع بعد عموم مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود فما هو المشهور هو المنصور، فلا وجه للتمسك بأصالة عدم ترتب الأثر بعد وجود العموم و عدم ورود النهي.

إن قيل إن المساقاة يتحمل من الجهالة ما لا يتحملها غيره فلا بد فيه من الاقتصار على المتيقن.

يقال: بعد صدق المساقاة لغة و عرفا تترتب عليها آثارها قهرا فلا وجه للإشكال، فما ذكره في الجواهر من التفصيل بين ما إذا كان تبعا فتصح و إلا فلا تصح. لا وجه له بعد الصدق عرفا مطلقا، و تقتضيه المرتكزات أيضا.

(32) جمودا على هذه اللفظة التي ذكرها جمع من الفقهاء و لم يرد هذه الجملة (أصول غير ثابتة) في نص حتى يتعبد به.

نعم، ذكر الرمان و النخل و الشجر في بعض النصوص (2)، و لأصالة عدم ترتب الأثر إلا في المتيقن من الأدلة و الكلمات.

و فيه: أما الكلمات فما لم يكن إجماع معتبر لا اعتبار بها، و أما ذكر سقي النخل و الرمان و الشجر في الروايات فيمكن حملها على الغالب و المثال، و أما أصالة عدم ترتب الأثر فلا أثر لها مع عمومات العقود و إطلاقها فيصح أن يقال:

إن المساقاة المذكورة في كلماتهم ما يكون الغرض الأهم منها السقي لغرض

ص: 153


1- سورة المائدة: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب المزارعة.

كالبطيخ و الباذنجان و القطن و قصب السكر و نحوها و إن تعددت اللقطات فيها كالأولين، و لكن لا يبعد الجواز للعمومات (33)، و إن لم يكن من المساقاة المصطلحة (34) بل لا يبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك، فإن مقتضى العمومات الصحة بعد كونه من المعاملات العقلائية، و لا يكون من المعاملات الغررية عندهم غاية الأمر أنها ليست من المساقاة

______________________________

تنمية النباتات، أو ما يصلح به طريق الاستسقاء و إن لم يكن سقي فعلي في البين فيجوز إطلاقها على جميع ذلك و لو بالمسامحة العرفية، و له أفراد كثيرة.

فتارة: يكون السقي بالنسبة إلى الأصول الثابتة و هو الغالب.

و أخرى: بالنسبة إلى القطن و الباذنجان.

و ثالثة: بالنسبة إلى مطلق الزرع و لا محذور في ذلك من عقل أو نقل إلا دعوى غلبة الاستعمال فيما له أصول ثابتة، و هي لا توجب الاختصاص بما هو الغالب و حينئذ فعامل المزارع.

تارة: يتكفل الأمران أي السقي و سائر الجهات.

و أخرى: هو يتكفل سائر الجهات و يأخذ المالك للسقي شخصا آخر، و يأتي في المسألة الثانية ما ينفع المقام.

و نسب إلى الشيخ جواز المساقاة على مثل البقل الذي يجز مرة بعد أخرى و نسب إلى جامع الشرائع جوازها في الباذنجان.

(33) و احتمال أنها ليست في مقام التفصيل، فإنما هو في مقام أصل التشريع إجمالا فلا يصح التمسك بها.

باطل لما أثبتناه في محله من أن عمومات العقود و المعاوضات منزلة على الصدق العرفي، فمع الصدق كذلك يتمسك بها ما لم يرد نهي عنه بالخصوص و لا ريب في صدق العقد عرفا على كل ذلك.

(34) يمكن أن تكون من المساقاة المصطلحة على ما بيناه.

ص: 154

المصطلحة (35)

مسألة 4: لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي

(مسألة 4): لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى السقي (36) لاستغنائها بماء السماء أو لمصّ أصولها من رطوبات الأرض و إن احتاجت إلى إعمال أخر، و لا يضر عدم صدق المساقاة حينئذ فإن هذه اللفظة لم ترد في خبر من الأخبار (37) و إنما هي من اصطلاح العلماء و هذا التعبير منهم مبني على الغالب، و لذا قلنا بالصحة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر و استغنائها من السقي، و إن ضويق نقول بصحتها و إن لم تكن من المساقاة المصطلحة (38).

مسألة 5: يجوز المساقاة على فسلان مغروسة

(مسألة 5): يجوز المساقاة على فسلان مغروسة (39)، و إن لم تكن

______________________________

(35) ظهر مما تقدم انه يمكن كونها منها، مع إمكان استفادتها من إطلاق الأدلة الخاصة كصحيح يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام: «و كذلك أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبرا حين أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها و لهم النصف مما أخرجت» (1).

(36) للأصل، و الإطلاق بعد كون السقي من إحدى الأغراض لهذه المعاملة لا أن يكون تمام الغرض بنحو العلية التامة، مع إطلاق بعض أخبار المقام كما تقدم في صحيح يعقوب بن شعيب.

(37) قد ورد ذكر سقي النخيل و الرمان و الشجر في الأخبار (2)، و تقدم ما يصلح لعدم الاختصاص بما ورد فراجع.

(38) يمكن جعل ذلك منها أيضا على ما مر و طريق الاحتياط في جميع ذلك التصالح و التراضي.

(39) لظهور الاتفاق و الإطلاق الشامل لهذه الصورة أيضا.

ص: 155


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة و المساقاة: 2.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب المزارعة حديث: 2 و غيره.

مثمرة إلا بعد سنين بشرط تعيين مدة تصير مثمرة فيها و لو بعد خمس سنين أو أزيد.

مسألة 6: قد مرّ أنه لا تصح المساقاة على ودي غير مغروس

(مسألة 6): قد مرّ أنه لا تصح المساقاة على ودي غير مغروس، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة بأن يشترط على العامل غرسه (40) في البستان المشتمل على النخيل و الأشجار و دخوله في المعاملة بعد أن يصير مثمرا (41)، بل مقتضى العمومات صحة المعاملة على الفسلان الغير المغروسة إلى مدة تصير مثمرة (42) و إن لم تكن من المساقاة المصطلحة (43).

مسألة 7: المساقاة لازمة لا تبطل إلا بالتقايل

(مسألة 7): المساقاة لازمة (44) لا تبطل إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط، أو تخلف بعض الشروط، أو بعروض مانع عام موجب للبطلان، أو نحو ذلك (45).

______________________________

(40) لعموم أدلة الشروط، و ما مر في الشرط السادس من عدم الجواز إنما هو فيما إذا كان مستقلا لا تبعا.

(41) إن كان المراد بذلك تعليق إنشاء المساقاة على ذلك يكون ذلك من التعليق، و ظاهرهم البطلان فيه إلا أن يقال: إن ذلك مغتفر فيها كاغتفار الجهالة فيها، و إن كان المراد تعليق التخصيص بعد أن يصير مثمرا فلا بأس به.

(42) تقدم وجه الصحة في مسألة 3 و 4 و تقدم إمكان إدخال ذلك كله في المساقاة موضوعا أيضا و طريق الاحتياط التراضي.

(43) مر إمكان إدخالها في المساقاة المصطلحة و لو بالمسامحة العرفية.

(44) لما تقدم في كتاب البيع في المعاطاة من الأدلة الدالة على لزوم كل عقد إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج في المقام بل اجمعوا على لزومها من غير خلاف بينهم.

(45) لأن كل ذلك مما يزول بها العقد اللازم كما مر في البيع فلا وجه

ص: 156

مسألة 8: لا تبطل بموت احد الطرفين

(مسألة 8): لا تبطل بموت احد الطرفين (46)، فمع موت المالك ينتقل الأمر إلى وارثه، و مع موت العامل يقوم مقامه وارثه (47)، لكن لا يجبر على العمل (48) فإن اختار العمل بنفسه أو بالاستئجار فله، و إلا فيستأجر الحاكم من تركته من يباشره (49) إلى بلوغ الثمر ثمَّ يقسم بينه و بين المالك.

______________________________

للإعادة بالتكرار.

(46) للأصل و ظهور الإجماع. و نسب إلى الشيخ بطلانها بالموت، و إلى المهذب البارع و المقتصر: أن كل من قال ببطلان الإجارة بالموت قال ببطلان المساقاة به أيضا.

و كلا القولين بلا دليل، و الثاني قياس، مع ما مر في الإجارة من عدم بطلانها بالموت فراجع فلا وجه للإطالة بالتكرار.

(47) لأن هذا الحق قابل للنقل إلى الوارث إجماعا، و كل حق كان كذلك ينقل إلى الورثة بالضرورة الفقهية.

و توهم: أن الموروث انما هو فيما إذا كان الحق حقا للمورث لا أن يكون عليه، و في المقام يمكن أن يكون حق العمل على العامل و حق البدل على المالك.

فاسد: لأن كل حق يمكن أن يكون بالدلالة الالتزامية لشخص و هو بعينه على الآخر.

و دعوى: أنه لا بد و أن يكون مورد الإرث التركة لا نفس الحق و حينئذ يجبرها الحاكم على إحقاق الحق. أكل من القفا كما لا يخفى.

(48) لأصالة عدم الولاية لأحد على إجباره فإن الحق المنتقل إلى الورثة إنما هو حق تخليص ذمة المورث عن العمل أعم من المباشرة، فيكون مخيرا بينهما من دون إجبار لأحدهما في البين كما هو كذلك في كل موضوع تخييري.

(49) لأن العمل المستوفى بالمال له مالية عرفا و شرعا فيصير كالدين

ص: 157

نعم، لو كانت المساقاة مقيدة بمباشرة العامل تبطل بموته (50)، و لو اشترط عليه المباشرة لا بنحو التقييد فالمالك مخير (51)، بين الفسخ لتخلف الشرط و إسقاط حق الشرط و الرضا باستئجار من يباشر.

مسألة 9: ذكروا أن- مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الأعمال على العامل و جملة منها على المالك،

(مسألة 9): ذكروا أن- مع إطلاق عقد المساقاة (52) جملة من

______________________________

حينئذ، ثمَّ ان الأقسام ثلاثة:

الأول: قيام الوارث مباشرة أو تسبيبا إلى العمل.

الثاني: عدم قيام أحد بهذا العمل مباشرة أو تسبيبا فلا بد من الإخراج من تركته، و يكون المتصدي للإخراج الحاكم الشرعي من باب الحسبة، لفرض امتناع الورثة عن تفريغ ذمة الميت، و الظاهر جواز تصدي الورثة للإخراج من أصل التركة أيضا لما مر من أن الحق من الحقوق المالية، و لكن الاحتياط في الاستيذان من الحاكم الشرعي أيضا لأصالة عدم ولايتهم على التصرف في سهام الصغار لاحتمال كون هذا الحق من الحقوق التي يعمل في تحصيل المال لا أن يكون مالا أولا و بالذات.

الثالث: عدم قيام الوارث و عدم المال و التركة له فتبطل أصل المساقاة لانتفاء موضوعها حينئذ.

(50) لمكان التقييد بالمباشرة الغير الممكنة بعد الموت فينتفي المشروط بانتفاء شرطه.

(51) لما ذكرناه في كتاب البيع من ثبوت خيار الشرط عند تخلفه الغير المختص بعقد دون عقد إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف في المقام، و المرجع في تشخيص التقييد و الشرط متعارف أذهان المتشرعة لا الدقيات العقلية كما تقدم التفصيل في بحث الشرط.

(52) قد تعرضنا مكررا انه ليس بيان هذه الأمور من شأن الفقيه لأنها مختلف بحسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة، و لها عرف خاص بها في كل محل

ص: 158

الأعمال على العامل و جملة منها على المالك، و ضابط الأولى ما يتكرر كل سنة، و ضابط الثانية (53) ما لا يتكرر نوعا و إن عرض له التكرر في بعض الأحوال، فمن الأول إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه و ما يتوقف عليه من الآلات و تنقية الأنهار و السقي و مقدماته كالدلو و الرشا و إصلاح طريق الماء و استقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه، و إزالة الحشيش المضرة و تهذيب جرائد النخل و الكرام و التلقيح و اللقاط و التشميس و إصلاح موضعه و حفظ الثمرة إلى وقت القسمة، و من الثاني حفر الآبار و الأنهار و بناء الحائط و الدولاب الدالية و نحو ذلك مما لا يتكرر نوعا، و اختلفوا في بعض الأمور أنه على المالك أو العامل مثل البقر الذي يدير الدولاب و الكش للتلقيح و بناء الثلم و وضع الشوك على الجدران و غير ذلك، و لا دليل على شي ء من الضابطين، فالأقوى انه إن كان هناك انصراف في كون شي ء على العامل أو المالك فهو، و إلا فلا بد من ذكر ما يكون على كل منهما رفعا للغرر، و مع الإطلاق و عدم الغرر يكون عليهما معا لان المال مشترك بينهما فيكون ما يتوقف عليه تحصيله عليهما (54).

مسألة 10: لو اشترطا لكون جميع الأعمال على المالك

(مسألة 10): لو اشترطا لكون جميع الأعمال على المالك فلا خلاف بينهم في البطلان لأنه خلف و ضع المساقاة (55).

______________________________

تتحقق فيها المساقاة من القرى و البساتين و الفلوات فمع تحقق العرف الخاص يتبع لا محالة و مع تردد العرف لا بد من التراضي بأي نحو كان.

(53) ظهر مما مر عدم الكلية لهذه الضابطة أيضا.

(54) الظاهر أن ذلك من الالتزامات البنائية العقلائية في المشتركات بينهم، فيكون سبب التحصيل أيضا مشتركا ما لم تكن قرينة معتبرة على الخلاف.

(55) كونه خلاف إطلاقها مسلم، و أما كونه خلاف وضعها مع وجود

ص: 159

نعم، لو ابقى العامل شيئا من العمل عليه و اشترط كون الباقي على المالك فإن كان مما يوجب زيادة الثمرة (56) فلا إشكال في صحته (57).

و إن قيل بالمنع (58) من جواز العمل على المالك و لو بعضا منه- و إلا كما في الحفظ- و نحوه ففي صحته قولان أقواهما الأول (59)، و كذا الكلام إذا كان إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر و عدم بقاء عمل إلا مثل الحفظ و نحوه و إن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في

______________________________

غرض عقلائي شرعي في البين في هذا النحو من المساقاة فغير مسلم.

نعم، لو لم يكن غرض عقلائي في البين فلا تنعقد المعاملة أصلا لعدم غرض عقلائي شرعي فيها فتكون من مجرد الوعد بإعطاء شي ء للعامل، و المشهور عدم لزوم الوفاء بالوعد.

(56) أي: ما أبقاه العامل لنفسه.

(57) لأصالة الصحة و إطلاق الأدلة الشامل لهذه الصورة.

(58) نسب ذلك إلى الشيخ في مبسوطه، و إلى صاحب الوسيلة و جامع الشرائع، و استدل الشيخ بأن مقتضى المساقاة أن يكون تمام العمل على العامل.

و فيه: أنه مقتضى إطلاقها لا أن يكون مقتضى ذاتها، و ربما يستدل أيضا بما رود عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في قضية خيبر (1)، حيث يستفاد منه كون العمل على العامل.

و فيه: انه ليس في المقام البيان من هذه الجهات حتى يصح التمسك بإطلاقه.

(59) أصل الصحة في الجملة مسلم إنما الكلام في أن ذلك مساقاة صحيحة أو لا، بل نحو إجارة أو مصالحة بينهما و تراض بينهما و لا إشكال في

ص: 160


1- تقدم في صفحة: 155.

بطلانه (60) كما مر.

مسألة 11: إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال

(مسألة 11): إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل (61)، و إن لم يمكن فله الفسخ و إن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلف الشرط، و هل له ان لا يفسخ و يطالبه بأجرة العمل بالنسبة إلى حصته بمعنى ان يكون مخيرا بين الفسخ و بين المطالبة بالأجرة؟ وجهان، بل قولان أقواهما ذلك (62)

______________________________

صحة الأقسام الأخيرة، و أما بعنوان المساقاة فهي مبنية على التعميم في المساقاة المعهودة حتى بالنسبة إلى هذه المرتبة و هو مشكل بل خلاف ظواهر الكلمات، و تقدم في الشرط الثامن و المسألة الأولى بعض الكلام فراجع.

(60) أي: من حيث المساقاة و أما بعنوان الإجارة أو التصالح فلا إشكال في الصحة.

(61) لأن للمالك ولاية استيفاء حقه بمقتضى القرار المعاملي الحاصل بينهما، و من لوازم ثبوت هذا الحق- و وجوب الوفاء بالعقد- صحة الإجبار عند الامتناع مع ترتب أثر على إجباره كما هو المفروض مع بقاء الوقت.

نعم، لو كان تنازع و تخاصم في البين لا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي حينئذ فيكون هو المتصدي للإجبار إن تحقق موضوعه لديه، و يأتي بعض الكلام في (مسألة 26) إن شاء اللّه تعالى.

(62) الشروط ثلاثة أقسام:

الأول: ما كانت له مالية عرفية في ذاته مع قطع النظر عن وقوعه شرطا بحيث يعاوض بالمال مستقلا.

الثاني: ما ليس كذلك بحسب المتعارف و لكن يكون في اشتراطه غرض صحيح عقلائي.

الثالث: ما شك في أنه من أيهما، و الظاهر تحقق الضمان في الأول،

ص: 161

و دعوى (63) أن الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله بل أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل و إجباره عليه و التسلط على الخيار بعدم الوفاء به، مدفوعة: بالمنع من عدم إفادته التمليك و كونه قيدا في المعاملة لا جزاء من العوض يقال بالمال لا ينافي إفادته لملكية من له الشرط (64) إذا كان عملا من الأعمال على من عليه، و المسألة سيالة في سائر العقود (65) فلو شرط في عقد البيع على المشتري- مثلا- خياطة ثوب في وقت معين و فات الوقت فللبائع الفسخ أو المطالبة بأجرة الخياطة، و هكذا.

______________________________

لفرض كونه مالا عرفا و يقابل بالمال عند المتعارف فيكون مثل هذا الشرط من متممات مالية العوضين، و في الأخيرين لا وجه للضمان للأصل بعد كون وجود مطلق الغرض العقلائي أعم من اعتبار المالية فيه، و الظاهر حكم متعارف الناس بالضمان في الأول إذا طلب المشترط له من المشترط عليه العوض لا يلام و لا يوبخ بل يلام من خالف ذلك، و بالجملة حق المطالبة للمشروط له ثابت في مخالفة هذا القسم من الشرط.

(63) يظهر ذلك عن جمع- منهم صاحب الجواهر و منهم الماتن في حاشيته على المكاسب- و خلاصة الدعوى أن مفاد الشرط ليس إلا الحكم التكليفي فقط دون الوضعي.

و التأمل في الشروط المتعارفة بين الناس و انها تفيد شي ء زائدا على الحكم التكليفي يغني في فساد هذه الدعوى، و قد تقدم في مباحث الشروط تفصيل المقام فراجع و لا وجه للإطالة بالتكرار.

(64) لا ريب مثل هذه الشروط من متممات العوض فيتحقق تمليكها بكل ما يتحقق به تمليك نفس العوض عرفا بالمطابقة بالنسبة إلى نفس العوض، و بالملازمة إلى مثل هذه الشروط فلا محذور من هذه الجهة.

(65) قد تعرضنا لذلك في بحث الشروط كما مر.

ص: 162

مسألة 12: لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صح

(مسألة 12): لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صح (66)، أما لو شرط أن يكون تمام العمل على غلام المالك فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على المالك، و قد مرّ عدم الخلاف في بطلانه (67) لمنافاته لمقتضى وضع المساقاة، و لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه في البستان الخاص بالعامل فلا ينبغي الإشكال في صحته (68)، و إن كان ربما يقال بالبطلان (69)، بدعوى أن عمل الغلام في قبال عمل العامل فكأنه صار مساقيا بلا عمل منه، و لا يخفى ما فيها (70)، و لو شرطا أن يعمل غلام المالك للعامل تمام عمل المساقاة بأن يكون عمله له بحيث يكون كأنه هو العامل ففي صحته وجهان، لا يبعد الأول لأن الغلام حينئذ كأنه نائب عنه في العمل بإذن المالك، و إن كان لا يخلو عن إشكال (71) مع ذلك، و لازم القول بالصحة الصحة في صورة اشتراط تمام

______________________________

(66) للأصل، و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(67) راجع المسألة العاشرة.

(68) لأن عمل غلام العامل كعمل العامل، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود.

(69) قاله المحقق في الشرائع ثمَّ تردد فيه.

(70) لما فيها أولا ان عمل الغلام ملك للعامل فكأنه عمله.

و ثانيا: أن مورد البطلان ما إذا كان تمام عمل المساقاة من أولها إلى آخرها عن غير المالك لا ما إذا كان بعض العمل من غيره و المقام من الثاني لا الأول.

(71) منشأه أن الحصة انما تقع للعامل حينئذ بلا عوض فتخرج عن عنوان المعاوضة فتنقلب حقيقتها إلى سنخ المجانيات.

و فيه: أنه بعد فرض كون الغلام نائبا عن العامل في العمل بإذن المالك فكأن العامل عمل ذلك بنفسه كما هو مقتضي النيابة، و عدم اعتبار المباشرة كما

ص: 163

العمل على المالك بعنوان النيابة عن العامل (72).

مسألة 13: لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة مباشرا للعمل بنفسه

(مسألة 13): لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة مباشرا للعمل بنفسه (73)، فيجوز له أن يستأجر في بعض أعمالها أو في تمامها و يكون عليه الأجرة، و يجوز أن يشترط كون أجرة بعض الأعمال على المالك (74) و القول بالمنع لا وجه له (75) و كذا يجوز أن يشترط كون الأجرة عليهما معا (76).

______________________________

هو المفروض فيكون كما إذا استأجر العامل الذي لم تعتبر مباشرته بنفسه لنفسه أولا فتتحقق المعاوضة بلا إشكال.

(72) لا بأس به مع تحقق النيابة شرعا العمومات أدلتها الشاملة للمقام أيضا.

(73) للإطلاق و الاتفاق و السيرة و أصالة الصحة.

(74) كل ذلك لظهور الاتفاق و عموم أدلة الشرط.

(75) نسب هذا القول إلى الشيخ رحمة اللّه، و استدل بأنه مناف لموضوع المساقاة التي هي دفع الأصول من المالك، و فيه أنه مناف لإطلاقها لا لذاتها مع أن دفع الأصول لا ينافي دفع شي ء آخر لغرض المساقاة.

(76) لأن المساقاة عبارة عن التعاهد على استثمار الشجر بكل وجه أمكن، و لم يرد نهي شرعي و ليس في المقام نهي كذلك فتشمله أدلة المساقاة و أصالة الصحة.

و توهم عدم إطلاق في أدلة المساقاة حتى يشمل الفرض فيصير حينئذ عاملة أخرى لا المساقاة المعهودة.

باطل لأن ظهور إطلاق مثل خبر ابن شعيب (1)، المتقدم يشمل الفرض

ص: 164


1- تقدم في صفحة: 155.

في ذمتهما أو الأداء من الثمر (77)، و أما لو شرط على المالك أن يكون أجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر ففي صحته وجهان:

أحدهما: الجواز (78) لأن التصدي (79) لاستعمال الأجراء نوع من العمل، و قد تدعو الحاجة إلى من يباشر ذلك لمعرفته بالآحاد من الناس و أمانتهم و عدمها، و المالك ليس له معرفة بذلك.

و الثاني: المنع لأنه خلاف وضع المساقاة (80)، و الأقوى الأول (81) هذا، و لو شرطا كون الأجرة حصة مشاعة من الثمر بطل للجهل بمقدار مال الإجارة فهي باطلة (82).

______________________________

فراجع أخبار الباب و تأمل.

(77) لعموم دليل الشرط الشامل لكل منها.

(78) سواء كانت الأجرة على العامل و يشترط على المالك و فأيها من ماله أو كانت الأجرة على المالك أولا و العمل المستأجر عليه للعامل، و إطلاق دليل الشرط يشمل كلا منهما.

(79) خلاصة الدليل أن العامل ليس بمنعزل عن العمل مطلقا بل يستعمل الأجراء و يسيطر عليهم، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا المقدار من العمل من العامل في المساقاة.

نعم، لعل الغالب صدور الأزيد و لكنه من باب الغالب لا التقييد.

(80) هذا الدليل عين الدعوى.

نعم، هو خلاف الغالب الواقع منها في الخارج و مخالفة الغالب لا يضر بلا إشكال.

(81) لوجود المقتضي للصحة و هو التعاهد على سقي الشجر مع غرض صحيح في البين و فقد المانع من عقل أو نقل فلا بد من الصحة.

(82) إن لم يغتفر في المساقاة هذا المقدار من الجهالة و إثبات عدم

ص: 165

مسألة 14: إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد

(مسألة 14): إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد (83) و كان جميعه للمالك (84)، و حينئذ فإن شرطا انفراد العامل به استحق أجرة المثل لعمله (85)، و إن شرطا انفراد المالك به لم يستحق العامل شيئا لأنه حينئذ متبرع بعمله (86).

______________________________

الاغتفار بهذا المقدار مشكل بل ممنوع- خصوصا عند الخبراء بالأثمار و كيفية نشوها و نموها- و مخالف لتصريحاتهم بأنه يغتفر في المساقاة ما لم يغتفر في غيرها من الجهالة فلا يكون الشرط باطلا و لا أصل المساقاة.

(83) أما بطلان أصل المساقاة فلتقومها بكون الثمر بينهما فيكون الشرط خلاف وضعها.

و أما بطلان أصل العقد مطلقا فلا دليل عليه فيكون عنوانا آخر غير المساقاة و تشمله العمومات فتصح.

(84) لقاعدة «التبعية» من غير معارض في البين.

(85) لقاعدة «أن الاستيفاء موجب للضمان» إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(86) لأن شرط انفراد المالك بالثمر قصد للتبرع بالعمل بالملازمة العرفية فالتبرع هنا قصدي ضمني، فلا وجه لإشكال صاحب الجواهر في عدم تحقق التبرع، فإنه رحمة اللّه إن أراد نفيه أصلا و لو كان بالدلالة الضمنية و الملازمة العرفية فهو خلاف المحاورات العرفية، و إن أراد نفي الدلالة المطابقية عليه فله وجه، و لكنه لا أثر له بعد اعتبار الدلالة الملازمية و السياقية في المحاورات.

كما لا وجه لجريان قاعدة: «ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده» لأن مورد القاعدة غير المجانيات و التبرعيات.

نعم، يجري عكس القاعدة و هي قاعدة «ما لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده» فإن مورد العكس إنما هو التبرعيات.

ص: 166

مسألة 15: إذا اشتمل البستان على أنواع

(مسألة 15): إذا اشتمل البستان على أنواع كالنخل و الكرم و الرمان و نحوها من أنواع الفواكه- فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار كل واحد (87) فيجوز المساقاة عليها بالنصف أو الثلث أو نحوهما و إن لم يعلم عدد كل نوع إلا إذا كان الجهل بها موجبا للغرر (88).

مسألة 16: يجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر

(مسألة 16): يجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الآخر كأن يجعل النخل بالنصف و الكرم بالثلث و الرمان بالربع مثلا و هكذا (89)، و اشترط بعضهم (90) في هذه الصورة العلم بمقدار كل نوع،

______________________________

(87) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و السيرة في الجملة.

(88) غررا لا تتحمله المساقاة المبنية عليه في الجملة كما هو المتسالم عليه بين الأصحاب، و تقتضيه السيرة المستمرة بين أهل السقي و الملاك.

(89) لظهور اتفاق الأصحاب، و إطلاق ما مر من صحيح ابن شعيب (1)، بعد حمل ما ورد فيه على المثال و الغالب و يصح دعوى القطع بعدم الفرق بين هذا و بين ما إذا كانت الحصة مشاعة في المجموع بحسب مرتكزات ملاك البساتين و عمالها.

نعم، دعوى القطع لا ريب في كون إشاعة الحصة في المجموع أسهل و أيسر غالبا و ذلك لا يوجب تخصيص الصحة بهذا القسم.

(90) أصل الشرط في الجملة مسلم بين الكل في صورتي اتحاد الحصة و تعددها كما أن أصل وجود الغرر في الجملة في الصورتين و اغتفاره مسلم أيضا.

نعم، في صورة التعدد يكون الغرر موزعا على الحصص فينسبق إلى الذهن انه أكثر مما إذا اتحدت الحصص، و لكن إذا لوحظت الحصص من حيث

ص: 167


1- تقدم في صفحة: 155.

و لكن الفرق بين هذه و صورة اتحاد الحصة في الجميع غير واضح (91)، و الأقوى الصحة مع عدم الغرر (92) في الموضعين و البطلان معه فيهما.

مسألة 17: لو ساقاه بالنصف مثلا إن سقي بالسيح ففي صحته قولان

(مسألة 17): لو ساقاه بالنصف مثلا إن سقي بالسيح ففي صحته قولان (93)، أقواهما الصحة لعدم إضرار مثل هذه الجهالة لعدم إيجابها الغرر مع أن بناءها على تحمله خصوصا على القول بصحة مثله في الإجارة كما إذا قال إن خطت روميا فبدرهمين و إن خطت فارسيا فبدرهم (94).

______________________________

المجموع فلا يكون فرق بين الصورتين حينئذ.

(91) بل لا فرق بينهما إلا لحاظ الحصة بوجودها الجمعي تارة و بوجودها التفريقي أخرى، و كذا بالنسبة إلى لحاظ الغرر و هذا لا يوجب فرقا لا في الموضوع و لا في الحكم و انما هو فرق اعتباري لا أثر له في الخارج.

(92) غررا غير مغتفر في المساقاة كما مر سابقا، و وجه الصحة وجود المقتضى لها و فقد المانع عنها فلا بد من الصحة و شمول الأدلة، و أما البطلان مع الغرر غير المغتفر فوجهه واضح.

(93) نسب البطلان إلى جمع بل إلى الأشهر و تردد فيه المحقق في الشرائع، و لا مدرك له إلا دعوى تحقق الغرر و الجهالة فيبطل من هذه الجهة فالنزاع في مثل هذه المسألة صغروية فمن يستظهر الغرر يقول بالبطلان و من يستظهر عدمه يقول بالصحة، و المرجع في تشخيصه العرف و الظاهر انه لا يحكم بالجهالة لا في المقام على الجهالة لي الجملة و لا في مثل الإجارة و يمكن الاختلاف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص، و مع الشك في صدق الغرر و الجهالة فمقتضى أصالة الصحة و الإطلاقات و العمومات الصحة بعد صدق المساقاة عرفا.

نعم، مع عدم الصدق العرفي تجري أصالة عدم ترتب الأثر.

(94) فقد اختلفوا في الصحة و الفساد فيه بين العامة و الخاصة و منشأ

ص: 168

مسألة 18: يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئا من ذهب أو فضة أو غيرهما

(مسألة 18): يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئا من ذهب أو فضة أو غيرهما (95)، مضافا إلى الحصة من الفائدة، و المشهور كراهة اشتراط المالك على العامل شيئا من ذهب أو فضة، و مستندهم في الكراهة غير واضح (96).

كما أنه لم يتضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة (97)، أو جريانها بالعكس أيضا، و كذا اختصاصها بالذهب و الفضة أو جريانها في مطلق الضميمة، و الأمر سهل (98).

مسألة 19: في صورة اشتراط شي ء من الذهب و الفضة

(مسألة 19): في صورة اشتراط شي ء من الذهب و الفضة أو غيرهما

______________________________

الاختلاف تحقق الغرر و عدمه، و يمكن فرض عدمه في سنخ هذه المعاملات إذا كان كل واحد من الفرضين معلوما عند المتعارف و كان المورد في معرض التعيين عرفا فلا مانع من الصحة حينئذ لا من جهة الغرر و لا من جهة أخرى.

و توهم أن المردد لا وجود له في الخارج و التمليك و التملك عرض لا بد له من وجود موضوع خارجي.

فاسد: لأنه خلط بين الأمور الحقيقة و الأمور الاعتبارية فالتمليك و التملك بما جعلاه موردا لهما في الاعتبار لا بحسب الوجود الخارجي حتى يقال انه لا وجود لهما في الخارج فيكون التمليك و التملك بلا موضوع.

(95) لظهور الاتفاق، مضافا إلى إطلاق أدلة الشروط إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج في المقام.

(96) لا دليل لهم عليها إلا إرسالها إرسال المسلمات في جملة من الكتب، و دعوى الإجماع عليها كما عن بعض

(97) حيث أن مستندهم فيها خصوص دعوى الإجماع فلا بد من الاقتصار على مورده و المتيقن منه و هو الاختصاص بهذه الصورة فقط.

(98) لتحمل الكراهة من المسامحة في دليلها ما لا يتحملها غيرها فتصح

ص: 169

على أحدهما إذا تلف بعض الثمرة هل ينقص منهما شي ء أو لا؟

وجهان (99).

أقواهما العدم (100) فليس قرارهما مشروطا بالسلامة.

نعم، لو تلفت الثمرة بجميعها أو لم تخرج أصلا ففي سقوط الضميمة و عدمه أقوال (101).

______________________________

دعوى الكراهة بقول فقيه معتمد به فضلا عن قول جمع أو دعوى الإجماع عليها.

(99) مبناهما انحلال العقد بالنسبة إلى أجزاء العوضين و عدمه و على الأول فهل الشرط ينحل أيضا بالنسبة إليهما أو لا؟

أما انحلال العقد بالنسبة إلى العوضين فيقتضيه المرتكزات العرفية و بناء الأصحاب في جملة من الموارد كبيع ما يملك و ما لا يملك.

و أما انحلال الشرط فمقتضى الأصل عدمه و الظاهر عدم ارتكاز في البين على الانحلال.

إن قيل: ان الشرط ملحوظ من متممات العوضين فيجري فيه ما يجري فيهما.

يقال: اللحاظ صحيح في الجملة لا من كل جهة و يكفي الشك في التعميم في عدمه فيرجع إلى أصالة عدم الانحلال حينئذ لأنه قيد حاصل مشكوك لم يدل عليه دليل.

نعم لو استفيد من القرائن المعتبرة الداخلية أو الخارجية تبعية الشرط حتى من هذه الجهة يجري الانحلال فيه، و يمكن أن يجعل هذا النزاع بينهم لفظيا.

(100) ظهر مما مر أنه لا كلية في ذلك بل تدور مدار القرائن و الاستظهارات الداخلية و الخارجية، و تجري في مورد الشك أصالة عدم الانحلال.

(101) أما السقوط فادعى الإجماع عليه، و أما عدم السقوط فلم نظفر على

ص: 170

ثالثها الفرق (102) بين ما إذا كانت للمالك على العامل فتسقط و بين العكس فلا تسقط.

رابعها الفرق (103) بين صورة عدم الخروج أصلا فتسقط و صورة التلف فلا، و الأقوى عدم السقوط مطلقا (104)، لكونه شرطا في عقد لازم

______________________________

قائلة فيما تفحصت عاجلا.

(102) يظهر ذلك من المسالك.

(103) اختاره بعض مشايخنا رحمة اللّه في حاشيته الشريفة على الكتاب، و هو صحيح فيما إذا كانت قرينة على هذا التفريق في البين من ارتكاز عرفي أو تعارف خارجي أو نحو ذلك.

(104) البحث فيه ..

تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى: بحسب العمومات و الإطلاقات.

و ثالثة: بحسب بالارتكازات.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فمقتضاه عدم السقوط لأنه أنشأ صحيحا فتجري استصحاب الصحة بل اللزوم.

و أما الثانية: فمقتضاهما ذلك أيضا لو جرت، و لكن الشأن في الجريان لأن بناء القرارات المعاملية في مثل هذه الشروط انما هو الالتزام بها في ظرف تحقق العوضين واقعا، فحقيقة هذه الشروط في حاق الواقع تكون هكذا و إن كانت التزاما في الالتزام بحسب مقام الإنشاء، و لكن تكون مقيدة بمثل نتيجة التقييد اللبي بالسلامة بحسب الارتكاز النفسي الأمري فمثل هذه الشروط تكون مشروط بالسلامة بنحو الشرط الضمني الارتكازي، و حينئذ لا يصح التمسك بالإطلاق و العموم و الشك في الجريان يكفي في عدم الجريان و منه يظهر

ص: 171

فيجب الوفاء به (105)، و دعوى (106) أن عدم الخروج أو التلف كاشف عن عدم صحة المعاملة من الأول لعدم ما يكون مقابلا للعمل أما في صورة كون الضميمة للمالك فواضح، و أما مع كونها للعامل فلأن الفائدة ركن في المساقاة فمع عدمها لا يكون شي ء في مقابل العمل و الضميمة المشروطة لا تكفي في العوضية (107) فتكون المعاملة باطلة من الأول و معه لا يبقى وجوب الوفاء بالشرط مدفوعة- مضافا إلى عدم تمامية بالنسبة إلى صورة التلف لحصول العوض بظهور الثمرة (108) و ملكيتها و إن تلف بعد ذلك- بأنا نمنع كون المساقاة معاوضة بين حصة من الفائدة و العمل بل حقيقتها (109).

______________________________

البحث في الجهة الثالثة.

و أما الرابعة: فلم نظفر على قائل بعدم السقوط مطلقا.

(105) لو لا التقييد اللبي بالسلامة و الشرط الضمني المعاملي بها.

(106) نسب ذلك إلى المحقق الثاني في جامعه.

(107) لفرض أنها شرط خارجي لا أن يكون من المقوم الداخلي.

(108) إن كان لنفس ظهور الثمرة موضوعية خاصة في تحقق المساقاة فله وجه، و لكن الظاهر بين أهل السقي أنه طريق لتحقق النتيجة و استيفائها، و يدل على ذلك ظواهر الأدلة أيضا.

(109) هذا أول الدعوى و عين المدعى، مع أنه مخالف لما مر منه رحمة اللّه في أول المساقاة و مخالف لظواهر الأدلة و كلمات الفقهاء، بل و الارتكازات العرفية في مثل هذه المعاوضة بين العمل و الحصة وجدانا مع أنه على تعبيره قدس سرّه تكون إيقاعا لا عقدا و لا يقول به أحد، بل أصل الشرط حينئذ يصير لغوا لظهور إجماعهم على عدم تدخل الشروط في الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل كالنذر مثلا.

ص: 172

تسليط من المالك للعامل على الأصول للاستنماء له (110) و للمالك و يكفيه احتمال الثمر و كونها في معرض ذلك، و لذا لا يستحق العامل أجرة عمله (111) إذا لم يخرج أو خرج و تلف بآفة سماوية أو أرضية في غير صورة ضم الضميمة بدعوى الكشف عن بطلانها من الأول و احترام عمل المسلم، فهي نظير المضاربة حيث إنها أيضا تسليط على الدرهم أو الدينار للاسترباح له و للعامل، و كونها جائزة دون المساقاة لا يكفي في الفرق، كما أن ما ذكره في الجواهر من الفرق بينهما بأن في المساقاة يقصد المعاوضة بخلاف المضاربة التي يراد منها الحصة من الربح الذي قد يحصل و قد لا يحصل و أما المساقاة فيعتبر فيها الطمأنينة بحصول الثمرة و لا يكفي الاحتمال، مجرد دعوى لا بينة لها (112)، و دعوى أن من المعلوم أنه لو علم من أول الأمر عدم خروج الثمر لا يصح المساقاة و لازمه البطلان إذا لم يعلم بذلك ثمَّ انكشف بعد ذلك، مدفوعة بأن الوجه في عدم الصحة كون

______________________________

(110) إن كان المراد بهذه العبارة انها معاوضة فهو مخالف لما يظهر من صدر كلامه، و إن كان مراده أن هذا داع و تخلفه لا يضر فهو مخالف لظواهر الكلمات الدالة على كونها معاوضة.

(111) لا ربط لسقوط أجرة العمل بالمقام لأنه لقاعدة الإقدام على العمل بإزاء الحصة الحاصلة إقدام على عدم الأجرة و إسقاط احترام العمل على تقدير عدم حصولها.

(112) الظاهر أن البينة هي الوجدان؛ لوجدان كل عاقل بأنه لا يقدم على عقد إلا مع الطمأنينة العرفية بحصول نتيجة العقد فهما و غيرهما من سائر العقود متحدة من هذه الجهة.

نعم، مراتب الطمأنينة مختلفة كما أن مراتب العمل تكون كذلك شدة و ضعفا فالعمل في المساقاة كثير و في مثل المضاربة قليل في الجملة.

ص: 173

المعاملة سفهية مع العمل بعدم الخروج من الأول (113). بخلاف المفروض، فالأقوى ما ذكرنا (114) من الصحة و لزوم الوفاء بالشرط و هو تسليم الضميمة، و إن لم يخرج شي ء أو تلف بالآفة.

نعم، لو تبين عدم قابلية الأصول للثمر إما ليبسها أو لطول عمرها أو نحو ذلك كشف عن بطلان المعاملة من الأول (115)، و معه يمكن استحقاق العامل للأجرة إذا كان جاهلا بالحال (116).

مسألة 20: لو جعل المالك للعامل مع الحصة من الفائدة ملك حصة من الأصول مشاعا أو مفروزا

(مسألة 20): لو جعل المالك للعامل مع الحصة من الفائدة ملك حصة من الأصول مشاعا أو مفروزا ففي صحته مطلقا (117)، أو عدمها

______________________________

(113) بطلان المساقاة حينئذ واضح على المشهور، و أما البطلان كونه عقد آخر مع غرض عقلائي في البين فلا دليل عليه، بل بطلان المساقاة أيضا مع ترتب غرض عقلائي على هذا العمل- من حيث سقي الأشجار و ما يتعلق بها- أول الكلام لأن خروج الثمر من إحدى الفوائد و أهمها لا أن تكون منحصرة فيها.

(114) بل الأقوى ما قدمناه.

(115) يجري فيه ما تقدم في صورة العلم بعدم الخروج من الأول.

(116) المناط صدق التبرع و صدق عدمه فمع صدقه لا يستحق و مع صدق عدمه يستحق، و مع الشك تجري أصالة احترام العمل.

و الحق: إن تعرض الفقهاء لهذه الفروع لا بد و أن يكون بعد الرجوع إلى أهل الخبرة بهذه الأمور و كيفية جعلهم و إقدامهم على هذه المعاملة، فربما ينكشف لديهم من مراجعتهم أمور حكموا بصحتها و هي باطلة لديهم و لا يقدمون عليه أو حكموا ببطلانها بحسب ما وصل إلى أنظارهم و هي صحيحة لديهم فتشمله الإطلاقات و العمومات حينئذ مع عدم نهي خاص في البين، و قد أثبتوا أن هذا هو المناط في التمسك بالإطلاقات و العمومات في المعاملات.

(117) لم نظفر على قائل بها كذلك كما أعترف به جمع من الفقهاء و لم

ص: 174

كذلك (118)، أو التفصيل (119)، بين أن يكون ذلك بنحو الشرط فيصح أو على وجه الجزئية فلا، أقوال.

و الأقوى الأول للعمومات (120)، و دعوى: ان ذلك على خلاف

______________________________

نجد قائلا بالصحة و لو بنحو الأقرب كما عن بعض.

(118) نسبه في الجواهر إلى الأكثر؛ و في مفتاح الكرامة و عن الرياض دعوى عدم مخالف لعدم الصحة.

(119) جعله في الجواهر موافقا للتحقيق.

ثمَّ أن الفرق بين الشرطية و الجزئية إن كان بمجرد الاعتبار فلا بأس به، و إن كان من حيث ترتب الأثر فلا فرق بينهما من هذه الجهة خصوصا بناء على إفادة الشرط للملك، هذا إذا كان لحاظ الجزئية و الشرطية بالجعل الثانوي كما في المقام.

نعم، لو كانت الجزئية بالجعل الأولي فالفرق بينهما و بين الشرط واضح كما لا يخفى.

(120) يصح التمسك بعمومات ما ورد في المساقاة كما مر من صحيح ابن شعيب (1)، و توهم عدم كونه واردا مورد البيان ساقط لأن ظاهر الإطلاق حجة مطلقا في جميع أطواره و شؤونه إلا مع القرينة على الخلاف، كما يصح التمسك بعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (2)، و مع قصد المساقاة ينطبق عليها قهرا لو لم يكن مانع في البين و مقتضى الأصل عدمه.

إن قيل: مقتضى الأصل عدم ترتب الأثر.

يقال: أنه صحيح إذا لم تصدق المساقاة عرفا و أما مع صدقها فالأدلة تشمله و لا تصل النوبة إلى الأصل.

ص: 175


1- تقدم في صفحة: 155.
2- سورة المائدة: 1.

وضع المساقاة كما ترى (121)، كدعوى أن مقتضاها أن يكون العمل في ملك المالك، إذ هو أول الدعوى (122)، و القول بأنه لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه، فيه أنه لا مانع منه إذا كان المشارط فيه غرض أو فائدة (123) كما في المقام حيث إن تلك الأصول و إن لم يكن للمالك الشارط إلا أن عمل العامل فيها ينفعه في حصول حصة من نمائها، و دعوى أنه إذا كانت تلك الأصول للعامل بمقتضى الشرط فاللازم تبعية نمائها لها (124) مدفوعة بمنعها بعد ان كان المشروط له الأصل فقط (125) في عرض تملك حصة من نماء الجميع.

نعم لو اشترط كونها له على وجه يكون نماؤها له تمامها كان كذلك (126) لكن عليه تكون تلك الأصول بمنزلة المستثنى من

______________________________

(121) فإن ذلك خلاف إطلاق غالبها لا خلاف ذاتها و طبيعي المساقاة أينما تحققت.

(122) و على فرض صحة الدعوى فهو أيضا من باب الغالب لا طبيعي ذات المساقاة بحيث يصدق على كون العمل في الجملة في ملك المالك أيضا.

(123) لأن المعاملات و الشروط مطلقا تدور مدار الأغراض الصحيحة العقلائية الغير المنهي عنها، و لا ريب في ثبوت الغرض الصحيح في المقام كما بينه قدس سرّه.

(124) لقاعدة «تبعية النماء للملك» فيكون النماء للعامل و ليس للمالك منه شي ء.

(125) فلا تشمل القاعدة للمقام للتخصيص و كل قاعدة قابلة للتخصيص كما هو معلوم.

(126) أي: أنه يصير حينئذ من اشتراط عمل العامل في ملك نفسه و لا يصح حينئذ لكنه فيما إذا لم يكن غرض عقلائي في مثل هذا النحو من

ص: 176

العمل (127) فيكون العمل فيما عداها مما هو للمالك بإزاء الحصة من نمائه مع نفس تلك الأصول.

مسألة 21: إذا تبين في أثناء المدة عدم خروج الثمر أصلا هل يجب على العامل إتمام السقي؟

(مسألة 21): إذا تبين في أثناء المدة عدم خروج الثمر أصلا هل يجب على العامل إتمام السقي؟ قولان، أقواهما العدم (128).

مسألة 22: يجوز أن يستأجر المالك أجيرا للعمل

(مسألة 22): يجوز أن يستأجر المالك أجيرا للعمل مع تعيينه نوعا و مقدارا بحصة من الثمرة أو بتمامها بعد الظهور و بدوّ الصلاح (129)، بل و كذا قبل البدوّ (130) بل قبل الظهور أيضا إذا كان مع الضميمة الموجودة أو عامين (131)، و أما قبل الظهور عاما واحدا بلا ضميمة فالظاهر عدم

______________________________

الشرط و إلا فيصح.

(127) فكأنه ينحل هذا العقد إلى هبة تلك الأصول للعامل و إلى المساقاة في غيرها و لا إشكال فيه لشمول العمومات و الإطلاقات له.

و الحاصل: من جميع ما مر أنه مع انطباق عنوان المساقاة على ما ذكر تصح و تشمله الأدلة و مع عدم الانطباق أو الشك فيه لا يصح بعنوان المساقاة و يصح بعنوان التصالح و التراضي.

(128) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الأغراض فمع بقاء غرض صحيح للسقي يجب و مع عدمه لا يجب لانفساخ العقد حينئذ، و هذا مما يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات و الخصوصيات، و بذلك يمكن أن يجعل النزاع بينهم لفظيا.

(129) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(130) أي بعد الظهور و قبل بدو الصلاح و ذلك لشمول العمومات و الإطلاقات لهذه الصورة أيضا بعد فرض كونه متمولا و قابلا للبقاء إلى الكمال و الاستكمال.

(131) لوجود المقتضي- و هي المالية العرفية و إقدام العقلاء عليه- و فقد

ص: 177

جوازه، لا لعدم معقولية تمليك ما ليس بموجود، لأنا نمنع عدم المعقولية بعد اعتبار العقلاء وجوده لوجوده المستقبلي، و لذا يصح مع الضميمة أو عامين حيث إنهم اتفقوا عليه في بيع الثمار و صرح به جماعة هاهنا، بل لظهور اتفاقهم على عدم الجواز كما هو كذلك في بيع الثمار، و وجه المنع هناك خصوص الأخبار الدالة عليه، و ظاهرها أن وجه المنع الغرر لا عدم معقولية تعلق الملكية بالمعدوم، و لو لا ظهور الإجماع (132) في المقام لقلنا بالجواز مع الاطمئنان بالخروج بعد ذلك كما يجوز بيع ما في الذمة مع عدم كون العين موجودا فعلا عند ذيها بل و إن لم يكن في الخارج أصلا، و الحاصل أن الوجود الاعتباري (133) يكفي في صحة تعلق الملكية فكأن العين موجودة في عهدة الشجر كما أنها موجودة في عهدة الشخص.

______________________________

المانع و هو الغرر، مع أنه يصح نصا (1)، و إجماعا في البيع و هو أولى بملاحظة عدم الغرر فيه فيستأنس منه للمقام أيضا و ليس ذلك من القياس الباطل بل من الاستيناس بمورد النص فيما لم يرد فيه نص مع فرض تمامية الدليل عليه.

(132) و عدم كونه حاصلا مما ارتكز في أذهانهم الشريفة من احتمال الغرر.

(133) لأن الملكية و التمليك و التملك من الأمور الاعتبارية العرفية النظامية فكل ما صح اعتباره عرفا و لم يرد نص على خلافه يعتبر شرعا أيضا لابتناء الشرع فيها على العرفيات إلا مع التصريح بالخلاف.

و بعبارة أوضح: الشجرة مال فعلي و هي منشأ لاعتبار مال عرفي فعلي و العقلاء يرتبون عليه الأثر، و لم يرد نهي شرعي في البين فتكون الشجرة كمادة لمال يخرج بالتدريج.

ص: 178


1- راجع ج: 18 صفحة: 58.

مسألة 23: كل موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك

(مسألة 23): كل موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك و للعامل أجرة المثل لعمله (134)، إلا إذا كان عالما بالبطلان (135) و مع ذلك أقدم على العمل، أو كان الفساد لأجل اشتراط كون جميع الفائدة للمالك (136) حيث إنه بمنزلة المتبرع في هاتين الصورتين فلا يستحق أجرة المثل على الأقوى و إن كان عمله بعنوان المساقاة (137).

مسألة 24: يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة

(مسألة 24): يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة (138) كأن يقول:

«ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك على هذا الآخر بالثلث» و القول بعدم الصحة (139) لأنه كالبيعين في بيع المنهي

______________________________

(134) أما الأول فلقاعدة التبعية و أما الثاني فلقاعدة احترام العمل.

(135) العلم بالبطلان أعم من قصد المجانية و صدقها عرفا، فليس في البين مجانية- لا قصدية و لا انطباقية قهرية- حتى يسقط احترام العمل كما في جميع المعاملات الفاسدة الواقعة بين الناس إذ لا يتوهمون فيها صدق عنوان المجانية، و لذا يجري فيها أدلة الضمان كما هو واضح معلوم، و منه يظهر انه لا وجه في المقام لتطويل الكلام بأكثر مما ذكرنا.

(136) مع قصد المجانية أو صدقها عليه عرفا، و إلا فهو أعم من التبرع بالعمل و كونه مجانيا فيستحق الأجرة مطلقا ما لم يعلم المجانية المحضة.

(137) قد عرفت أن المناط قصد المجانية أو صدقها عرفا بلا شك و تردد منهم فيها فتترتب أحكامها بعد تحقق المجانية عرفا لتحقق الموضوع حينئذ بلا كلام، و المفروض في المقام عدم قصد المجانية و لا انطباقها عليه عرفا غاية الأمر أنه قصد المعاملة الفاسدة.

(138) لأصالة الصحة، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق و عموم أدلة الشرط فالعرف و الشرع و العقل لا يأباه.

(139) نسب ذلك إلى مبسوط الشيخ رحمة اللّه.

ص: 179

عنه (140)، ضعيف (141) لمنع كونه من هذا القبيل، فإن المنهي عنه البيع حالا بكذا و مؤجلا بكذا أو البيع على تقدير كذا بكذا و على تقدير آخر بكذا، و المقام نظير أن يقول: «بعتك داري بكذا على ان أبيعك بستاني بكذا»، و لا مانع منه لأنه شرط مشروع في ضمن العقد (142).

مسألة 25: يجوز تعدد العامل

(مسألة 25): يجوز تعدد العامل (143) كأن يساقي مع اثنين بالنصف له و النصف لهما مع تعيين عمل كل منهما بينهم أو فيما بينهما و تعيين حصة كل منهما (144).

و كذا يجوز تعدد المالك (145) و اتحاد العامل كما إذا كان البستان مشتركا بين اثنين فقالا لواحد ساقيناك على هذا البستان بكذا، و حينئذ فإن كانت الحصة المعينة للعامل منهما سواء كالنصف أو الثلث- مثلا- صح

______________________________

(140) فعن الصادق عن آبائه عليهم السّلام في مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «و نهى عن بيعين في بيع» (1)، و في رواية أخرى: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن سلف و بيع؛ و عن بيعين في بيع» (2).

(141) بل قياس لا وجه له فأين البيع و أين المساقاة، مع أن الحديث مجمل احتمل فيه وجوه فراجع المطولات.

(142) فيشمله إطلاق أدلة الشروط و عمومها.

(143) للإطلاق و ظهور الاتفاق و السيرة.

(144) لئلا يلزم الغرر الموجب للبطلان.

(145) لظهور الاتفاق و السيرة في الجملة، بل و الإطلاق بعد حمل ما يستفاد من الأخبار من المالك الواحد على المثال لا الخصوصية.

ص: 180


1- الوسائل باب: 12 من أبواب عقد البيع حديث: 12.
2- الوافي الجزء: 3 الصفحة: 95.

و إن لم يعلم العامل (146) كيفية شركتهما و أنهما بالنصف أو غيره، و إن لم يكن سواء كان يكون في حصة أحدهما بالنصف و في حصة الآخر بالثلث- مثلا- فلا بد من علمه بمقدار حصة كل منهما لرفع الغرر و الجهالة (147) في مقدار حصته من الثمر.

مسألة 26: إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداء

(مسألة 26): إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداء أو في الأثناء فالظاهر أن المالك مخير بين الفسخ أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي (148) فيجبره على العمل، و إن لم يمكن استأجر من ماله من يعمل عنه أو بأجرة مؤجلة إلى وقت الثمر فيؤديها منه أو يستقرض عليه

______________________________

(146) لفرض أن العامل يعلم بمقدار حصته و هو يكفي في رفع الغرر المعاملي عرفا سواء علم كيفية شركتهما أو لا.

(147) إن كان هناك غرر و جهالة و توقف رفعهما على العلم بمقدار حصتهما و إلا فلا يحتاج إلى ذلك كما في الصورة الأولى.

(148) البحث فيه من جهات:.

فتارة: من حيث حكم الفسخ.

و أخرى: من حيث أنه أي خيار من الخيارات المعهودة؟

و ثالثة: في أنه ثابت مطلقا أو بعد عدم إمكان الإجبار.

و رابعة: من حيث الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم أثر للفسخ إلا برضاء الطرفين، و هو مقتضى أصالة اللزوم أيضا إلا أن تنطبق عليه إحدى الخيارات المعهودة.

و أما الثانية: فلا يبعد انطباق خيار تخلف الشرط الضمني البنائي العقلائي، لأن بناء متعارف العقلاء في هذه الأمور على الالتزام بذلك ضمنا و تبانيهما في القرار المعاملي عليه فيكون كالشرط المذكور في العقد في أن تخلفه يوجب الخيار.

ص: 181

و يستأجر من يعمل عنه (149)، و إن تعذر الرجوع إلى الحاكم أو تعسر

______________________________

و أما الثالثة: فمقتضى أصالة اللزوم، و إن لكل ذي حق إحقاق حقه، و صحة قيام المؤمنين بالأمور الحسبية في الجملة صحة الإجبار منه و مع عدم الإمكان أو عدم الأثر له يتحقق الخيار.

إن قيل: فعلى هذا يجوز الإجبار في كل خيار قبل إعماله مع أنهم لا يقولون به.

يقال: نعم، و لكن إطلاق أدلة الخيارات يدفع هذا الاحتمال لو كان الإطلاق واردا مورد البيان حتى من هذه الجهة، مع أنه قد تقدم في خيار الشرط صحة الإجبار، و في أحكام الخيارات بعض ما يتعلق به.

و أما الرابعة: فإن قلنا بجواز تصدي المؤمنين لمثل ذلك من الأمور الحسبية و لو مع التمكن من الحاكم الشرعي خصوصا لذي الحق فلا تصل النوبة إليه، و إن قلنا بتوقفه مطلقا على نظره و تصديه؛ فليس لذي الحق ولاية الإجبار و لا بد من الرجوع إلى الحاكم الشرعي؟

و الحق فيه التفصيل فإن كان المورد موردا للنزاع و الخصومة فلا بد من الرجوع إليه، و إن أمكن ذلك عرفا بلا منازعة و خصومة يجوز له ذلك لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كل معروف صدقة» (1)، و عموم أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(149) لأن كل ذلك من الأمور الحسبية و النظامية التي لا بد لحكام الشرع القيام بها و الترتيب، بينما ذكر إنما هو بحسب خصوصيات حال الشخص الغير المضبوطة تحت ضابطة كلية، و أنما هي قضايا شخصية في وقائع خاصة منوطة بنظر الحاكم، و نقطع برضاء الشارع بتدخل حكام الشرع لمثل هذه الأمور، فلا وجه لتوهم أنه لم يثبت أن الاستيجار و الاستقراض من وظائف القاضي لأن

ص: 182


1- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف حديث: 5.

فيقوم بالأمور المذكورة عدول المؤمنين (150)، بل لا يبعد جواز إجباره

______________________________

الاصطلاح بين الناس و تمشية أمورهم بما لم ينه عنه الشارع من أهم وظائفه فهو منصوب للقيام بمصالح الناس مباحة كانت أو راجحة، و لا ريب في أن هذه كلها من المصالح بالمعنى الأعم و قد نصب لذلك.

(150) لأن كل ذلك من الأمور الحسبية عند المتشرعة، فيشمله إطلاق مثل قولهم عليه السّلام: «اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه» (1)، و كثرة ما ورد في الترغيب في السعي لقضاء حوائج الناس.

و كون تصديهم في طول تصدي الحاكم الشرعي لا دليل عليه بعد كونه على طبق الموازين الشرعية، و لو بتقليد من يصح تقليده و عدم محذور شرعي في البين.

و توهم أصالة عدم الولاية إلا بعد عدم التمكن من الوصول إلى الحاكم الشرعي.

فاسد: إذ ليس نحو ذلك من الولاية و إنما هو سعي في قضاء الحاجة المطلوب بفطرة العقلاء و لو سمي مثل ذلك ولاية فلا مشاحة في الاصطلاح.

و توهم: انه مع إمكان تدارك ضرره بالخيار فلا وجه لتدخل عدول المؤمنين.

مدفوع: بأن مقتضى المرتكزات ترتب الخيار على عدم التمكن من وصوله إلى حقه خصوصا مع سهولته و لو بتدخل عدول المؤمنين يمكنه ذلك.

ثمَّ أنه يكفي الوثوق و الخبروية في التدخل بالموازين الشرعية و لا دليل على اعتبار العدالة الاصطلاحية في مثل ذلك و قال في الجواهر و نعم ما قال:

«و قد ذكرنا في غير المقام إمكان ثبوت هذه الولاية التي هي من الحسبة و الإحسان لفساق المؤمنين مع تعذر العدل»، فالخير و الإحسان و إقامة العدل في

ص: 183


1- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.

بنفسه أو المقاصة من ماله أو استئجار المالك عنه ثمَّ الرجوع عليه أو نحو ذلك (151).

و قد يقال (152) بعدم جواز الفسخ إلا بعد تعذر الإجبار و إن اللازم كون الإجبار من الحاكم مع إمكانه، و هو أحوط (153) و إن كان الأقوى التخيير بين الأمور المذكورة (154)، هذا إذا لم يكن مقيدا بالمباشرة

______________________________

بنى الإنسان من شؤون الحقوق الإنسانية بعضهم على بعض يحكم بحسنه و لزومه الفطرة و ذكر العدالة في كلمات الفقهاء طريقي لاتقان العمل و إتيانه على طبق الموازين الشرعية لا أن يكون لها نحو من الموضوعية.

(151) كل ذلك لأن لذي الحق إحقاق حقه بما لم يرد فيه نهي شرعي بعد امتناع من عليه الحق عن الوفاء و لم يرد نهي شرعي عما ذكر، بل مقتضى ما ورد في جواز دفاع الشخص عن نفسه و عرضه و ماله و ما ورد من أن: «ليّ الواجد بالدين يحل عقوبته» (1)، جواز كل ذلك.

و توهم عدم شمول ذلك للعمل.

مدفوع، بأنه لا ريب في ثبوت الحق في مورد العمل أيضا و للشخص القيام بإحقاق حق بما لم ينه عنه الشرع.

(152) يظهر ذلك من جملة من العبارات بل أرسل إرسال المسلمات و هو الذي تقتضيه المرتكزات، و أصالة اللزوم و عدم تأثير للفسخ.

(153) لا ريب في حسنه أما وجوبه فلا دليل عليه بل مقتضى الأصل عدمه.

نعم، لو كان إجبار نفسه أو تصدي عدول المؤمنين له فاقدا للشرائط الشرعية المعتبرة في الإجبار تعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي حينئذ.

(154) و هي: الإجبار بنفسه، و الفسخ، و الرجوع إلى الحاكم، و المقاصة، و الاستيجار.

ص: 184


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الدين و القرض حديث: 4.

فيكون مخيرا بين الفسخ و الإجبار (155)، و لا يجوز الاستئجار عنه للعمل (156).

نعم، لو كان اعتبار المباشرة بنحو الشرط لا القيد (157) يمكن إسقاط حق الشرط (158) و الاستئجار عنه أيضا.

مسألة 27: إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل جاز إذا لم يشترط المباشرة

(مسألة 27): إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل جاز إذا لم يشترط المباشرة (159)، بل لو أتى به من غير قصد التبرع عنه أيضا كفى، بل و لو

______________________________

و لكن لا بد و أن يقيد التخيير بما إذا لم يكن ترجيح شرعي أو عرفي في أحد الأطراف و إلا يتعين الأخذ بالراجح.

(155) العرف و الاعتبار يحكم بتقدم الإجبار على الفسخ خصوصا إذا مكن بالسهولة و لو بالتوصل إلى المؤمنين.

(156) لأنه خلاف أصل القرار المعاملي الذي وقع بينهما و تبانيا عليه من اعتبار المباشرة.

(157) قد يقال: ان شرط مقومات موضوع العقد خلاف المرتكز العرفي، إذ يكون حينئذ في مثل «آجرتك على أن تخيط ثوبي و اشترطت عليك أن تخيطه مباشرة»، فتصير الخياطة مملوكة على الأجير من جهتين جهة العقد و جهة الشرط و هذا خلاف المرتكز العرفي.

و فيه: أنه ليس في مثله ملكيتان عرضيتان عرفا و وجدانا بل ملكية واحدة تحصل بالعقد و هناك قيد خارجي أخذ بنحو تعدد المطلوب، فهناك التزام عقدي و التزام آخر حاصل في طوله و مترتبا عليه و هو كثير الوقوع عرفا و شرعا و عقلا فالشروط من حدود الملكية الاولى و في طولها لا أن تكون في عرضها.

(158) لقاعدة أن لكل ذي حق إسقاط حقه إلا ما خرج بالدليل.

(159) لأن العمل بقصد التبرع منسوب إليه فيستحق الحصة حينئذ المفروض عدم اعتبار المباشرة و كفاية مجرد الانتساب و لو بالتبرع عنه.

ص: 185

قصد التبرع عن المالك كان كذلك أيضا و إن كان لا يخلو عن إشكال (160) فلا يسقط حقه من الحاصل، و كذا لو ارتفعت الحاجة إلى بعض الأعمال كما إذا حصل السقي بالأمطار و لم يحتج إلى النزح من الآبار خصوصا إذا كانت العادة كذلك (161)، و ربما يستشكل بأنه نظير الاستئجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه فإن الأجير لا يستحق الأجرة لعدم صدور العمل المستأجر عليه منه، فاللازم في المقام أيضا عدم استحقاق ما يقابل ذلك العمل، و يجاب بأن وضع المساقاة و كذا المزارعة على ذلك، فإن المراد حصول الزرع و الثمرة فمع احتياج ذلك إلى العمل فعله العامل و إن استغنى عنه بفعل اللّه أو بفعل الغير سقط و استحق حصته، بخلاف الإجارة فإن المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه، و لا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه أحيانا كالاستقاء بالمطر مع بقاء سائر الأعمال، و أما لو كان على خلافه كما إذا لم يكن عليه إلا السقي و استغنى عنه بالمطر أو نحوه كلية فاستحقاقه للحصة مع عدم صدور عمل منه أصلا

______________________________

(160) إن قلنا ان المقصود في المساقاة انما هو جعل العامل شأنا لا فعلا و من كل جهة يصح كل ذلك و لا إشكال فيه.

لانطباق هذا العنوان بالنسبة إلى العامل و يستحق الحصة حينئذ، و أما أن قلنا بأن المقصود منه فعلية صدور العمل منه مباشرة أو انتسابا فإن انتسب عمل المتبرع إليه بوجه من الوجوه تصح أيضا و تستحق الحصة.

و أما إن لم ينتسب العمل إليه بوجه من الوجوه فلا وجه لاستحقاقه للأجرة و يمكن اختلاف ذلك بحسب اختلاف الموارد و الخصوصيات و الأغراض.

(161) فتكون العادة حينئذ قرينة على أن المقصود من جعل العامل و القرار المعاملي معه إنما بلحاظ الاقتضاء الشأنية لا بحسب العمل الفعلي من كل جهة،

ص: 186

مشكل (162).

مسألة 28: إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل يكون الثمر له

(مسألة 28): إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل يكون الثمر له و عليه أجرة المثل للعامل بمقدار ما عمل (163).

هذا إذا كان قبل ظهور الثمر (164)، و إن كان بعده يكون للعامل حصته (165).

و عليه الأجرة للمالك (166) إلى زمان إلى البلوغ إن رضي بالبقاء و إلا الإجبار على القطع بقدر حصته (167)، إلا إذا لم يكن له قيمة أصلا

______________________________

و في نفس ذلك الشأنية و الاقتضاء غرض صحيح عقلائي.

(162) إن كان في البين غرض عقلائي و لو شأنا و اقتضاء متعلقا بهذا العنوان يصح و لا إشكال فيه.

(163) أما ان الثمرة للمالك فلقاعدة (التبعية) و أما ان عليه أجرة المثل للعمل، فلقاعدة: «ان الاستيفاء موجب للضمان» إما بالمسمى أو بالمثل، و حيث انتفى الأول بالفسخ تعين التأني، لكن الأحوط التصالح و التراضي بالنسبة إلى ما وقع منه من العمل قبل الفسخ، لاحتمال كون الفسخ من حينه لا من أول العقد فيستحق مقدارا من الحصة حينئذ بقدر عمله بعد انحلال الحصة على أجزاء العمل و لكن هذا الاحتمال لا وجه له.

(164) لأنه حينئذ يصير بالفسخ كالأجنبي بالنسبة إلى الثمرة الحاصل بعد الفسخ.

(165) لوجود المقتضي لملكية العامل لها و هو القرار المعاملي و فقد المانع عنها لأن الفسخ انما هو من حين حدوثه لا من حين العقد.

(166) أي: أجرة الأرض لفرض زوال حقه في إبقاء حصة فيها بالفسخ فيكون كالأجنبي بالنسبة إلى هذه الجهة.

(167) لقاعدة السلطنة إلا إذا تضرر العامل بالقطع فليس له الإجبار لحكومة

ص: 187

فيحتمل أن يكون للمالك (168) كما قبل الظهور.

مسألة 29: قد عرفت أنه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لا يفسخ

(مسألة 29): قد عرفت (169) أنه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لا يفسخ و يستأجر عنه و يرجع عليه إما مطلقا كما لا يبعد أو بعد تعذر الرجوع إلى الحاكم، لكن يظهر من بعضهم (170) اشتراط جواز الرجوع عليه بالإشهاد على الاستئجار عنه فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتى بينه و بين اللّه.

و فيه ما لا يخفى، فالأقوى أن الإشهاد للإثبات ظاهرا و إلا فلا يكون شرطا للاستحقاق فمع العلم به أو ثبوته شرعا يستحق الرجوع و إن لم يكن أشهد على الاستئجار.

نعم، لو اختلفا في مقدار الأجرة فالقول قول العامل في نفي الزيادة (171)، و قد يقال بتقديم قول المالك لأنه أمين، و فيه ما لا يخفى (172) و أما لو اختلفا في أنه تبرع عنه أو قصد الرجوع عليه فالظاهر

______________________________

قاعدة «نفس الضرر» على قاعدة «السلطنة».

(168) حيث أن الاشتراك بين المالك و العامل كان في المالية و الملكية معا، و الأولى أعم من الثانية فنفي الثانية لا يستلزم نفي الأولى، فتكون المالية مشتركة، بينهما فلا بد للمالك من استرضاء العامل حينئذ بأي طريق أمكن.

(169) تقدم ما يتعلق بذلك فلا وجه للإعادة.

(170) يستظهر ذلك من الشرائع و القواعد، و لكن علو مقام تحقيقهما و فقاهتهما يجل عن أن ينسب إليهما دخل ذلك في مرحلة الثبوت في هذه المسألة التي لا نص فيها و لا إجماع و إنما فيها اجتهاد محض، و لا بأس بذلك في مقام الإثبات، قطعا لمنشإ المخاصمة و اللجاج.

(171) لأصالة عدم الزيادة فيقدم قوله من جهة المطابقة للأصل.

(172) لمنع كونه أمينا لأن مجرد جواز الاستيجار تكليفا أعم من أمانته

ص: 188

تقديم قول المالك لاحترام ماله و عمله (173) إلا إذا ثبت التبرع و إن كان لا يخلو عن إشكال (174)، بل يظهر عن بعضهم تقديم قول العامل (175).

مسألة 30: لو تبين بالبينة أو غيرها أن الأصول كانت مغصوبة

(مسألة 30): لو تبين بالبينة أو غيرها أن الأصول كانت مغصوبة فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحت المساقاة (176)، و إلا بطلت و كان تمام الثمرة للمالك المغصوب منه (177)، و يستحق العامل أجرة المثل على الغاصب (178).

______________________________

بالمعنى المعهود ثمَّ منع تقديم قول كل أمين ثانيا حتى في مورد التنازع و التخاصم، و أما تقديم قوله لقاعدة: «من ملك شيئا ملك الإقرار به» بدعوى دلالتها على حجية قوله في كل ما يتعلق بملكه فكليتها مطلقا عين المدعى و أصل الدعوى.

(173) و هذا الأصل من الأصول المسلمة العقلائية التي قرره الشارع يجري في صورة الاستيفاء و في صورة النزاع في المجانية و عدمها ما لم يثبت الخلاف، بل أصالة الضمان فيما يتعلق بالغير إلا مع ثبوت المجانية أصل معتبر و معول عليها في أبواب الضمانات.

(174) ذكره في الجواهر من أن أصالة عدم التبرع لا تثبت الضمان.

و فيه: أنا لا نثبت الضمان بأصالة عدم التبرع بل نثبته بقاعدة «احترام المال و العمل» إلا إذا ثبتت المجانية.

(175) لأصالة البراءة عن الضمان.

و فيه: إنه لا تصل النوبة إليها مع وجود قاعدة الاحترام.

(176) لما ذكرناه في كتاب البيع من أن صحة الفضولي مع الإجارة مطابقة للقاعدة فتجري في جميع الموارد إلا ما خرج بالدليل.

(177) لقاعدة: «تبعية النماء للأصل» إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(178) لقاعدة: «احترام العمل و المال» التي هي من أهم القواعد المقررة.

ص: 189

إذا كان جاهلا بالحال (179)، إلا إذا كان مدعيا عدم الغصبية و أنها كانت للمساقي إذ حينئذ ليس له الرجوع عليه لاعترافه بصحة المعاملة (180).

و ان المدعي أخذ الثمرة منه ظلما، هذا إذا كانت الثمرة باقية، و أما لو اقتسماها و تلفت عندهما فالأقوى أن للمالك الرجوع بعوضها على كل من الغاصب و العامل بتمامه (181)، و له الرجوع على كل منهما بمقدار حصته (182) فعلى الأخير لا إشكال (183)، و إن رجع على أحدهما بتمامه رجع على الآخر بمقدار حصته (184) إلا إذا اعترف بصحة العقد و بطلان دعوى المدعي للغصبية لأنه حينئذ معترف بأنه غرمه ظلما (185).

______________________________

(179) قد مر مكررا أن المناط في عدم الضمان صدق عنوان المجانية عرفا و الجهل بالحال أعم منها كما هو معلوم.

(180) فتكون الحصة المقررة في المساقاة للعامل حينئذ.

(181) نسب هذا القول إلى العلامة و من تأخر عنه لفرض جريان يد كل منهما على التمام فتشملها قاعدة «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» (1).

(182) لفرض تحقق تلف حصة كل منهما في يده فيكون قرار الضمان عليه.

(183) في أنه لا يرجع إلى غيره لثبوت قرار الضمان بالنسبة إليه في حصته التي تلفت تحت يده.

(184) لأن قرار الضمان على من تلف المال عنده كما ثبت ذلك في تعاقب الأيادي فيرجع بالنصف مثلا إلى من تلف المال عنده و استقر الضمان عليه.

(185) و كل منهما معترف بأن حصته ملك نفسه و يعترف كل منهما للآخر بذلك أيضا و مع هذا الاعتراف لا موضوع للضمان أصلا.

ص: 190


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الوديعة: حديث: 12 و في باب: 1 من أبواب الغصب حديث: 4.

و قيل إن المالك مخير (186) بين الرجوع على كل منهما بمقدار حصته و بين الرجوع على الغاصب بالجميع فيرجع هو على العامل بمقدار حصته (187)، و ليس له الرجوع على العامل بتمامه (188) إلا إذا كان عالما بالحال (189)، و لا وجه له بعد ثبوت يده على الثمر بل العين أيضا (190)،

______________________________

(186) يظهر ذلك من الشرائع أما الرجوع إلى كل منهما بحصته فلفرض ثبوت يده عليها و تلفها عنده، و أما الرجوع إلى الغاصب بالجميع فلجريان يده عليه فتشمل قاعدة «اليد» جميع ذلك.

(187) لفرض تحقق تلفها لديه فيكون قرار الضمان عليه.

(188) بدعوى أن العامل ليس مسلطا و مستوليا على الأشجار و لا ثمرها و انما تصرف في حصته فقط، و هذه الدعوى مخدوشة بنحو الكلية.

و الظاهر كون النزاع لفظيا ..

فتارة: يكون العامل مسلطا على الكل بخلاف المالك.

و أخرى: يكون بالعكس.

و ثالثة: يكون كل واحد منهما كذلك.

و رابعة: يكون كل منهما مسلطا على البعض فقط.

و خامسة: يشك في أنه من أي من تلك الصور؛ و الحكم فيه هو الرجوع إلى الأصول موضوعية كانت أو حكمية، و الفارق حكم العرف و القرائن المعتبرة و يلحق كل صورة حكمها بحسب القواعد.

(189) بحيث صدق عرفا أنه مستول على التمام و إلا فليس مجرد العلم بالحال موجبا للاستيلاء على الجميع، مع أن الضمان من الوضعيات التي لا يدور مدار العلم و الجهل.

(190) ان صدق الاستيلاء على الكل بحسب المتعارف، و مع الشك

ص: 191

فالأقوى ما ذكرنا لأن يد كل منهما يد ضمان (191) و قرار الضمان على من تلف في يده العين (192)، و لو كان تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه.

هذا، و يحتمل في أصل المسألة كون قرار الضمان على الغاصب مع جهل العامل لأنه مغرور من قبله (193).

______________________________

فالحكم فيه هو الرجوع إلى الأصول- موضوعية كانت أو حكمية- كما مر.

(191) لا ريب في أن اليد يد ضمان و انما الكلام في تشخيص أنه على الكل أو البعض على ما مر.

(192) بلا إشكال فيه كما ثبت ذلك عرفا و شرعا في مسألة تعاقب الأيادي على شي ء فراجع كتاب البيع، و سيأتي في كتاب الغصب هذا إذا لم يكن غرور في البين و إلا ف- «المغرور يرجع إلى من غره» و لو كان المغرور قد تلف العين في يده.

(193) و صحة رجوع المغرور إلى غاره فيما اغترمه من المرتكزات العقلائية التي يكفي فيها عدم ثبوت الردع عن الشارع، و قد تسالم الأصحاب في مختلف موارد الفقه من أوله إلى آخره و أرسلوا إرسال المسلمات القاعدة المعروفة: «المغرور يرجع إلى من غره» الذي ورد على طبقه النصوص في موارد شتى- كضمان شاهد الزور (1)، و تدليس الزوجة- المشتملة على جواز الرجوع إلى المدلس بالمهر المعللة لذلك.

تارة: بأنه دلّس.

و أخرى: بأنه غرّ و خدع (2)، فأصل القاعدة مما لا كلام فيها، و تقدم في موارد من البيع (3) بعض الكلام و يأتي في الغصب و القصاص و الديات ما

ص: 192


1- الوسائل باب: 10 و 11 من أبواب الشهادات.
2- الوسائل باب: 2، و 6 و 7 من أبواب العيوب و التدليس- النكاح.
3- راجع ج: 16 صفحة: 346.

و لا ينافيه ضمانه لأجرة عمله (194) فإنه محترم (195) و بعد فساد

______________________________

يناسب المقام.

(194) وجه توهم المنافاة انه يحصل للعامل حينئذ عوضان لعمله و لا يمكن اجتماعهما.

الأول: الحصة التي أتلفها و استفاد منها التي هي عوض عمله في الواقع.

الثاني: أجرة عمله على الغاصب فمع استفادته من الحصة لا وجه للأجرة و مع الأجرة لا وجه لكون الحصة له، بل لا بد و أن تكون للمالك فعلى العامل عوض الحصة للمالك و على الغاصب الأجرة للعامل فلا وجه لعدم كون العامل ضامنا لشي ء أبدا.

(195) خلاصة الجواب أن أصالة احترام العمل و كون صدوره مستندا إلى غرور الغاصب يوجب ضمان الغاصب لأجرة العمل و هذا مما لا ريب في كونها عوض العمل، و أما الحصة فسقطت عن العوضية شرعا لفساد المعاملة فلا يجتمع عوضان لعمل العامل لا عرفا و لا شرعا، و حينئذ فمقتضى قاعدة الإتلاف كون العامل ضامنا للحصة للمالك و لكن حيث أنه مغرور عن الغاصب يسقط ضمانه، لقاعدة الغرور.

و توهم أنه ليس من شأن إثبات قاعدة الغرور، شيئين أجرة المثل للعمل و إسقاط الحصة المسماة.

مدفوع، بأنه لا محذور فيه بعد انحلال القاعدة إلى كل غرور يتحقق في مورد جريانها كما هو مقتضى كل قاعدة بالنسبة إلى مصاديقها.

إن قيل: يلزم من جريانها استفادة العامل للحصة التي فوتها.

يقال: لا محذور فيه بعد إن لم تكن دليل آخر حاكم على القاعدة، بل لو قيل من لوازم قاعدة الغرور استفادة المغرور في الجملة لم يكن به بأس ما لم يكن دليل على الخلاف من إجماع أو غيره، و لذا أقوى سيد مشايخنا في المقام

ص: 193

المعاملة لا يكون الحصة عوضا عنه فيستحقها، و إتلافه الحصة إذا كان بغرور من الغاصب لا يوجب ضمانه له (196).

مسألة 31: لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره

(مسألة 31): لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره مع اشتراط المباشرة أو مع النهي عنه (197).

و أما مع عدم الأمرين ففي جوازه مطلقا (198) كما في الإجارة و المزارعة و إن كان لا يجوز تسليم الأصول إلى العامل الثاني إلا بإذن المالك، أو لا يجوز مطلقا (199) و إن أذن المالك أو لا يجوز إلا مع إذنه (200) أو لا يجوز قبل ظهور الثمر و يجوز بعده (201) أقوال، أقواها

______________________________

هذا الاحتمال و لكن الأحوط التراضي و التصالح.

(196) أي: ضمان العامل للمالك ما أتلفه من الحصة.

(197) لأصالة عدم ترتب الأثر، و ظهور الإجماع. و لو خالف مع ذلك يكون من صغريات الفضولي.

(198) نسب ذلك إلى ظاهر الإسكافي و بعض متأخر المتأخرين.

(199) نسب ذلك إلى المشهور مستدلا عليه بأن المساقاة لا يجوز إلا على أصل مملوك للمساقي، و لا يخفى أن هذا الدليل عين المدعى كما يأتي في المتن.

(200) يظهر ذلك من المسالك و نسب إلى العلامة في المختلف.

(201) استظهر ذلك من المسالك أيضا و ليس له دليل ظاهر و لا بد أولا من بيان مورد نزاع القوم ثمَّ بيان ما هو الحق في المقام: يمكن أن يكون مورد نزاعهم مساقاة الغير بأن يكون الغير عاملا له و يكون هو بنفسه عاملا لمالك الأصول بلا صدور عمل منه أصلا إلا التسبب في عمل الغير، و يمكن أن يكون مرادهم كون الغير عاملا للمالك و كونه مشرفا على عمله من دون صدور عمل منه غير ذلك، كما يمكن أن يكون المراد تبعيض عمل المساقاة بينهما.

ص: 194

الأول (202).

و لا دليل على القول بالمنع مطلقا أو في الجملة (203) بعد شمول العمومات (204) من قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و كونها على الأصل فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم، ممنوع بعد

______________________________

و الظاهر صحة الكل لو كان في البين غرض صحيح لفرض عدم اعتبار المباشرة فتشملها أدلة المساقاة الشاملة لكل من المباشرة و التسبيب.

و دعوى: الظهور في الأولى إن صح فهو غالبي لا أن يكون حقيقيا، كما أن دعوى أنه ليس في المساقاة عموم و لا إطلاق يشمل هذه الفروض إلا بعض المجملات و ما ورد في قضية خيبر (1).

ساقطة، لكفاية مثل صحيحي الحلبي و ابن شعيب (2)، في استفادة هذه الفروع مع أنها ابتلائية و عدم ورود المنع عنها و إمكان تطبيقها على القواعد كما يأتي.

(202) لأنه لا معنى لإسقاط قيد المباشرة إلا الرضاء بجملة هذه الفروع فالتفصيل بين الإذن و عدمه ساقط مع الالتفات الإجمالي إلا أن إسقاط المباشرة يتضمن جميع هذه الفروع و لو بنحو انطواء الجزء في الكل.

(203) بل سيرة المتشرعة في بعض استقرت على الجواز من غير نكير من أحد عليهم.

(204) و توهم إنها لا تثبت المساقاة المعهودة.

فاسد، إذ الانطباق مع قصد المساقاة المعهودة قهري في العقود المقوّمة بالقصد، و المفروض أنه لم تقصد معاملة أخرى غيرها حتى يثبتها العموم و إلا يلزم وقوع ما لم يقصد و هو باطل فيما يتقوم بالقصد.

ص: 195


1- تقدم في صفحة: 155.
2- الوسائل باب: 8- 10 من أبواب المزارعة.

شمولها (205)، و دعوى أنه يعتبر فيها كون الأصل مملوكا للمساقي أو كان وكيلا عن المالك أو وليا عليه، كما ترى إذ هو أول الدعوى (206).

مسألة 32: خراج السلطان في الأراضي الخراجية على المالك

(مسألة 32): خراج السلطان في الأراضي الخراجية على المالك لأنه إنما يؤخذ على الأرض (207) التي هي للمسلمين لا الغرس الذي هو للمالك و إن أخذ على الغرس فبملاحظة الأرض، و مع قطع النظر عن ذلك أيضا كذلك فهو على المالك مطلقا إلا إذا اشترط كونه على العامل أو عليهما بشرط العلم بمقداره (208).

مسألة 33: مقتضى عقد المساقاة ملكية العامل

(مسألة 33): مقتضى عقد المساقاة ملكية العامل للحصة من الثمر من

______________________________

(205) و تحقق السيرة في الجملة.

(206) و النصوص الخاصة (1)، الواردة في المساقاة- كما تقدم بعضها- و إن كانت ظاهرة في كون الأصل مملوكا للمساقي لكن البحث في أن ذلك بنحو التقوم أو بنحو الغالب، و الثاني معلوم و الأول مشكوك و لا دليل على اعتباره بنحو التقييد و التقوم من عقل أو نقل فلا وجه لتطويل الكلام فيه على جميع ذلك كما عن الجواهر و غيره بعد صدق المساقاة عرفا.

(207) الأموال التي يأخذها السلطان من الأراضي على أقسام:

الأول: أن تكون مجعولة على الأرض فقط.

الثاني: أن تكون مجعولة على الغرس الذي غرس فيها.

الثالث: أن تكون مجعولة على تعمير الأرض و استنماء الغرس.

و الأولان على المالك لكون العامل أجنبيا عنهما و الأخير عليهما لأن لكل منهما دخل فيه مباشرة و تسبيبا.

(208) بما يرتفع به الجهالة الغير المغتفرة في المساقاة.

ص: 196


1- الوسائل باب: 9 من أبواب المزارعة: 9.

حين ظهوره، و الظاهر عدم الخلاف فيه (209)، إلا من بعض العامة حيث قال بعدم ملكيته له إلا بالقسمة قياسا على عامل القراض حيث إنه لا يملك الربح إلا بعد الإنضاض، و هو ممنوع عليه حتى في المقيس عليه (210).

نعم، لو اشترطا ذلك في ضمن العقد لا يبعد صحته (211)، و يتفرع على ما ذكرنا فروع:

منها: ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل فإن المعاملة تبطل من حينه و الحصة تنتقل إلى وارثه على ما ذكرنا (212).

______________________________

(209) و يقتضيه ظاهر نصوص الباب مضافا إلى اتفاق كلمات الأصحاب.

(210) مع أنه مع الفارق لأن الربح وقاية لرأس المال كما مر، فلا بد و أن يتحفظ مهما أمكن عن التقسيم بخلاف المقام.

(211) لعموم أدلة وجوب الوفاء بالشروط الشامل لذلك أيضا و توهم: أنه من الشرط الذي يكون محددا لموضوع العقد و أدلة المساقاة قاصرة عن شموله.

مدفوع: بأن نفس الشرط ليس منافيا للشرع و كل شرط كذلك يصح اشتراطه في كل عقد فتشمله أدلة ذلك العقد لفرض أن تلك الأدلة تشمل العقد المشروع و المفروض أن هذا عقد مشروع.

(212) هذه الفروع الأربعة تشترك في حصول الفسخ بعد الظهور و قبل القسمة إما بسبب غير اختياري كالموت أو سبب اختياري، و الحكم في الجميع واحد و هو استحقاق العامل للحصة بناء على ملكيته من حين الظهور و عدم استحقاقه لها بناء على الملكية من حين القسمة بل يستحق أجرة عمله.

أما بطلان المعاملة من حين الموت فلانتفاء موضوع المباشرة بالموت فتصير من قبيل السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع.

ص: 197

و منها: ما إذا فسخ أحدهما بخيار الشرط أو الاشتراط بعد الظهور و قبل القسمة أو تقايلا (213).

و منها: ما إذا حصل مانع عن إتمام العمل بعد الظهور (214).

و منها: ما إذا أخرجت الأصول عن القابلية لإدراك الثمر ليبس أو فقد الماء أو نحو ذلك بعد الظهور، فإن الثمر في هذه الصور مشترك بين المالك و العامل، و إن لم يكن بالغا (215).

و منها: في مسألة الزكاة (216) فإنها تجب على العامل أيضا إذا بلغت حصته النصاب كما هو المشهور لتحقق سبب الوجوب و هو الملكية له حين الانعقاد أو بدوّ الصلاح على ما ذكرنا، بخلافه إذا قلنا بالتوقف على القسمة.

______________________________

و أما انتقال الحصة إلى الورثة فلعموم «ما تركه الميت فهو لوارثه» (1).

(213) فيستحق العامل حصته بناء على المشهور؛ و أما بناء على ملكيته بالقسمة فيكون الجميع للمالك و يستحق العامل أجرة علمه لقاعدة الاحترام.

(214) الكلام فيه عين الكلام في سابقيه من غير فرق.

(215) أما مع صدق الثمر عرفا فيصح و لا إشكال فيه و أما مع عدم صدقه بالنسبة إلى ما مضى فإن اكتفينا في صحة المساقاة بمجرد وجود الغرض الصحيح العقلائي فيه فلا إشكال فيه أيضا، و أما مع عدم الاكتفاء بذلك و عدم صدق الثمر فلا موضوع لصحة المساقاة.

(216) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة (2)، و لا وجه للتكرار مع قرب العهد فراجع.

ص: 198


1- راجع ج: 18 ص: 198.
2- راجع ج: 11 صفحة: 16.

نعم، خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة هنا و في المزارعة بدعوى أن ما يأخذه كالأجرة، و لا يخفى ما فيه من الضعف لأن الحصة قد ملكت بعقد المعاوضة أو ما يشبه المعاوضة لا بطريق الأجرة، مع أن مطلق الأجرة لا تمنع من وجوب الزكاة بل إذا تعلق الملك بها بعد الوجوب و أما إذا كانت مملوكة قبله فتجب زكاتها كما في المقام، و كما لو جعل مال الإجارة لعمل زرعا قبل ظهور ثمرة فإنه يجب على المؤجر زكاته إذا بلغ النصاب فهو نظير ما إذا اشترى زرعا قبل ظهور الثمر، هذا و ربما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في المقام. و يعلل بوجهين آخرين (217).

أحدهما: أنها إنما تجب بعد إخراج المؤن و الفرض كون العمل في مقابل الحصة فهي من المؤن (218) و هو كما ترى و إلا لزم احتساب أجرة عمل المالك و الزارع لنفسه أيضا فلا نسلم أنها حيث كانت في قبال العمل تعد من المؤن (219).

الثاني: أنه يشترط في وجوب الزكاة التمكن من التصرف و في المقام

______________________________

(217) احتملهما صاحب الجواهر في كلام ابن زهرة.

(218) تقدم ما يتعلق بهذه المسألة في (مسألة 18) من زكاة الغلات فراجع.

(219) مع انها لو كانت من المؤن لا يلازم سقوط الزكاة من الحصة، إذ قد تكون أجرة العمل أقل منها بكثير كما هو واضح، و المدار في المؤن على المالية التي تصرف لأجل الغلة.

و أما ما فرق به في الجواهر بين عمل المالك و عمل العامل في المقام، بأن الثاني مضمون على المالك بالحصة فيعد من المؤنة بخلاف عمل المالك فإنه غير مضمون بشي ء فلا وجه لعده من المؤن فهو غير فارق، لأن عمل العامل غير مضمون على نفسه أيضا كعمل المالك فلا فرق بينهما من هذه الجهة.

ص: 199

و إن حصلت الملكية للعامل بمجرد الظهور إلا أنه لا يستحق التسلم إلا بعد تمام العمل، و فيه مع فرض تسليم عدم التمكن (220) من التصرف أن اشتراطه مختص بما يعتبر في زكاته الحول (221) كالنقدين و الانعام لا في الغلات ففيها و إن لم يتمكن من التصرف حال التعلق يجب إخراج زكاتها بعد التمكن على الأقوى كما بين في محله، و لا يخفى أن لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصة على المالك أيضا كما اعترف به فلا يجب على العامل لما ذكر و لا يجب على المالك لخروجها عن ملكه.

مسألة 34: إذا اختلفا في صدور العقد و عدمه فالقول قول منكره

(مسألة 34): إذا اختلفا في صدور العقد و عدمه فالقول قول منكره (222)، و كذا لو اختلفا في اشتراط شي ء على أحدهما و عدمه (223)، و لو اختلفا في صحة العقد و عدمها قدّم قول مدعي الصحة (224)، و لو اختلفا في قدر حصة العامل قدّم قول المالك المنكر

______________________________

(220) التمكن من التصرف له مراتب متفاوتة، فالتمكن من التصرف للمال المختص بالشخص نحو من التمكن، و لا ريب في عدم تحققه بالنسبة إلى المال المشترك، و التمكن من التصرف في المال المشترك نحو من التمكن، و لا ريب في تحقق الثاني في المقام و لا دليل على اعتبار أزيد منه.

و بالجملة: قدرة الشركاء على التقسيم فيما بينهم تمكن من التصرف عرفا و إلا لما وجبت على المالك أيضا.

(221) قد تكرر ذلك منه رحمة اللّه فقد أشكل في (مسألة 17) من مسائل ختام الزكاة في الاختصاص و في مسألة 41 جعل الأظهر عدم اعتباره فيما لا يعتبر فيه الحول و في المقام جعله أقوى، و قد تعرضنا للمسألة في الموردين و ان اعتبار التمكن من التصرف في الجميع هو الأقرب.

(222) لأصالة عدم صدور العقد إلا أن يثبت خلافه بحجة معتبرة.

(223) لأصالة عدم تحقق الشرط إلا أن يثبت خلافه بحجة شرعية.

(224) لأصالة الصحة المسلمة عند الكل في أبواب المعاملات.

ص: 200

للزيادة، و كذا لو اختلفا في المدة (225)، و لو اختلفا في قدر الحاصل قدّم قول العامل (226).

و كذا لو ادعى المالك عليه سرقة أو إتلافا أو خيانة (227) و كذا لو ادعى عليه أن التلف كان بتفريطه إذا كان أمينا له كما هو الظاهر (228)، و لا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار ما يدعيه عليه بناء على ما هو الأقوى من سماع الدعوى المجهولة (229) خلافا للعلامة في التذكرة في المقام (230).

مسألة 35: إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبينة أو غيرها هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا؟ قولان

(مسألة 35): إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبينة أو غيرها هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا؟ قولان:

______________________________

(225) لأصالة تبعية النماء للأصل فيهما هذا إذا لم تكن الأشجار في يد العامل و تحت سلطنته عرفا، و أما لو صدق انها في يده و تحت استيلائه فيمكن تقديم قوله لقاعدة «اليد»

(226) مع كون الثمرة تحت يده و استيلائه، و لو كان في يد المالك يقدم قوله، لقاعدة «اليد» في المورد.

(227) لأصالة عدم ذلك كله إلا إذا ثبت بحجة معتبرة.

(228) لأن ظاهر حال الملاك انهم لا يساقون إلا مع الأمين و الوجه في عدم ضمانه حينئذ قاعدة «عدم صحة تضمين الأمين» إلا بعد ثبوت خيانته بحجة معتبرة.

(229) لعمومات أدلة سماع الدعوى و إطلاقاتها من غير ما يصلح للتخصيص و التقييد، و يأتي الكلام في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(230) و ليس له وجه ظاهر إلا أن يكون مراده من الجهالة ما لا يرجع إلى محصل عرفي في الدعوى و لو بعد التفسير و هو مسلم عند الكل، و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا و يأتي في محله ما ينفع المقام.

ص: 201

أقواهما العدم لأنه مسلط على ماله (231)، و حيث إن المالك أيضا مسلط على حصته فله أن يستأجر أمينا يضمه مع العامل (232)، و الأجرة عليه لأن ذلك لمصلحته و مع عدم كفايته في حفظ حصته جاز رفع يد العامل (233) و استئجار من يحفظ الكل و الأجرة على المالك أيضا (234).

مسألة 36: قالوا المغارسة باطلة

(مسألة 36): قالوا المغارسة باطلة (235) و هي: «أن يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما» سوآء اشترط كون حصة من الأرض أيضا للعامل أو لا، و وجه البطلان، الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة بل ادعى جماعة الإجماع عليه.

______________________________

(231) مضافا إلى أصالة عدم ولاية للمالك على ذلك، و في الجواهر: «أن احتمال رفع يده لم أجده قولا لأحد من أصحابنا و لا لغيرهم»، و حكي عن المبسوط في المقام: «قيل ينتزع من يده و يكتر من يقوم مقامه»، و هو غريب لعدم معرفة هذا القائل و أغرب منه استدلال الإيضاح لعموم النص عليه.

(232) لقاعدة «السلطنة» و أصالة الإباحة.

(233) اختاره في المسالك لقاعدة «نفي الضرر و الضرار» المقدمة على قاعدة «السلطنة»، و لكنه مشكل و طريق الاحتياط أن يكون بعد مراجعة الحاكم الشرعي.

(234) لأن ذلك من مصالحه و لو كانت لأجل العمل، فمقتضى القاعدة كونها على العامل و إن كانت لهما فيقسط عليهما.

(235) البحث. تارة: بحسب الأصل و أخرى: بحسب العمومات.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضاه عدم ترتب الأثر لو لم نقل بجريان أصالة الجواز

ص: 202

نعم، حكي عن الأردبيلي و صاحب الكفاية الإشكال فيه لإمكان استفادة الصحة من العمومات، و هو في محله إن لم يتحقق الإجماع (236)، ثمَّ على البطلان يكون الغرس لصاحبه (237) فإن كان من مالك الأرض فعليه أجرة عمل الغارس (238)

______________________________

بالمعنى التكليفي و الوضعي و بجريان أصالة الصحة في كل ما لم يرد فيه نهي شرعي بالخصوص من المعاملات و هو محل البحث.

و أما الثاني: فلا ريب في أن مقتضاها الصحة و اللزوم كما في سائر العقود و دعوى: انصرافها إلى المساقاة المتعارف.

باطلة لأن غلبة الوجود على فرض تسليمها في المقام لا أثر لها في الانصراف المعول عليه كما ثبت في محله، كما أن دعوى: أن العقود توقيفية و لا بد و أن يقتصر على ما عنونت مما لا ينبغي الإصغاء إليه بعد كونها عرفيات إمضائية بالعمومات و الإطلاقات، لا أن تكون تعبدية تأسيسة كما أثبتنا ذلك غير مرة.

و أما الثالث: فمقتضى إطلاق صحيح ابن شعيب عن الصادق عليه السّلام الصحة أيضا قال: «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما؟

قال عليه السّلام: لا بأس- إلى أن قال- و سألته عن المزارعة، فقال: النفقة منك و الأرض لصاحبها-» (1)، و قريب منه غيره و إطلاقها يشمل المغارسة أيضا.

و أما الأخير فادعى جمع الإجماع على البطلان و المتيقن منه على فرض اعتباره انما هو البطلان بعنوان المساقاة المعهودة لا بطلان أصل المغارسة تعبدا.

(236) و لو تحقق لكان المتيقن منه ما ذكرنا.

(237) لأصالة بقاء ملكه عليه و عدم ما يوجب خروجه عن ملكه.

(238) لقاعدة «أن استيفاء عمل الغير يوجب ضمان المستوفى له».

ص: 203


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة و المساقاة: 2.

إن كان جاهلا بالبطلان (239)، و إن كان للعامل فعليه أجرة الأرض للمالك (240) مع جهله به (241) و له الإبقاء بالأجرة أو الأمر بقلع الغرس أو قلعه بنفسه (242).

و عليه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع (243)، و يظهر من جماعة (244) أن عليه تفاوت ما بين قيمته قائما و مقلوعا و لا دليل

______________________________

(239) تقدم مرارا أن المناط في عدم الضمان و سقوطه صدق التبرع عرفا و تحقق عنوان هتك العمل كذلك، و لا دخل للعلم و الجهل في ذلك فمع صدقهما لا ضمان و إن كان العامل جاهلا، و مع عدم الصدق يضمن المالك و إن كان العامل عالما.

(240) لأصالة احترام ملك الغير و ماله حدوثا و بقاء إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(241) تقدم مكررا أنه لا أثر للجهل بل المناط كله صدق هتك المال و التبرع به عرفا فلا ضمان حينئذ مع هذا الصدق، و مع العدم يتحقق الضمان مطلقا.

(242) كل ذلك لقاعدة «السلطنة» التي هي من أهم القواعد المقررة في جميع الشرائع الإلهية إلا مع وجود دليل معتبر على الخلاف و هو مفقود، و الظاهر ترتب الأخير على عدم إمكان أحد الأولين، و أما مع إمكان أحدهما، فيشكل جوازه لأنه تصرف في ملك الغير من دون إذنه مع إمكان وصول المالك إلى حقه بدونه.

(243) لقاعدة «نفي الضرر و الضرار» المتسالم عليها نصوصا (1)، و إجماعا و هي حاكمة على قاعدة «السلطنة» كما ثبت في محله.

(244) استظهر ذلك من عبارة الشرائع حيث قال في المقام: «و عليه أرش

ص: 204


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات.

عليه (245) بعد كون المالك مستحقا للقلع (246)، و يمكن حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا من أرش النقص الحاصل بسبب القلع إذا حصل بأن انكسر (247) مثلا بحيث لا يمكن غرسه في مكان آخر، و لكن كلمات الآخرين لا تقبل هذا الحمل بل هي صريحة في ضمان التفاوت بين القائم و المقلوع حيث قالوا مع ملاحظة أوصافه الحالية من كونه في معرض الإبقاء مع الأجرة أو القلع، و من الغريب ما عن المسالك من ملاحظة كون قلعه مشروطا بالأرش لا مطلقا فإن استحقاقه للأرش من أوصافه و حالاته فينبغي أن يلاحظ أيضا في مقام التقويم، مع أنه مستلزم للدور كما

______________________________

النقصان بالقلع»، و كذا من عبر مثل هذه العبارة من الفقهاء إذ يستفاد منها ثبوت أصل التفاوت ما بين قيمته قائما و مقلوعها لا أرش النقصان لو حصل.

(245) من نص معتبر، أو إجماع كذلك، و أما بحسب القواعد فيأتي التفصيل فيها.

(246) لأن معنى استحقاقه للقلع أن حالة قيام الغرس و حالة قلعه متساويان بالنسبة إلى سلطنته.

نعم، لو حصل نقص يضمنه لقاعدة «نفي الضرر» كما تقدم.

و ما يقال: من أن ضمان المالك لأجرة العامل لو كان الغرس للمالك يلازم الإذن في غرس العامل، و الإذن يستلزم ضمان الصفة الحاصلة من نصب الغرس في الأرض الفائتة بقلعه.

مدفوع، بأن ضمان الأجرة من لوازم احترام العمل عرفا و عدم صدوره مجانا و لغوا و هو أعم من الإذن السابق.

(247) ليس ثبوت الأرش منحصرا بهذه الصورة، بل كان ما كان القلع موجبا لفوت غرض معتبر عقلائي في المقلوع يوجب ذلك ثبوت الأرش، و بذلك يمكن أن يجمع بين جملة من الكلمات.

ص: 205

اعترف به (248).

ثمَّ إنه إن قلنا بالبطلان يمكن تصحيح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة (249) أو المصالحة أو نحوهما (250) مع مراعاة شرائهما كأن تكون الأصول مشتركة بينهما إما بشرائها بالشركة (251) أو بتمليك أحدهما للآخر نصفا منها- مثلا- إذا كانت من أحدهما فيصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه- مثلا- أو بنصف عينها على أن يشتغل بغرسها و سقيه إلى زمان كذا أو يستأجره للغرس و السقي إلى زمان كذا بنصف منفعة الأرض مثلا (252).

______________________________

(248) لأنه قدس سرّه قال في تعريف الأرش في المقام: «و المراد بالأرش تفاوت ما بين قيمته في حالتيه على الوضع الذي هو عليه و هو كونه باقيا بأجرة و مستحقا للقلع «بالأرش»، و لا ريب في أن أخذ المعرف (بالفتح) في المعرف (بالكسر) دور واضح كما لا يخفي.

(249) فإن كان الغرس من المالك يستأجر العامل على العمل بنصف الغرس فقط مثلا أو مع الأرض، و إن كان من العامل فيستأجر الأرض على أن يغرس فيها نصف الغرس مثلا و هكذا.

(250) أما المصالحة فتدور مدار تراضيهما كيف ما اتفقا عليه مع تحقق الشرائط الشرعية؛ و أما نحوهما فلم نعهد معاوضة تكون نحوهما في هذه الجهة، و لعل مراده قدس سرّه غيرهما كأن يبيع مالك الأرض حصة معينة من الأرض إلى العامل بأن يعمل العامل بشرط أن يكون له بعض الغرس أيضا.

(251) و لو بأن يوكل أحدهما الآخر في أن كلما يشتريه من الفسيل يشتريه لهما بالاشتراك.

(252) لكن لا بد و أن يستوضح أن دليل بطلان المغارسة يدل على بطلانها مطلقا حتى لو تعنونت بعنوان آخر أو يدل على البطلان فيما إذا كانت بعنوان

ص: 206

مسألة 37: إذا صدر من شخصين مغارسة

(مسألة 37): إذا صدر من شخصين مغارسة و لم يعلم كيفيتها و أنها على الوجه الصحيح أو الباطل بناء على البطلان يحمل فعلهما على الصحة (253) إذا ماتا أو اختلفا في الصحة و الفساد.

______________________________

خصوص المساقاة فقط، و على هذا لا وجه لهذه التكلفات لفرض شمول دليل المنع للجميع و على الثاني أيضا لا وجه لها، لفرض اختصاص دليل المنع بخصوص عنوان المساقاة فقط، و لا يشمل المغارسة فلا موضوع للمنع حتى يتكلف في دفعه.

(253) بناء على جريان أصالة الصحة فيما إذا صدر عقد و تردد بين عنوانين بأحدهما يكون صحيحا و بالآخر يكون فاسدا، و لا يبعد ذلك لأنها من الأصول الامتنانية التسهيلية و هما تقتضيان التوسعة في مجراها مهما وجد إليها سبيل.

فروع الأول: لا فرق في المساقاة بين أن يكون في بلد واحد أو في بلاد متعددة، فإذا كان المالك له بساتين كثيرة في محال متعددة يجوز له أن يساقي شخص واحدا أو أشخاص لذلك لظهور العموم و الإطلاق.

الثاني: لا يعتبر في المساقاة كون الشخص مالكا للأشجار فكل من كانت له سلطنة عليها بإجارة أو استعارة يجوز له أن يساقي شخصا، و ذلك للإطلاق و العموم.

الثالث: يجوز للحاكم الشرعي أن يساقي على الأشجار النابتة في الأراضي الخراجية بما يراه من المصلحة، و كذلك لمتولي الأوقاف الخاصة و العامة و ذلك كله لولايتهم على ذلك، و لعموم الأدلة، كما يجوز لولي اليتيم ذلك أيضا.

الرابع: لا فرق في مالك الأرض و المساقي بين أن يكونا مسلمين أو لا،

ص: 207

.....

______________________________

فالأقسام أربعة:

الأول: كون المالك و المساقي مسلمين.

الثاني: كونهما كافرين.

الثالث: المالك مسلم و المساقي كافر.

الرابع: عكس ذلك، فكل ذلك جائز للإطلاق و الاتفاق، و ما ورد في المزارعة (1)، و المساقاة من النصوص (2).

الخامس: يكره قطع الأشجار المثمرة لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تقطعوا الثمار فيصب اللّه عليكم العذاب صبا» (3)، المحمول على الكراهة جمعا (4) و إجماعا.

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

ص: 208


1- راجع الوسائل باب: 12 من أبواب المزارعة.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب المزارعة و المساقاة.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب المزارعة و المساقاة: 1 و 3.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب المزارعة و المساقاة: 1 و 3.

تذنيب

تذنيب

______________________________

في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أراد أن يلقح النخل إذا كان لا يجوز عملها و لا يتبعل بالنخل فيأخذ حيتانا صغارا يابسة فيدقها بين الدقين ثمَّ يذر في كل طلعة منها قليلا و يصرّ الباقي في سرّة نظيفة ثمَّ يجعله في قلب النخل ينفع بإذن اللّه تعالى»، و عن الصدوق في كتاب العلل بسنده عن عيسى بن جعفر العلوي عن آبائه عليهم السّلام «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: مرّ أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود فسألوا إليه ما بهم؟ فقال عليه السّلام: دواء هذا معكم و ليس تعلمون أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب و ليس هكذا يجب بل ينبغي أن تصبوا الماء في أصول الشجر ثمَّ تصبوا التراب كي لا يقع فيه الدود فاستأنفوا كما وصف فأذهب عنهم ذلك»، و في خبر عن أحدهما عليه السّلام قال: تقول إذا غرست أو زرعت، «و مثل كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهٰا ثٰابِتٌ وَ فَرْعُهٰا فِي السَّمٰاءِ تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا»، و في خبر آخر إذا غرست غرسا أو نبتا فأقرا على كل عود أو حبة «سبحان الباعث الوارث» فإنه لا يكاد يخطئ إن شاء اللّه تعالى.

تمَّ كتاب المساقاة

ص: 209

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الضمان

اشارة

كتاب الضمان و هو من الضمن (1)، لأنه موجب لتضمن ذمة الضامن للمال الذي

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي ضمن لنا العفو و الإحسان و الصلاة و السلام على مفخر الإنسان و آله الذين يصل الناس بهم إلى درجات الجنان.

(1) على ما هو المعروف بين الإمامية و تقتضيه جميع الاشتقاقات المتفرعة عنه في الاستعمالات المتعارفة المحاورية، و يتعدى بالتضعيف فيقال:

«ضمنه المال» أي: ألزمته إياه، و أما احتمال كون كل من الضمن و الضمان أصلا برأسه، و الأول بمعنى الظرفية و الثاني بمعنى التعهد فهو ساقط، لأن المراد بالظرفية و الضمنية المعنى الأعم من الحقيقي و الاعتباري و التعهد ليس إلا الظرفية الاعتبارية، فيكون احتمال الاستقلالية في الضمان لمعنى التعهد من لزوم ما لا يلزم.

و الحق: أن الضمان أقسام ثلاثة:

الأول: الضمان المتعارف بحسب الغالب أي: اشتغال ذمة المضمون عنه بشي ء و ضمان شخص آخر له.

الثاني: ما له معرضية قريبة للثبوت و هو واقع في الخارج كثيرا عند الناس.

ص: 210

على المضمون له، فالنون فيه أصلية كما يشهد له سائر تصرفاته من الماضي و المستقبل و غيرهما، و ما قيل (2) من احتمال كونه من الضم فيكون النون زائدة (3) واضح الفساد إذ مع منافاته لسائر مشتقاته (4) لازمه كون الميم مشددة (5)، و له إطلاقان (6)، إطلاق بالمعنى الأعم

______________________________

الثالث: تعهد و التزام من شخص بوفاء ما ثبت لشخص آخر، و الكل صحيح بلا إشكال للإطلاق و أصالة الصحة و يأتي تفصيل كل من الأقسام في مستقبل الكلام.

ثمَّ أنه لا يخفى أن الضمان مصدر و هو تضمين رد العين أو مثله أو قيمته أو غير ذلك مما يعتبر في المتعارف، و المضمون عنه هو المديون و المضمون له هو الدائن و الضامن هو من يقوم به عقد التضمين.

(2) نسب ذلك إلى أكثر العامة، و عن بعض اللغويين أنه غلط.

(3) لقاعدة: «ان كل ما ليس في المصدر فهو زائد».

(4) لوجود ال- (نون) في جميع المشتقات و في جميع الاستعمالات المحاورية الصحيحة، و احتمال كونه من الاشتقاقات الكبيرة.

فاسد: لعدم تعارفه في الاستعمالات المتعارفة و انما يصدر لأجل الضرورة كما هو معروف من طريقة الأدباء.

(5) و إلا يكون الفعل ثنائيا و هو باطل باتفاق اللغويين.

(6) الظاهر أنه ليس للفقهاء، فيه اصطلاح خاص زائد على ما هو المنسبق من هذا اللفظ في العرف فينسبق منه.

تارة: المعنى العام.

و أخرى: المعنى الخاص، و الاختلاف انما هو بحسب القرائن الخارجية و الجامع انما هو الضمنية الذمية التي يصح التعبير عنها ب- «العهدة» و «التعهد» أيضا، فالتعهد إن كان بالنفس يسمى «كفالة» أيضا، و إن كان بالمال ممن ليس

ص: 211

الشامل للحوالة و الكفالة أيضا فيكون بمعنى التعهد بالمال أو النفس، و إطلاق بالمعنى الأخص و هو التعهد بالمال عينا أو منفعة أو عملا (7) و هو المقصود من هذا الفصل.

و يشترط فيه أمور:

أحدها: الإيجاب (8)،

______________________________

عليه يسمى «ضمانا» بالمعنى الأخص، و يدخل فيه «ضمان الأعيان» بناء على صحته، و إن كان ممن عليه مال يسمى ب- «الحوالة» هذا بحسب الغالب و إلا فالحوالة على البري ء يصح كما يأتي في محله، فالضمان المبحوث عنه في المقام: «تعهد بمال ثابت في ذمة الشخص لآخر»، و هذا هو معناه لغة و عرفا و شرعا.

(7) كما إذا آجر شخص نفسه لآخر لعمل من بناء أو خياطة أو نحوهما فيصح اعتبار المالية في العمل فيضمنه شخص ثالث.

(8) الاحتمالات في الضمان ثبوتا ثلاثة:

الأول: كونه عقدا محتاجا إلى الإيجاب و القبول كما ينسب إلى ظاهر المشهور.

الثاني: كفاية إحراز رضاء المضمون له و لو لم يقبل ظاهرا.

الثالث: عدم الاحتياج إلى إحراز رضاء المضمون له أصلا فضلا عن قبوله، بل يكون منعه مانعا عن حصول التعهد الضماني لا أن يكون إحراز رضاه شرطا.

نعم، بعض أحكام الضمان متوقف على اذنه كما يأتي في (مسألة 12)، و يمكن توجيه الأخير بأن الضمان من سنخ الوفاء و الأداء فهو من المعاني الإيقاعية لا العقدية المتقومة حقيقتها بالإيجاب و القبول.

نعم، بعض أحكامه مترتب على رضاء المجنون له و إذنه و ليس ذلك

ص: 212

و يكفي فيه كل لفظ دال (9) بل يكفي الفعل (10) الدال- و لو بضميمة القرائن- على التعهد و الالتزام بما على غيره من المال.

و الثاني: القبول من المضمون له، و يكفي فيه أيضا كل ما دل على ذلك من قول أو فعل، و على هذا فيكون من العقود (11) المفتقرة إلى

______________________________

داخلا في حقيقته و قوامه، و حيث أنه مع عدم إذن المضمون له فيه معرضية التخاصم و التشاجر نسب إلى المشهور إطلاق اعتبار القبول و إلا فهو خارج عن حقيقته، و يأتي في المسائل الآتية إن حقيقة الضمان «تعهد مال لحفظ اعتبار المضمون عنه و شأنه و حيثيته».

(9) و لو بالقرائن العرفية المعتبرة كما أثبتناه غير مرة في موارد مختلفة فراجع كتاب البيع.

(10) لأن الظهور الفعلي حجة معتبرة لدى العقلاء كالظهور القولي ما لم يرد دليل معتبر على الخلاف و هو مفقود في المقام، و مر تحقيق ذلك في المعاطاة، و الظهور الفعلي في المقام كما إذا كان على عاتق المضمون له حمل فرفعه الضامن و جعله على عاتق نفسه أو نحو ذلك من الأفعال المقرونة بالقرائن المعتبرة.

(11) نسب ذلك إلى المشهور، و عن جامع المقاصد دعوى الإجماع عليه، و يظهر من الخلاف عدم اعتبار رضاء المضمون له فضلا عن قبوله، فلا وجه لدعوى الإجماع حينئذ.

و تنقيح البحث.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الاعتبار.

و ثالثة: بحسب الاستظهار من الأدلة.

و رابعة: بحسب كلمات الأجلة.

ص: 213

.....

______________________________

أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر بدون رضاء المضمون له- سابقا أو مقارنا أو لاحقا- لكن صدور عنوان الضمان عن الضامن و إقدامه عليه و كونه كالأداء و الوفاء مع كونه موثوقا به كالأمارة التي يسقط معها هذا الأصل و الشك في جريان الأصل مع هذا الإقدام يكفي في عدم جريانه فلا وجه للتمسك به.

أما الثانية: فإذا تحقق الضمان عن الضامن، و كان ضمانا معتبرا لدى العرف يرى متعارف الناس كون المال على عاتق الضامن و يحكمون بأن حق المطالبة للمضمون له بالنسبة إلى الضامن دون المضمون عنه، لإقدامه على ذلك باختياره فيرون انتقال الحق بمجرد إقدام الضامن، و يقولون للمضمون له ليس لك الرجوع إلى المضمون عنه إذا لم يكن محذور في البين من اهانة أو نحو ذلك على المضمون له.

أما الثالثة: فعمدة ما استدل به على اعتبار رضى المضمون له صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «في رجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال عليه السّلام: «إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت» (1)، و هذا الصحيح يحتمل معنيان.

الأول: أن يكون في مقام بيان اشتراط رضاء المضمون له.

الثاني: أن يكون في مقام بيان كون الضمان ضمانا معتبرا من شخص موثوق به، و المنساق منه هو الثاني، و على فرض الأول فليس لاعتباره موضوعية خاصة و إنما هو طريق لإحراز الاطمئنان العرفي بالأداء، مع أنه مع وجود الاحتمال الثاني لا وجه للجزم بالأول مع ظاهر خبر أبي سعيد الخدري، قال:

«كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في جنازة، فلما وضعت قال صلّى اللّه عليه و آله: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم، درهمان، فقال صلّى اللّه عليه و آله: صلّوا على صاحبكم، فقال علي عليه السّلام: هما عليّ يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا لهما ضامن، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليه ثمَّ أقبل

ص: 214


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام الضمان: 1.

الإيجاب و القبول، كذا ذكروه، و لكن لا يبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حد سائر العقود اللازمة بل يكفي رضي المضمون له سابقا أو لاحقا (12) كما عن الإيضاح و الأردبيلي، حيث قالا يكفي فيه الرضا و لا يعتبر القبول العقدي، بل عن القواعد و في اشتراط قبوله احتمال، و يمكن استظهاره من قضية الميت المديون الذي امتنع النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يصلي عليه حتى ضمنه علي عليه السّلام (13)، و على هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود من الترتيب و الموالاة و سائر ما يعتبر في قبولها (14)، و أما رضي المضمون

______________________________

على علي عليه السّلام فقال: جزاك اللّه عن الإسلام خيرا، و فك رهانك كما فككت رهان أخيك» (1)، و في خبر جابر بن عبد اللّه: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان لا يصلي على رجل عليه دين فأتي بجنازة، فقال: هل على صاحبكم دين؟ فقالوا: نعم ديناران، فقال: صلّى اللّه عليه و آله: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله صلّى اللّه عليه و آله، قال: فصلي عليه فلما فتح اللّه على رسوله قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك مالا فلورثته، و من ترك دينا فعليّ» (2).

و أما الأخير: فليس في المسألة إجماع يصح الاعتماد عليه على اعتبار أصل رضاء المضمون له فضلا عن قبوله.

(12) المعتبر هو تحقق الوفاء و لو مع عدم رضاء المضمون له إذا لم يكن حرج و ضرر في البين كما يأتي.

(13) تقدم ذكره فراجع.

(14) لعدم الموضوع لها على ما بيناه فيكون الحكم بلا موضوع فالضمان من سنخ المعاني الإيقاعة لا قبول فيه كما في ضمان النفس المعبر عنه ب- «الكفالة»، فلا وجه للبحث عن القبول فضلا عن شرائط العقد، و الظاهر أن هذا

ص: 215


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الضمان 2 و 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الضمان 2 و 3.

عنه فليس معتبرا فيه (15)، إذ يصح الضمان التبرعي فيكون بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا حيث لا يعتبر رضاه، و هذا واضح فيما لم يستلزم الوفاء أو الضمان عنه ضررا عليه أو حرجا من حيث كون تبرع هذا الشخص لوفاء دينه منافيا لشأنه كما إذا تبرع و ضيع دينا عن شريف غني قادر على وفاء دينه فعلا (16).

الثالث: كون الضامن بالغا عاقلا، فلا يصح ضمان الصبي و إن كان مراهقا (17) بل و إن أذن له الولي على إشكال (18)، و لا ضمان

______________________________

المعنى في الجملة مرتكز في أذهان جميع الفقهاء من خاصتهم و عامتهم، و الخلط انما حصل من ملاحظة بعض أحكام الضمان مع أصل موضوعه و هو كثير بينهم رحمة اللّه كما لا يخفى على الخبير المتتبع، و يأتي في أول كتاب الحوالة بعض ما ينفع المقام.

(15) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و ما يذكره قدس سرّه بعد ذلك تبعا لغيره من الفقهاء.

(16) فمقتضى قاعدة «نفي الحرج» و «الضرر» اعتبار رضاه حينئذ».

(17) لدعوى الإجماع عن جمع عليه، و قد تقدم في بطلان بيع الصبي ما ينفع المقام فراجع.

(18) لأن الدليل إن كان هو الإجماع فالمتيقن منه غير هذه الصورة، و إن كان غيره فقد أشكلنا عليه في كتاب البيع (1)، فراجع، و على فرض تماميتها فهي منصرفة عن صورة إذن الولي؛ و كون الصبي مميزا، بل يمكن استفادة الجواز و الصحة عن الآية الكريمة وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ، حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ (2)، و كذا خبر السكوني عن الصادق عليه السّلام:

ص: 216


1- راجع ج: 16 صفحة: 271.
2- سورة النساء: 6.

المجنون (19) إلا إذا كان أدواريا في دور إفاقته (20)، و كذا يعتبر كون المضمون له بالغا عاقلا (21)، و أما المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك (22) فيصح كونه صغيرا أو مجنونا.

نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض (23).

الرابع: كونه مختارا فلا يصح ضمان المكره (24).

______________________________

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كسب الإماء فإنها إن لم تجد زنت إلا امة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فإن لم يجد سرق» (1)، و قد تقدم فروض أحكام الصبي في بعض المباحث السابقة (2).

(19) لاتفاق الفقهاء- بل العقلاء- على أنه مسلوب العبارة و الفعل.

(20) لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مدافع.

(21) بناء على المشهور من اعتبار رضاه إذ لا اعتبار برضاء الصبي و المجنون، و تقدم التفصيل فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(22) للأصل و الإطلاق، و الاتفاق بعد عدم دخالة رضاه في قوام الضمان بوجه إلا فيما مر من مورد الضرر و الحرج.

(23) لمكان الحجر عليهما فلا ينفع إذنهما.

(24) للإجماع، و لما دل على رفع الإكراه (3)، الظاهر في الرفع المطلق حتى السببية خصوصا بملاحظة صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام: لا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطأوا» (4)، و كذا الكلام في المضمون له بناء على اعتبار قبوله.

ص: 217


1- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
2- راجع ج: 16 صفحة: 273.
3- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان: 12.

الخامس: عدم كونه محجورا لسفه (25) إلا بإذن الولي (26)، و كذا المضمون له (27)، و لا بأس بكون الضامن مفلّسا (28) فإن ضمانه نظير اقتراضه فلا يشارك المضمون له مع الغرماء (29)، و أما المضمون له فيشترط عدم كونه مفلّسا (30) و لا بأس بكون المضمون عنه سفيها أو مفلسا (31)، لكن لا ينفع إذنه في جواز الرجوع عليه (32).

السادس: أن لا يكون الضامن مملوكا غير مأذون من قبل مولاه على المشهور (33) لقوله تعالى لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (34)، و لكن لا يبعد

______________________________

(25) لأن حجره مانع عن التصرف في ماله و في ذمته.

(26) على ما يأتي في كتاب الحجر.

(27) بناء على اعتبار قبوله و رضاه إذ لا أثر للرضاء و القبول مع الإكراه و الحجر لما مر.

(28) لأن الضمان تصرف في ذمته و عهدته لا في ماله.

(29) لأن المال صار مورد حق الغرماء و اختصوا به فلا يشاركهم غيرهم إلا برضائهم.

(30) لعدم ترتب الأثر على رضاء المحجور عليه و قبوله هذا بناء على اعتبارهما فيه و إلا فلا موضوع لاشتراط هذا الشرط فيه.

(31) ما لم يكن الضمان حرجا و ضررا عليه و إلا فلا بد من مراجعة وليه في الأول و مراعاة إذنه في الثاني.

(32) ما دام الحجر باقيا في المفلس و أما بعد زواله فلا محذور في الرجوع عليه.

(33) و اختاره الشهيدان و المحققان و حكي عن المبسوط أيضا.

(34) و الضمان شي ء فلا يقدر عليه خصوصا بقرينة صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت: فإن كان

ص: 218

صحة ضمانه و كونه في ذمته يتبع به بعد العتق كما عن التذكرة و المختلف، و نفي القدرة منصرف عما لا ينافي حق المولى (35)، و دعوى أن المملوك لا ذمة له كما ترى (36) و لذا لا إشكال في ضمانه لمتلفاته، هذا و أما إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحة ضمانه (37)، و حينئذ فإن عين كونه في ذمته لنفسه أو في ذمة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في كسبه فهو المتبع (38) و إن أطلق الإذن ففي كونه في ذمة المولى، أو في كسب المملوك أو في ذمته يتبع به بعد عتقه.

______________________________

السيد زوّجه، بيد من الطلاق؟ قال عليه السّلام: بيد السيد ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ (1)، و يأتي في كتاب الطلاق أن هذا انما هو فيما إذا تزوج العبد أمة سيده، و أما إذا تزوج حرة أو أمة غير سيده فالطلاق بيده لا بيد سيده و هذا تخصيص في الصحيح و لا بأس به.

(35) و فيه: أنه يمكن الإشكال عليه بأن المنساق من الآية الكريمة (2)، أن حيثية المملوكية هي المناط لنفي القدرة فنفي القدرة مطلق ما دامت المملوكية باقية إلا ما خرج بالدليل المخصوص و هو مفقود في المقام؛ و من ذلك يظهر فساد ما عن بعض من أن متعلق القدرة أنما هو المال، لما قلناه من أن مناط سقوط القدرة المملوكية و هي تعم المال و غيره.

(36) لم نظفر على صاحب هذه الدعوى، و على فرض وجوده لا دليل له بل لعله خلاف الوجدان.

(37) لوجود المقتضي و فقد المانع، مضافا إلى الإجماع.

(38) و لا نزاع لأحد ظاهرا في لزوم اتباع القرينة مع وجودها و ظاهرهم مسلمية الحكم لديهم حينئذ، و يقتضيه عموم أدلة لزوم الوفاء بالشرط.

ص: 219


1- الوسائل باب: 42 من أبواب مقدمات الطلاق: 1.
2- سورة النحل: 75.

أو كونه متعلقا برقبته، وجوه و أقوال، أوجهها الأول لانفهامه عرفا (39) كما في إذنه للاستدانة لنفقته أو لأمر آخر و كما في إذنه في التزويج حيث إن المهر و النفقة على مولاه، و دعوى الفرق (40)، بين الضمان و الاستدانة بأن الاستدانة موجبة لملكيته، و حيث إنه لا قابلية له (41) لذلك يستفاد منه كونه على مولاه بخلاف الضمان حيث إنه لا ملكية فيه، مدفوعة بمنع عدم قابليته للملكية و على فرضه أيضا لا يكون

______________________________

(39) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموالي و العبيد و سائر الجهات، و النزاع في مثله صغروي لا أن يكون كبرويا، و مقتضى ما ارتكز في الأذهان من أن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه هو صحة رجوع العبد إلى المولى فيما ضمن بإذنه، و لا تصل النوبة حينئذ إلى أن ذلك يرجع إلى التوكيل في الضمان عن المولى حتى يرد عليه إشكال صاحب الجواهر رحمة اللّه، بل يكون معنى ذلك:

«اضمن أنت و أنا أعطيك مال الضمان»، و لا محذور فيه هذا مع صحة الانفهام عرفا.

و أما مع الشك فيه فالظاهر تعلقه بذمته بعد اعتبار الذمة، لأنه المنساق منه عرفا، و التعلق بالكسب أو الرقبة يحتاج إلى عناية خاصة و مقتضى الأصل و الاعتبار عدمها إلا مع وجود القرينة معتبرة في البين.

و بالجملة: الذمة أوسع الأشياء و أعمها تقدم على غيرها إلى مع القرينة على الخلاف.

و توهم: أن الانفهام العرفي إنما هو بالنسبة إلى الأداء دون اشتغال الذمة.

فاسد، لأن المتفاهم العرفي من الأداء إنما هو عن تعهد ذمي لا مجرد الأداء و لو بأن يرجع إلى العبد بعد ذلك.

(40) هذه الدعوى لصاحب الجواهر.

(41) بعد ثبوت القابلية له للملكية كما مر في الزكاة لا وجه لهذه الدعوى.

ص: 220

فارقا بعد الانفهام العرفي (42).

السابع: التنجيز، فلو علق الضمان على شرط كأن يقول: «أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي»، أو «أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا، أو إن لم يف أصلا» (43).

بطل على المشهور (44)، لكن لا دليل عليه بعد صدق الضمان و شمول العمومات العامة إلا دعوى الإجماع في كلي العقود (45) على أن اللازم ترتب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير (46).

______________________________

(42) مع ثبوته و عدم القرينة على الخلاف.

(43) يمكن أن يكون هذا المثال خارجا عن التعليق الممنوع لأنه تعليق على مقتضى العقد، و حيث ان عمدة الدليل على المنع الإجماع يمكن أن يقال أن المتيقن منه غير هذه الصورة.

(44) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات الفقهية في العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل كالتدبير و النذر المعلق و الوصية التمليكية.

(45) تعرضنا له في البيع (1) و غيره.

(46) هذا من احدى الوجوه التي استدلوا بها على عدم صحة التعليق في الإنشاءات مطلقا، عقدا كان أو إيقاعا.

و خلاصته: أن الأثر لا ينفك عن المؤثر، و المؤثر فعلى فلا بد و أن يكون الأثر كذلك، و هذا معنى قولهم: «إن الوجود لا ينفك عن الإيجاد».

و بطلان هذا الدليل واضح لأن الإنشاء فيه جهتان:

الأولى: أنه لفظ من اللافظ، و لا ريب في أنه معلوم التلفظ و يوجد في الخارج بمجرد إرادة المتلفظ.

ص: 221


1- راجع ج: 16 صفحة: 274.

أو دعوى منافاة التعليق للإنشاء (47)، و في الثاني ما لا يخفى (48)، و في الأول منع تحققه في المقام (49)، و ربما يقال لا يجوز تعليق الضمان و لكن يجوز تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقا (50)، و فيه أن تعليق الوفاء عين تعليق الضمان و لا يعقل التفكيك (51).

______________________________

الثانية: المعنى القائم بهذا اللفظ، و لا ريب في أن المعنى تابع لكيفية إرادة المتكلم به.

فتارة: يريده مطلقا.

و أخرى: معلقا على شي ء و كل منهما إنشاء عرفا فهو من هذه الجهة مثل الأخبار ..

فتارة يقال: «قام زيد».

و أخرى: يقال: «يقوم زيد إن جاء عمرو» و كل منهما إخبار، و قد تعرضنا في اعتبار التنجيز في البيع ما ذكر في وجه اعتباره و أشكلنا على الجميع فراجع.

(47) هذا عبارة أخرى عن الوجه الأول.

و يريد عليه ما أوردنا عليه بلا فرق بينهما فلا وجه للتكرار.

(48) لما مر في سابقة آنفا إذ لا فرق بين الدليلين بحسب الواقع.

(49) الظاهر عدم الفرق بين المقام و غيره بعد إطلاق معقد إجماعهم على عدم صحة التعليق في العقد و الإيقاعات مطلقا.

(50) يظهر ذلك من الرياض.

(51) التفكيك واقع فكيف لا يعقل لما سيأتي في (مسألة 7) من ضمان دين الحال مؤجلا و بالعكس و لا وجه للتفكيك إلا هذا، فراجع و تأمل فالتفكيك واقع و صحيح و لعله يساعد الأذهان العرفية على صحة التفكيك أيضا، فقد أثبتنا غير مرة أن هذه الأمور عرفيات لم يخطأه الشارع، و يمكن الاختلاف بالجهة فيكون الضمان من جهة فعليا و من جهة أخرى معلقا و لا بأس به أيضا.

ص: 222

نعم، في المثال الثاني يمكن أن يقال بإمكان تحقق الضمان منجزا مع كون الوفاء معلقا على عدم وفاء المضمون له، لأنه يصدق أنه ضمن الدين (52).

على نحو الضمان في الأعيان المضمونة (53) إذ حقيقة قضية تعليقية، إلا أن يقال بالفرق بين الضمان العقدي و الضمان اليدي (54).

الثامن: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه (55)،

______________________________

(52) أشكل عليه. أولا: بأنه خلاف ظاهر المثال الثاني.

و ثانيا: بأنه من ضم ذمة إلى ذمة أخرى.

و فيه: أن الأول من مجرد المناقشة اللفظية و الثاني ليس من ضم ذمة إلى ذمة أخرى لأن الضم الممنوع انما هو فيما إذ لوحظ كل واحد من الذمتين مستقلا و لو حظ ضم كل واحد منهما إلى الآخر فيتحقق ضم ذمة إلى أخرى، و أما في المثال الثاني فلوحظ ذمة المديون كالعدم ففي فرض عدمه أنشأ الضامن الضمان لنفسه فلا موضوع لضم ذمة إلى ذمة أخرى.

(53) يأتي تفصيله في (مسألة 38) و نبين هناك أن الضمان فيها أيضا فعلى.

نعم، له أحكام تعليقية لا أن يكون ذات الضمان من حيث هو تعليقيا و فرق واضح بينهما كما لا يخفى، و يصح أن يجعل لضمان الدين أيضا أحكاما تعليقية.

(54) الفرق بينهما واضح، إذ الأول إنشائي و الثاني وضعي و لكل منهما أحكام و آثار.

نعم، بناء على نظره قدّس سرّه يكون ضمان العين تعليقيا، و أما بناء على التحقيق فالضمان فيه أيضا فعلي و له حكم تعليقي و لا محذور فيه من عقل أو نقل.

(55) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات الفقهية في متون الفقه و شروحها و لا

ص: 223

سواء كان مستقرا كالقرض و العوضين في البيع الذي لا خيار فيه أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري، كما إذا ضمن الثمن الكلي للبائع أو المبيع الكلي للمشتري أو المبيع الشخصي قبل القبض (56)، و كالمهر قبل الدخول و نحو ذلك (57) فلو قال أقرض فلانا كذا و أنا ضامن، أو بعه نسيئة و أنا ضامن لم يصح على المشهور، بل عن التذكرة الإجماع قال: لو قال لغيره مهما أعطيت فلانا فهو عليّ لم يصح إجماعا (58)، و لكن ما ذكروه

______________________________

بأس بكونه من الإجماع.

(56) الظاهر عدم كونه قابلا للضمان لأن كون «تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه» أما حكم شرعي أو من تبعات المعاوضة القائمة بخصوص المتعاوضين فلا يقبل الاسقاط و لا النقل و الانتقال.

(57) لشمول ظاهر كلماتهم للجميع بلا استثناء منهم لشي ء من ذلك.

(58) الوجوه التي استدل بها على المنع ثلاثة: الإجماع، و عدم صدق الضمان عليه، و أنه من ضمان ما لم يجب.

و يمكن الخدشة في الكل أما الإجماع فهو من اجتهاداتهم، و أنظارهم الشريفة في المسألة لا أن يكون تعبديا، مع أنه لا دليل لهم على استثناء الفروع الآتية و هو من موهنات الإجماع أيضا.

و أما عدم صدق الضمان عليه فإن أريد به الاستعمال الغالبي فهو مسلم، لأن الغالب في استعماله انما هو في مورد اشتغال ذمة المضمون عنه فعلا، و أما إن أريد به تقوم حقيقة الضمان به فهو ممنوع، بل هو تعهد مال عن شخص سواء كان ثابتا فعلا أو في معرض الثبوت عرفا بحيث كان كالثابت بحسب المتعارف بين الناس، و لمعرضية الثبوت مراتب متفاوتة بعدا و قربا بالنسبة إلى تحقق اشتغال الذمة و ثبوته و لعله لا يساعد العرف على صدقه بالنسبة إلى بعض مراتبه البعيدة.

ص: 224

من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية (59)، و يمكن أن يقال بالصحة إذا حصل المقتضي للثبوت و إن لم يثبت فعلا بل مطلقا، لصدق الضمان و شمول العمومات العامة و إن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم، بل يمكن منع عدم كونه منه أيضا (60).

التاسع: أن لا تكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدين الذي عليه على ما يظهر من كلماتهم (61) في بيان الضمان بالمعنى الأعم حيث قالوا إنه بمعنى التعهد بمال أو نفس، فالثاني الكفالة، و الأول إن كان ممن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة، و إن لم يكن فضمان بالمعنى الأخص، و لكن لا دليل على هذا الشرط (62) فإذا ضمن للمضمون

______________________________

و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن منع عنه إنما هو في المعرضية البعيدة و هو المتيقن من الإجماع، و من يجوزه أي: في المعرضية القريبة العرفية بحيث يكون كالثابت.

و أما الأخير فهو عين المدعى كما لا يخفى و حقيقة الضمان في الواقع انما هو جعل اعتبار للمضمون عنه لئلا يضيع شأنه و حيثيته بين الناس، و بهذا المعنى يشمل الدين الثابت و غيره.

(59) تعرض لبعضها في (مسألة 33).

(60) تقدم أن الضمان بحسب العرف على أقسام ثلاثة و أن حقيقة الضمان تعهد مالي عن شخص نتيجته حفظ اعتبار المضمون عنه و شأنه، و هذا متحقق في جميع ماله معرضية الثبوت معرضية عرفية ففعلية المال تلحظ في طرف الضامن من حيث تعهده له لا في طرف المضمون عنه، و يأتي في (مسألة 28) ما يرتبط بالمقام.

(61) كما عن جمع منهم المحقق و العلامة.

(62) بل الأصل و الإطلاق ينفيه، مع أن هذا التقسيم لا يتم بناء على صحة

ص: 225

عنه (63) بمثل ما له عليه يكون ضمانا، فإن كان بإذنه يتهاتران (64) بعد أداء مال الضمان، و إلا فيبقى الذي للمضمون عنه عليه و تفرغ ذمته مما عليه بضمان الضامن تبرعا، و ليس من الحوالة لأن المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه (65) على الضامن حتى تكون حوالة، و مع الإغماض عن ذلك غاية ما يكون أنه يكون داخلا في كلا العنوانين (66) فيترتب عليه ما يختص بكل منهما مضافا إلى ما يكون مشتركا.

______________________________

الحوالة على البرء كما يأتي في (مسألة 5) من كتاب الحوالة.

(63) أي ضمن عن المضمون عنه.

(64) مع تحقق شرائط التهاتر كما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(65) أي: دائنه و حاصل الكلام أن الضمان و الحوالة عنوانان مختلفان عرفا و لغة و شرعا، لتقوم الحوالة بالمحيل و المحال عليه بخلاف الضمان فإنه متقوم بالضامن كما قلناه و المضمون له متفرع عليه و أما الفرق بينهما باختصاص الحوالة بالمديون للمحيل و اختصاص الضمان بالبري ء فلا دليل عليه من عقل أو نقل بل الإطلاقات و العمومات و الأصل ينفي ذلك كله.

نعم، ما ذكروه هو الغالب لا أن يكون من المقومات الحقيقة و كم اشتبه القيود الغالبية بالمقومات الحقيقة في كلماتهم الشريفة؟

(66) و لا محذور فيه بعد صحة صدقهما عرفا إذ الآثار مترتبة على الصدق العرفي فيترتب عليه الأثر المشترك كما يترتب عليه الآثار المختصة، و ليس ذلك بعادم النظير في الفقه.

و توهم: أن الحوالة و الضمان متباينان مفهوما لا يمكن اجتماعهما في الواحد من مجرد الدعوى بلا دليل، و لو فرض كونهما متباينان و تصادقهما على واحد بالاعتبار مما لا إشكال فيه.

ص: 226

العاشر: امتياز الدين و المضمون له و المضمون عنه عند الضامن (67) على وجه يصح معه القصد إلى الضمان (68)، و يكفي التميز الواقعي (69) و إن لم يعلمه الضامن، فالمضر هو الإبهام و الترديد، فلا يصح ضمان أحد الدينين (70) و لو لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقق الدينين، و لا ضمان دين أحد الشخصين و لو لواحد، و لا

______________________________

(67) بإجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء.

(68) لأن المبهم و المردد لا وجود له خارجا و لا ذهنا، إذ الوجود مطلقا- ذهنيا كان أو خارجيا- مساوق للتشخيص فلا تترتب آثار العقود و الإيقاعات مطلقا على المبهم و المردد.

هذا في المردد الواقعي المستقر و من كل جهة، و أما ما كان في معرض التعيين فيأتي الكلام فيه.

(69) للأصل و الإطلاق، و عدم دليل على اعتبار أزيد من ذلك

(70) البطلان في هذا النحو من الترديد مشهور بين الفقهاء في المقام و في البيع.

و الإجارة عند قولهم المعروف: «إن خطته فارسيا فبدرهم و إن خطته روميا فبدرهمين». و نظائرهما و لنا فيه كلام تعرضنا له مكررا، لأن الترديد على قسمين:

الأول: ما إذا كان مستقرا بحيث لم يكن مفاد العقد مضبوطا عند متعارف الناس و لا ريب في بطلانه.

الثاني: ما إذا كان في معرض التعيين العرفي و كان بناء متعارف الناس الاقدام عليه فلا دليل على البطلان في مثل هذا النحو من الترديد، لأن عمدة الدليل على هذا الشرط في الجميع دعوى الإجماع و عدم الاقدام من الناس، و المتيقن من الأول صورة الترديد المستقر، و الثاني مفروض الانتفاء لفرض

ص: 227

ضمان دين لأحد الشخصين و لو على واحد (71) و لو قال ضمنت الدين الذي على فلان و لم يعلم أنه لزيد أو لعمرو، أو الدين الذي لفلان و لم يعلم أنه على زيد أو على عمرو صح، لأنه متعين، واقعا (72)، و كذا لو قال ضمنت لك على الناس، أو قال ضمنت عنك كلما كان عليك لكل من كان من الناس (73).

و من الغريب ما عن بعضهم (74) من اعتبار العلم بالمضمون عنه و المضمون له بالوصف و النسب، أو العلم باسمهما و نسبهما، مع أنه لا دليل

______________________________

ثبوت الاحترام من متعارف الناس و طريق الاحتياط واضح.

و بعبارة أخرى: ما يئول إلى التعيين مثل التعيين الواقعي في المقام و هم يقولون بكفاية التعيين الواقعي و لو لم يكن معينا ظاهرا كما يأتي منه رحمة اللّه.

(71) كل ذلك إذا لم يكن في معرض التعيين القريب العرفي.

(72) إذا كان المناط هو التعيين الواقعي و ما هو في معرض التعين فيصح في الموردين الأولين مع تحقق سائر الشرائط.

(73) لأنه من الكلي الاستغراقي و هو معلوم في مقابل الإبهام و الترديد، لأنه مثل ما إذا قال: «أضمن جميع ديونك»، و لا ريب في صحته عرفا و عدم مانع عنه شرعا فتشمله الإطلاقات و العمومات.

(74) نسب ذلك إلى المبسوط. و الحق أن يقال: إن الضمانات على قسمين:

الأول: ما هو المعروف الذي ليس في معرض التشاجر و التخاصم عرفا و لا يعتبر فيه شي ء سوى ما مر.

الثاني: ما إذا كان في معرض ذلك و يعتبر في الثاني ضبط جميع الخصوصيات و الجهات دفعا للخصومة و اللجاج و تسهيلا لموضوع حكم الحاكم لو رجع إليه، مع أن العرف يبادرون إلى ذلك في هذا القسم و قد وقع

ص: 228

عليه أصلا (75)، و لم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود (76).

مسألة 1: لا يشترط في صحة الضمان العلم بمقدار الدين

(مسألة 1): لا يشترط في صحة الضمان العلم بمقدار الدين، و لا بجنسه (77) و يمكن أن يستدل عليه- مضافا إلى العمومات العامة، و قوله صلّى اللّه عليه و آله «الزعيم غارم» (78)- بضمان علي بن الحسين عليهما السّلام لدين عبد اللّه بن

______________________________

الخلط بين القسمين في كلمات الاعلام.

(75) بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه إلا في ما تقدم مما إذا كان معرضا للخصومة و اللجاج، و يشهد لعدم الاعتبار ضمان على عليه السّلام و أبي قتادة لدين الميت (1)، مجملا بمرأى من النبي صلّى اللّه عليه و آله و محضره بلا تعرض منهما لأي خصوصية.

(76) لا نسلم كونه أضيق دائرة من سائر العقود فقد وسع فيه من جميع الجهات، لصحة المعاطاة و الفضولي فيه، و كذا النسية، و السلف و التولية و المرابحة و المواضعة و المساومة.

و أنحاء الخيار التي ربما تبلغ أربعة عشر قسما، فالبيع أم العقود و أصلها و أوسع دائرة من جميعها، و أعم ابتلاء لعامة الناس من جميعها، و ما كان كذلك لا بد و أن يوسع فيه الشرع بكل ما أمكنه كما هو عادته المقدسة فيما هو مورد ابتلاء العامة.

(77) نسب ذلك إلى أكثر الأصحاب، للإطلاقات و العمومات بعد صدق الضمان عرفا عليه.

(78) هذا النبوي مذكور في كتب القوم و هو من جوامعه صلّى اللّه عليه و آله و تمام الحديث: «العارية مؤداة و المنحة مردودة و الدين مقتضى و الزعيم غارم» (2)،

ص: 229


1- تقدم في صفحة: 216.
2- سنن أبي داود باب 88 في تضمين العارية من كتاب البيوع حديث: 3565 و في مستدرك الوسائل باب: من أبواب الضمان.

الحسن، و ضمانه لدين محمد بن أسامة (79) لكن الصحة مخصوصة بما

______________________________

و إطلاقه يشمل جميع أقسام الضمان مطلقا إلا ما خرج بالدليل، و أما خبر ابن خالد فقال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك قول الناس: الضامن غارم، فقال عليه السّلام: ليس على الضامن غرم الغرم على أكل المال» (1)، فيمكن الجمع بينهما بحمل النبوي على ما إذا وقع الضمان بلا إذن المضمون عنه، أو حمله على الغرم غير المستقر و حمل خبر ابن خالد على الغرم المستقر فالنبوي أثبت الغرم غير المستقر و الخبر نفي الغرم المستقر فإن الضامن يرجع إلى المضمون عنه فلا وجه لطرح النبوي.

(79) أما الأول فعن الفقيه قال: «روى أنه احتضر عبد اللّه بن الحسن فاجتمع إليه غرماؤه فطالبوه بدين لهم، فقال لهم: ما عندي ما أعطيكم و لكن ارضوا بمن شئتم من أخي و بني عمي على بن الحسين عليهما السّلام أو عبد اللّه بن جعفر، فقال الغرماء: أما عبد اللّه بن جعفر فملي مطول، و أما علي بن الحسين فرجل لا مال له صدوق و هو أحبهما إلينا فأرسل إليه فأخبره الخبر، فقال عليه السّلام:

أضمن لكم المال إلى غلة، و لم يكن له غلة، فقال القوم: قد رضينا، فضمنه فلما أتت الغلة أتاح اللّه تعالى له المال فأداه» (2).

و أما الثاني: في خبر فضيل و عبيد عن الصادق عليه السّلام قال: «لما حضر محمد بن أسامة الموت دخل عليه بنو هاشم، فقال لهم: قد عرفتم قرابتي و منزلتي منكم و عليّ دين فأحب أن تقضوه عني، فقال على بن الحسين عليه السّلام: ثلث دينك عليّ، ثمَّ سكت و سكتوا، فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام: عليّ دينك كله، ثمَّ قال علي بن الحسين عليه السّلام: أما انه لم يمنعني أن أضمنه أولا إلا كراهة أن يقولوا:

سبقنا» (3)، و إطلاقه يشمل جميع أقسام الجهل بالخصوصيات.

ص: 230


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الضمان: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الضمان: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الضمان: 1.

إذا كان له واقع معين (80)، و أما إذا لم يكن كذلك كقولك «ضمنت شيئا من دينك» فلا يصح، و لعله مراد من قال (81)، إن الصحة إنما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك، فلا يرد عليه (82) ما يقال من عدم الإشكال في الصحة مع فرض تعينه واقعا و إن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم (83) هذا و خالف بعضهم (84) فاشترط العلم به، لنفي الغرر و الضرر، و رد بعدم العموم في الأول لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات (85) و بالإقدام في الثاني (86)، و يمكن الفرق بين الضمان

______________________________

(80) لما يظهر منهم الاتفاق على البطلان في مورد عدم التعين الواقعي.

(81) يظهر ذلك من العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين، و هو المطابق لما اخترناه من أنه يكفي المعرضية العرفية.

(82) يظهر ذلك من صاحب الجواهر، و الظاهر أنه ليس من الإشكال و إنما هو تقرير للتصحيح بكل ما أمكن الطريق إلى التعيين و لو كان ذلك من الأخذ بالمتيقن أو القرعة أو نحوهما.

(83) في الدوران بين الأقل و الأكثر، و تصح القرعة و نحوها في المتباينين.

(84) نسب ذلك إلى الشيخ و القاضي و ابن إدريس و بعض آخر.

(85) سواء استظهر الاختصاص بالبيع أو مطلق المعاوضات ليست القاعدة من التعدبيات الشرعية، بل هي من الأمور العقلائية التي كشف عنها الشارع، فإن العقلاء بفطرتهم العقلائية يتحرزون عن الغرر و يلومون من يقدم عليه.

هذا فيما إذا تحقق الإقدام عليه عرفا، و لكن فيما إذا لم يكن إقدام عرفي على الغرر لأوله إلى التعيين إما لوجود القدر المتيقن أو للقرعة و التخيير و نحوهما فأي غرر حينئذ في البين يبطل البيع أو مطلق المعاوضة أو الضمان لأجل الغرر.

(86) مع تحقق الإقدام ينتفي موضوع الغرر، لأنه ما لا يقدم عليه العرف

ص: 231

التبرعي و الاذنى فيعتبر في الثاني دون الأول، إذ ضمان علي بن الحسين عليهما السّلام كان تبرعيا (87) و اختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع بل يجري في مثل المقام الشبيه بالمعاوضة إذا كان بالإذن مع قصد الرجوع على الاذن، و هذا التفصيل لا يخلو عن قرب (88).

مسألة 2: إذا تحقق الضمان الجامع لشرائط الصحة

(مسألة 2): إذا تحقق الضمان الجامع لشرائط الصحة انتقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن (89) و تبرأ ذمة المضمون عنه بالإجماع و النصوص (90)

______________________________

و العقلاء، و المفروض تحقق الاقدام و عدم استنكار من المتعارف لذلك.

(87) إن كان المراد بالتبرع عدم الإذن ففي ضمان السجاد عليه السّلام تحقق الالتماس من المضمون عنه فضلا عن الإذن كما تقدم، و إن كان المراد عدم الرجوع إلى المضمون عنه فله وجه.

(88) لا قرب فيه و الأقرب عدم الفرق بين القسمين في عدم اشتراط العلم فيها للأول القريب العرفي إلى العلم و في مثله لا غرر و لا ضرر، لعدم جريانهما مع الاقدام الصحيح المتعارف.

و تلخيص المقام: ان الضمان قسم من قضاء الحاجة المطلوب مطلقا بأي نحو كان الا مع النص الصحيح الصريح على الخلاف، فيصح بكل ما لا يستنكره المتعارف و تشمله الإطلاقات و العمومات.

(89) بضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب.

(90) أما الأول فهو قريب من ضروريات فقهنا فضلا عن الإجماع و هو مذهب جمع من فقهاء العامة أيضا، و يشهد له الاعتبار العقلائي أيضا في الضمانات المتحققة عند الناس.

و أما الثاني: فهي من الفريقين أما من طرقنا ففي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال عليه السّلام:

ص: 232

خلافا للجمهور (91) حيث إن الضمان عندهم ضم ذمة إلى ذمة، و ظاهر كلمات الأصحاب عدم صحة ما ذكروه حتى مع التصريح به على هذا النحو، و يمكن الحكم بصحته حينئذ للعمومات (92).

______________________________

إذا رضى به الغرماء فقد برئت ذمة الميت» (1) و ما تقدم من خبر محمد بن أسامة، و أما من طرقهم فخبر أبي سعيد الخدري و خبر جابر» (2)

(91) نسب ذلك إلى عامتهم على اختلاف فيما بينهم في أن للمضمون له الرجوع إلى كل منهما كما عن جمع منهم (3)، أو أنه لا رجوع إلا إلى الضامن إلا في موارد خاصة فيصح الرجوع إلى المضمون عنه، و تقدم عدم وجه صحيح لأصل مبناهم فضلا عما بنوا عليه.

(92) البحث في هذا الفرع من جهات:

الأولى: هل يكون ضم ذمة إلى ذمة أخرى ممتنع عقلا أو عرفا أو شرعا أو لا بل هو واقع؟ لا ريب و لا إشكال في الثاني كما في الأيادي المتعاقبة التي لم يلحظ فيها البدلية، و كما في المقام حيث يلحظ في ذلك، و الوجه فيه أن اشتغال الذمة من الاعتباريات و هي خفيفة المؤنة يصح اعتبارها بأي نحو يتصور ما لم يكن مانع عقلي أو شرعي في البين و هو مفقود في المقام.

الثانية: الاختلاف بين الخاصة و العامة في معنى الضمان المعهود اختلاف اجتهادي في نفس الضمان من حيث هو مع قطع النظر عن الطواري و سائر الجهات، و أما فيها فلا بد و أن يرجع إلى القواعد العامة و العمومات و الإطلاقات فطبيعي ضم ذمة إلى ذمة أخرى صحيح في الشريعة إلا في الضمان المعهود مع تجرده عن أي عنوان كان من شرط أو نحوه.

ص: 233


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الضمان حديث: 1.
2- كنز العمال ج: 6 حديث: 961 و 954 كتاب الدين.
3- راجع المغني لابن قدامة ج: 5 صفحة: 83 ط: بيروت.

مسألة 3: إذا أبرأ المضمون له ذمة الضامن برئت ذمته و ذمة المضمون عنه

(مسألة 3): إذا أبرأ المضمون له ذمة الضامن برئت ذمته و ذمة المضمون عنه (93) و إن أبرأ ذمة المضمون عنه لم يؤثر شيئا فلا تبرأ ذمة الضامن لعدم المحل للإبراء بعد براءته بالضمان (94) إلا إذا استفيد منه الإبراء من الدين الذي كان عليه بحيث يفهم منه عرفا إبراء ذمة

______________________________

الثالثة: قد تقدم في الشروط في كتاب البيع: أن كل شرط شك في كونه مخالفا لكتاب اللّه تعالى أو لا؟ تجري فيه أصالة الصحة و عدم المخالفة ما لم يكن دليل معتبر على الخلاف، إذا تبين هذا فنقول:

إذا تحقق هذا التصريح يكون ذلك اتفاق منهما على أمر هو جائز في حد نفسه و هو متضمن للضمان أيضا، و عمدة الدليل على بطلان الضمان بالمعنى الذي ذهب إليه العامة هو ظهور الإجماع، و المتيقن منه على فرض اعتباره غير هذه الصورة و مع الشك تصل النوبة إلى أصالة الصحة و عدم مخالفة الشرط للكتاب، بل و عمومات و إطلاقات الضمان بعد صدق الضمان عليه عرفا، و إطلاقات أدلة الشروط بعد صدق الشرط.

و لكن الأحوط ما هو ظاهر كلمات الأصحاب.

(93) أما براءة ذمة الضامن فمن جهة الإبراء فلا دين في البين حينئذ حتى تشتغل به ذمة الضامن.

و أما براءة ذمة المضمون عنه فهو مترتب على براءة ذمة الضامن، لأن إبراء الدين عنه من حيث انه دين مستلزم لسقوط أصل الدين الذي كان على المضمون عنه.

و بعبارة أخرى: ذمة الضامن طريق إلى ذمة المضمون عنه و إسقاط ذمته إسقاط لذمة المضمون عنه عرفا.

(94) إبراء ذمة المضمون عنه على قسمين:

الأول: إبراء ذمته بما له من الآثار و التبعات و الخصوصيات بحيث أن

ص: 234

الضامن (95)، و أما في الضمان بمعنى ضم ذمة إلى ذمة فإن أبرأ ذمة المضمون عنه برئت ذمة الضامن أيضا و إن أبرأ ذمة الضامن فلا تبرأ ذمة المضمون عنه (96) كذا قالوا، و يمكن أن يقال ببراءة ذمتهما على التقديرين (97).

______________________________

يكون طريقا إلى إبراء ذمة الضامن، فلا إشكال حينئذ في برأيه الضامن.

الثاني: أن يلحظ ذمة المضمون عنه بنحو الموضوعية و لا موضوع للإبراء بالنسبة إليه، لكونه من تحصيل الحاصل لفرض سقوط ذمته بالضمان فتبقى ذمة الضامن مشغولة.

(95) لسقوط الفرع بسقوط أصله.

(96) لأن إسقاط الوثيقة لا يستلزم سقوط أصل الدين.

(97) بأن يجعل طبيعة الإبراء بأي وجه تحقق كالاستيفاء فكما انه يوجب سقوط الذمتين فكذا في الإبراء، و لكن هذا التنظير لا كلية فيه و يدور مدار وجود القرائن المعتبرة فإن دلت على أنه كالاستيفاء و تسقط الذمتان و الا تبقى ذمة المضمون عنه مشغولة، و لكن الأذهان المتعارفة ترى الاسقاط و الإبراء و الاستيفاء كشي ء واحد إلا أن تدل قرينة خارجية معتبرة على التفصيل و الفرق بينها.

فرع: لو أراد شخص أن يصير ضامنا لشخص آخر لأخذ دين من مصرف من المصارف الحكومية، و المصرف لم يقبل ضمانه إلا بتأمين و دفع المضمون عنه مبلغا للضامن لأن يصرف في مصارف التأمين، فلما تمَّ الضمان و استلم الدائن الدين من المصرف مات الضامن، و أخذ المصرف المال من إدارة التأمين فهل تبقى ذمة المضمون عنه مشغولة؟

يمكن أن يكون من سقوط الضمان قهرا، لأن الضامن لم يخسر شيئا

ص: 235

مسألة 4: الضمان لازم من طرف الضامن و المضمون له

(مسألة 4): الضمان لازم من طرف الضامن و المضمون له (98) فلا يجوز للضامن فسخه حتى لو كان بإذن المضمون عنه (99) و تبين إعساره، و كذا لا يجوز للمضمون له فسخه و الرجوع على المضمون عنه لكن بشرط ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره (100) بخلاف ما لو كان معسرا حين الضمان و كان جاهلا بإعساره ففي هذه الصورة يجوز له الفسخ على المشهور، بل الظاهر عدم الخلاف فيه (101) و يستفاد من بعض الأخبار أيضا (102)، و المدار كما أشرنا إليه في الإعسار و اليسار

______________________________

و سيأتي في بعض الفروع ما يناسب ذلك.

(98) لأصالة اللزوم بناء على كونه عقدا كما نسب إلى المشهور مضافا إلى الإجماع، و مقتضى أصالة اللزوم- في كل التزام عقلائي إلا ما خرج بالدليل- هو اللزوم فيه حتى بناء على كونه من سنخ الإيقاع أيضا، و أما من طرف المضمون عنه فلا وجه لملاحظة اللزوم و الجواز بالنسبة إليه، لأن من لا يعتبر رضاه في تحقق عنوان الضمان لا موضوع لملاحظة اللزوم و الجواز بالنسبة إليه.

نعم، له إذهاب موضوع الضمان بأداء الدين.

(99) كل ذلك لأنه لا معنى للزوم إلا ذلك مضافا إلى الإجماع في كل منهما.

(100) أرسل كل منهما إرسال المسلمات الفقهية، و يظهر منهم الإجماع عليه.

(101) و عن صاحب الغنية دعوى الإجماع عليه.

(102) و هو موثق ابن الجهم قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل مات و له علىّ دين و خلف ولدا رجالا و نساء و صبيانا، فجاء رجل منهم فقال: أنت في حلّ مما لأبي عليك من حصتي و أنت في حل مما لإخوتي و أخواتي و أنا ضامن لرضاهم عنك؟ قال: يكون في سعة من ذلك وحل، قلت: فإن لم يعطهم؟ قال:

ص: 236

.....

______________________________

كان لك في عنقه، قلت: فإن رجع الورثة عليّ فقالوا أعطنا حقنا؟ فقال: لهم ذلك في الحكم الظاهر فأما بينك و بين اللّه فأنت منها في حل إذا كان الذي حللك يضمن لك عنهم رضاهم فيحمل لما ضمن لك قلت: فما تقول في الصبي لأمه أن تحلل؟ قال: نعم، إذا كان لها ما ترضيه أو تعطيه، قلت: فإن لم يكن لها؟ قال:

فلا، قلت: فقد سمعتك تقول انه يجوز تحليلها، قال: إنما أعني بذلك إذا كان لها، قلت: فالأب يجوز تحليله على ابنه؟ فقال له: ما كان لنا مع أبي الحسن عليه السّلام أمر يفعل في ذلك ما شاء، قلت: فإن الرجل ضمن بي عن ذلك الصبي و أنا من حصته في حل فإن مات الرجل قبل أن يبلغ الصبي فلا شي ء عليه قال: و الأمر جائز على ما شرط لك» (1)، فإن قوله عليه السّلام: «فما تقول في الصبي لامه أن تحلل؟

قال: نعم، إذا كان لها ما ترضيه و تعطيه» مشعر باعتبار الملائة.

و أشكل عليه ..

تارة: بأنه في التحليل لا الضمان.

و أخرى: بأن المنساق منه أن الملائة شرط الصحة لا اللزوم.

و ثالثة: بأنه مختص بالصبي و أمه فلا يشمل المقام.

و الكل مخدوش أما الأول فلأن التحليل في الحديث أعم من الضمان بقرينة قوله عليه السّلام: «إذا كان الذي حللك يضمن لك عنهم رضاهم» فإن المراد بهذه الجملة تعهد الرضاء و لو بالضمان أيضا.

و أما الثاني: فلأن المنساق من مجموع الحديث صدرا و ذيلا إنما هو السؤال و الجواب عن لزوم هذا الالتزام الحاصل في البين و ليس فيه إشارة إلى الصحة، مع أنه إذا استفيد شرطية الصحة، فكلما هو شرط للصحة يكون شرطا للزوم أيضا.

و أما الأخير: فلا ريب في كونه من باب المثال.

ص: 237


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الضمان: 1.

على حال الضمان (103) فلو كان موسرا ثمَّ أعسر لا يجوز له الفسخ (104) كما أنه لو كان معسرا ثمَّ أيسر يبقى الخيار (105)، و الظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار مع الجهل بالإعسار بين كون المضمون عنه أيضا معسرا أو لا (106) و هل يلحق بالإعسار تبين كونه مماطلا مع يساره في ثبوت الخيار أو لا؟ وجهان (107).

______________________________

(103) أرسل ذلك إرسال المسلمات الفقهية، و عن المحقق الثاني دعوى الاتفاق عليه، و تقتضيه المرتكزات فإن المتعارف لا يرون لضمان المعسر أثرا.

و لكن الأقسام أربعة:

الأول: معسرا فعلا و لا يعلم يساره.

الثاني: موسر فعلا و لا يعلم إعساره.

الثالث: معسر فعلا و يعلم يساره.

الرابع: موسر فعلا و يعلم إعساره.

و شمول الإجماع على المنع للصورة الثالثة مشكل و المتيقن منه الصورة الأولى، كما ان المتيقن من المرتكزات ذلك أيضا، كما ان شموله لصحة في الصورة الأخيرة مشكل أيضا.

(104) لاستصحاب اللزوم من غير دليل على الخلاف.

(105) فيما إذا كان معسرا حين الضمان و علم بيساره بعد ذلك فثبوت الخيار فيه مشكل بل ممنوع، لأصالة اللزوم من غير دليل حاكم عليها.

(106) لإطلاق معقد الإجماع و الفتاوى الشامل للجميع.

(107) من الجمود على المتيقن من الإجماع، و ظاهر الكلمات المستفاد منها الاختصاص بالإعسار.

و من أن المتفاهم عرفا من كون الإعسار موجبا للخيار انما هو مراعاة حال المضمون و عدم تعطيل ماله و حقه و وقوعه في المشقة، و هذه الجهة موجودة في

ص: 238

مسألة 5: يجوز اشتراط الخيار 108 في الضمان للضامن

(مسألة 5): يجوز اشتراط الخيار (108) في الضمان للضامن

______________________________

المماطلة بل ربما تكون المشقة فيها أكثر، و يشهد لثبوت الخيار قاعدة «نفي الضرر و الضرار» أيضا.

(108) النزاع في صحة اشتراط الخيار في الضمان و عدمه نزاع صغروي، فمن يقول بجريان الخيار فيه يجعل اللزوم حقيا لأن الحق قائم بالمتعاقدين، فلهما إبقاء هذا الحق كما لهما ازالته، و من يقول بعدم الصحة يجعله حكميا و الحكم الشرعي غير قابل للإزالة، و لا بد و أن يبين ان الأصل في اللزوم العقدي هو الحقي منه إلا ما خرج بالدليل، أو أن الأصل هو اللزوم الحكمي إلا ما خرج بالدليل؟

الحق هو الأول، لأن كل عقد يقع بين المتعاقدين ليس إلا جعل تعهد منهما على قرار معلوم بينهما، و هذا التعهد عبارة عن اللزوم و هو عبارة أخرى عن ثبوت حق مجعول بينهما بالإنشاء الاختياري، و قرره الشارع بالعمومات و الإطلاقات إلا ما خرج بالدليل من كونه لزوما حكميا أو حكم الشارع فيه بالجواز، و كما أن حدوث هذا الحق المجعول يكون تحت الاختيار بقائه يكون كذلك، و لا معنى لكون البقاء تحت الاختيار إلا صحة جعل الخيار فيجري في الضمان اللازم جميع ما يجري في سائر أقسام اللزوم الحقي بلا فرق بينهما إلا ما دل دليل مخصوص على الفرق بينهما.

و أما توهم أن الضمان نحو استيثاق و الخيار ينافيه.

مردود، بأنه إذا كان باتفاق منهما فلا ينافي الاستيثاق لفرض تراضيهما على جعل الخيار.

و دعوى: أن الخيار يلازم صحة الإقالة فما لا إقالة فيه لا وجه لثبوت الخيار.

باطل، لأنه لم يعرف الا من قبل قائله.

ص: 239

و المضمون له، لعموم أدلة الشروط، و الظاهر جواز اشتراط شي ء لكل منهما (109) كما إذا قال الضامن: «أنا ضامن بشرط أن تخيط لي ثوبا»، أو قال المضمون له: «أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا»، و مع التخلف يثبت للشارط خيار تخلف الشرط (110).

مسألة 6: إذا تبين كون الضامن مملوكا

(مسألة 6): إذا تبين كون الضامن مملوكا و ضمن من غير إذن مولاه أو بإذنه و قلنا إنه يتبع بما ضمن بعد العتق لا يبعد ثبوت الخيار للمضمون له (111).

مسألة 7: يجوز ضمان الدين الحال حالا و مؤجلا

(مسألة 7): يجوز ضمان الدين الحال حالا و مؤجلا، و كذا ضمان المؤجل حالا و مؤجلا بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص (112)، و القول بعدم صحة الضمان إلا مؤجلا (113) و أنه يعتبر فيه الأجل كالسلم،

______________________________

(109) لعموم أدلة الشروط و عدم دليل على المنع، فيكون المقتضي للجواز موجودا و المانع عنه مفقودا، و ما عن التذكرة «لو ضمن رجل عن غيره ألفا و شرط المضمون له أن يدفع الضامن أو المضمون عنه كل شهر درهما لا يحسبه من مال الضمان بطل الشرط إجماعا» لا وجه له أبدا، كما لا وجه لدعواه الإجماع إلا احتمال كونه من الربا المحرم و هو ممنوع كما هو واضح لتباين الضمان مع الربا المعاملي و القرض لغة و عرفا و شرعا.

فليس الضمان من الربا لا موضوعا و لا حكما.

(110) لعموم دليله الشامل لكل شرط خولف فيه.

(111) لأنه إما من الإعسار موضوعا أو ملحق به عرفا.

(112) كل ذلك لأصالة الصحة، و عموم الأدلة، و السيرة في الجملة، و ظهور الاتفاق بعد ضعف قول من خالف كما يأتي.

(113) نسب هذا القول إلى ابني حمزة و البراج و الشيخ في النهاية، و لعل أنظارهم الشريفة إلى ما إذا اتفقا على كون أصل الضمان بأجل كما حمل عليه

ص: 240

ضعيف (114) كالقول بعدم (115) صحة ضمان الدين المؤجل حالا أو بأنقص (116) و دعوى أنه (117) من ضمان ما لم يجب كما ترى.

______________________________

ابن إدريس كلام الشيخ، و لكنه خلاف الظاهر من كلماتهم على ما فهمه الأصحاب منها.

(114) لكونه مخالفا للأدلة الدالة على الصحة بلا دليل له يصح الاعتماد عليه.

(115) نسب هذا القول إلى الشيخ رحمة اللّه، و استدل عليه بأن الفرع لا يكون أقوى من الأصل، و ضعف هذا الدليل واضح لأنه لا فرع و لا أصل في المقام بعد تحقق التراضي منهما على جعل المؤجل حالا.

(116) لأن الحق متقوم بهما فلهما أن يعملا فيه كلما شاءا و أرادا ما لم ينه الشارع عنه و هو مفروض العدم.

(117) نسب ذلك إلى ولد العلامة فخر الدين بدعوى: أن الحلول صفة زائدة على أصل الحق فيكون من ضمان ما لم يجب و أعجب به والده العلامة رحمه اللّه.

و الحق جلالة مقامهم قدس سرّه أجل عن أن يعتمدوا في الأحكام الإلهية على مثل هذه الوجوه الضعيفة، و إنما جرت أمثال ذلك ليعلم الطبقات اللاحقة أن الإنسان حليف الخطأ و إن بلغ أقصى الذروة العليا في الفكر و الفهم، و تلك سنة اللّه التي جرت في عباده وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّٰهِ تَبْدِيلًا (1).

ثمَّ إن الأقسام كثيرة لأن المضمون إما أن يكون حالا أو مؤجلا، و كل منهما إما أن يضمن حالا أو مؤجلا، و الأخير أن يكون الأجل مساويا لأجل الدين أو أقل أو أكثر، و في كل ذلك إما أن يكون الضمان بسؤال المضمون عنه أو تبرعا و في الجميع إما أن يكون الضمان بما يساوي أصل الدين أو بالأقل أو بالأكثر،

ص: 241


1- سورة الأحزاب: 62.

مسألة 8: إذا ضمن الدين الحال مؤجلا

(مسألة 8): إذا ضمن الدين الحال مؤجلا بإذن المضمون عنه فالأجل للضمان لا للدين (118) فلو أسقط الضامن أجله و أدى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون عنه (119) لأن الذي عليه كان حالا و لم يصر مؤجلا بتأجيل الضمان.

و كذا إذا مات قبل انقضاء أجله و حل ما عليه و أخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه، و احتمال صيرورة أصل الدين مؤجلا (120).

______________________________

و في الكل مقتضى أصالة الصحة و العموم و الإطلاق هو الصحة مع ثبوت الرضاء، و يأتي التفصيل في المسائل الآتية.

(118) لفرض أنه اشترط في الضمان و لا ربط له بأصل الدين فهو حق التزم به في خارج أصل الدين.

(119) أما صحة إسقاط الأجل، فلأن لكل شارط إسقاط شرطه إلا ما خرج بالدليل.

لأنه نحو من الحق القابل للإسقاط كما مر في محله.

و أما جواز الرجوع إلى المضمون عنه حينئذ فلوجود المقتضي لذلك و فقد المانع عنه، لأن المانع قد حصل من ناحية شرط التأجيل و المفروض سقوطه بالإسقاط و قد صرح بذلك جمع منهم الشهيد و المحقق الثانيين.

(120) نسب القول بذلك إلى جمع منهم العلامة و الشيخ، و ما يصلح لاعتمادهم عليه وجهان:

الأول: إن تقييد الضمان تقييد لأصل الدين عرفا.

الثاني: إن الدين الأصلي قد فرغت عنه ذمة المضمون عنه، فلا يتصف بالحلول أو التأجيل، و إطلاق ما دل على صحة رجوع الضامن إلى المضمون عنه بعد الأداء يقتضي الرجوع إليه في المقام أيضا.

ص: 242

حتى بالنسبة إلى المضمون عنه، ضعيف (121).

مسألة 9: إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن كذلك فمات

(مسألة 9): إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن كذلك فمات و حل ما عليه و أخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلا بعد حلول أجل أصل الدين (122)، لأن الحلول عن الضامن بموته لا يستلزم الحلول على المضمون عنه، و كذا لو أسقط أجله و أدى الدين قبل الأجل لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء الأجل (123).

مسألة 10: إذا ضمن الدين المؤجل حالا بإذن المضمون عنه

(مسألة 10): إذا ضمن الدين المؤجل حالا بإذن المضمون عنه فإن

______________________________

و كل منهما مردود أما الأول فلأنهما موضوعان مختلفان و لا تلازم بين تقييد أحدهما و تقييد الآخر لا بالملازمة العقلية و لا العرفية و لا الشرعية كما هو واضح.

و أما الثاني: فلأن تفريق ذمة المضمون عنه إنما هو بلحاظ حال الضمان، و أما بلحاظ ما بعد الأداء فالاشتغال ثابت فالسقوط جهتي لا من كل جهة و هذه الجهة هي جهة اعتبارية تصح أن تكون منشأ الفرق.

هذا إذا لم تكن قرينة معتبرة على الرجوع أو على عدمه في البين و ألا تتبع القرينة حينئذ.

(121) ظهر وجه الضعف مما مر.

(122) أرسل ذلك إرسال المسلمات في جملة من كتب الفقهية معللا في بعضها بما في المتن، و هو صحيح و لا خدشة فيه إلا ما يتوهم من أن دين المضمون عنه قد سقط بالضمان فلا وجه لاعتبار الحلول و التأجيل بالنسبة إليه، و تقدم الجواب عنه من أن هذا السقوط سقوط جهتي لا من كل جهة و بقول مطلق، و يصح تصوير الحلول و التأجيل بالنسبة إلى هذا النحو من السقوط الذي لا يكون بنحو الإطلاق من كل جهة.

(123) لفرض كون أصل أداء الحق كان مؤجلا فمقتضى الأصل بقائه.

ص: 243

فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك، و إلا فلا يجوز إلا بعد انقضاء الأجل، و الإذن في الضمان أعم من كونه حالا (124).

مسألة 11: إذا ضمن الدين المؤجل بأقل من أجله

(مسألة 11): إذا ضمن الدين المؤجل بأقل من أجله و أداه ليس له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء أجله (125) و إذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد و أداه جاز له الرجوع عليه على ما مر (126) من أن

______________________________

(124) بلا إشكال فيه بحسب الأنظار العرفية في محاوراتهم و خصوماتهم و احتجاجاتهم، لأن الإذن في الضمان المؤجل حالا أعم من الإذن في الرجوع إلى المضمون عنه حالا، لأنهما موضوعان مختلفان عرفا، و تتفاوت الأغراض العقلائية بالنسبة إلى كل منهما عند متعارف الناس، و لكن تشتت أقوالهم في هذه المسألة.

أحدها: جواز الرجوع إلى المضمون عنه مطلقا فيما إذا أذن في ضمان المؤجل حالا نسب ذلك إلى القواعد و التنقيح.

ثانيها: أنه يجوز مع التصريح بالإذن لا مع الإطلاق نسب ذلك إلى ظاهر المفاتيح.

ثالثها: الإشكال في صورة الإطلاق، و الفتوى بالجواز في صورة التصريح نسب ذلك إلى الإيضاح.

و الكل مخدوش: لأنه من النزاع اللفظي؛ إذ المدعى انه مع وجود قرينة معتبرة عرفية على الرجوع إلى المضمون عنه فعلا يصح الرجوع إليه، و مع العدم لا يصح الرجوع و هذا مما لا ينبغي أن ينازع فيه عاقل فضلا عن فاضل و منه يعلم ما في بقية الأقوال في المسألة.

(125) هذه المسألة نظير سابقتها فيجزي فيها جميع ما مر في السابقة دليلا و قولا و ردا.

(126) راجع المسألة الثامنة.

ص: 244

أجل الضمان لا يوجب صيرورة أصل الدين مؤجلا، و كذا إذا مات بعد انقضاء أجل الدين قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته فإنه يرجع على المضمون عنه.

مسألة 12: إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمته

(مسألة 12): إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمته و لم يكن له الرجوع عليه (127)، و إن كان أداؤه بإذنه أو أمره (128) إلا أن يأذن له في الأداء عنه تبرعا منه في وفاء دينه كأن يقول: «أدّ ما ضمنت عني و ارجع

______________________________

(127) لفرض رضاء المضمون له باستيفاء دينه من الضمان، و تقدم عدم اعتبار رضاء المضمون عنه في تحقق الضمان.

(128) لأن الإذن في الأداء و الأمر به أعم من تعهده بما يؤديه الضامن إذا كانت في البين قرينة عرفية على أنه أعم، و أما إن كانت في البين قرينة على الخلاف أو كان الأمر أو الإذن مجملا من هذه الجهة فيدخل المقام تحت قاعدة «أن استيفاء عمل الغير يوجب الضمان» مع عدم دليل على خلافه من إجماع أو غيره.

ثمَّ أنهم ذكروا في المقام صورا أربع و أدعوا الإجماع على عدم ضمان المضمون عنه في اثنين منها، كما أدعوا الإجماع على ضمانه في اثنين آخرين:

الأولى: الضمان بغير إذن المضمون عنه و الأداء بغير الإذن أيضا.

الثانية: الضمان بغير الإذن و الأداء بالإذن و أدعوا بالإجماع على عدم ضمان المضمون عنه في الصورتين؛ و يقتضيه أصالة البراءة أيضا، و لا بد من تقييد الصورة الثانية بما إذا لم تكن قرينة في البين على كون إذنه كاشفا عن تعهده و إلا فيكون ضامنا.

الثالثة: الإذن في الضمان و كون الأداء بالإذن أيضا.

الرابعة: الإذن في الضمان و كون الأداء بغير الإذن، و أدعوا الإجماع على الضمان في الصورتين و هو صحيح و موافق لقاعدة التسبيب.

ص: 245

به عليّ»، على إشكال في هذه الصورة أيضا (129) من حيث إن مرجعه حينئذ إلى الوعد الذي لا يلزم الوفاء به و إذا ضمن بإذنه (130) فله الرجوع عليه بعد الأداء و إن لم يكن بإذنه لأنه بمجرد الإذن في الضمان اشتغلت ذمته من غير توقف على شي ء.

نعم، لو أذن له في الضمان تبرعا فضمن ليس له الرجوع عليه لأن الإذن على هذا الوجه كلا إذن (131).

______________________________

(129) مقتضي القاعدة احترام المال و العمل مطلقا، إلا إذا ثبت بدليل معتبر بسقوط الاحترام من صاحب المال و العمل بالتبرع و المجانية، أو أسقط الشارع الأقدس اعتباره، و هذا القاعدة من القواعد النظامية العقلائية التي قررها الشارع تتبع في جميع الموارد، و المرجع في صدق التبرع و المجانية و الوعد انما هو العرف، فمع صدق هذه العناوين لا وجه لضمان المضمون عنه لفرض أن الضامن تبرع و قضى دين المضمون عنه مجانا، كما أنه مع صدق مجرد الوعد بالإحسان من المضمون عنه لا شي ء عليه أيضا، لأن الوعد بالإحسان لا يوجب اشتغال الذمة و إن عد مخالفته خلاف المجاملات الأخلاقية الشرعية بل العرفية، و أما مع صدق العدم أو الشك فيه فمقتضى قاعدة «الاحترام» هو الضمان بعد حصول الاستيفاء و التسبب منه عرفا كما هو المفروض في المقام.

(130) هذا هو القسم الثالث و الرابع و تقدم أن الحكم مجمع عليه فيهما و أما خبر ابن خالد قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام، جعلت فداك قول الناس: الضامن غارم، فقال عليه السّلام: ليس على الضامن غرم بل الغرم على من أكل المال» (1)، فلا وجه للأخذ بإطلاقه بل لا بد من حمله على ما لا ينافي الإجماع.

(131) حق التعبير أن يعلل بأنه أقدم على دفع ماله مجانا فلا وجه للرجوع

ص: 246


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الضمان: 1.

مسألة 13: ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه

(مسألة 13): ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة الإذن إلا بعد أداء مال الضمان- على المشهور بل الظاهر عدم الخلاف فيه (132)- و إنما يرجع عليه بمقدار ما أدّى (133) فليس له المطالبة قبله، إما لأن ذمة الضامن و إن اشتغلت حين الضمان بمجرده إلا أن ذمة المضمون عنه لا تشتغل إلا بعد الأداء و بمقداره، و إما لأنها تشتغل حين الضمان لكن بشرط الأداء فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال من حينه، و إما لأنها و إن اشتغلت بمجرد الضمان إلا أن جواز المطالبة مشروط بالأداء، و ظاهرهم هو الوجه الأول (134)، و على أي حال لا خلاف في أصل الحكم (135) و إن كان مقتضي القاعدة جواز المطالبة و اشتغال ذمته من حين الضمان (136)

______________________________

إلى المضمون عنه.

(132) بل مجمع عليه بين كل من ادعى الإجماع على الحكم مع تقييده، بالأداء كما هو مورد غالب كلماتهم.

(133) بناء على أنه ليس لنفس الضمان من حيث هو موضوعية خاصة لاشتغال ذمة المضمون عنه بالنسبة إلى الضامن، بل المناط كله تفريغ ذمة المضمون عنه كلا أو بعضا، و يأتي تفصيل الكلام بعد ذلك.

(134) نسب ذلك إلى المسالك و قواه في الجواهر و نسبة القول بذلك إلى ظاهرهم كما فعله رحمة اللّه مشكل كما سيأتي، و هنا وجه رابع و هو حصول الاشتغال بمجرد الضمان لكن متزلزلا و مع عدم الأداء يزول الاشتغال

(135) سيأتي المناقشة في ذلك.

(136) لفرض حصول التسبيب من المضمون عنه بالإذن في الضمان من حين حصوله، فالضمان نحو استفادة للمضمون عنه من الضامن بسبب إذنه في تحقق الضمان بينهما، فمن حين حصول هذه الاستفادة يتحقق اشتغال ذمته

ص: 247

في قبال اشتغال ذمة الضامن (137) سواء أدّى أو لم يؤدّ، فالحكم المذكور على خلاف القاعدة (138) ثبت بالإجماع و خصوص الخبر «عن

______________________________

قهرا، و الأداء شي ء آخر لا ربط له بحصول اشتغال ذمة المضمون عنه بمجرد إقدامه على الإذن، و هذا مطابق للمرتكزات العرفية أيضا، فإن مقتضاها تحقق الضمانين في آن واحد فبمجرد تحقق اشتغال ذمة الضامن للمضمون له يتحقق ضمان المضمون عنه للضامن أيضا، فيثبت الضمان بالنسبة إلى المضمون عنه لحصول التسبب منه في الرتبة السابقة على الأداء و لا يخرج منها إلا بدليل على الخلاف.

(137) لتلازم الضمانين عرفا بعد أن كان الضمان بالإذن من المضمون عنه.

(138) إن كان المراد بالحكم المذكور المطالبة بالأداء فلا ريب في كونه مطابقا لقاعدة: «أن استيفاء مال الغير يوجب الضمان»، و إن كان المراد ضمان المضمون عنه بمجرد حصول الضمان فلم يقم إجماع و لا حديث على خلافه حتى نترك قاعدة «حصول الضمان بالتسبيب»، و الملازمة بين الضمانين بالملازمة العرفية لأجل ذلك.

و بعبارة أخرى: نحن ندعي الملازمة العرفية في الجملة و للملازمة مراتب متفاوتة شدة و ضعفا، و لعل الخلط بين المراتب أوجب الاختلاط بين الاعلام، و نسب إلى الشيخ رحمة اللّه و جماعة اشتغال ذمة المضمون عنه من حين الضمان فكيف يتحقق الإجماع على أن اشتغال ذمته انما يتحقق بعد الأداء نعم نسب ذلك إلى العلامة و اشتهر بعده و ليس ذلك من الإجماع المصطلح في شي ء.

و أما الخبر فهو موثق عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثمَّ صالح عليه؟ قال عليه السّلام: ليس له إلا الذي صالح

ص: 248

رجل ضمن ضمانا ثمَّ صالح عليه قال: ليس له إلا الذي صالح عليه» بدعوى: الاستفادة منه أن ليس للضامن إلا ما خسر (139)، و يتفرع على ما ذكروه (140)،

______________________________

عليه» (1)، و نحوه موثق ابن بكير (2)، و لا ربط لهما بأن اشتغال ذمة المضمون عنه يحصل بالأداء، بل هما في مقام بيان حكم تكليفي و هو وجوب الأداء على المضمون عنه بقدر ما صالح عليه، و هو غير أصل حدوث طبيعي اشتغال الذمة.

من حيث حدوث الضمان.

(139) الظاهر أن قضية انه «ليس للضامن إلا ما خسر» شرعية و عرفية أيضا و حدوث طبيعي الاشتغال للضامن بالنسبة إلى المضمون له، و كذا حدوث طبيعي الاشتغال بالنسبة إلى المضمون عنه للضامن غير مرتبة الأداء و هما مختلفان، فالأداء شي ء و طبيعي الاشتغال في الجملة شي ء آخر.

(140) أي: وجوب أداء المضمون عنه ما حسرة الضامن لا أصل ما ضمن و هذا هو المطابق للعرف أيضا، لأن طبيعي اشتغال الذمة الحاصل بأصل الضمان فإنه حصل بمجرد تسبيب المضمون عنه للضمان بواسطة إذنه فيه، فطبيعي أصل الضمان حصل من المضمون عنه للضامن بمجرد حدوث الضمان و تحديده بحد خاص حاصل بما خسره الضامن، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات و ان بعد عن ظاهر بعضها.

ثمَّ إن الوجه في تفرع الفروع الخمسة المذكورة في المقام على ما ذكروه واضح لا ريب فيه، لقاعدة أن «استيفاء مال الغير موجب للضمان» عرفا و عقلا و شرعا.

و هناك قاعدة أخرى أشرنا إليها و هي أن «التسبيب لوقوع الغير في الضمان يوجب ضمان المسبب (بالكسر)» و الضمان في القاعدة الثانية له،

ص: 249


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الضمان: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الضمان: 1 و 2.

أن المضمون له لو أبرأ (141) ذمة الضامن عن تمام الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلا و إن أبرأه من البعض (142) ليس له الرجوع بمقداره، و كذا لو صالح معه بالأقل (143) كما هو مورد الخبر- و كذا لو ضمن عن الضامن ضامن تبرعا (144) فأدّى فإنه حيث لم يخسر بشي ء لم يرجع على المضمون عنه و إن كان بإذنه، و كذا لو وفاه عنه غيره تبرعا (145).

مسألة 14: لو حسب المضمون له على الضمان ما عليه خمسا أو زكاة أو صدقة

(مسألة 14): لو حسب المضمون له على الضمان ما عليه خمسا أو زكاة أو صدقة فالظاهر أن له الرجوع على المضمون عنه (146).

______________________________

طريقية إلى ما خسره الضامن لا أن يكون له موضوعية من كل جهة، و يأتي تفصيل جملة من الفروع المناسبة للمقام في موجبات الضمان في الغصب و الديات، و تقدم بعضها في أحكام الصيد في الحج فراجع.

(141) هذا هو الفرع الأول، و الوجه في عدم رجوع الضامن إلى المضمون عنه واضح، لعدم تحقق خسارة بالنسبة إلى الضامن حتى يرجع فيها إلى المضمون عنه.

(142) هذا هو الفرع الثاني و ظهر وجهه مما سبق، لأن الضامن يرجع إلى المضمون عنه فيما استوفاه من المال، و المفروض انه لم يستوف إلا البعض و لم يتحقق خسارة الضامن إلا بالنسبة إليه.

(143) هذا هو الفرع الثالث و هو مطابق لقاعدة أن ضمان المضمون عنه إنما هو بقدر الخسارة، فالخبر المتقدم ورد مطابقا للقاعدة لا مخالفا لها.

(144) هذا هو الفرع الرابع و الوجه فيه واضح لما ذكره قدس سرّه و تعرضنا له أيضا.

(145) هذا هو الفرع الخامس و وجهه واضح لما تقدم مرارا.

(146) سقوط اشتغال ذمة الضامن عن الدين الذي ضمنه على أقسام:

الأول: أن يخسر مقدار الدين من ماله، و لا ريب في ضمان المضمون عنه

ص: 250

و لا يكون ذلك في حكم الإبراء (147) و كذا لو أخذه منه ثمَّ ردّه عليه هبة (148)، و أما لو وهبه ما في ذمته فهل هو كالإبراء أو لا؟

______________________________

حينئذ لما مر.

الثاني: أن يعطي أحد أصل الدين لخصوصية في المضمون عنه، و لا ريب في سقوط الذمتين لزوال أصل الدين من البين.

الثالث: أن يوفى الدين شخص من حيث إضافته إلى الضامن و لخصوصية فيه أيضا بحيث يصدق عرفا أن الضامن خسر المال، و يصح له الرجوع إلى المضمون عنه حينئذ.

الرابع: أن يشك في أنه من أي الأقسام، و مقتضى الاستصحاب ضمان المضمون عنه في هذا القسم أيضا بعد ما مر من حدوث ضمانه بمجرد تحقق الضمان، و احتمال أن المناط في الرجوع إلى المضمون عنه تحقق الغرامة الخارجية عرفا من الضامن و لا يتحقق في مورد الشك و لا فيما إذا احتسب المال على الضامن من الحقوق.

مدفوع، بأن للغرامة مراتب مختلفة منها الخارجية الحقيقية المتحققة بأداء الضامن المال من كيسه.

و منها الاعتبارية العرفية بحيث يصدق أن الضامن بنفسه و من حيث هو صار سببا لفراغ ذمة المضمون عنه، و لا ريب في صدقه فيما إذا احتساب المال على الضامن من الحقوق، و كذا في مورد الشك لصدق السببية في الجملة مضافا إلى ما مر من الاستصحاب.

(147) لأن الإبراء تعلق بنفس الدين و هو مضاف أولا و بالذات إلى المضمون عنه فيشمل الإبراء ذات الدين المضاف إلى المضمون عنه أيضا فتسقط ذمته لا محالة.

(148) لأنه تمليك مستأنف لا ربط له بالدين السابق الذي خسره الضامن

ص: 251

وجهان (149)، و لو مات المضمون له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه (150).

مسألة 15: لو باعه أو صالحه 151 المضمون له

(مسألة 15): لو باعه أو صالحه (151) المضمون له بما يساوي أقل من الدين أو وفاة الضامن بما يساوي أقل منه، فقد صرح بعضهم (152) بأنه لا يرجع على المضمون عنه إلا بمقدار ما يساوي (153) و هو مشكل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة (154) و كون القدر المسلم غير هذه الصور، و ظاهر خبر الصلح الرضا من الدين بأقل منه لا ما إذا صالحه بما

______________________________

و دفعه إلى المضمون له فمقتضى خسرانه المال ضمان المضمون عنه.

(149) وجه الأول أن الهبة تعلقت بما في الذمة- و هو الدين- و الدين أولا و بالذات مضاف إلى المضمون عنه فتشمل ذات الدين الهبة المتعلقة بالدين فيكون كالإبراء.

و وجه الثاني انها كالاحتساب على الضامن من الحقوق.

و فيه: أن الاحتساب من الحقوق متعلق أولا بالضامن، و الهبة في المقام تعلقت أولا بالدين و تكون لها إضافة إلى المضمون عنه، و عن بعض مشايخنا (1)، في حاشيته الشريفة أن الهبة في المقام حقيقة الإبراء.

(150) لتحقق الغرامة، و الإرث ملك مستأنف لا ربط له بالضمان.

(151) في العبارة مسامحة و الظاهر (لو باع أو صالح).

(152) نسب ذلك إلى جمع منهم المحقق و العلامة، و الشهيد الثاني.

(153) حق العبارة أن يقال: يصح له الرجوع إلى المضمون عنه بمقدار ما يسوى.

(154) إن كان المراد من القاعدة تحمّل الضامن أصل الدين بحده من

ص: 252


1- هو المحقق آية اللّه العظمى الشيخ آغا ضياء الدين العراقي قدّس سرّه.

يساوي أقل منه (155)، و أما لو باعه أو صالحه أو وفاة الضامن بما يساوي أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة (156).

مسألة 16: إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه

(مسألة 16): إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل أدائه، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عما له عليه فلا إشكال (157) و يكون في يده أمانة لا يضمن لو تلف إلا بالتعدي أو التفريط (158) و إن كان بعنوان وفاء ما عليه فإن قلنا باشتغال ذمته حين الضمان و إن لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن، أو قلنا باشتغاله حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف فهو صحيح و يحتسب وفاء (159)، لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني و إن قلنا إنه لا تشتغل ذمته إلا بالأداء و حينه- كما هو ظاهر المشهور- فيشكل صحته وفاء، لأن المفروض عدم اشتغال ذمته بعد فيكون في يده كالمقبوض بالعقد الفاسد (160) و بعد الأداء ليس له الاحتساب إلا بإذن

______________________________

المضمون عنه فحكمهم موافق لها، و إن كان المراد بها غرامة الضامن و خسارته فحكمهم مخالف لها و مخالف للخبر أيضا كما يأتي.

(155) لكن العرف لا يفرق بين الصورتين كما لا يخفى.

(156) لأنه لا ربط للزيادة بالدين المضمون، و مقتضى الأصل و العرف و السيرة عدم اشتغال ذمة المضمون عنه بها.

(157) في صحة ذلك لقاعدة «السلطنة».

(158) لقاعدة «عدم تضمين الأمين» إلا مع ثبوت تعديه أو تفريطه.

(159) لفرض تحقق اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بمجرد الضمان فيصح اعتبار الوفاء حينئذ.

(160) إلا أن تعد المعرضية القريبة للاشتغال بمنزلة الاشتغال في الآثار بنظر أهل العرف و فيه: تأمل.

ص: 253

جديد (161) أو العلم ببقاء الرضاء به.

مسألة 17: لو قال الضامن للمضمون عنه: «ادفع عني إلى المضمون له ما علي من مال الضمان» فدفع

(مسألة 17): لو قال الضامن للمضمون عنه: «ادفع عني إلى المضمون له ما علي من مال الضمان» فدفع، برئت ذمتهما معا أما الضامن فلأنه قد أدّى دينه، و أما المضمون عنه فلأن المفروض أن الضامن لم يخسر- كذا قد يقال (162)- و الأوجه أن يقال إن الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمته بالأداء و المفروض أن ذمة المضمون عنه أيضا مشغولة له حيث إنه أذن له في الضمان فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمة الضامن من حيث كونه بأمره و لاشتغال ذمة المضمون عنه حيث إن الضمان بإذنه و قد و في الضامن فيتهاتران (163) أو يتقاصان (164)، و إشكال صاحب الجواهر في اشتغال ذمة الضامن بالقول المزبور في غير محله (165).

______________________________

(161) مقتضى الأصل بقاء الإذن الأول و لا يحتاج إلى الإذن الجديد.

(162) حكي ذلك عن الشرائع و المسالك.

(163) يمكن أن يكون مراد الشرائع و المسالك ذلك أيضا، و إن قصرت عبارتهما عن أدائه.

(164) كون المقام من التهاتر معلوم و كونه من التقاص مشكوك بل الظاهر عدمه كما لا يخفى.

(165) أما إشكاله قدس سرّه فقال: «إن أداء دين الضامن المأذون بمال المضمون بإذن الضامن لا يقتضي اشتغال ذمة الضامن بمثله، إذ ليس هو قد صار بذلك قرضا عليه مع عدم قصده و عدم توقف وفاء الدين على كونه مملوكا للمديون كما أنه لا يستحق رجوعا على المضمون عنه لعدم حصول الأداء منه فلا تقاص حينئذ لعدم ثبوت المالين في ذمة كل منهما»، و أما كونه في غير محله فلأن المقام لا ربط له بالقرض بل هو من باب الاستيفاء بالأمر و هو من موجبات

ص: 254

مسألة 18: إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معا

(مسألة 18): إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن الضامن برئا معا (166) كما لو دفعه أجنبي عنه.

مسألة 19: إذا ضمن تبرعا فضمن عنه ضامن بإذنه

(مسألة 19): إذا ضمن تبرعا فضمن عنه ضامن بإذنه و أدى ليس له الرجوع على المضمون عنه بل على الضامن (167) بل و كذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه ضامن بإذنه بالأداء يرجع على الضامن و يرجع هو على المضمون عنه الأول.

مسألة 20: يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضى المضمون له

(مسألة 20): يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضى المضمون له (168) و كذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه، و في الصورة الأولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان إلا بذلك الأقل (169) كما أن في

______________________________

الضمان عرفا كما مر مكررا.

(166) لانتفاء موضوع الضمان حينئذ رأسا مضافا إلى ظهور الإجماع، و كذا الكلام في دفع الأجنبي.

(167) معنى العبارة: أن شخصا ضمن تبرعا عن شخص و ضمن شخص ثالث عن الضامن بإذنه و أدى المال ليس للضامن الثاني الرجوع إلى المضمون عنه الأول، لعدم ضمانه عنه بإذنه بل يرجع إلى الضامن الأول لأنه ضمن عنه بإذنه، و كذا الكلام بعينه في قوله: «و كذا لو ضمن بالإذن».

(168) لأن معنى الضمان هو انتقال تمام ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن بنحو الاقتضاء لا العلية التامة، بحيث لو حدد أصل الدين بحد خاص- قلة أو كثرة- يبطل أصل الضمان، فتحقق طبيعي الضمان مسلم و التحديد انما حصل برضاء الطرفين فلا محذور فيه من العرف و الشرع و العقل، و دعوى: أن قوام الضمان بأن يكون بمقدار الضمان و مع الاختلاف فلا يتحقق موضوعه دعوى بلا شاهد بل على خلافه الشواهد.

(169) لفرض أنه خسر بهذا المقدار.

ص: 255

الثانية لا يرجع عليه إلا بمقدار الدين (170) إلا إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة (171).

مسألة 21: يجوز الضمان بغير جنس الدين

(مسألة 21): يجوز الضمان بغير جنس الدين، كما يجوز الوفاء بغير الجنس (172) و ليس له أن يرجع على المضمون عنه إلا بالجنس (173) الذي عليه إلا برضاه.

مسألة 22: يجوز الضمان بشرط الرهانة

(مسألة 22): يجوز الضمان بشرط الرهانة (174) فيرهن بعد الضمان، بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهنا بنحو شرط

______________________________

(170) لتحقق الإذن و الخسران بهذا المقدار بلا إشكال.

(171) فيرجع الضامن إلى المضمون عنه بالزيادة حينئذ لاستيفائه للزيادة بإذنه فيها.

(172) لأن ذلك متوقف على رضاء الضامن و المضمون له فيصح بكل ما رضيا به و المفروض تحققه منهما بغير الجنس، كما أن الوفاء بغير الجنس متوقف على رضاء الدائن مع ورود النص فيه كما في خبر ابن جعفر عن أخيه، قال: «سألته عن رجل له على آخر كرّ من حنطة أ يصلح له أن يأخذ بكليها شعيرا أو تمرا؟ قال عليه السّلام: إذا تراضيا فلا بأس» (1)، و ظهور الإجماع عليه.

و توهم أنه مخالف لمعنى الضمان فإنه متقوم بانتقال نفس ما في الذمة.

مردود، بأن تقوم الضمان إنما هو بحفظ أصل المالية و انتقاله و انتقال نفس ما في الذمة من مقتضيات إطلاقه لا ذاته كما لعله واضح.

(173) مع عدم إذنه في الضمان بغير الجنس فيشمله إطلاق قول الصادق عليه السّلام في الموثق: «ليس له إلا ما صالح عليه» (2)، و أما مع الإذن فله أن يرجع إليه كما يأتي منه رحمة اللّه.

(174) لإطلاق أدلة الشروط و عمومها الشامل للمقام أيضا هذا في شرط

ص: 256


1- الوسائل باب: 11 من أبواب السلف: 13.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الضمان: 1.

الضمان، بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهنا بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان (175).

مسألة 23: إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فهل ينفك بالضمان أو لا؟

(مسألة 23): إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فهل ينفك بالضمان أو لا؟ يظهر من المسالك و الجواهر انفكاكه لأنه بمنزلة الوفاء (176).

______________________________

الفعل، و أما شرط النتيجة فسيأتي.

(175) مقتضى إطلاق أدلة الشروط و عمومها صحة الشرط مطلقا، سواء كان من شرط الفعل أو شرط النتيجة إلا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في شرط النتيجة إلا دعوى أن الناتج غير مقدورة و إن لها أسباب خاصة في الشريعة ليس الشرط منها، و إن الشرط تمليك و لا يتصور التمليك في النتيجة.

و الكل مخدوش: أما الأول فلأنها مقدورة بأسبابها، و القدرة على السبب قدرة على المسبب شرعا و عقلا و عرفا.

و أما الثاني فلأن الشرط من جملة الأسباب عرفا، و إطلاق أدلة الشرط منزل على العرف.

و أما الأخير فهو من مجرد الدعوى، إذ الشرط نحو التزام و تعهد خاص قرره الشارع بأدلة الشروط و لا ريب في تحققهما في شرط النتيجة أيضا، مع ورود النص به في شرط الضمان في الإجارة (1)، و العارية (2)، و شرط الأجل في النسيئة و السلف (3)، و غير ذلك، و على ما قلناه ورد النص مطابقا للعمومات و الإطلاقات.

(176) و كل من قال بالصحة عللها بذلك، و هو تعليل حسن عرفا في

ص: 257


1- راجع ج: 19 صفحة: 98.
2- راجع ج: 18 صفحة: 251.
3- راجع ج: 18 صفحة: 31.

لكنه لا يخلو عن إشكال (177) هذا مع الإطلاق، و أما مع اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتبع (178).

مسألة 24: يجوز اشتراط الضمان في مال معين على وجه التقييد

(مسألة 24): يجوز اشتراط الضمان في مال معين على وجه التقييد (179) أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام في

______________________________

الجملة في الموارد التي يرى المضمون بواسطة الضمان ماله حاضرا لديه.

(177) الإشكال ان الضمان ليس إلا نقل المال من ذمة إلى أخرى؛ فلا ربط له بسقوط وثيقة الدين، و الضمان الصحيح لدى العرف وثيقة حية ناطقة لها شعور و ادراك و تقبل التفهم و التفاهم، و مع الوثيقة الأقوى مع موضوع للوثيقة الضعيفة مع أن الرهن رهن لذمة المضمون عنه فإذا سقطت الذمة بالضمان فلا وجه لبقاء الرهن عليها.

(178) لأدلة وجوب الوفاء بالشرط كما تقدم في محله.

(179) أما أصل جواز ذلك فلإطلاق أدلة الضمان، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه، و أما صحة كونه على وجه التقييد فبأن يقيد الضمان بمال مخصوص، أو يقيد نفس المضمون بمال مخصوص، أو يقيد الأداء أنه أداء لما اشتغلت من حيث ذمته بالضمان كذلك، و الكل صحيح مع وجود غرض صحيح في البين، لأصالة الصحة، و إطلاق أدلة الشروط الشامل لهذا النحو من الجعل أيضا، و لا يختص بخصوص الالتزام، و الظاهر تلازم العناوين المذكورة، و معنى التقييد هنا أي: جعله دخيلا في قوام الضمان الذي هو من الاعتباريات، و هي خفيفة المؤنة تدور حقائقها مدار كيفية الاعتبار و عدم محذور عقلي أو شرعي فيه كما هو المفروض في المقام.

إن قيل مع التقييد هل تشتغل ذمة الضامن بشي ء أو لا؟ و على الأول لا وجه للتقييد، و على الثاني لا وجه للضمان.

يقال: نظير المقام نظير العين المنذورة بناء على أن النذر المتعلق بالعين

ص: 258

الالتزام (180)، و حينئذ يجب على الضامن الوفاء (181) من ذلك المال بمعنى صرفه فيه، و على الأول إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان (182)

______________________________

يوجب اشتغال الذمة و ثبوت حق للمنذور له في العين و نظير الزكاة من جهة.

(180) بلا إشكال فيه من أحد؛ لعموم أدلة الشروط الشامل لذلك.

(181) لوجوب الوفاء بكل شرط حاصل في ضمن عقد سواء كان بنحو التقييد أو بنحو الالتزام في الالتزام.

(182) لفرض أنه جعل مقوما اعتباريا للضمان، فأصل الالتزام الضماني حدث متقوما بهذه الخصوصية الذاتية الجعلية من المتعاقدين، فتكون بمنزلة المقومات الذاتية التي تنتفي الذات المخصوصة بانتفائها، و لا بأس بذلك لأن خصوصيات الجعل تدور مدار جعل الجاعل فيصير بعد الجعل كالذاتي.

إن قلت: أنه لا فرق بين القيد و الشرط من هذه الجهة لفرض كون كل واحد منهما خارجا عن مرتبة الذات، فالتخلف في كل واحد منهما يوجب الخيار إلا أنه فيما إذا كان بنحو الالتزام خيار تخلف الشرط و فيما إذا كان بنحو التقييد خيار تخلف الوصف.

قلت: بعد فرض أنه إذا كان بنحو التقييد جعل ذلك ذاتيا اعتباريا بخلاف ما إذا كان بنحو الالتزام فالفرق بينهما ظاهر.

إن قيل ان جعل الذاتي للعقود خارج عن عهدة المكلف بل هو تحت اختيار الشارع فلا وجه لهذا الجعل.

يقال: العقود تحت سلطة الشارع بلا إشكال لكن قد قلنا مكررا انه يكفي في ذلك عدم ثبوت الردع، و للمفروض عدم ثبوته في المقام فبأي وجه جعل العقد في عالم الاعتبار سواء جعل شي ء بعنوان الذاتي له أو بنحو آخر، و لم يرد فيه ردع يشمله دليل التقرير من العموم و الإطلاق بعد عدم مانع في البين.

ص: 259

و يرجع المضمون له على المضمون عنه (183) كما أنه إذا نقص يبقي الناقص في عهدته (184)، و على الثاني لا يبطل (185) بل يوجب الخيار لمن له الشرط من الضامن أو المضمون له أو هما (186) و مع النقصان يجب على الضامن من الإتمام مع عدم الفسخ (187).

و أما جعل الضمان في مال معين من غير اشتغال ذمة الضامن بأن

______________________________

(183) لكونه من لوازم بطلان الضمان كما في جميع الموارد التي يبطل فيها الضمان.

(184) لفرض بطلان الضمان بالنسبة إليه.

(185) لفرض كونه خارجا عن حقيقة الضمان بحسب الجعل الشرعي و الجعل الاعتباري العقدي.

(186) أما أصل ثبوت الخيار فلعدم إمكان الوفاء بالشرط و هو موجب للخيار كما تقدم في أحكام الشروط.

و أما كونه للضامن أيضا إذا كان الشرط له، فقد يقال: بعدم صحته لأن مرجعه حينئذ إلى التزام المضمون له قبوله إن أداه الضامن إليه فلا يخلف منه حتى يثبت به الخيار للضامن.

و لا يخفى بطلانه، لأن مرجع الشرط- إذا كان الشرط للضامن- إلى التزام أن يؤدي الضامن المال من المال المعين، و مع التلف ينقص هذا الالتزام فيكون له الخيار، و إن كان الخيار لهما فمرجعه إلى التزام من الضامن بأن يؤدي المال من المال المخصوص، و التزام من المضمون له بأن يقبله و مع التلف يكون لهما الخيار فما ذكره في المتن هو الصحيح.

(187) لأن الشرط كان خارجا من حقيقة العقد و هو واقع على الضمان المال و المنساق منه عرفا تمام المال و المفروض أنه التزام بالعقد بلا شرط.

ص: 260

يكون الدين في عهدة ذلك المال فلا يصح (188).

مسألة 25: إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه

(مسألة 25): إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه فإن قلنا إن الضامن هو المولى- للانفهام العرفي أو لقرائن خارجية- يكون من اشتراط الضمان في مال معين و هو الكسب الذي للمولى، و حينئذ فإذا مات العبد تبقى ذمة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود و يبطل إن كان على وجه التقييد (189)، و إن انعتق يبقى وجوب الكسب عليه (190)، و إن قلنا إن الضامن هو المملوك و إن مرجعه إلى رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان فإذا مات لا يجب على المولى شي ء و تبقى ذمة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة و نحوها، و إن انعتق يبقي الوجوب عليه.

______________________________

(188) غاية ما يقال: في وجه عدم الصحة أن المال لا عهدة له حتى يتعلق به الضمان و ليس لهم دليل غير ذلك.

و فيه: إن الاعتباريات خفيفة المؤنة، و العهدة من الأمور الاعتبارية العقلائية فلا يعتبرون العهدة لمن لا يتمكن من المال أصلا بخلاف من يتمكن منه، و مرجع التمكن إلى المال فالعهدة الاعتبارية ترجع بالآخرة إليه و الضامن واسطة في الإيصال لا أن يكون له موضوعية خاصة، و مرجع تعين الضمان و العهدة في مال معين أن المضمون له يصح أن يأخذ المال بدون اطلاع الضامن لفرض تعلق حقه به، و قد تقدم في المسألة الخامسة عشر من مسائل ختام الزكاة: أن الحاكم الشرعي يجوز له أن يقترض على عهدة الزكاة فراجع، فكل من له السلطة و الولاية على شي ء يجوز له اعتبار أي جعل بالنسبة إليه ما لم ينه عنه الشارع.

(189) أي: تقييدا حقيقيا مقوما، و وجه البطلان واضح لتبدل الموضوع و العنوان على هذا.

(190) لا وجه له مع كون الضامن هو المولى كما هو المفروض إلا إذا كان

ص: 261

مسألة 26: إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد

(مسألة 26): إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد فإما أن يكون على التعاقب أو دفعة، فعلى الأول الضامن من رضي المضمون له بضمانه (191) و لو أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق (192) و يحتمل قويا كونه كما إذا ضمنا دفعة (193) خصوصا بناء على اعتبار القبول من المضمون له فإن الأثر حاصل بالقبول نقلا لا كشفا، و على الثاني إن رضي بأحدهما دون الآخر فهو الضامن (194)، و إن رضي بهما معا ففي بطلانه (195) كما عن المختلف و جامع المقاصد و اختاره صاحب الجواهر أو التقسيط (196) بينهما بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة

______________________________

قبول العبد للضمان في كسبه بنحو يشمل بعد العتق أيضا فتصير هذه الصورة مثل الصورة الأخيرة من هذه الجهة.

(191) لاعتبار رضاه كما مر و حينئذ فإن رضي بضمان أحدهما دون الآخر صح سواء كان هو الأول أو الوسط أو الأخير لتحقق شرائط الضمان بالنسبة إليه حينئذ، و إن رضي بأحدهما ثمَّ رضي بالآخر صح في الأول دون الآخر، لأنه مع اجتماع شرائط الصحة بالنسبة إلى الأول لا يبقي موضوع للآخر.

(192) لأنه مع صحة انطباق رضاه على الأول كما هو المفروض لا يبقي موضوع للثاني.

(193) فيجري فيه التفصيل الآتي.

(194) لوجود المقتضي للصحة فيه حينئذ و فقد المانع فلا بد من الصحة.

(195) لأن تقديم أحدهما على الآخر من الترجيح بلا مرجح، و التقسيط يحتاج إلى دليل و هو مفقود في المقام، و ضمان كل واحد منهما عرضا مستقلا لا وجه له إذ المال الواحد لا يكون في ذمتين مستقلتين و طولا يرجع إلى الوجه الأخير فيتعين البطلان.

(196) نسبه في مفتاح الكرامة إلى ابن الجنيد، و لكن عبارته غير ظاهرة فيه

ص: 262

و هكذا، أو ضمان كل منهما فللمضمون له مطالبة من شاء كما في تعاقب الأيدي (197) وجوه أقواها الأخير (198) و عليه إذا أبرأ المضمون له واحدا منهما برئ دون الآخر (199) إلا إذا علم إرادته إبراء أصل الدين (200) لا خصوص ذمة ذلك الواحد (201).

______________________________

و استدل عليه بعد جريان أصالة الصحة في الضمان و عدم صحة سائر الأقسام كما مر انه طريق العدل و الإنصاف.

و فيه: أنه لم تثبت قاعدة العدل و الانصاف بنحو الكلية.

نعم، هي جارية فيما عمل به الأصحاب لا مثل المقام الذي اختلفوا فيه على أقوال.

(197) نسب ذلك إلى ابن حمزة و ارتضاه العلامة في درسه و يسمى بضمان الاشتراك، كما أن ضمان الواحد عن الكثير يسمى بضمان الانفراد.

(198) لكونه غير عادم النظير كما في الواجبات الكفائية في التكليفيات و تعاقب الأيادي على المال المغضوب في الوضعيات، و يشهد له مذاق العرف و سيرة المتشرعة في الرجوع في أموالهم إلى كل من جرت يده عليها من غير استنكار لذلك فيما بينهم بل يستنكر قول من منعهم عن ذلك.

و ما يقال من أنه صحيح بناء على أن الضمان: ضم ذمة إلى ذمة أخرى كما نسب إلى العامة، و أما بناء على أنه انتقال المال من ذمة إلى ذمة أخرى فلا وجه له.

باطل: لفرض أن الانتقال طولي لا أن يكون عرضيا، و لا محذور فيه من عقل أو نقل.

(199) لأنه لا معنى لاشتغال الذمم طولا إلا هذا.

(200) و كذا لو أراد استيفاء أصل الدين من فعله هذا و كل منهما خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة معتبرة في البين.

(201) و تلخيص المقام أن الوجوه المتصورة في الضمان أربعة:

ص: 263

مسألة 27: إذا كان له على رجلين مال فضمن كل منهما ما على الآخر بإذنه

(مسألة 27): إذا كان له على رجلين مال فضمن كل منهما ما على الآخر بإذنه فإن رضي المضمون له بهما صح (202)، و حينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنسا و قدرا تحول ما على كل منهما إلى ذمة الآخر (203)، و يظهر الثمر في الإعسار و اليسار، و في كون أحدهما عليه رهن دون الآخر (204) بناء على افتكاك الرهن بالضمان، و إن كانا مختلفين قدرا أو جنسا أو تعجيلا و تأجيلا أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر (205)، و إن رضي المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه (206)، و حينئذ فإن أدى الجميع رجع على الآخر بما أدّى حيث إن

______________________________

الأول: الوحدة في كل من الضامن و المضمون له.

الثاني: التعدد في الجميع.

الثالث: الوحدة في الضامن و التعدد فيهما.

الرابع: التعدد فيه و الوحدة فيهما، و في موارد التعدد إما أن يكون بنحو الطبيعة السارية في الجميع أو من سنخ الحكم التخييري، و الكل صحيح ما لم يكن محذور في البين كما مر.

(202) بلا خلاف و لا إشكال في الصحة من أحد، و تقتضيها أصالة الصحة و إطلاق أدلة الضمان.

(203) لأنه لا معنى للضمان الصحيح إلا هذا.

(204) أما الإعسار و اليسار فإن ظهر كون أحدهما معسرا حين الضمان يتخير المضمون له في فسخ الضمان، فإذا فسخ استقر تمام المال على الموسر و أما الرهن فقد تقدم حكمه في (مسألة 23) فراجع.

(205) فلا تحول في جميع تلك الأقسام إلا في القسم الأول في المقدار المشترك على تأمل فيه أيضا.

(206) أما دين نفسه فلعدم الأداء لا مباشرة و لا ضمانا لفرض عدم رضاء

ص: 264

المفروض كونه مأذونا منه، و إن أدّى البعض فإن قصد كونه مما عليه أصلا أو مما عليه ضمانا فهو المتبع و يقبل قوله إن ادعى ذلك (207)، و إن أطلق و لم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط (208) و يحتمل القرعة، و يحتمل كونه مخيرا في التعيين بعد ذلك (209) و الأظهر الأول، و كذا الحال في نظائر

______________________________

المضمون له به، و أما دين صاحبه فلانتقاله إليه بالضمان.

(207) لظهور الإجماع و بناء العقلاء في قبول من لا يعرف المقول إلا من قبله، لأنه أعرف بنية نفسه.

نعم، لو كان ذلك في مورد التخاصم يحتاج حينئذ إلى ضم اليمين لو لم يمكن إقامة البينة لقطع النزاع و الخصومة.

(208) بل الظاهر لزوم اتباع القرائن، و مع عدمها تصل النوبة إلى ما ذكره قدس سرّه.

أما التقسيط فهو اما قصدي أو قهري و الأول مفروض العدم.

و الثاني لا دليل على تعيينه في المقام بعد إمكان بعض الوجوه التالية إلا أن يقال: انه من العدل و الإنصاف المغروس في الوجدان.

و فيه: انه في مقام الثبوت لا بأس به، و لكن لا دليل عليه في مقام الإثبات.

و أما القرعة فلا يعمل بها إلا فيما عمل بها الأصحاب، و لم يحرز ذلك في المقام.

و أما الأخير فأشكل عليه بأنه بعد أن ملك الآخذ المال بالقبض لا يتصور وجه للتعيين حينئذ لعدم الموضوع له في ملك الغير، و يمكن أن يجاب عنه بأن ملك الآخذ يكون مراعا بتعيين المعطي فلا ملكية له قبل التعين.

و هنا وجه رابع و هو الانصراف القهري إلى ما لا أثر له إلا براءة الذمة فقط من دون أمر آخر في البين متوقف على القصد، كفك رهن أو رجوع إلى الغير بعوض أو نحو ذلك.

(209) أما احتمال القرعة فلدعوى شمول عموم دليلها للمقام، و لكنه

ص: 265

المسألة كما إذا كان عليه دين عليه رهن و دين آخر لا رهن عليه فأدّى مقدار أحدهما، أو كان أحدهما من باب القرض و الآخر ثمن مبيع، و هكذا، فإن الظاهر في الجميع التقسيط (210)، و كذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي و يقبل قوله إذا ادعى التعيين في القصد لأنه لا يعلم إلا من قبله (211).

مسألة 28: لا يشترط على الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه

(مسألة 28): لا يشترط على الضامن حين الضمان بثبوت الدين على المضمون عنه (212).

______________________________

مشكل لما عرفت و لأنها انما تثبت في مورد التحير المطلق من كل جهة، و بعد احتمال وجوه في المقام و استظهار تعيين بعضها بحسب الإفهام فلا وجه لها حينئذ.

و أما احتمال التعيين بعد ذلك فلا بأس به بعد كون المورد باقيا على ما كان حين إنشاء الضمان و الوجه في ذلك كونه تحت اختياره ما لم يلزم بملزم شرعي، و المفروض عدم ذلك ما لم يعين و تقدم ما أشكل عليه مع دفعه.

(210) بل الظاهر في الجميع ملاحظة القرائن و لو كانت مرتكزة غير ملتفت إليها تفصيلا، و مع عدمها، يمكن أن يقال بالانصراف إلى ما ليس له أثر خاص و مع العدم فالتقسيط أو التعيين بعد ذلك، و تقدم في كتاب الزكاة نظير ذلك.

(211) قد يجعل ذلك كقاعدة بأن: «كلما لا يعلم إلا من قبل المدعي يقبل قوله فيه بلا بينة مع عدم المنازع في البين»، كدعوى الفقر و دعوى السيادة و نحو ذلك و لكن إثبات الكلية لذلك مشكل فلا بد من التمسك به من جبر يعمل الأصحاب و قرائن معتبرة.

(212) أرسله المحقق و الشهيد الثانيين إرسال المسلمات، لقاعدة الصحة من غير دليل على الخلاف إلا دعوى انه مع عدم العلم به يتحقق الغرر و هو منفي

ص: 266

كما لا يشترط العلم بمقداره (213) فلو ادعى رجل على آخر دينا فقال «عليّ ما عليه» صح، و حينئذ فإن ثبت بالبينة يجب عليه أداؤه سواء كانت سابقة أو لا حقة (214)، و كذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان أو باليمين المردودة كذلك (215)، و أما إذا أقر المضمون عنه بعد الضمان، أو

______________________________

بقاعدة «نفي الغرر» فيبطل أصل الضمان حينئذ، و قد نسب ذلك في مفتاح الكرامة إلى ظاهر الأصحاب.

و فيه: أولا أن النسبة إلى ظاهر الأصحاب مشكل.

نعم، ظاهر الشرائع و القواعد ذلك.

و ثانيا: أنه لا غرر فيه لا عرفا و لا عقلا، لأن المضمون عنه إما مديون أو لا، و على الأول يتحقق موضوع الضمان قهرا و في الواقع، و على الثاني لا موضوع له أصلا فأين يتحقق الغرر؟ و يمكن أن يستأنس لذلك بما مر في المسألة الأولى من عدم اعتبار العلم بقدر الدين إذ يستفاد منه أن الضمان مبنى على المسامحة.

(213) تقدم ما يتعلق به في المسألة الأولى فراجع.

(214) لعموم دليل اعتبار البينة من الإجماع و قوله عليه السّلام: «و الأشياء كلها على هذا حتى يتبين غير ذلك أو تقوم به البينة» (1)، و المراد بالسبق و اللحقوق سبق قيام البينة على الضمان أو لحوقه له.

(215) أما الثبوت بالإقرار الثابت على الضمان، فلعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز و هو من القواعد المعتبرة شرعا و عرفا.

و أما اليمين المردودة فكما إذا أنكر المضمون عنه الدين الذي يدعيه المضمون له، و لم يكن له بينة على دعواه فتوجه على المضمون عنه اليمين على نفي دعوى المضمون له فلم يحلف ورد اليمين إلى المضمون له فحلف على ثبوت دعواه و يثبت الدين حينئذ، و اليمين المردودة حجة في إثبات الحق

ص: 267


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به: 4.

ثبت باليمين المردودة فلا يكون حجة على الضامن إذا أنكره (216) و يلزم المضمون عنه بأدائه في الظاهر (217) و لو اختلف الضامن و المضمون له في ثبوت الدين أو مقداره فأقر الضامن أو رد اليمين على المضمون له فحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكرا (218) و إن كان أصل الضمان بإذنه، و لا بد في البينة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت و لم يعلم سبقه على الضمان

______________________________

و فصل الخصومة كما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

و أما قوله رحمة اللّه «كذلك» أي قبل الضمان كما هو واضح.

(216) لعدم الاعتبار بإقراره، لكونه في حق الغير، و كذا اليمين المردودة من هذه الجهة بناء على كونها كالإقرار و إن كانت حجة لدى الحاكم في فصل الخصومة، و لا بأس بأن يكون شي ء حجة من جهة و غير حجة من جهة أخرى كما يأتي ذلك في كتاب القضاء.

(217) أخذ له بإقراره و يمينه بالنسبة إلى نفسه لجواز التفكيك في مفاد الحجج كما يأتي في محله و تنظر في هذا اللزوم شيخنا المحقق الآغا ضياء الدين العراقي قدس سرّه في حاشيته الشريفة لأنه إن كان مشغول الذمة قبل الضمان فقد برئت بالضمان، و إن لم يكن مشغول الذمة فلا موجب للأداء.

و يمكن المناقشة فيه بأنه بالإقرار يثبت اشتغال الذمة ثبوتا ظاهريا كما في جميع موارد ثبوت الدعاوي، و الانتقال إلى ذمة الضامن إنما هو في الرتبة المتأخرة، و يمكن التفكيك بين الرتبتين عقلا و عرفا، فإذا وردت خدشة على الرتبة الأخيرة من حيث كونه من الإقرار في حق الغير تبقى الرتبة الأولى سالمة عن الإشكال، و لعله لذلك قرر المسألة على ما في المتن بقية مشايخنا قدس سرّه.

(218) لعدم حجة شرعية لثبوت الدين في ذمة المضمون عنه أما الإقرار فلعدم كونه حجة في حق الغير كما في جميع الموارد، و كذا اليمين المردودة إلى

ص: 268

أو لحوقه لم يجب على الضامن أداؤه (219).

مسألة 29: لو قال الضامن «علىّ ما تشهد به البينة» وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلم بهذا الكلام

(مسألة 29): لو قال الضامن «علىّ ما تشهد به البينة» وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلم بهذا الكلام (220) لأنها طريق إلى الواقع و كاشف عن كون الدين ثابتا حينه (221) فما في الشرائع الحكم بعدم الصحة لا وجه له، و لا للتعليل الذي ذكره بقوله «لأنه لا يعلم ثبوته في الذمة» إلا أن يكون مراده في صورة إطلاق البينة المحتمل للثبوت بعد الضمان (222)، و أما ما في الجواهر من أن مراده بيان عدم صحة ضمان ما

______________________________

المضمون له، لأنها كالإقرار فلا تنفذ بالنسبة إلى الغير.

(219) للأصل بعد عدم قيام حجة معتبرة على ثبوت الدين حال الضمان،

(220) لأنه هو الظاهر من سياق هذا الجملة المذكورة في لسانه.

(221) أي: حين الضمان، و هذا من المسلمات في المحاورات المستفادة من مثل هذه الجملة «علي ما تشهد به البينة» ثمَّ ان هذه الجملة يحتمل ثبوتا فيها أمور:

الأول: ما قلناه و استفدناه من المحاورات.

الثاني: أعم من الثبوت الفعلي و ما يثبت بعد ذلك.

الثالث: خصوص ما يثبت بعد ذلك و الاحتمالان الآخران صحيح ثبوتا، و لكن ظاهر هذا الكلام آب عن إثباته بحيث يصح الاحتجاج به في المحاورات إلا مع وجود قرينة معتبرة على تعيين أحدهما، و من ذلك يمكن أن يجعل النزاع في الصحة و عدمه لفظيا يعني: أن من يقول بالصحة أي الشهادة الفعلية، و من يقول بعدم الصحة أي: في أحد الاحتمالين الآخرين الذي قلنا بقصور الكلام عن إثباته في مقام الاحتجاج، و من يقول بالصحة فيها أيضا أي مع وجود القرينة المعتبرة بحيث يصح الاحتجاج.

(222) و هذا هو القسم الأخير الذي ذكرناه.

ص: 269

يثبت بالبينة من حيث كونه كذلك لأنه من ضمان ما لم يجب حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمته لتكون البينة طريقا بل جعل العنوان ما يثبت بها و الفرض وقوعه قبل ثبوته بها، فهو كما ترى لا وجه له (223).

مسألة 30: يجوز الدور في الضمان

(مسألة 30): يجوز الدور في الضمان (224) بأن يضمن عن الضامن ضامن آخر و يضمن عنه المضمون عنه الأصيل و ما عن المبسوط من عدم صحته لاستلزامه صيرورة الفرع أصلا و بالعكس، و لعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان، مردود بأن الأول غير صالح للمانعية (225) بل الثاني أيضا كذلك، مع أن الفائدة تظهر في الإعسار و اليسار و في الحلول و التأجيل

______________________________

(223) لبعده عن ظاهر الكلمات، مع انه لا بد، و أن يذكر هذا الفرع حينئذ في أول بيان شروط الضمان، و بناء على توجيه صاحب الجواهر يصير النزاع لفظيا بينهم كما مر فإن كان من ضمان ما لا يجب فلا يصح لظهور اتفاقهم عليه و إلا فيصح.

و خلاصة كلماتهم في توجيه كلام صاحب الشرائع و من تبعه وجوه.

فتارة: يحمل على ضمان المجهول كما عن مفتاح الكرامة.

و أخرى: على ضمان ما ليس مفروض الثبوت حال الضمان كما عن المسالك و جامع المقاصد.

و ثالثة: على ضمان ما لم يجب كما عن صاحب الجواهر.

و رابعة: على عدم العلم بالثبوت حتى بعد الضمان و يمكن أن يكون الكل من تفسير ما لا يرضى صاحبه.

(224) لإطلاق الأدلة و أصالة الصحة و عدم المانع من عقل أو نقل.

(225) إذ لا مانع في صيرورة الفرع أصلا و بالعكس في الاعتباريات القائمة بالاعتبار، و كذا الإشكال الثاني لأن عدم الفائدة لا يوجب خروج المورد عن تحت الإطلاق و الأصل بعد وجود غرض صحيح في البين بل هو الفائدة حينئذ

ص: 270

و الإذن و عدمه (226) و كذا يجوز التسلسل بلا إشكال (227).

مسألة 31: إذا كان المديون فقيرا يجوز أن يضمن عنه بالوفاء من طرف الخمس

(مسألة 31): إذا كان المديون فقيرا يجوز أن يضمن عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق عليه إذا كانت ذمته مشغولة بها فعلا (228). بل و إن لم تشتغل فعلا على

______________________________

فلا معنى لنفي الفائدة بقول مطلق.

(226) بلا إشكال فيه و مر نظيره في المسألة السابعة و العشرين.

(227) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(228) لأنه من أحسن موارد عون المؤمن المأذون فيه عقلا و شرعا و المرغب إليه بنصوص مستفيضة منها قولهم عليهم السّلام: «اللّه تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المؤمن» (1)، فمثل هذه الأدلة يعطي نحو إذن شرعي و ولاية شرعية لذوي الحقوق في صرف حقوقهم في مصارف الفقراء، إلا فيما دل دليل خاص على توقفه على إذن شخص خاص كسهم الإمام عليه السّلام ورد المظالم بناء على توقف أدائه على الإذن، و كذا المتواترة الواردة في الترغيب إلى قضاء حاجة المؤمن (2)، فيضمن و يؤدي فيما لا يحتاج إلى الإذن أو يضمن و يؤدي ثمَّ يستأذن ممن له الإذن فلا مانع من ذلك من عقل أو شرع.

إن قيل: فيما يحتاج إلى الإذن ثمَّ يستأذن يكون من الفضولي.

يقال: لا بأس به لما أثبتناه انه موافق للقاعدة و عمدة إشكالهم رحمة اللّه في المقام عدم ولاية المالك لذلك.

و فيه: انه لا ريب في أن ولاية الصرف له في مطلق الصدقات إلا في سهم الإمام عليه السّلام ورد المظالم على قول، مع أن ما ذكرناه من النصوص اذن و ولاية عرفا.

ص: 271


1- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.
2- راجع الوسائل باب: 25 من أبواب فعل المعروف.

.....

______________________________

و بالجملة: ولاية الحسبة للمؤمنين لمثل هذه الأمور ثابتة قطعا لمن تأمل في مذاق الشريعة المقدسة السمحة السهلة فيصح الضمان حينئذ.

و الإشكال عليه أولا: بأن الصحة متوقفة على ثبوت الولاية للضامن و الأصل عدمها كما ثبت في محله.

مردود، بأن الولاية عبارة عن صحة القيام بالعمل و الإذن من الشارع فيه، و ظهر مما مر صحة كل منهما فتحقق الولاية قهرا و اعتبار الزائد على ذلك مشكوك و منفي بالأصل.

و ثانيا: بأن في مثل الخمس و نحوه تمليك للمستحق و لا وجه لتمليك الضامن فلا يصح ذلك.

و هو مخدوش أولا بأنه لا فرق في الصدقات مطلقا من الزكاة و الخمس فإن استفادوا ذلك من كلمة «اللام» في قوله تعالى فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ (1)، هنا و بين تلك الكلمة في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ (2)، و المتحصل من مجموع الاثنين في الموردين بيان مصرف المال.

نعم، يتملك المستحق بالأخذ و هذا غير أن يقصد المعطي التمليك كما هو واضح.

و ثانيا: على فرض انه يعتبر التمليك فأي مانع من أن يقصد التمليك بعد كون المورد مأذون من الشارع الذي هو ولى الملك بالعمومات و الإطلاقات التي مرت الإشارة إليها.

و دعوى: أن كلامه هنا مناف لما مر منه قدس سرّه في (مسألة 24) فيمكن دفع المنافاة بأن مراده في (مسألة 24) المال الخاص المعين الذي ليس للمضمون له معرضية أخذه بدون الضمان، و هو غير متحقق في المقام لفرض أن للمضمون له معرضية أخذ الحقوق المنطبقة عليه، و هذا المقدار من الفرق يكفي في رفع

ص: 272


1- سورة الأنفال: 11.
2- سورة التوبة: 60.

إشكال (229).

______________________________

التنافي كما هو معلوم.

و توهم انه من صرف الحقوق في الوفاء عن ذمة المالك فلا يصح مطلقا- زكاة كان أو غيرها.

فاسد: لأن ذمة المالك يتصور على قسمين:

الأول: ذمة شخصية من حيث هو.

الثاني: كونه طريقا إلى الوفاء عن ذمة المديون الذي تنطبق عليه الحقوق و لا إشكال فيه و المقام من الثاني دون الأول.

ثمَّ انه لا فرق بين أن يكون ذلك من الضمان الاصطلاحي أو التعهد بالوفاء المنطبق عليه عرفا.

و دعوى: أنه حينئذ يرجع إلى الوعد الذي لا يجب الوفاء به.

مردود، لفرض انه تعهد بذلك، و لفرض صدق الضمان عليه عرفا فكيف يكون هذا وعدا؟!

(229) منشأه انه اختص الضمان بما لا تحقق و لا ثبوت له، فيكون من اشتراط الضمان في مال معين لا وجود له فيبطل.

و فيه: ان محتملات هذا الضمان ثلاث:

الأول: أنه يضمن دينه و يشترط بأن يحصل دينه من الحقوق، و هو صحيح لصحة اشتراط شي ء في الضمان.

الثاني: انه في معرض ثبوت الحق معرضية قريبة عرفية، و هو أيضا صحيح، لأنه ليس من ضمان ما لم يجب عرفا.

الثالث: أن لا يكون من هذين القسمين فلا يشترط تحصيل دينه من حقوق غيره، و ليس بنفسه معرضا له و لا يضمن بالذمة المطلقة، و الظاهر البطلان حينئذ فلا يبقي بعد ذلك مورد للإشكال.

ص: 273

مسألة 32: إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمسا جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي

(مسألة 32): إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمسا جاز أن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي (230) بل و لآحاد الفقراء على إشكال (231).

مسألة 33: إذا ضمن في مرض موته

(مسألة 33): إذا ضمن في مرض موته فإن كان بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل، لأنه ليس من التبرعات بل هو نظير القرض و البيع بثمن المثل نسيئة، و إن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الأصل كسائر المنجزات.

نعم، على القول بالثلث يخرج منه (232).

مسألة 34: إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته

(مسألة 34): إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته لا يصح ضمانه كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة و كما إذا اشترط أداء الدين من مال معين للمديون، و كذا لا يجوز ضمان الكلي في المعين كما إذا باع

______________________________

(230) لأن له الولاية على الصدقات و الاستيلاء عليها فيصح صدق المضمون له بالنسبة إليه عرفا و شرعا، فتشمله العمومات و الإطلاقات قهرا.

(231) منشأه انه ليس لهم ملكية فعلية أو حق فعلي حتى يصح الضمان، و لكنه مخالف للأدلة الدالة على «أن اللّه تعالى شرّك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال» (1)، و المشهور ذهبوا إلى أن هذه الشركة شركة عينية خارجية، و ذهب المحققون من متأخر المتأخرين إلى أن الشركة شركة حقية إما بنحو حق الرهانة أو حق منذور التصدق أو نحو حق خاص و متعلقة الكلي في المعين، و قد فصلنا القول في كتاب الزكاة و الخمس فراجع، فلا إشكال في صحة الضمان بناء على الشركة العينية و كذا بناء على الحقية فراجع و تأمل.

(232) المسألة مبنية على أن منجزات المريض في مرض الموت هل

ص: 274


1- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب المستحقين للزكاة: حديث: 4.

صاعا من صبرة معينة، فإنه لا يجوز الضمان عنه و الأداء من غيرها مع بقاء تلك الصبرة موجودة (233).

مسألة 35: يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة

(مسألة 35): يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة لأنها دين على الزوج (334) و كذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكنة في صبيحته لوجوبها عليه حينئذ (235) و إن لم تكن مستقرة لاحتمال نشوزها في أثناء النهار بناء على سقوطها بذلك (236)، و أما النفقة المستقبلة فلا يجوز

______________________________

تخرج من الأصل أو من الثلث، و فصلنا القول فيها في كتاب الوصية و اخترنا خروجها من الأصل فراجع، و الوجه في صدر المسألة واضح حسب ما ذكره قدّس سرّه.

(233) الفروع الثلاثة المذكورة في هذه المسألة لا تخلو عن أقسام ثلاثة:

الأول: أن تكون اشتراط المباشرة و الأداء من المال المعين و الكلي في المعين من باب وحدة المطلوب دقة حقيقية فلا موضوع للضمان حينئذ لأنه خلف.

الثاني: أن يكون ذلك كله من تعدد المطلوب كما هو الغالب في مثل هذه الأمور عرفا، و الظاهر الجواز.

الثالث: ما إذا شك في أنه من أي القسمين، و مقتضى أصالة الصحة و الإطلاقات و العمومات الحاقة بالقسم الثاني، هذا إذا كانت الخصوصية قيدا لعمل المضمون عنه، و أما إذا كانت قيدا لنظره فلا ريب في صحة الضمان حينئذ فتقع خياطة الضامن بنظر المضمون عنه و أدائه للدين من المال المعين بنظره و وفائه له من الكلي في المعين كذلك.

(234) سيأتي تفصيله في النفقات من كتاب النكاح.

(235) فيكون المقتضي لاشتغال الذمة موجودا و المانع عنه مفقودا فيصح الضمان لا محالة، فإن المتعارف بين الناس انهم يرون أن الزوج مشغول الذمة بالإنفاق على زوجته بما هو متعارف بين طبقاتهم المختلفة.

(236) هذا بناء على الثبوت المستقر أول اليوم ثمَّ السقوط بالنشوز من

ص: 275

ضمانها عندهم لأنه من ضمان ما لم يجب، و لكن لا يبعد صحته لكفاية وجود المقتضي و هو الزوجية (237)، و أما نفقة الأقارب فلا يجوز ضمانها بالنسبة إلى ما مضى لعدم كونها دينا على من كانت عليه (238) إلا إذا أذن

______________________________

الأول و لكنه لا دليل عليه، و كذا بناء على الثبوت المتزلزل المراعى بعدم النشوز كما هو المنساق من الأدلة.

و أما الثبوت في الذمة مطلقا أو الثبوت و السقوط بالنشوز من حينه فمقتضى الأصل عدمهما و عدم دليل ظاهر عليهما، و يأتي التفصيل في النفقات في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.

(237) مع إحراز عدم النشوز بالقرائن المعتبرة و كون مدة الضمان مدة يسيرة يمكن أن يقال بالصحة لأنه بمنزلة الثابت عرفا، و تقدم في الشرط الثامن من شروط الضمان ما ينفع المقام فراجع.

(238) للأصل و الإجماع و سيرة المتشرعة و عدم قضاء ما فات عنهم من نفقة الأقارب.

و دعوى: ان الأصل هو القضاء في كل حق مالي لآدمي كما عن صاحب الجواهر.

مخدوش، لظهور الكلمات في أنها من مجرد الحكم التكليفي كنجاة النفس المحترمة من الجوع و الهلاكة، و لم يحتمل أحد القضاء لو فات نجاة النفس المحترمة عن شخص.

و بالجملة الاحتمالات ثلاثة:

الأول: ثبوت كونها حقا ماليا لآدمي.

الثاني: الشك في أنها حق أو من مجرد الحكم.

الثالث: ثبوت كونها من مجرد الحكم التكليفي، و مقتضى الأصل عدم القضاء في الأخيرين إلا بدليل صحيح يدل عليه و هو مفقود، و يأتي في أحكام

ص: 276

للقريب أن يستقرض و ينفق على نفسه أو أذن له الحاكم في ذلك (239).

إذ حينئذ يكون دينا عليه، و أما بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم يجب- مضافا إلى أن وجوب الإنفاق حكم تكليفي و لا تكون النفقة في ذمته- و لكن مع ذلك لا يخلو عن الإشكال (240).

مسألة 36: الأقوى جواز ضمان مال الكتابة

(مسألة 36): الأقوى جواز ضمان مال الكتابة سواء كانت مشروطة أو مطلقة (241).

______________________________

النفقات تتمة الكلام.

(239) لثبوت الإذن الشرعي في الاستقراض في كل منهما فيصير دينا على المنفق و يتحقق موضوع الضمان حينئذ.

(240) وجه الإشكال أن الوجوب التكليفي عن قسمين:

الأول: ما كان تكليفيا محضا غير منوط بالمال كوجوب رد السلام مثلا.

الثاني: ما كان متعلقه المال بحيث يكون الوجوب بدون ملاحظته كاللغو الباطل، و في مثله يمكن أن يقال بالاشتغال في الجملة كما في ما نحن فيه فيتحقق منشأ الاشتغالين التكليفي و الوضعي- في الذمة- في الجملة.

و لكن إرسالهم بأن وجوب نفقة الأقارب تكليفي محض يوجب و هن الإشكال.

و الحاصل أن الإنفاق أقسام ثلاثة:

الأول: ذمي محض فيتبعه الوجوب التكليفي كنفقة الزوجة.

الثاني: تكليفي محض كانجاء النفس المحترمة، إذ لم يتوهم أحد اشتغال الذمة فيه لو ترك.

الثالث: ما هو مشوب بهما كنفقة الأقارب، و هذا وجه حسن ثبوتا و الاستدلال عليه بظواهر الأدلة لو لا إجماعهم على عدم اشتغال الذمة في الأخير، و لكن البحث في اعتبار مثل هذا الإجماع، و يأتي الكلام في أحكام النفقات.

(241) كما عن جمع كثير منهم المحققين و الشهيدين و العلامة، و عن بعض

ص: 277

لأنه دين في ذمة العبد (242)، و إن لم يكن مستقرا لإمكان تعجيز نفسه (243)، و القول بعدم الجواز مطلقا أو في خصوص المشروطة معللا بأنه ليس بلازم و لا يؤول إلى اللزوم، ضعيف (244) كتعليله، و ربما يعلل بأن لازم ضمانه لزومه مع أنه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم فيكون في الفرع لازما مع أنه في الأصل غير لازم و هو أيضا كما ترى (245).

مسألة 37: اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة

(مسألة 37): اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل، و كذا مال السبق و الرماية فقيل لعدم الجواز لعدم ثبوته في الذمة قبل العمل، و الأقوى وفاقا لجماعة الجواز (246)، لا لدعوى ثبوته في الذمة من الأول و سقوطه إذا لم يعمل، و لا لثبوته من الأول بشرط مجي ء العمل في المستقبل إذ الظاهر أن الثبوت إنما هو بالعمل بل لقوله تعالى:

وَ لِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ، و لكفاية المقتضي للثبوت (247).

______________________________

دعوى عدم الخلاف في المطلقة.

(242) بلا إشكال فيه من أحد و يقتضيه العرف و الوجدان.

(243) فيسقط الدين حينئذ بسقوط اعتبار الذمة بعد العجز عن الأداء.

(244) نسب هذا القول إلى الشيخ في المبسوط و وجه ضعفه أنه لا دليل على اعتبار اللزوم و الرجوع إليه في صحة الضمان، و انما المعتبر هو الدين فعلا أو ما هو له معرضية قريبة عرفا.

(245) لأنه لا دليل من عقل أو نقل على بطلانه، و مقتضى أصالة الصحة و الإطلاق صحته كما في ضمان الثمن مثلا في زمن الخيار، فالدليلان باطلان سوآء عد كل واحد منهما دليلا مستقلا للاختلاف الاعتباري الذي يكون بينهما أو أرجع الأول إلى الثاني.

(246) منهم الشيخ و العلامة.

(247) إذا كان قريبا عرفا كما هو الواقع كثيرا بين الناس في هذه الأعصار،

ص: 278

في صحة الضمان و منع اعتبار الثبوت الفعلي، كما أشرنا إليه سابقا (248).

مسألة 38: اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة

(مسألة 38): اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب و المقبوض بالعقد الفاسد و نحوهما على قولين، ذهب إلى كل منهما جماعة، و الأقوى الجواز (249) سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام

______________________________

و يمكن أن يقال: إن الضمان على الأقسام:

الأول: ما كان تحويلا لذمة المضمون عنه في الدين الفعلي.

الثاني: ما كان كذلك فيما كان له معرضية قريبة للفعلية.

الثالث: ما كان التزاما و تعهدا للمضمون عنه بشي ء و الكل صحيح للعموم و الإطلاق و أصالة الصحة، و واقع في الخارج عند العرف، فلا يكون التمسك بالعمومات و الإطلاقات من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك كما عن بعض مشايخنا (1) قدس سرّه، و لا موجب للاقتصار على القسم الأول، من عقل أو نقل، فليكن نظائر المقام من القسم الأخير، و ما هو المعروف من أن الضمان: «نقل ذمة إلى ذمة أخرى» انما هو من باب الغالب لا من باب التخصيص.

و من ذلك يظهر أنه يمكن أن يكون نزاعهم في مثل هذه الفروع صغرويا لا أن يكون نزاعا علميا كبرويا.

(248) راجع الشرط الثامن من شروط الضامن.

(249) تبعا لجمع منهم الشيخ و المحقق و العلامة «رحمهم اللّه تعالى» و لا بد من بيان أمور:

الأول: الضمان كسائر عناوين العقود و الإيقاعات من المفاهيم العرفية يدور تحققها مدار الصدق العرفي ما لم يردع الشارع عنه، فمهما يصح صدقه كذلك تشمله الأدلة، و مقتضى المرتكزات صحة العقد، و لا يكون التمسك

ص: 279


1- هو المحقق العراقي رضوان اللّه تعالى عليه.

ص: 280

ردّها عينا (250) و مثلها أو قيمتها على فرض التلف أو كان المراد ضمانها

______________________________

بالعمومات و الإطلاقات من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك كما مر.

الثاني: الظاهر أن الضمان بأي وجه كان سواء كان ضمانا عقديا أو ضمان اليد لا ربط له بالحكم الشرعي و إن وجب الوفاء في الأول و الأداء في الثاني كما في جميع الوضعيات التي يكون في موردها حكم شرعي، فاحتمال المنع في المقام من هذه الجهة كما نسب إلى جامع المقاصد مخدوش.

الثالث: كما يصح اعتبار الدين في ذمة الضامن و نقله من ذمة المضمون عنه إليها كذلك يصح اعتبار العين في ذمته أيضا، إذ الاعتبار خفيف المؤنة جدا.

و عن جمع من محققي مشايخنا قدّس سرّه في الأعيان المغصوبة و ما يلحق بها إن نفس العين في ذمة الغاصب بشخصها ثمَّ تتبدل إلى المالية مثلا أو قيمة حين الأداء مع التلف أو تعذر رد الشخص أو النوع، فيجوز في المقام اعتبار نفس العين في ذمة الضامن كما في ضمان الدين بلا محذور فيه.

الرابع: تقدم في بيان الشرط السابع من شروط الضمان عدم الدليل على بطلان التعليق في الضمان إلا الإجماع و تحققه في المقام مشكل، لذهاب، جمع إلى الصحة، مع أنه في الواقع من التعليق على مقتضى العقد، و منه يظهر المناقشة في دعوى الإجماع في أصل المسألة، فلا دليل على بطلانه من هذه الجهة أيضا، مع أن معنى الضمان هو التعهد و هو فعلي مطلقا و التعليق انما هو في أثره لا في ذات التعهد كما لا يخفى، و في مثله لا دليل على البطلان أصلا بل هو واقع في العقود كثيرا كالجعالة و السبق و الرماية و السلف و النسيئة و غيرها.

(250) الوجوه المحتملة ثلاثة:

الأول: ضمان العين بمعنى تعهد ردها عينا مع البقاء ورد ماليتها مع التلف، و المالية إما بالمثل أو بالقيمة فيتحقق الضمان أولا و بالذات بالعين و مع التلف بالبدل.

ص: 281

بمعنى التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت، و ذلك لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله «الزعيم غارم» و العمومات العامة مثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و دعوى أنه على التقدير الأول (251) يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردها مع أن الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى.

و أيضا لا إشكال في أن الغاصب أيضا مكلف بالرد فيكون من ضم

______________________________

الثاني: تعهد المثل أو القيمة إذا تلف فتعلق الضمان أولا و بالذات بالبدل لكن في ظرف تلف العين.

الثالث: ضمان المالية المتحققة في العين و البدل طولا، و الفرق بينه و بين الوجه الأول أن في الوجه الأول تعلق العهد أولا و بالذات بنفس العين الشخصية بخلاف الوجه الأخير فإنه تعلق بالمالية المتحققة بخصوص العينية.

تارة: و بالبدل.

أخرى: بحيث يكون التقييد داخلا و القيد خارجا.

و كل هذه الوجوه ثبوتا لا محذور فيه و يأتي التعرض للإشكالات و الجواب عنها.

(251) هذا هو الإشكال الأول، كما أن قوله رحمة اللّه: «من ضم ذمة إلى ذمة أخرى» هو الإشكال الثاني، و قوله رحمة اللّه: «من ضمان ما لم يجب» هو الإشكال الثالث، و قد ذكر هذه الإشكالات في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما؛ و قد ذكر إشكال أنه حكم شرعي لا يقبل الضمان و ليس بحكم وضعي و هو من مجرد الادعاء كما مر، و كل هذه الإشكالات مخدوشة:

أما الأول: فلإمكان اعتبار العين في العهدة سواء كانت عهدة شخص أو أشخاص طولا كما في الأيادي المتعاقبة و توهم: انه يلزم وجود شي ء واحد في محلين لأن العين موجودة في الخارج فلو وجدت في الذمة يلزم المحذور.

ص: 282

.....

______________________________

مدفوع: بأنه لا محذور في تعدد الوجود إذا كان بالاختلاف كما في الوجود الخارجي و الذهني و الاعتباري، و في المقام أحد الوجودين خارجي و الآخر اعتباري فلا محذور من هذه الجهة، و لا ينافي ذلك كون الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى لعدم المنافاة بين المثبتين بعد كونهما موافقا للعرف و الاعتبار، و كون الغالب فيه كونه نقل الحق لا يوجب تقوم حقيقته به مع إمكان تصوير التعميم فيه، و هذا الإشكال عام في جملة من عناوين العقود التي عرّفت، بما هو الغالب فيها، مع أن حقائقها أعم منه و قد تقدم نظيره في أول كتاب البيع.

أما الثاني: فإن كان ذلك عرضيا لا يصح عندنا، و إن كان طوليا كما في الأيادي المتعاقبة فلا محذور فيه، و قد تقدم في (مسألة 26).

أما الأخير فقد مر غير مرّة أنه مع المنشائية القريبة العرفية ليس من ضمان ما لم يجب عرفا و إن كان كذلك دقة و لكن الشرعيات ليست مبنية على الدقيات.

أما الإشكال على التمسك بالعمومات بأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك فلا وجه له، لفرض أن العرف يراه ضمانا، فالموضوع محرز عرفا و الأدلة منزلة عليه.

و أما الإشكال على النبوي: «الزعيم غارم»(1)، بخبر حسن بن خالد قال:

«قلت لأبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك قول الناس الضامن غارم. فقال عليه السّلام: ليس على الضامن غرم الغرم على آكل المال» (2)، فالمراد به استقرار الغرم عليه لا نفي تحقق الغرم و لو في الجملة ثمَّ صحة الرجوع فيما غرم إلى المضمون عنه، فإن الغرم في الجملة الضامن مقوم حقيقة الضمان كما هو معلوم فلا تنافي بين النبوي و الحديث.

فيصح جعل النبوي من أدلة الضمان بعد شهادة نفس الكلام بصدوره عنه صلّى اللّه عليه و آله.

ص: 283


1- تقدما في صفحة: 230.
2- تقدما في صفحة: 230.

ذمة إلى أخرى و ليس من مذهبنا، و على الثاني يكون من ضمان ما لم يجب، كما أنه على الأول أيضا كذلك بالنسبة إلى رد المثل أو القيمة عند التلف، مدفوعة بأنه لا مانع منه بعد شمول العمومات غاية الأمر أنه ليس من الضمان المصطلح (252) و كونه من ضمان ما لم يجب لا يضر بعد ثبوت المقتضى (253) و لا دليل على عدم صحة ضمان ما لم يجب من نص أو إجماع- و إن اشتهر في الألسن- بل في جملة من الموارد حكموا بصحته (254) و في جملة منها اختلفوا فيه فلا إجماع (255) و أما ضمان الأعيان الغير المضمونة كمال المضاربة و الرهن و الوديعة قبل تحقق سبب

______________________________

(252) بعد ما تقدم في الشرط السابع من صحة كون الضمان في ضمان الأعيان المضمونة فعليا و آثاره تعليقيا يصير هذا من الضمان المصطلح و لا إشكال فيه.

(253) خصوصا إذا كانت له معرضية قريبة عرفا.

(254) الظاهر أن تلك الموارد هي التي تكون فيها المعرضية العرفية بحيث لا يتشكك المتعارف في صحة الضمان فيها.

(255) هذا، و أما الإشكال على ضمان الأعيان المضمونة بأنه لا وجه له أصلا، لأن هذا الضمان إما بمعنى الوعد بالوفاء أو بمعنى التزام الوفاء عمن وجب الوفاء عليه شرعا، فإن كان المراد به هو الأول فلا ريب و لا إشكال في أن مورد الوعد لا يجب الوفاء فيخرج عن موضوع الضمان قهرا، فإن كان المراد به هو الثاني فهو مثل ما إذا التزم أحد بإتيان الفريضة اليومية عن شخص آخر، و لا ريب في عدم صحته و عدم السقوط عن الآخر و عدم كفاية إتيان الضامن فلا معنى للضمان على التقديرين أصلا.

فاسد: لأنه خلط بين الحكم التكليفي و الوضعي، إذ لا ريب في عدم صحة الضمان في مورد الأحكام التكليفية العينية بالنسبة إليها، و أما إذا كانت في المورد

ص: 284

ضمانها من تعدّ أو تفريط فلا خلاف بينهم في عدم صحته (256). و الأقوى بمقتضى العمومات صحته أيضا (257).

______________________________

جهة وضعية فلا إشكال في صحة الضمان كذلك فيجب على المضمون عنه الخروج عن تلك الجهة الوضعية، كما يصح الضمان بالنسبة إليها توثيقا للوفاء و الأداء بعد كون الضمان كالرهن على الشي ء من جهة و إن كان غيره من جهات.

(256) ادعى في الجواهر: عدم الإشكال و الخلاف فيه، و نسبه في التذكرة إلى علمائنا معللين بأنه غير مضمونة العين و لا مضمونة الرد فلا موضوع للضمان فيها.

و فيه: أن دعوى عدم الخلاف و النسبة إلى العلماء (رحمهم اللّه) مع ما ذكروه من التعليل يكشف عن استنادهما إلى العلة المذكورة لا أن يكون إجماعا تعبديا، و أما العلة فصحيحة لا بأس بها؛ و لكن يتصور الضمان فيها.

تارة: بلحاظ عدم موجب الضمان أصلا و الحق معهم لأن ما لا يتصور فيه موجب الضمان يكون الضمان لغوا حينئذ.

و أخرى: يلحظ مع لحاظ موجبه و لا مانع حينئذ من عقل أو نقل من صحة اعتبار هذا الضمان فيرجع إلى الضمان الفعلي التعليقي الأثر، و لا محذور فيه أصلا و شمول إجماعهم- على فرض تحققه- لمثله مشكل بل ممنوع.

(257) أى: بلحاظ الطواري الموجبة للضمان، و قد ظهر صحته مما قلنا آنفا، فلا وجه للإشكال عليه كما عن جمع من مشايخنا (رحمهم اللّه) لعدم الموضوع للتمسك بالعمومات أو التشكيك فيه فكيف يتمسك فيه بالعمومات؟! و فيه: بعد إمكان فرض صحته فيكون الموضوع عرفي يصح التمسك فيه بالعمومات.

و خلاصة المقام لنا أن نقول: بصحة الضمان في كل ما فرض فيه غرض صحيح غير منهي شرعا، و ضمان الأعيان المضمونة و الغير المضمونة يمكن أن

ص: 285

مسألة 39: يجوز عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك الثمن

(مسألة 39): يجوز عندهم بلا خلاف بينهم (258) ضمان درك الثمن (259) للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقا للغير، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن- كما قيد به الأكثر (260)- أو مطلقا- كما أطلق آخر (261)- و هو الأقوى (262) قيل:

و هذا مستثنى من عدم ضمان الأعيان (263) هذا و أما لو كان البيع صحيحا

______________________________

يكون فيها غرض صحيح بل هو كثير الوقوع في المسائل المستحدثة العصرية.

(258) كما عن جمع منهم صاحب الجواهر، و عن الشهيد و المحقق الثانيين دعوى اطباق الناس عليه.

(259) يعنى يتعهد الضامن تدارك الثمن للمشتري عند عروض العوارض المذكورة و خوف المشتري أن يذهب ثمنه الذي أعطاه إلى البائع.

(260) نسب ذلك في مفتاح الكرامة إلى أكثر الكتب ما عدى المبسوط و الشرائع و اللمعة، و في الوسيلة و التذكرة و التحرير بأنه يصح مع قبض الثمن و لا يصح مع عدمه، و في الجواهر: «أن مراد من لم يصرح به هو ما صرح به الأكثر من التقييد» ضرورة عدم دخوله في عهدة البائع الذي هو المضمون عنه إلا بقبضه.

(261) منهم الشيخ و المحقق و الشهيد كما مر و حمل صاحب الجواهر إطلاق كلامهم على أن مرادهم ما نسب إلى الأكثر و لم يتعرضوا له لوضوحه

(262) لأن هذا نحو تأمين و استيثاق من المشتري لحفظ ماله عن التلف و الضياع عند ظهور كون المبيع مستحقا للغير، و لا مانع عنه من عقل أو شرع أو عرف بعد أن كان من لوازم الضمان الاستيثاق عرفا، و كون الغالب فيه انتقال الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن لا يوجب تخصص ذاته و حقيقته التي تكون أوسع من الغالب بخصوص مورد الغلبة.

(263) نسب هذا القول إلى جامع المقاصد و منشأ الاستثناء ذهاب الأكثر إلى صحته و إطباق الناس عليها مع اختلافهم في ضمان الأعيان المضمونة مع

ص: 286

و حصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض فعلى المشهور لم يلزم الضامن و يرجع على البائع لعدم ثبوت الحق وقت الضمان فيكون من ضمان ما لم يجب بل لو صرح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصح بمقتضى التعليل المذكور.

نعم، في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أنه هل يدخل في العهدة و يصح الضمان أو لا؟ فالمشهور على العدم، و عن بعضهم دخوله و لازمه الصحة مع التصريح بالأولى، و الأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق (264) و الصحة مع التصريح، و دعوى أنه من ضمان ما لم يجب (265) مدفوعة بكفاية وجود السبب، هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة

______________________________

صدق التعهد و الالتزام في المقام- كما مر في شرح المسألة السابقة- و الجامع العنواني القريب العرفي بين الأقسام الثلاثة التي تعرضنا لها هناك هو الضمان و التعهد و لا وجه لجعل ضمان الدرك مغايرا للقسمين الأخيرين كما فعله في المسالك، فراجع و تأمل فإنه رحمه اللّه لم يأت بدليل صحيح على المغايرة.

(264) هذا الاختلاف في فروع هذه المسألة و نظائرها لفظي بينهم فكل من يقول بعدم صحة الضمان فيما لا يجب مطلقا لا بد له من القول بعدم صحة الضمان في جميع هذه الموارد، و من يقول بصحته لا بد له من القول بالصحة في الجميع، و حيث قلنا بالصحة فيما له منشئية قريبة عرفا و غرض صحيح شرعي في البين للثبوت و ذلك لإقدام المتعارف عليه و عدم الاستنكار منهم له فيصح في الجميع، و لا نحتاج حينئذ إلى إطالة البحث في كل فرع مستقلا فإن المناط كله وجود غرض فيه غير منهي عنه شرعا- كما تقدم- فمع وجوده تشمله الأدلة قطعا و مع عدمه لا موضوع للضمان قهرا.

(265) هذه الدعوى مكررة في كلماتهم الشريفة و هي أساس ما أفتوا به من عدم صحة الضمان في أمثال هذه الموارد، و لعلهم أرادوا بقولهم: «ما لم يجب»

ص: 287

الثمن إذا حصل الفسخ، و أما بالنسبة إلى مطالبة الأرش فقال بعض من منع من ذلك بجوازها لأن الاستحقاق له ثابت عند العقد فلا يكون من ضمان ما لم يجب، و قد عرفت أن الأقوى صحة الأول أيضا و إن تحقق السبب حال العقد كاف، مع إمكان دعوى أن الأرش أيضا لا يثبت إلا بعد اختياره و مطالبته فالصحة فيه أيضا من جهة كفاية تحقق السبب، و مما ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع للبائع (266).

مسألة 40: إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقا

(مسألة 40): إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقا فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض و في البعض الآخر يتخير المشتري بين الإمضاء و الفسخ لتبعض الصفقة فيرجع على البائع بما قابله، و عن الشيخ قدس سرّه جواز الرجوع على الضامن بالجميع، و لا وجه له (267).

______________________________

أي: ما لم يجب فعلا و لا استعدادا و هو صحيح بلا إشكال فيه، و لكن لو أرادوا عدم الوجوب الفعلي مع الثبوت الاقتضائي الاستعدادي فهو مخالف للوجدان و العرف، بل العقل أيضا و الظاهر أنهم لا يقولون به و إن كانت عباراتهم مطلقة في الشمول لهذه الصورة أيضا.

(266) يظهر وجه الصحة فيه فيما مر.

و أما ما يقال: من الضمان في جميع ذلك ليس من الضمان المصطلح لعدم المضمون عنه فيها فعلا فمخدوش لأن العنوان الاعتباري كاف ما دام يصح الاعتبار عرفا كما في سائر الاعتباريات، و لا ريب في صحة اعتبار المضمون عنه بالنسبة إلى المشتري و البائع في المقام.

(267) لعدم جواز المقتضي للرجوع إليه بالنسبة إلى الجميع، لكون الضمان مقيدا بما ظهر، مستحقا للغير و هو البعض دون الجميع، و بهذا يدفع الإشكال عن الماتن بما ذكره بعض الشراح من أن مقتضى مبني الماتن رحمه اللّه حيث قال بصحة الضمان في المقام هو صحة الرجوع إلى الجميع.

ص: 288

مسألة 41: الأقوى وفاقا للشهيدين قدّس سرهما صحة ضمان ما يحدثه المشتري

(مسألة 41): الأقوى وفاقا للشهيدين قدّس سرهما صحة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إذا ظهر كونها مستحقة للغير و قلع البناء و الغرس فيضمن الأرش و هو تفاوت ما بين المقلوع و الثابت عن البائع، خلافا للمشهور لأنه من ضمان ما لم يجب (268) و قد عرفت كفاية السبب، هذا و لو ضمنه البائع قيل لا يصح أيضا (269)

______________________________

وجه الدفع أن الضمان مقيد في الواقع بما ظهر مستحقا للغير بعضا كان أو جميعا.

(268) كل من منع عن صحة هذا الضمان علل عدم الصحة بذلك فالنزاع في هذه المسألة أيضا لفظي فمن يذهب إلى صحة ضمان ما لم يجب مع وجود المعرضية القريبة العرفية يقول بالصحة، و من لا يقول بها لا بد له من القول بالبطلان فلا وقع لمثل هذا النزاع، و لا وجه للتعبد بقول المشهور بعد مساعدة العرف و الاعتبار على خلافه.

(269) نسب عدم الصحة إلى الشيخ رحمة اللّه و جمع من متأخر المتأخرين و استدلوا لعدم الصحة بأمور:

الأول: انه من ضمان ما لم يجب.

الثاني: انه لغو و تحصيل للحاصل لثبوت الضمان بحكم الشرع فلا وجه له حينئذ فيكون مثل الضمان الشخص عن نفسه.

الثالث: استنكار العرف لذلك و عدم كفاية تعدد الجهة لتعدد الضمان هذه هي الأدلة التي استدل بها لعدم الصحة.

و الكل باطل أما الأول: فلما مر مرارا من أنه لا دليل من عقل أو نقل على هذه القاعدة بنحو الكلية خصوصا إذا كانت في البين معرضية قريبة للثبوت بحيث يراه العرف كأنه ثابت.

و أما الثاني: فلا إمكان فرض الثمرة كما ذكر في المتن تبعا للمسالك

ص: 289

كالأجنبي و ثبوته بحكم الشرعي لا يقتضي صحة عقد الضمان المشروط بتحقق الحق حال الضمان، و قيل بالصحة لأنه لازم بنفس العقد فلا مانع من ضمانه لما مر من كفاية تحقق السبب (270) فيكون حينئذ للضمان سببان نفس العقد و الضمان بعقده، و يظهر الثمر فيما لو أسقط المشتري عنه حق الضمان الثابت بالعقد فإنه يبقى الضمان العقدي (271) كما إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما، و قد يورد عليه (272) بأنه لا معنى لضمان شخص عن نفسه و المقام من هذا القبيل، و يمكن أن يقال لا مانع منه مع تعدد الجهة (273) هذا كله إذا كان بعنوان عقد الضمان، و أما

______________________________

و ضمان الشخص عن نفسه لا بأس به إذا فرض فيه غرض عقلائي.

و اما الأخير: فلا استنكار من العرف بعد توجهه إلى الثمرة في الجملة.

و أما دعوى: عدم كفاية تعدد الجهة بالنسبة إلى شخص واحد فهو من مجرد الدعوى بعد كون الاعتباريات قابلة لكل اعتبار ما لم يمنع عنه العقل أو الشرع، فيصير المقام مثل: من نذر إتيان ما ثبت عليه وضعا أو تكليفا، و التعدد الاعتباري يكفي في الاعتباريات مطلقا و لا نحتاج إلى القول بالتأكيد.

(270) فلا موضوع حينئذ لتوهم كونه من ضمان ما لم يجب لفرض وجود السبب و تحققه.

(271) لكون كل منهما، أمران مستقلان و لا تلازم بينهما ثبوتا و سقوطا فيصح ثبوت أحدهما و سقوط الآخر.

(272) هو صاحب الجواهر قدس سرّه.

(273) الجهة الأولى: حاصلة من الالتزام الطبيعي الذي التزم على نفسه بجميع ما يتعلق به من الغرر و الدرك لا ربط بالتسليم.

و الثانية: تحصل بعقد الضمان المستأنف و التعدد الواقعي الحاصل بينهما لاختلافهما وجدانا، و كذا اختلاف الأثر بينهما أيضا.

ص: 290

إذا اشترط ضمانه فلا بأس به (274) و يكون مؤكدا لما هو لازم العقد.

مسألة 42: لو قال عند خوف غرق السفينة «ألق متاعك في البحر و عليّ ضمانه» صح

(مسألة 42): لو قال عند خوف غرق السفينة «ألق متاعك في البحر و عليّ ضمانه» صح بلا خلاف بينهم، بل الظاهر الإجماع عليه و هو الدليل عندهم (275) و أما إذا لم يكن لخوف الغرق بل لمصلحة أخرى من خفة

______________________________

نعم، موضوعهما ذمة واحدة كما مر في نذر شخص ما ثبت عليه وضعا أو تكليفا.

و أشكل عليه بأن الجهة تعليلية و الجهة التعليلية لا توجب التعدد في المتعلق فلا أثر لتعدد مثل هذه الجهة.

نعم، لو كانت الجهة تقييدية يكون لها أثر لتعددها واقعا كما هو معلوم.

و فيه: منع كونها تعليلية حقيقية دقية في مثل هذه الأمور الاعتبارية العرفية القابلة لأي اعتبار و فرض صح أن يفرض، فيدور ذلك مدار صحة الاعتبار بأي وجه اعتبر و لا وجه لخلط الدقيات العقلية بالاعتباريات العرفية، و لنا أن نرجع في نفي التعليلية إلى الأصل فنقول: أصل تعدد الجهة اعتبارا معلوم و نشك في خصوصية التعليلية و المرجع فيها الأصل، كما في سائر القيود و الخصوصيات المشكوكة.

(274) لعموم أدلة الشروط الشامل لكل شرط لم يقم على خلافه دليل.

و توهم أن الضمان ليس من الماهيات التشكيكية حتى يقبل التأكيد خلاف الوجدان فأين ضمان الملك للرعية و ضمان بعضهم لبعض، مع أن عدم التشكيك في الماهية محل بحث و نظر كما هو معلوم لأهل الخبرة و البصر.

(275) ادعى جمع إجماع المسلمين عليه منهم الشيخ و العلامة (رحمهم اللّه) و استثنوا أبا ثور و لم يعتنوا بخلافه لشذوذه و تعرضوا لأصل المسألة في كتب الفريقين في كتاب الضمان و الديات و غيرهما بالمناسبات، و كبرى المسألة أن الضمان هل يختص بنقل الحق الثابت كما هو الغالب فيه أو يعم جميع

ص: 291

السفينة أو نحوها فلا يصح عندهم (276) و مقتضى العمومات صحته أيضا.

______________________________

التعهدات التي فيها أغراض عقلائية، و قد تكرر منا مرارا أن الحق هو الثاني لأصالة الصحة و عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) و عدم دليل على الردع.

(276) لا دليل لهم على عدم الصحة إلا أن الضمان إنما هو نقل الحق و لا ريب في أنه الغالب فيه، و أما كونه مقوما لحقيقة الضمان فلا دليل عليه من عقل أو نقل، و الأدلة الشرعية المشتملة على النقل إنما هو تعرض للغالب لا لبيان الذات و الحقيقة كما هو واضح لذوي البصيرة، فالمدار كله على وجود الغرض الصحيح الغير المنهي عنه فمع وجوده يصح و مع العدم لا يصح.

و يمكن إرجاع نزاعهم في الصحة و عدمها إلى النزاع الصغروي.

هذا إذا قال: «الق متاعك في البحر و علي ضمانه»، أو نحو ذلك مما فيه أغراض عقلائية، و أما لو قال: «الق متاعك في البحر» مثلا و اقتصر عليه و لم يقل «علي ضمانه» فادعي الإجماع على عدم الضمان حينئذ و هو مشكل جدا، و أشكل منه تمسكهم بالأصل و ذلك لأصالة احترام المال و حصول التسبيب منه إلى تلفه، و يمكن حمل مورد الإجماع على فرض اعتباره ما إذا لم يكن الآمر أهلا لأن يتبع أمره وعد الإلقاء من تسامح المأمور عرفا فلا موجب للضمان حينئذ، لفرض استناد التلف إلى نفس المالك حينئذ.

و أما تنظير المقام بقصة الخضر عليه السّلام فلا ربط بها لأن قصة الخضر من الأسرار الواقعية و ما نحن فيه في التشريعيات فلا ربط لأحدهما بالآخر، و لذلك أشكل موسى عليه السّلام على الخضر لأن موسى كان مراعيا للشرع و الخضر كان مراعيا للإسرار الباطنية في الجملة.

ص: 292


1- سورة المائدة: 1.

تتمة

اشارة

تتمة قد علم من تضاعيف المسائل المتقدمة الاتفاقية أو الخلافية، أن ما ذكروه في أول الفصل من تعريف الضمان و أنه نقل الحق الثابت من ذمة إلى أخرى و أنه لا يصح في غير الدين و لا في غير الثابت حين الضمان، لا وجه له و انه أعم من ذلك حسب ما فصل (1).

مسألة 1: لو اختلف المضمون له و المضمون عنه

(مسألة 1): لو اختلف المضمون له و المضمون عنه في أصل الضمان فادعى أنه ضمنه ضامن و أنكره المضمون له فالقول قوله (2) و كذا لو ادعى (3) أنه ضمن تمام ديونه و أنكره المضمون له لأصالة بقاء ما كان عليه، و لو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد و يساره فادعى المضمون له

______________________________

(1) هذا كالتخليص لجملة من المسائل السابقة، و كل ما ذكره قدس سرّه في التتمة صحيح لمساعدة العرف و عدم استنكاره لها و عدم ثبوت ردع شرعي عنها فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود فتشملها الأدلة لا محالة كما تقدم.

(2) أي: قول المنكر لأصالة عدم تحقق الضمان و أصالة بقاء ما كان على المضمون عنه و عدم انتقاله إلى ذمة ما لم يثبت بحجة معتبرة، و المفروض عدم الثبوت.

(3) فيقدم قول المنكر أيضا، لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق من أصالة عدم الضمان و أصالة بقاء الدين، و لا مانع من جريان الأصل السببي و المسببي معا إذا لم يكن بينهما تمانع و إن اختلف رتبتهما إذ السببي مقدم على المسببي كما فصل في محله.

ص: 293

إعساره فالقول قول المضمون عنه (4) و كذا لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له و عدمه فإن القول قول المضمون عنه، و كذا لو اختلفا في صحة الضمان و عدمها (5).

مسألة 2: لو اختلف الضامن و المضمون له في أصل الضمان

(مسألة 2): لو اختلف الضامن و المضمون له في أصل الضمان، أو في ثبوت الدين و عدمه، أو في مقداره، أو في مقدار ما ضمن، أو في اشتراط تعجيله، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجلا، أو في اشتراط شي ء عليه زائدا على أصل الدين، فالقول قول الضامن (6) و لو اختلفا في اشتراط تأجيله مع كونه حالا، أو زيادة أجله مع كونه مؤجلا، أو وفائه أو إبراء و المضمون له عن جميعه، أو بعضه، أو تقييده بكونه من مال معين و المفروض تلفه، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن، أو اشتراط شي ء على المضمون له، أو اشتراط كون الضمان بما يساوي أقل من الدين قدم قول المضمون له. (7).

______________________________

(4) لأصالة الصحة و اللزوم، مع أن مقتضى الظاهر أن المعسر لا يقدم على الضمان هذا مع الجهل بالحالة السابقة، و أما إذا كان مسبوقا بالإعسار و اليسار فمقتضى الأصل بقائهما، و لكن مع سبق الإعسار يمكن أن يقال بجريان أصالة الصحة و تقدمها على الاستصحاب ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(5) لأصالة عدم جعل الخيار في الأول و أصالة الصحة في الثاني.

(6) لأصالة عدم اعتبار كل ما يدعيه المضمون له في جميع هذه الفروع إلا أن يثبت ذلك بحجة معتبرة، و المفروض عدمها فيقدم قول الضامن لا محالة لمطابقته للأصل.

(7) لأصالة عدم اعتبار كل ما يدعيه الضامن في جميع هذه الفروع إلا أن يثبت دعواه بحجة معتبرة و المفروض عدمها، فيقدم قول المضمون له لا محالة لمطابقته للأصل.

ص: 294

مسألة 3: لو اختلف الضامن و المضمون عنه في الإذن و عدمه

(مسألة 3): لو اختلف الضامن و المضمون عنه في الإذن و عدمه، أو في وفاء الضامن حتى يجوز له الرجوع و عدمه، أو في مقدار الدين الذي ضمن و أنكر اشتراط المضمون عنه الزيادة، أو في اشتراط شي ء على المضمون عنه، أو اشتراط الخيار للضامن قدم قول المضمون عنه (8) و لو اختلفا في أصل الضمان، أو في مقدار الدين الذي ضمنه و أنكر الضامن الزيادة فالقول قول الضامن (9).

مسألة 4: إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفى الحق منه بالبينة

(مسألة 4): إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفى الحق منه بالبينة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للإذن أو الدين لاعترافه بكونه أخذ منه ظلما (10).

______________________________

(8) لأصالة عدم اعتبار كل ما يدعيه الضامن إلا إذا ثبت بحجة معتبرة و هي مفقودة فيقدم قول المضمون عنه لمطابقته للأصل.

ثمَّ ان في دعوى الضامن الوفاء إن صدقه المضمون له احتمل العلامة إلزام المضمون عنه بالأداء لأن المضمون له أقر بالوفاء فيؤخذ بإقراره، و فيه: أن هذا الإقرار بالنسبة إلى الغير لا أثر له فلا اعتبار به فيبقى دعوى الضامن حينئذ بلا حجة معتبرة على ثبوته و الأصل مع المضمون عنه فيقدم قوله.

ثمَّ ان نزاعهما في اشتراط شي ء على المضمون عنه لا بد و إن يتصور في ضمن عقد آخر و الا فهو ليس طرفا في عقد الضمان حتى يشترط عليه و في ضمنه، فإطلاق كلام الماتن لا بد و إن يقيد بذلك.

(9) لأصالة عدم تحقق الضمان و عدم الزيادة إلا إذا ثبت بحجة معتبرة من طرف المضمون عنه، و المفروض عدمه.

(10) حق المسألة أن تقرر هكذا «لو ادعى المضمون له ضمان شخص و أنكره الضامن و أثبت المضمون له ذلك بالبينة ..»، فالمأخوذ باق على ملك الضامن و لم يخرج عن ملكه لأن خروجه عنه لا بد و أن يكون بوجه معتبر،

ص: 295

نعم، لو كان مدعيا مع ذلك للإذن (11) في الأداء بلا ضمان و لم يكن منكرا لأصل الدين و فرض كون المضمون عنه أيضا معترفا بالدين و الإذن في الضمان جاز له الرجوع عليه (12) إذ لا منافاة بين إنكار الضمان و ادعاء الإذن في الأداء فاستحقاقه الرجوع معلوم غاية الأمر أنه يقول إنه ذلك

______________________________

و البينة التي يعترف كل من الضامن و المضمون عنه ببطلانها كيف تكون ملزمة للحكم بينهما، و مع بقاء المال على الملك الضامن و عدم خروجه عنه و ورود الظلم عليه باعترافه كيف يتوهم صحة رجوعه إلى المضمون عنه المنكر للإذن أو أصل الدين؟! إن قيل: أن البينة حجة شرعية؛ فإذا شهدت بالضمان تثبت لوازمها، و منها الرجوع إلى المضمون عنه تعبدا.

يقال: مع اعتراف الضمان بأن الظلم ورد عليه كيف تكون البينة حجة بالنسبة إليه مع أن حجية البينة في لوازمها مطلقا محل بحث.

(11) حق هذا الفرع أن يعنون هكذا: «لو أنكر الضامن و اعترف بالإذن في الأداء بلا ضمان، و صدقه المضمون عنه في ذلك مع اعترافه بأصل الدين، و استوفى المضمون له الحق من الضامن بالبينة يجوز للضامن الرجوع إلى المضمون عنه»، و دليل صحة الرجوع حينئذ واضح لفرض أن المضمون عنه استوفى مال الضامن بسبب إذنه في الأداء، و لا ريب في أن الإذن في الأداء استيفاء المال الغير عرفا و شرعا، و لا يحتاج الاستيفاء إلى عقد لازم و وجوب الأداء على المؤدي، و قد جرت السيرة على استيفاء أموال الغير و أعمالهم بمجرد الإذن ثمَّ دفع العوض و يصير وجود السببية لغو لثبوت الحق بتوافقهما على الإذن و الأداء.

نعم، لو أنكر المضمون عنه الأداء تصير البينة حجة عليه.

(12) أخذا له باعترافه حيث يعترفه بالدين؛ و الإذن في الضمان تضمن

ص: 296

للإذن في الأداء و المضمون عنه يقول إنه للإذن في الضمان فهو كما لو ادعى على شخص أنه يطلب منه عشر قرانات قرضا و المدعى ينكر القرض و يقول إنه يطلبه من باب ثمن المبيع فأصل الطلب معلوم، و لو لم يعترف المضمون عنه بالضمان أو الإذن فيه و ثبت عليه ذلك بالبينة فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصة عما أخذ منه (13) و هل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في

______________________________

للإذن في الأداء أيضا ما لم تكن قرينة على الخلاف عرفا.

إن قيل: أولا أن الإذن في الضمان أعم من الإذن في الأداء فلم يتحقق منه تسبيب لاستيفاء مال الضامن.

و ثانيا: إن الضامن يدعي الإذن في الأداء بلا ضمان فيعترف بعدم استحقاقه للرجوع إلى المضمون عنه فكيف يصح الرجوع حينئذ.

يقال: أما تضمن الضمان للإذن مع عدم القرينة على الخلاف، فالظاهر كونه من الانسباقيات العرفية.

و أما دعوى الضامن الإذن في الأداء بلا منافاة بينهما كما ذكره قدس سرّه، و يكون المقام نظير المثال الذي ذكره فلا يبقى مجال لتوهم أن هذا الأداء كالعدم فلا وجه للرجوع.

(13) أما بيان موضوع المقاصمة في المقام فهو أن المضمون له ظلم على الضامن فيجوز للمظلوم أن يقاص من مال الظالم أين ما وجده لما يأتي إن شاء اللّه تعالى في كتاب القضاء من الأدلة على جوازه عند تعذر وصول المظلوم إلى حقه إلا بذلك مثل قوله تعالى جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا (1)، و قوله تعالى:

فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ (2)، و أخبار

ص: 297


1- سورة الشورى: 40.
2- سورة البقر: 194.

الضمان أو كونه الإذن في الأداء؟ الظاهر ذلك (14)، و إن كان لا يخلو عن إشكال (15)، و كذا في نظائره كما إذا ادعى شخص على آخر أنه يطلب قرضا و بينته تشهد بأنه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض فيجوز لهما أن

______________________________

مستفيضة تأتي الإشارة إليها في محله، و حيث إن مال المضمون له عند المضمون عنه، يصح للضامن أخذه مقاصة.

إن قيل: المقاصة مختصة بالعين و لا تشمل الدين و على فرض جريانها فيه أيضا، فما وجه اختصاصها بهذه الصورة فلم لا تجري في الصورة السابقة التي جزم فيها بقوله: «جاز له الرجوع عليه».

يقول: أما اختصاص المقاصة بالعين فهو خلاف إطلاق الآيات الكريمة و جملة من الأخبار (1).

نعم السؤال فيها هو العين و هو لا يكون مخصصا للحكم كما ثبت في محله، مع أنه يظهر عن جمع منهم العلامة رحمه اللّه ظهور التسالم على جوازها في الدين.

و أما اختصاصها بهذا الفرض فقط فلأنه في الفرض السابق اعترف المضمون عنه بالدين و الإذن في الضمان فيؤخذ باعترافه، و مع هذا الاعتراف لا يبقى موضوع للمقاصة لأن موضوعها الجحود و المماطلة و هو غير جاحد و لا مماطل، فلا موضوع لها حينئذ في الفرع السابق بخلاف المقام، و سيأتي ما يتعلق بالمقاصة في تاب القضاء.

(14) بناء على شمول عموم حجية البينة لما شهدت بالجنس أو النوع أو الشخص.

(15) وجه الإشكال. تارة: أن المنساق من أدلة اعتبار الشهادة خصوصا مثل قوله عليه السّلام: «على مثل هذا فاشهد أو دع» (2)، هو ما إذا كان شخصا خاصا أي

ص: 298


1- الوسائل باب: 83 من أبواب ما يكتسب به.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الشهادات حديث: 3.

يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنه للقرض أو لثمن البيع على إشكال (16).

مسألة 5: إذا ادعى الضامن الوفاء و أنكر المضمون له

(مسألة 5): إذا ادعى الضامن الوفاء و أنكر المضمون له و حلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه في ذلك (17)، و إن صدقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه و تقبل شهادته له بالأداء (18)، إذا لم يكن هناك مانع من تهمة أو غيرها مما يمنع من قبول الشهادة (19).

______________________________

الشهادة بتمام الحدود و القيود دون غيرها.

و يرده بأن إطلاق أدلة الشهادة و عمومها يشمل ما لو كان النوع أو الجنس موردا للأثر و شهدت بالجنس و إن اختلفا في الصنف مثلا، كما إذا شهدا بأصل النجاسة و قال أحدهما أنها لملاقاة الدم و قال الآخر انها لملاقاة العذرة مثلا، فيثبت الأثر حينئذ هذا إذا لم ينف كل منهما قول الآخر و الا فيشكل الاعتماد عليها حينئذ.

و أخرى: بأن المشهود به هو نفس الإذن من حيث هو و لا أثر له مع أن المشهود به لا بد و أن يكون له أثر شرعي، و يرده بأن الأثر هو التسبيب لاستيفاء مال الضامن له فيجب تداركه عليه كما تقدم.

(16) لكنه أوهن من السابق لأن الجامع القريب و هو الدين موجود و له أثر معلوم.

(17) لعدم ثبوت الوفاء بوجه شرعي بل مقتضي الأصل عدمه فلا موجب للرجوع.

(18) أما جواز الرجوع فلأخذه بإقراره و اعترافه.

و أما قبول شهادة المضمون عنه للضامن بالأداء فلعموم أدلة قبول الشهادة مع عدم المانع عنه، مع أن ظاهرهم التسالم عليه في المقام.

(19) كما هو كذلك في جميع الشهادات مع اقترانها بالمانع كما يأتي في

ص: 299

مسألة 6: لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه

(مسألة 6): لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه (20) و لو ادعى الوفاء و أنكر الإذن قبول قول المأذون لأنه أمين من قبله (21) و لو قيد الأداء بالإشهاد و ادعى الاشهاد و غيبة الشاهدين قبل قوله أيضا (22) و لو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع (23).

نعم، لو علم أنه وفاه و لكن لم يشهد يحتمل جواز الرجوع عليه لأن الغرض من الاشهاد العلم بحصول الوفاء و المفروض تحققه (24).

(تمَّ كتاب الضمان)

______________________________

محله إن شاء اللّه تعالى، و المرجع متعارف ثقات المتشرعة فمع حكمهم بها لا اعتبار بالشهادة، و الظاهر أن من التهمة ما إذا كان الضامن معسرا و لم يعلم المضمون له بإعساره و حينئذ يصح له الفسخ و الرجوع إلى المضمون عنه مع عدم ثبوت الأداء فيدفع المضمون عنه بشهادته رجوع الدين إلى ذمته.

(20) لأن الإذن في الوفاء استيفاء المال الغير عرفا فلا بد له من التدارك إذا كانت قرينة معتبرة في البين على العدم.

(21) أي: أنكر المديون صدور الإذن منه في الأداء قبل قول المأذون، لأنه أمين من قبل المديون و الدليل على قبول قول الأمين سيرة المتشرعة بل العقلائية الجارية في جمع الموارد و قاعدة «كل من استولى على شي ء فقوله معتبر فيما استولى عليه».

(22) لما مر في سابقة.

(23) لأن الإذن كان مقيدا بالإشهاد فإذا انتفى الإشهاد ينتفي الإذن أيضا لقاعدة: «الشرط ينتفي بانتفاء المشروط».

(24) هذا صحيح إن علم المديون من نفسه أن غرضه كان ذلك، و أما إن كان غرضه من الإشهاد شي ء آخر من الأغراض الصحيحة العقلائية فلا وجه لهذا التعليل فيكون الإذن منتفيا لما مر من انتفاء المقيد بانتفاء قيده.

و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 300

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الحوالة

اشارة

كتاب الحوالة و هي عندهم «تحويل المال من ذمة إلى ذمة» (1)، و الأولى أن يقال إنها «إحالة المديون دائنه إلى غيره» أو «إحالة المديون دينه من ذمته إلى ذمة غيره» (2)، و على هذا فلا ينتقض طرده بالضمان فإنه و إن كان تحويلا من الضمان للدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمته إلا أنه ليس فيه الإحالة

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي أحال عامة عباده على رحمته الواسعة الغير المتناهية- فضلا عن خاصتهم- فما أجود المحيل و ما أعظم المحال عليه و ما أرفع شأن المحتال و الصلاة و السلام على خلّص أحبائه محمد و آله الذين هم الأصل في هذه الحوالة و هم الشهداء عليها يوم القيامة.

(1) نسب هذا التعبير إلى كل من يرى صحة الحوالة على البري ء كالعلامة و غيره.

(2) وجه الأولوية أن هذين التعبيرين أجمع لخصوصيات الحوالة من التعبير الأول و كل ما كان التعريف أجمع للخصوصيات كان أحسن كما هو معلوم.

ص: 301

المذكورة (3)، خصوصا إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه (4) و يشترط فيها مضافا إلى البلوغ، و العقل، و الاختيار (5). و عدم السفه في الثلاثة (6) من المحيل و المحتال و المحال عليه، و عدم الحجر بالسفه (7) في المحتال

______________________________

ثمَّ أنه قد تقدم غير مرة أن العقود الدائرة بين الناس في جميع الملل- و منها الحوالة- تكون بمعناها المرتكز في أذهان الأنام مورد الأحكام في الشريعة المقدسة الإسلامية و انظار الفقهاء العظام، و إن اختلفوا في بعض الجهات و الخصوصيات لا أن تكون لها حقيقة شرعية أو متشرعة كما ثبت ذلك في الأصول و في الفقه غير مرة فتفصيل الفقهاء فيها نقضا و إبراما لا وجه له.

(3) لحكم العرف بالتفاوت بين العنوانين و تعريفهما فيكفي نفس مرتكزاتهم في التفرقة بينهما، و إن قصر بعض التعبيرات عن إفادة هذا المرتكز.

(4) لأنه لا منشأ لتوهم الحوالة حينئذ فيه حتى من التوهم البدوي.

(5) هذه الثلاثة من الشرائط العامة لصحة كل عقد و إيقاع فرغنا عن أدلة اعتبارها في أول البيع فراجع إذ لا وجه للتكرار.

(6) لأن السفيه محجور عن التصرف المالي و الحوالة مستلزمة للتصرف في كل واحد من الثلاثة إما إعطاء كما في المحيل و المحال عليه أو أخذا كما في المحتال، ثمَّ ان الحوالة متقومة بأشخاص ثلاثة أحدهم الدائن و المديون معا و الآخر دائن فقط و هو المحتال و الثالث مديون فقط و هو المحال عليه، كما إذا كان زيد مديون لعمرو ألف دينار و دائن لبكر ألف دينار فيحيل عمروا إلى بكر.

(7) حق التعبير أن يعبر ب- (الفلس) لذكر السفه قبل ذلك و الفرق بينهما أن السفه لا يجوز له التصرف لا في ماله و لا في ذمته، بخلاف المفلس، فإنه لا يجوز له التصرف في ماله و يجوز له التصرف في ذمته، كما يأتي في محله و على هذا فإذا كان المحال عليه مفلسا و قبل الحوالة على ذمته لا إشكال فيه.

ص: 302

و المحال عليه بل و المحيل (8) إلا إذا كانت الحوالة على البري ء فإنه لا بأس به فإنه نظير الاقتراض منه (9)- أمور:

أحدها: الإيجاب و القبول، على ما هو المشهور بينهم حيث عدوّها من العقود اللازمة (10)، فالإيجاب من المحيل و القبول من المحتال، و أما المحال عليه فليس من أركان العقد و إن اعتبرنا رضاه مطلقا أو إذا كان بريئا، فإن مجرد اشتراط الرضا منه لا يدل على كونه طرفا و ركنا للمعاملة (11).

______________________________

(8) أما المحتال فإن كان حجره في ماله الذي يطلبه من المحيل لا يعتبر فيه عدم الفلس فيأخذ ماله من المحال عليه و يصرفه فيما شاء و أراد، و إن كان طلبه من مورد الحجر أيضا يجوز له أخذه و لا يجوز له صرفه إلا برضاء الغرماء.

و أما المحال عليه فيجوز له قبول الحوالة في ذمته لأن المفلس غير محجور بالنسبة إلى ذمته و لا يصح في أمواله التي حجرت عليه لتعلق حق الغرماء بها.

و أما المحيل فإن كان ماله الذي عند المحال عليه من موارد حجره فلا تصح الحوالة لمكان الحجر و تعلق حق الغرماء به، و إن لم يكن كذلك بأن كان زائدا على حق الغرماء و استثنوه برضائهم و تحملوا ورود الضرر عليهم بمقدار ما استثنوه فتصح الحوالة لا محالة.

(9) و يصح للمفلس الاقتراض على ذمته لكونه غير محجور بالنسبة إلى الذمة.

(10) أرسل ذلك في الكتب الفقهية إرسال المسلمات و عد في عداد الضروريات الفقهية.

(11) لأنه لا ريب في أن اعتبار رضاء أحد في عقد أعم من كونه طرفا للعقد، كاعتبار رضاء العمة في نكاح بنت الأخ، و رضاء الأب في نكاح بنته البكر بناء على اعتباره و نحوهما.

ص: 303

و يحتمل أن يقال يعتبر قبوله أيضا (12) فيكون العقد مركبا من الإيجاب و القبولين (13)، و على ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود

______________________________

(12) اعترف في الجواهر بعدم وجدان القائل به و يمكن أن يراد بالقبول وجود مبرز ظاهري لرضاه لا القبول الاصطلاحي المعتبر في العقد، و العرف يساعد على اعتبار هذا خصوصا في الحوالة على البري ء و الحوالة بغير جنس ما على المحال عليه فيصير هذا النزاع بينهم لفظيا فراجع الكلمات.

(13) و لا محذور فيه، كما أنه يصح انحلاله في الواقع إلى عقدين، و هو أيضا صحيح كما في انحلال كل عقد يقع على بيع ذات أجزاء أو جزئين.

و تلخيص القول في الحوالة ان الوجوه المحتملة أربعة:

الأوّل: كونها عقدا منحلا إلى عقدين أو مركبا من قبولين معتبرا فيه جميع ما يعتبر في سائر العقود و لا بأس ثبوتا و لكن لا دليل عليه إثباتا.

الثاني: عين الوجه الأوّل بتوسعة فيه بما لم يوسع في سائر العقود من الموالاة و نحوها، و هو أيضا صحيح و تقتضيه السيرة في الجملة.

الثالث: عدم اعتبار قبول المحال عليه و كون منعه مانعا لا أن يكون قبوله شرطا و له وجه وجيه ثبوتا.

الرابع: كونها إيقاعا و هو ما كان قائما بشخص واحد في مقابل العقد القائم بشخصين.

و لكن المتحصل من مجموع كلماتهم ان الإيقاع على قسمين:

الأوّل: ما كان قائما بشخص واحد بلا توقف على رضاء شخص آخر كالطلاق و الظهار و الإيلاء و الإقرار و العتق و نحوها.

الثاني: ما كان قائما بشخص واحد و توقف على رضاء شخص آخر كنذر الزوجة مع الزوج أو الولد مع الوالد، و المشهور جعلوه من الإيقاع أيضا كما جعلوا الخلع من الإيقاع مع أنه يتوقف على رضاء الزوجة و بذلها المال، و عن

ص: 304

اللازمة من الموالاة بين الإيجاب و القبول و نحوها، فلا تصح مع غيبة المحتال أو المحال عليه أو كليهما بأن أوقع الحوالة بالكتابة (14).

و لكن الذي يقوي عندي كونها من الإيقاع (15) غاية الأمر اعتبار

______________________________

جمع- منهم المحقق- جعل الجعالة من الإيقاع مع أنها تتوقف على رضاء العامل.

مع انهم ذكروا التفليس و الحجر في العقود و لا ريب في عدم كونهما منها إلا بتكلف أن الغرماء يطلبون من الحاكم الحكم بالتفليس، أو أن الحاكم يحكم بالحجر إذا طلب منه ذلك بعد ثبوت السفه و نحوه من موارد الحجر.

و عن جمع جعل الوقف و الوصية من الإيقاع أيضا، و يأتي تفصيل ذلك كله في محله إن شاء اللّه تعالى، فيصح أن تكون الحوالة من القسم الثاني من الإيقاعات، و ليس حصر العقود و الإيقاعات فيما ذكروه حصرا عقليا أو تعبديا شرعيا حتى لا يصح التغيير و التبديل، بل هو من اجتهادات الفقهاء و استقرائهم و يمكن أن يكون نظر آخرين على خلافهم فيتبع الآخر إن أقام الدليل على بطلان قولهم، و مع عدم ذلك و استناد قول الآخرين إلى حجة معتبرة لا بد من التأمل في ترجيح أحد القولين.

(14) مقتضى السيرة أو سعية الأمر في الحوالة من سائر العقود خصوصا في هذه الأعصار فقد وسع الأمر في البيع الذي هو أم العقود فكيف بالحوالة؟! و قد شاع إنشاء البيع بالكتابة مع عدم تعاط بينهما في البين، بل الثمن في المصرف و المبيع في المخزن حتى مع التمكن من اللفظ، و كذلك في الحوالة كما هو الشائع.

(15) أشكل عليه.

تارة: بأنه ضعيف.

و أخرى: بأن دليله أضعف منه.

ص: 305

الرضا من المحتال أو منه و من المحال عليه و مجرد هذا لا يصيره عقدا (16)، و ذلك لأنها نوع من وفاء الدين (17) و إن كانت توجب انتقال الدين من

______________________________

و ثالثة: بأنه ممتنع.

و الكل باطل. أما الأول: فلأنه من مجرد الدعوى كما يظهر وجهه فيما يأتي، و لم يعلم مخالفته بالمعنى الذي يبينه من الإيقاع، فخلاصة ما قالوا فيه: إن الحوالة و الضمان متغايران مع الوفاء إذا الوفاء تأدية الدين إلى مالكه و المديون هو المسلط على ذلك و ليس لصاحب الدين الامتناع منه مع حلول الدين، و المحيل لا يؤدي ما في ذمته إلى مالكه بل ينقله إلى ذمة أخرى، و هو تصرف في ذمة الغير و في ملكه بلا إذن منه فلا بد من القبول فتكون عقدا لا إيقاعا.

و فيه: أنه مغالطة بين قسمي الإيقاع إذ لا يقول أحد بأن الحوالة و الضمان إيقاع كالعتق و مطلق الطلاق، كيف و هم يصرحون باعتبار الرضاء من المحتال و المحال عليه بل المراد من الإيقاع في المقام عدم الاحتياج إلى القبول كالعقود، و هو أعم من عدم اعتبار الرضا فيكون المقام كنذر الزوجة و الولد بالنسبة إلى رضاء الزوج و الوالد، فكما أن فيهما يكفي الرضاء كيف ما تحقق من دون اعتبار ما يعتبر في الإيجاب و القبول فكذا في المقام.

و من ذلك يظهر ما في دعوى الامتناع مع أنه لم يأت بدليل له إلا ما مر من انها حينئذ تصرف في مال المحتال حينئذ من دون رضاه.

(16) كما في نذر الزوجة و الولد المعتبر فيه رضاء الزوج و الوالد.

(17) لأن الجامع القريب العرفي بين الوفاء و الحوالة و الضمان تفريغ الذمة، و له مراتب متفاوتة فعنوان الجامع يصح أن يكون قائما بشخص واحد.

نعم، بعض مراتبه يحتاج إلى رضاء آخر بحسب الخصوصيات الخارجية، و ذلك لا يوجب تباين الذات و الحقيقة فيكون المقام

ص: 306

ذمته إلى ذمة المحال عليه (18)، فهذا النقل و الانتقال نوع من الوفاء و هو لا يكون عقدا و إن احتاج إلى الرضا من الآخر كما في الوفاء بغير الجنس (19) فإنه يعتبر فيه رضى الدائن و مع ذلك إيقاع، و من ذلك يظهر أن الضمان أيضا من الإيقاع (20) فإنه نوع من الوفاء و على هذا فلا يعتبر فيهما شي ء مما يعتبر في العقود اللازمة و يتحققان بالكتابة و نحوها (21)، بل يمكن دعوى أن الوكالة أيضا كذلك (22)، كما ان الجعالة كذلك و ان كان يعتبر

______________________________

كأنواع البيوع المتحدة بحسب الذات و المختلفة بحسب الخصوصيات، و ليس مراده قدس سرّه انها عين حقيقة الوفاء حتى يرد عليه إشكال بعض الشراح و المحشين (رحمة اللّه عليهم).

(18) هذا بيان للفرق بين مطلق الوفاء و الحوالة، و لا بأس به بعد كون الجامع القريب بينهما تفريغ الذمة و وفاء الدين في الجملة.

(19) فإن العرف يراه وفاء لا أن يحكم بأنه معاوضة بين الدين و الجنس الآخر.

(20) و لا محذور فيه من عقل أو نقل كما تقدم و إن كان المشهور ذكروه في العقود «و رب شهرة لا أصل لها».

(21) للإطلاقات و العمومات بعد صدق العنوان المعهود على كل ذلك عرفا، بل يصح التمسك بأصالة الصحة أيضا.

(22) قال رحمة اللّه في كتاب الوكالة من الملحقات: «و الأقوى عدم كونها (أي الوكالة) من العقود فلا يعتبر فيها القبول».

أقول: لتقوم الوكالة بالإذن في العمل المأذون فيه سواء حصل القبول من المأذون أو لا، و قد ذكروا أنه لو قال: وكلتك في بيع داري فباعه صح البيع و إن لم يحصل منه قبول، بل و إن غفل عن النيابة و الوكالة لأن ذلك قبول لإيجاب الموكل.

ص: 307

فيها الرضا من الطرف الآخر (23)، ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول: «أنت مأذون في بيع داري» أو قال: «أنت وكيل» مع أن الأول من الإيقاع قطعا (24).

الثاني: التنجيز (25) فلا تصح مع التعليق على شرط أو وصف، كما

______________________________

و توهم: أنه يعتبر رضاء الوكيل و كلما يعتبر فيه رضاء شخص آخر في عقد.

ممنوع: صغرى و كبرى، نعم الغالب فيها ذلك و الإشكال عليهم (رحمهم اللّه تعالى) انهم خلطوا الغالب بالحقيقة.

و أما عن جمع من مشايخنا من وضوح الفرق بين الإذن و الوكالة فإن أرادوا به الفرق الاعتباري الغالبي فهو حق، و إن أرادوا به الواقعي الحقيقي فهو أول الدعوى، و قد ذهب الماتن رحمة اللّه إلى أن الوقف و الوصية أيضا من الإيقاع، و يأتي تفصيل ذلك كله في محله إن شاء اللّه تعالى.

(23) تقدم أن مجرد اعتبار الرضا من الطرف لا يدل على كونه من العقود.

(24) و جامع الإذن متحقق فيهما و متقوم لهما.

نعم، للوكالة جهات خاصة مطلق الإذن يكون أعم منها إلا إذا قيد الإذن بها أيضا، فيكون للإذن و الوكالة مراتب كثيرة متفاوتة لا بد و إن يلحظ كل مرتبة من الإذن في عرض مرتبة من الوكالة لا أن تختلط المراتب.

فما عن بعض مشايخنا (رحمهم اللّه تعالى) (1): «ان الوكالة تفويض و إعطاء سلطنة و ذلك لا يحصل إلا بالقبول» صحيح في الوكالة المطلقة لا مطلق الوكالة كما عرفت.

(25) ذكروا اعتباره في عامة العقود و بعض الإيقاعات و لم يذكروا له دليلا

ص: 308


1- الفقيه السيد أبو الحسن الأصفهاني قدس سرّه.

هو ظاهر المشهور و لكن الأقوى عدم اعتباره- كما مال اليه بعض متأخري المتأخرين.

الثالث: الرضا من المحيل و المحتال بلا إشكال (26)، و ما عن بعضهم (27) من عدم اعتبار رضى المحيل فيما لو تبرع المحال عليه بالوفاء بأن قال للمحتال: «أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي»، و حينئذ فيشترط رضى المحتال و المحال عليه دون المحيل لا وجه له إذ المفروض لا يكون من الحوالة بل هو من الضمان (28)، و كذا من المحال

______________________________

صحيحا من عقل أو نقل، و لكنهم اعتمدوا فيه على الإجماع المتسالم بينهم خلفا عن سلف.

و احتمال استناد إجماعهم على ما ذكروه من الأدلة المخدوشة، موجود فالاعتماد عليه مشكل و رفع اليد عنه مع هذا التسالم أشكل؛ مع أنه لم يذكر هذا الشرط المحقق في الشرائع و الشهيدان في الروضة و شرحها، و لم يتعرض له في الجواهر أيضا في المقام و كذا غيرهم، و مع ذلك كيف يعتمد على مثل هذا الإجماع، مع أن المتعرضين عبر بعضهم بالتنجيز و آخر بعدم التعليق فراجع شرائط عقد البيع.

(26) للإجماع المحصل بين الفقهاء و المستفيض نقله عنهم، و للسيرة العملية بين المتشرعة بل الناس.

(27) لم يتعرضوا أن هذا البعض من الخاصة أو من العامة، و على كل تقدير هو ممن يصلح لأن يعتني بقوله أو لا، و إن كانت العبارة المذكورة في المتن ذكرت في جملة من الكتب.

(28) لصدق نقل ما في ذمة إلى ذمة أخرى عليه عرفا، و يلزم ذلك التعهد أيضا فتشمله أحكام الضمان قهرا، إن قلنا بصحة إنشاء عقد بما هو من ألفاظ عقد آخر و إلا فمقتضى الأصل عدم صحة ترتيب آثار الضمان و لا آثار الحوالة

ص: 309

عليه إذا كان بريئا أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه (29) و أما إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف (30).

______________________________

عليه، و مثل ذلك كل مورد كان فيه تعهد للدين في الجملة بحيث يصح انطباق الضمان عليه و أنشأ بلفظ الحوالة.

(29) لأصالة عدم براءة ذمة المحيل بمثل هذه الحوالة ما لم يقبل المحال عليه بعد الشك في شمول أدلة الحوالة لمثلها، و لقاعدة السلطنة فإن التصرف في ذمة البري ء أو في ذمة شخص بغير ما في ذمته مخالف لسلطنته المطلقة فلا يصح إلا برضاه.

(30) نسب إلى المشهور بل ادعى الإجماع على اعتبار رضاه في هذه الصورة أيضا و هو الذي يقتضيه مذاق الفقاهة و مرتكزات المتشرعة مع كثرة اختلاف الأغراض و الرغبات في هذه الأمور، و يمكن أن يستدل بأصالة عدم سلطنة المحتال على المحال عليه إلا برضاه، و كذا أصالة عدم تسلط المحيل على إعطاء سلطنته للمحتال على المحال عليه إلا برضاه لاختلاف الأشخاص في السلطات وجدانا.

و دعوى: ان سلطنته في الجملة على المحال عليه ثابتة بلا إشكال فينقلها إلى المحتال.

فاسدة: لأن سلطنته انما هو في طلب ماله و على ما في ذمته بحسب الموازين الشرعية، و أما سلطنته على إعطاء عين هذه السلطة إلى شخص آخر فمقتضى الأصل عدمها إلا إذا ثبت بدليل شرعي.

و دعوى: ان ما في ذمة المحال عليه ملك للمحيل و هو مسلط على ملكه كيف ما يشاء فله إعطاء ملكه إلى من شاء.

مخدوش .. أولا: بأنه عين الدعوى الأوّل.

و ثانيا: بأن ملك ما في الذمة شي ء و التسليط على نفس الذمة شي ء آخر،

ص: 310

و لا يبعد التفصيل (31) بين أن يحوله عليه بما له عليه بأن يقول أعطه من

______________________________

و لا ملازمة بين ثبوت التسلط الأوّل و التسليط الثاني.

إن قيل: فعلى هذا لا يصح بيعه أيضا إلى شخص آخر إلا برضا المحال عليه لأنه نحو تسليط للمشتري على ما في ذمة المحال عليه، و كذا الوكالة في استيفائه لأنها نحو تسلط على ذمة الغير.

يقال: الفارق ظهور الإجماع على جوازهما بدون رضاه بخلاف الحوالة، و نسب إلى أبي الصلاح عدم اعتبار رضاء المحال عليه، و تبعه بعض آخر و استدلوا على ذلك ..

تارة: بأن الحوالة عبارة عن اقامة المحيل المحتال مقام نفسه.

و أخرى: بأن الحوالة إلقاء للدين بمال المحيل الذي يكون في ذمة المحال عليه.

و ثالثة: بمنزلة توكيل للمحال عليه في وفاء دين المحيل.

و الكل مخدوش: إلا إذا رجع إلى ما يأتي من التفصيل.

(31) ظاهره رحمة اللّه من هذا التفصيل أن الحوالة قد يكون توكيل من المحيل للمحتال لأخذ دينه من المحال عليه كما نسب إلى أبي الصلاح و من تبعه و جعل، ذلك دليلا لعدم اعتبار رضاء المحال عليه.

و يرد عليه .. أولا: إن الوكالة و الحوالة عنوانان متغايران لا ربط لأحدهما بالأخرى.

و ثانيا: إن الوكالة أيضا تتوقف على رضاء الوكيل، و يمكن أن يكون المراد أن ذات الحوالة على قسمين:

الأوّل: ما كان فيها تسليط للمحتال على المحال عليه لأخذ الدين، و حينئذ نحتاج إلى قبول المحال عليه لفرض أنها تسليط على الغير و لا يصح ذلك بدون رضاه.

ص: 311

الحق الذي لي عليك، فلا يعتبر رضاه فإنه بمنزلة الوكيل (32) في وفاء دينه و إن كان بنحو اشتغال ذمته للمحتال و براءة ذمة المحيل بمجرد الحوالة (33) بخلاف ما إذا و كله فإن ذمته المحيل مشغولة إلى حين الأداء (34) و بين أن يحوّله عليه من غير نظر إلى الحق الذي له عليه على نحو الحوالة على البري ء فيعتبر رضاه لأن شغل ذمته (35) بغير رضاه على خلاف القاعدة، و قد يعلل (36) باختلاف الناس في الاقتضاء فلا بد من

______________________________

الثاني: ما كان فيها جعل الدين تحت اختيار المحتال و إلقاء الدين نحوه إلقاء اعتباريا و حينئذ بقبول المحتال تتم الحوالة كما إذا رمى المال خارجا نحو المحتال فأخذه فلا فرق بين الإلقاء و الرمي الاعتباري و الخارجي من هذه الجهة، و على هذا فالتعبير بالوكالة فيه مسامحة واضحة، و هذا التقسيم حسن ثبوتا و موافق للأذهان المتعارفة إثباتا و الجامع القريب بين القسمين انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحتال.

(32) هذا تشبيه من جهة في الجملة لا أن يكون المراد أن هذا القسم من الوكالة حقيقة حتى يثبت نقيض المطلوب، و ذلك لفرض اعتبار رضاء الوكيل في صحة الوكالة بالضرورة هذا بناء على ما بينا في مفاد التفصيل.

(33) لفرض أن المحيل كأنه رمى دينه إلى المحتال و قبله المحتال أيضا، فلا وجه بعد ذلك لبقاء اشتغال ذمة المحيل.

(34) لأن الوكالة لها طريقية إلى الأداء لا أن تكون لها موضوعية بخلاف الحوالة في المقام فإن لها موضوعية برأيه المحيل بعد قبول المحتال.

(35) هذا تعليل لاشتراط الحوالة إلى البري ء بقبوله و هو صحيح لا إشكال فيه.

(36) ذكر هذا التعليل جمع منهم صاحب المسالك و هو صحيح عرفا إذ ربما يكون مطالبة شخص عن شخص آخر يعد هتكا و توهينا عند

ص: 312

رضاه، و لا يخفى ضعفه (37) كيف و إلا لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أنه لا إشكال فيه (38).

الرابع: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل سواء كان مستقرا أو متزلزلا، فلا تصح في غير الثابت سواء و جد سببه كمال الجعالة قبل العمل و مال السبق و الرماية قبل حصول السبق أو لم يوجد سببه أيضا كالحوالة بما يستقرضه، هذا ما هو المشهور (39) و لكن لا يبعد كفاية حصول السبب (40) كما ذكرنا في الضمان بل لا يبعد الصحة فيما إذا قال أقرضني كذا و خذ عوضه من زيد فرضي و رضي زيد أيضا، لصدق الحوالة (41) و شمول العمومات، فتفرغ ذمة المحيل و تشتغل ذمة المحال

______________________________

المتعارف فكم فرق بين مطالبة شخص متدين متشرع و مطالبة عامي لا يعتني بقيم الأشخاص أبدا، و نعوذ باللّه من سوء الاقتضاء.

(37) ظهر مما مر أنه متين.

(38) لو لم يكن إجماع في البين لقلنا فيه أيضا بذلك خصوصا مع كونه مستلزما للهتك.

(39) و غن جمع دعوى الإجماع عليه، منهم صاحب الحدائق.

و قد يقال إن ذلك مقتضى مفهوم الحوالة أيضا، فلا يتحقق هذا المفهوم بدون ذلك.

و فيه: أنه على فرض صحته أعم من الثبوت الحقيقي و الاعتباري الذي يكفي فيه المعرضية العرفية.

(40) بأن يكون للدين معرضية قريبة للثبوت بحيث يصح تنزيل هذه المعرضية منزلة الثبوت عند متعارف الناس، و تقدم الكلام في الشرط الثامن من الشرائط صحة الضمان فراجع، فإنه متحد مع الحوالة من هذه الجهة في دليل الجواز و المنع نقضا و إبراما و اشكالا و حلا.

(41) صدقا ترتيبا عرفا و هو يكفي فيكون فردا من الحوالة.

ص: 313

بعد العمل و بعد الاقتراض.

الخامس: أن يكون المال المحال به معلوما جنسا و قدرا للمحيل و المحتال، فلا تصح الحوالة بالمجهول على المشهور (42) للغرر، و يمكن أن يقال بصحته إذا كان آئلا إلى العلم (43) كما إذا كان ثابتا في دفتره على

______________________________

و أشكل عليه .. تارة: بأنه صحيح، و لكنه ليس من الحوالة و لا عقد الضمان، بل من باب الاستيفاء الموجب للضمان.

و أخرى: بأنه يرجع إلى التعليق و هو مما يوجب البطلان.

و ثالثة: بأن مفاد هذه الجملة أن العوض قد يؤخذ من زيد لا أن الدين ينقل إلى ذمة زيد.

و الكل مخدوش .. أما الأوّل: فلأن المفروض قصد الحوالة مع أنه لا بأس بانطباق عناوين متعددة صحيحة على شي ء واحد، و حينئذ يكون المدار على ما هو المقصود.

و أما الثاني: فلأن المناط في التعليق المبطل على ظاهر الكلام لا على إمكان الإرجاع إلى التعليق، و الا فيمكن إرجاع جملة مما لا تعليق فيه إلى المعلق.

و أما الثالث: ففيه مضافا إلى أنه مناقشة مثالية- و ليس ذلك من دأب العلماء- انه مع تبانيهما على الحوالة و قصدهما لها كيف يتحقق ذلك، فالإشكال الصحيح منحصر بأن في الحوالة إن كان ثبوت الدين فعلا معتبرا لا تصح الحوالة و إن كانت المعرضية القريبة العرفية كافية تصح، و الثاني أقرب إلى الأذهان المتعارفة و الأول جمود من الفقهاء من غير دليل عليه و إن كان هو الأحوط.

(42) و عن النهاية دعوى الإجماع عليه.

(43) أولا قريبا عرفا، و أصل النزاع في نظائر المقام مبني على أن الغرر المنفي شرعا و الذي لا يقدم عليه العقلاء في عقودهم و عهودهم صرف وجود

ص: 314

حد ما مر في الضمان من صحته مع الجهل بالدين، بل لا يبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقن (44)، بل و كذا لو قال «كلما شهدت به البينة (45) و ثبت أخذه من فلان».

نعم، لو كان مبهما كما إذا قال: «أحد الدينين اللذين لك علي خذ من فلان» بطل (46)،

______________________________

الغرر و لو آنا ما، أو الغرر الثابت المستقر المستلزم للخطر و الخسران بالنسبة إلى من أقدم عليه، الظاهر هو الثاني و مع الشك فالمرجع العمومات و الإطلاقات إن صدق عنوان العقد الخاص عليه عرفا، و مع تشكيك العرف في الصدق و عدمه فالمرجع أصالة الصحة، ثمَّ انه قد تكرر منا أن قاعدة نفي الغرر من القواعد النظامية العقلائية يكفي فيها عدم ثبوت الردع، و لا نحتاج فيها إلى ثبوت دليل خاص من الشرع.

(44) لأن وجود القدر المتيقن كالمعلوم فيخرج بذلك عن الغرر.

(45) لعدم الغرر فيه عند متعارف الناس.

إن قيل: فليكن مثله صحيحا في جميع العقود مثل أن يقول: «بعتك بما يعينه أهل الخبرة من الثمن»، أو يقول: «آجرتك بما يعينه أهل الخبرة من الأجرة» و كذا في سائر المعاوضات يقال: لا بأس بالصحة بعد عدم الغرر فيها عرفا، و عدم استنكار المتشرعة و متعارف الناس لذلك.

(46) علل البطلان في المقام و نظائره بأن المردد لا تحقق له لا خارجا و لا ذهنا فلا موضوع على هذا للحوالة التي هي من الاعتباريات المحتاجة إلى الموضوع، و هذا عين الإشكال الذي ذكروه في الواجب التخييري و الواجب الكفائي و أتعبوا أنفسهم في الجواب مع أن تصوير الواجب التخييري و الواجب الكفائي في الأذهان العرفية أوضح مما أجابوا به، مضافا إلى ظهور الخدشة في

ص: 315

و كذا لو قال «خذ شيئا من دينك (47) من فلان»، هذا و لو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم بصحته لعدم الإبهام فيه حينئذ (49).

السادس: تساوي المالين أي المحال به و المحال عليه جنسا و نوعا و وصفا على ما ذكره جماعة (49) خلافا لآخرين (50) و هذا العنوان و إن كان عاما (51).

______________________________

كل واحد من الأجوبة كما فصلناه في الأصول، و لكن لا بد من التفصيل في المقام بأنه مع تساوي الدينين من كل جهة كما و كيفا يلحظ فيه الجامع القابل للانطباق على كل واحد منهما، و هو متعين يصح تعلق الحوالة به و إن كان مختلفا يكون المتيقن هو مورد الحوالة و العرف يساعد على هذا التفصيل فلا وجه للبطلان بقول مطلق.

(47) الظاهر صحة الرجوع فيه إلى القدر المتيقن العرفي لا الدقي العقلي حتى يقال: بأنه مستهجن و القدر المتيقن العرفي يختلف باختلاف مقدار الدين و الأشخاص و سائر الخصوصيات.

(48) لأن عنوان الواجب التخييري مبين و معلوم عند عامة الناس، و ما ذكره العلماء في الأصول في تصويره بحث علمي دقي عقلي لا أن يكون عرفيا، و الأدلة منزلة على العرفيات لا الدقيات العقلية، و الفرق بين هذه الصورة و الصورة السابقة التي حكم فيها بالبطلان أن في هذه موضوع الحوالة عنوان التخيير و هو معلوم مبين عرفا، و في سابقة هو ذات المعنون المردد مع أنا ذكرنا وجه الصحة فيها أيضا.

(49) منهم الشيخ رحمة اللّه على ما نسب إليه و ابني البراج و حمزة و القاضي، و في مفتاح الكرامة دعوى عدم وجدان ذلك في الوسيلة.

(50) منهم العلامة في التذكرة و الشهيدين في اللمعة و شرحها.

(51) فيشمل الحوالة على البري ء و من هو مشغول الذمة، و الظاهر أن منشأ

ص: 316

إلا أن مرادهم- بقرينة التعليل بقولهم تفصيا من التسلط (52) على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه- فيما كانت الحوالة على مشغول الذمة (53) بغير ما هو مشغول الذمة به كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير بأن يدفع بدل الدنانير دراهم، فلا يشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البري ء بأن يدفع الدنانير أو على مشغول الذمة بالدنانير بأن يدفع الدراهم و لعله لأنه وفاء بغير الجنس برضى الدائن، فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس، و الوجه في عدم الصحة ما أشير إليه من أنه لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه، و أيضا الحكم على خلاف القاعدة و لا إطلاق في خصوص الباب و لا سيرة كاشفة و العمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة (54)، و وجه الصحة أن غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس و لا بأس به (55) و هذا هو الأقوى.

______________________________

اعتبار هذا الشرط هو عدم صحة الحوالة على البري ء و إن اعتبره غير واحد ممن يرى جواز الحوالة على البري ء.

(52) ذكر هذا التعليل رحمة اللّه في الشرائع، ثمَّ تردد و ظاهره التردد في أصل الحكم و في تعليله.

(53) خلاصة كلامه رحمة اللّه من هذا التفصيل ان هناك عناوين ثلاثة:

الأوّل: الحوالة على مشغول الذمة بغير ما اشتغلت ذمته به.

الثاني: الوفاء بغير الجنس مع رضاء الدين.

الثالث: الحوالة على البري ء و مورد الخلاف خصوص الأوّل دون الأخيرين، فإنه لا خلاف فيه لأحد مع رضاء الدائن و المحال عليه كما انه لا خلاف عندهم في عدم الصحة مع الرضاء.

(54) أدلة عدم الصحة بدون رضاء المحال عليه صحيحة لا مناقشة فيها.

(55) دليل الصحة أيضا تام لا خدشة فيه، لكن مع رضاء الدائن و المحال

ص: 317

ثمَّ لا يخفى أن الإشكال (56) إنما هو فيما إذا قال: «أعط مما لي عليك من الدنانير دراهم» بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه، و أما إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظير إلى ما عليه من الدنانير فلا ينبغي الإشكال فيه، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البري ء بأن يدفع الدنانير و حينئذ فتفرغ ذمة المحيل من الدراهم و تشتغل ذمة المحال عليه بها و تبقى ذمة المحال عليه مشغولة بالدنانير و تشتغل ذمة المحيل له بالدراهم فيتحاسبان بعد ذلك، و لعل الخلاف أيضا مختص بالصورة الأولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضا، و على هذا فيختص الخلاف بصورة واحدة و هي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمة بأن يدفع من طرف ما عليه من الحق بغير جنسه كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم.

مسألة 1: لا فرق في المال المحال به بين أن يكون عينا في الذمة

(مسألة 1): لا فرق في المال المحال به بين أن يكون عينا في الذمة،

______________________________

عليه فيصير هذا النزاع بينهم لفظيا.

نعم، لو كان نظر المجوزين إلى الجواز حتى مع عدم رضاء المحال عليه و جواز الوفاء بغير الجنس حتى مع عدم رضاء الدائن لصار النزاع معنويا، و لكنه لا وجه له و يكفي في عدم صحته أصالة عدم تسلط المحيل و المديون على ذلك إلا بدليل معتبر يدل عليه و هو مفقود.

(56) هذا التفصيل الذي ذكره قدس سرّه صحيح ثبوتا، و لكن الشي ء الذي يبقي عليه انه مع رضاء المحال عليه مطلقا لا فرق بين قسمي التفصيل أبدا في الصحة، و مع عدم رضائه لا فرق بينهما في عدم الصحة، و يكفي أصالة عدم السلطة للمحيل على هذا التبديل.

نعم، لو قلنا ان مناط صحة الحوالة مطلقا مالية المال التي تكون في ذمة المحال عليه تصح الحوالة بغير الجنس رضي المحال عليه أو لا، و لكنه دعوى بلا دليل.

ص: 318

أو منفعة، أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة و لو مثل الصلاة و الصوم و الحج و الزيارة و القراءة سواء كانت على بري أو على مشغول الذمة بمثلها (57) و أيضا لا فرق بين أن يكون مثليا كالطعام أو قيميا كالثوب (58) و القول بعدم الصحة في القيمي للجهالة ضعيف، و الجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها (59).

مسألة 2: إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل و إن لم يبرئه المحتال

(مسألة 2): إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل و إن لم يبرئه المحتال (60) و القول بالتوقف على إبرائه ضعيف، و الخبر الدال على تقييد

______________________________

(57) كل ذلك لوجود المقتضي و فقد المانع فتشملها الأدلة بلا مدافع و يظهر منهم التسالم عليه أيضا، و الفرق بين المنفعة و العمل هو الفرق بين الفعل و نتيجة الفعل، و كون الحوالة على المنفعة غير متعارفة لا يضر بالصحة بعد عدم مانع عقلي أو شرعي عنها في البين كما هو المفروض إلا دعوى انصراف الأدلة المعلوم كونه بدويا.

(58) لما مر في سابقة من غير فرق.

(59) أما القول فنسب إلى الشيخ رحمة اللّه و ابن حمزة، و أما ضعفه فلعدم دليل على صحة هذا القول من عقل أو نقل بعد ما مر من أن الجهالة التي تكون معرضا للزوال لا أثر لها، لأن الجهالة المانعة الجهالة المستقرة لا الزائلة مع أن القيميات معلومة أيضا كالمثليات فلا وجه لتخصيص الجهالة بالأولى كما هو أوضح من أن يخفى.

(60) إذ لا معنى لقبول الحوالة من المحتال بعمده و اختياره إلا ذلك عرفا و عقلا و شرعا، لأن الحوالة الصحيحة كالوفاء، و كما أنه بعد الوفاء لا معنى لبقاء اشتغال الذمة فكذا بعد الحوالة التي قبلها المحتال و يدل عليه النصوص أيضا كخبر أبي أيوب: «سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحيل الرجل بالمال أ يرجع

ص: 319

عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال، المراد منه القبول (61) لا اعتبارها بعده أيضا و تشتغل ذمة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى

______________________________

عليه؟ قال عليه السّلام: لا يرجع عليه أبدا إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك» (1)، و كذا نحوه خبر منصور بن حازم (2)، و في خبر عقبة بن جعفر عن أبي الحسن عليه السّلام:

«سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي، ثمَّ تغير حال الصيرفي أ يرجع على صاحبه إذا احتال و رضي؟ قال عليه السّلام: لا» (3)، فإن ظهورها في عدم اعتبار إبراء المحتال مما لا ينكر، و احتمال تقييدها بما يأتي من صحيح زرارة بعيد عن سياقها المطابق للمرتكزات.

(61) أما القول فهو لجمع من القدماء منهم القاضي و الحلبي و الشيخ في نهايته؛ و أما الخبر فهو صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل يحيل الرجل بما كان له على رجل آخر، فيقول له الذي احتال: برئت مما لي عليك، فقال عليه السّلام:

إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه، و إن لم يبرأه فله أن يرجع إلى الذي أحاله» (4)، و قد حمل هذا الصحيح جمعا بينه و بين ما تقدم من النصوص الآبية عن التقييد بالإبراء على محامل.

منها: ما في المتن تبعا لجمع من الفقهاء و هو أحسن حمل ذكر في المقام.

و منها: حمله على ما إذا شرط الإبراء في عقد الحوالة.

و منها: حمله على ما إذا ظهر بعد الحوالة إفلاس المحال عليه فأبرأه المحتال.

و الظاهر أن طرح الحديث أولى من هذه المحامل البعيدة عن سياقه، مع أنه موافق للمحكي عن الحسن البصري و مخالف للمشهور بينهم، و يستنكر مفاده متعارف الناس و يناسب أقوال الحسن البصري كما لا يخفى على من

ص: 320


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان 1 و 3 و 4.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان 1 و 3 و 4.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان 1 و 3 و 4.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان.

ذمته (62)، و تبرأ ذمة المحال عليه للمحيل (63) إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به، و تشتغل ذمة المحيل للمحال عليه إن كانت على برئ (64) أو كانت بغير المثل و يتحاسبان بعد ذلك (65).

مسألة 3: لا يجب على المحتال قبول الحوالة و إن كانت على مليّ

(مسألة 3): لا يجب على المحتال قبول الحوالة و إن كانت على مليّ (66).

مسألة 4: الحوالة لازمة فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كل من الثلاثة

(مسألة 4): الحوالة لازمة (67) فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كل من الثلاثة.

نعم، لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ و الرجوع على المحيل (68) و المراد من الإعسار أن لا يكون له ما يوفي

______________________________

راجع أقواله في معارفه و فقهه فليرد إلى أهله أو يطرح.

(62) لما مر من النصوص، مضافا إلى الإجماع، و لأنه لا معنى لرضاه بالحوالة إلا ذلك.

(63) لتقوم الحوالة بذلك عرفا و شرعا.

(64) لأن استيفاء مال الغير موجب للضمان عقلا و شرعا و عرفا لحكم الجميع بصحة قاعدة «الاحترام».

(65) لما مر في سابقة من غير فرق.

(66) للأصل، و الإجماع، و أما النبوي الشريف: «إذا أحيل أحدكم على الملي فليحتل» (1)، فظهوره في المجاملات الأخلاقية مما لا ينكر فلا يستفاد منه حكم إلزامي.

(67) لأصالة اللزوم و الإجماع، و ظاهر بعض ما تقدم من النصوص كخبر عقبة بن جعفر و نحوه.

(68) للإجماع و ما تقدم من خبر ابن حازم و أبي أيوب هذا مع جهل

ص: 321


1- كنز العمال ج: 5 صفحة: 332، حديث 333 ط: حيدر آباد.

دينه زائدا على مستثنيات الدين، و هو المراد من الفقر في كلام بعضهم (69) و لا يعتبر فيه كونه محجورا (70) و المناط الإعسار و اليسار حال الحوالة و تماميتها (71) و لا يعتبر الفور في جواز الفسخ (72) و مع إمكان الاقتراض و البناء عليه يسقط الخيار للانصراف على إشكال، و كذا مع وجود المتبرع (73).

______________________________

المحتال بالحال، و أما علمه بالإعسار فلا وجه للخيار، لإقدامه عليه مع علمه به.

(69) المناط كله عدم التمكن من أداء الدين بحسب ما ورد في الشريعة مع ملاحظة المستثنيات، سواء عبر بالإعسار كما عبر به العلامة رحمه اللّه أو بالفقر كما عبر به المحقق رحمه اللّه، أو بالإفلاس كما مر في خبر أبي أيوب و الحقيقة واحدة و ان اختلفت التعبيرات.

(70) للأصل و إطلاق ما تقدم من النص، و لأن المناط في الموضوعات الأحكام واقعها و مقام الإثبات طريق إلى الواقع.

(71) لظهور الإجماع و قوله عليه السّلام فيما تقدم من خبر أبي أيوب: «إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك» (1)، الشامل لصورة مقارنة الإفلاس للحوالة خرج صورة عروضه بعد تمامية الحوالة و بقي الباقي، و أما عروض الإفلاس بعد تمامية الحوالة فلا وجه للخيار، و المرجع فيه حينئذ إلى قوله تعالى وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ (2).

(72) لإطلاق الفتوى بحيث يظهر منهم الاتفاق عليه، و إطلاق ما تقدم من النصوص و على هذا فلا وجه للتمسك بأصالة اللزوم بناء على انحلالها بانحلال الآنات المتصورة في العقد، و منها الآن الذي يكون بعد الاطلاع على ثبوت الخيار و الإهمال في إعماله و ذلك لكونها محكومة بما مر من الإطلاق:

(73) مقتضى الأصل بقاء الخيار و عدم سقوطه بعد ثبوته.

ص: 322


1- تقدم في صفحة: 319.
2- سورة البقرة: 280.

مسألة 5: الأقوى جواز الحوالة على البري ء

(مسألة 5): الأقوى جواز الحوالة على البري ء (74) و لا يكون داخلا

______________________________

و أشكل عليه. أولا: بأن أدلة ثبوت الخيار منصرفة من هذه الصورة فلا خيار أصلا حتى يستصحب بقائه.

و ثانيا: بأنه مع التمكن من الاقتراض أو وجود المتبرع نشك في تحقق موضوع الاستصحاب فلا يجري من جهة الشك في الموضوع.

و ثالثا: ما عن الإيضاح من انه مبتن على ان علل الشرع معرفات أو علل حقيقة، و على الثاني هل الباقي مستغن عن المؤثر أو محتاج إليه فعلى الأولين يثبت الخيار بخلاف الأخير.

هذه خلاصة ما قالوا في المقام.

و الكل مخدوش .. أما الأول: فلعدم الاعتبار بهذه الانصرافات لكونها بدوية ادعائية.

و أما الثاني: فلأن موضوع الإعسار باق وجدانا، و القدرة على الاقتراض أو وجود المتبرع لا ترفع الإعسار، و أما الأخير فالأحكام الإلهية أجل من أن يبتني على هذه الأمور التي تكون بمعزل عن الأذهان العرفية، مع أنها من الأمور المغالطة القابلة للخدشة في محالها كما لا يخفى على من راجعها، و قد ذكر رحمة اللّه مثل هذه المباني في جملة من الفروع كما هو معلوم لدى المطلع الخبير.

ثمَّ ان الماتن لم يذكر تجدد اليسار، و الكلام فيه عين الكلام في وجود المتبرع و إمكان الاقتراض في جريان استصحاب الخيار لكن الإشكال الثاني و هو الشك في الموضوع هنا قوي.

(74) للإطلاق و الاتفاق و السيرة في الجملة، و نسب إلى الشيخ رحمة اللّه المنع لأصالة عدم ترتب الأثر، و احتمال كون الحوالة اعتياضا لا استيفاء فلا موضوع لها حينئذ مع البري ء إذ لا معاوضة معه.

و فيه: أن الأصل محكوم بالإطلاق و الاتفاق و احتمال الاعتياض في

ص: 323

في الضمان (75).

مسألة 6: يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من الثلاثة

(مسألة 6): يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من الثلاثة (76).

مسألة 7: يجوز الدور في الحوالة

(مسألة 7): يجوز الدور في الحوالة، و كذا يجوز الترامي بتعدد المحتال عليه و اتحاد المحال عليه (77).

مسألة 8: لو تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت ذمته

(مسألة 8): لو تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت ذمته (78). و كذا

______________________________

الحوالة خلاف العرف و الوجدان و خلاف مفهومها و انما يكون هذا الاحتمال من تخريجات الشافعية بلا دليل عليه حتى لديهم.

(75) لا لغة و لا عرفا و لا شرعا لأن الحوالة انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه و الضمان هو التعهد بالدين و من آثاره هو انتقال الدين إلى عهدة الضامن فهما متباينان مفهوما.

نعم، يشتركان في بعض الآثار و هو أعم من اتحاد الحقيقة.

(76) لظهور الإجماع و عموم أدلة نفوذ كل شرط إلا ما خالف الكتاب و يجري في الحوالة أيضا جميع ما مر في (مسألة 5) من كتاب الضمان.

(77) كل ذلك للإطلاق و ظهور الاتفاق و المراد بالدوران أن يحيل المحال عليه في بعض المراتب على المحيل الأوّل.

و البقية واضحة لا تحتاج إلى البيان.

(78) لأن المناط كله وصول الدائن إلى دينه و قد حصل ذلك، و لا يعتبر في وفاء الدين المباشرة للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق، و ما ورد في أداء الوارث دين مورثهم (1)، و الوالد دين الوالد و انه يكتب بذلك بارا (2)، و أداء دين الفقير من الزكاة (3).

ص: 324


1- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب الدين و القرض.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الدين و القرض.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب الدين و القرض.

لو ضمن عنه ضامن برضى المحتال (79) و كذا لو تبرع المحيل عنه (80).

مسألة 9: لو أحال عليه فقبل و أدى

(مسألة 9): لو أحال عليه فقبل و أدى ثمَّ طلب المحيل بما أدّاه فادعى أنه كان له عليه مال و أنكر المحال عليه فالقول قوله مع عدم البينة، فيحلف على براءته و يطالب عوض ما أداء لأصالة البراءة من شغل ذمته للمحيل، و دعوى: ان الأصل أيضا عدم اشتغال ذمة المحيل بهذا الأداء، مدفوعة: بأن الشك في حصول اشتغال ذمته و عدمه مسبب عن الشك في اشتغال ذمة المحال عليه و عدمه و بعد جريان أصالة براءة ذمته (81) يرتفع الشك، هذا على المختار من صحة الحوالة على البري ء، و أما على القول بعدم صحتها فيقدم قول المحيل لأن مرجع الخلاف إلى صحة الحوالة و عدمها و مع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدم قول مدعي الصحة و هو المحيل (82).

______________________________

(79) تقدم التفصيل في كتاب الضمان فراجع.

(80) لعين ما تقدم في الفرع الأوّل من هذه المسألة.

(81) مع وجود الأصل الموضوعي- و هو أصالة عدم الاشتغال- لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي.

(82) و يترتب عليه أثر الصحة و هو اشتغال ذمة المحال عليه بالمال المحال به و برئت ذمة المحيل بأدائه، ان قيل: إن اثر أصالة الصحة انما يترتب في الجملة و من جهة ما لا من كل جهة و هو في المقام اشتغال ذمة المحال عليه فقط، و أما براءة ذمة المحيل عن دين المحتال فهي قاصرة عن إثباتها، كما إذا وقع عقد و شك في بلوغ أحد المتعاقدين فحكم بصحة العقد، لقاعدة الصحة لا يحكم ببلوغ المشكوك بلوغه في سائر أموره المغايرة مع مجرى قاعدة الصحة، و كما إذا شك بعد الفراغ من صلاة الظهر انه كان متطهرا أو لا ليحكم بصحة صلاة الظهر و أما صحة دخوله في صلاة العصر فلا يحكم بها.

ص: 325

و دعوى: ان تقديم قول مدعي الصحة إنما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين و هما في الحوالة المحيل و المحتال، و أما المحال عليه فليس طرفا و إن اعتبر رضاه في صحتها.

مدفوعة: أولا بمنع عدم كونه طرفا فإن الحوالة مركبة من إيجاب و قبولين.

و ثانيا: يكفي اعتبار رضاه في الصحة (83) في جعل اعترافه بتحقق المعاملة حجة عليه بالحمل على الصحة.

نعم، لو لم يعترف بالحوالة بل ادعى أنه أذن له أداء دينه يقدم قوله لأصالة البراءة، من شغل ذمته فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه و لم يتحقق هنا حوالة بالنسبة إليه حتى تحمل على الصحة.

و إن تحقق بالنسبة إلى المحيل و المحتال لاعترافهما بها.

مسألة 10: قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة

(مسألة 10): قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة حيث قالوا: «لو أحال عليه فقبل و أدى» فجعلوا محل الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء، أن حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلا بعد الأداء، فقبله و إن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل و المحتال لكن ذمة المحيل لا تشتغل للمحال عليه البري ء إلا بعد الأداء، و الأقوى حصول الشغل بالنسبة

______________________________

يقال: أن أصل هذا الاشكال مبني على أن الأصول و القواعد المعتبرة مثل الامارة حتى تكون معتبرة في لوازمها أو لا؟ و مقتضى التحقيق عدم الاعتبار كما أثبتناه في الأصول، لأن الشك في الاعتبار يكفي في عدمه بعد عدم ثبوت دليل عليه، و يمكن دعوى الملازمة العرفية بين قبول دعوى المحيل و صحة الحوالة فلا يرى العرف التفكيك بينهما.

(83) مع انه يكفي في الحمل على الصحة مجرد قابلية الحمل و مجرد وجود أثر في البين.

ص: 326

الى المحيل بمجرد قبول المحال عليه (84)، إذا كما يحصل به الوفاء بالنسبة إلى دين المحيل بمجرده فكذا في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذا كان مديونا له و حصول شغل ذمة المحيل له إذا كان بريئا، و مقتضى القاعدة في الضمان أيضا تحقق شغل المضمون عنه للضامن بمجرد ضمانه إلا أن الإجماع و خبر الصلح (85) دلّا على التوقف على الأداء فيه، و في المقام لا إجماع و لا خبر، بل لم يتعرضوا لهذه المسألة، و على هذا فله الرجوع على المحيل و لو قبل الأداء (86)، بل و كذا لو أبرأه المحتال أو وفّاه بالأقل أو صالحه بالأقل فله عوض ما أحاله عليه بتمامه

______________________________

(84) تصوير هذا الاشتغال بالنسبة إلى الحوالة على البري ء صحيح، و أما بالنسبة إلى الحوالة على المديون فيحتاج إلى التكلف بأن يقال باشتغال ذمة المحيل بالنسبة إلى المحال عليه آنا ما ثمَّ سقوطه بالتهاتر، و هو تكلف لا نحتاج اليه و تطويل بلا طائل.

ثمَّ انه يمكن دعوى الملازمة العرفية في الجملة بين حصول الوفاء بقبول المحال عليه و اشتغال ذمة المحيل للمحال عليه.

نعم، لا ريب في أن لهذه الملازمات العرفية مراتب متفاوتة شدة و ضعفا، فالملازمة بين الأداء و الاشتغال شديدة و بين القبول و الاشتغال دونها في الشدة، و به يمكن أن يجمع بين كلمات الاعلام بعد التأمل في مرتكزات الأنام.

(85) تقدم في (مسألة 13) من كتاب الضمان انه لا أصل لدعوى هذا الإجماع و لا وجه للتمسك بخبر الصلح فراجع و تأمل.

(86) إن كان المراد بهذا الرجوع الرجوع الاقتضائي الشأني لكون المحيل في معرض الرجوع عليه في الحوالة على البري ء فله وجه لفرض ثبوت الشأنية و المعرضية، و أما إن كان المراد به الرجوع إلى حق ثابت فعلى من كل جهة فالجزم به مشكل لأن المنساق إلى الأذهان أن مثل هذا الحق في الحوالة يترتب

ص: 327

مطلقا إذا كان بريئا (87).

مسألة 11: إذا أحال السيد بدينه على مكاتبه بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صح

(مسألة 11): إذا أحال السيد بدينه على مكاتبه بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صح، سواء كان قبل حلول النجم أو بعده لثبوته في ذمته (88).

______________________________

على أداء المحال عليه و وفائه لا أن تثبت للمحيل على المحال عليه حق فعلية هذه المطالبة حتى قبل أداء المحال عليه و بمجرد تحقق الحوالة إلا بنحو تأتي الإشارة إليه.

(87) إن كان هذا قيدا لجميع الموارد المذكورة من إبراء المحتال و الوفاء بالأقل أو المصالحة به فرجوع المحال عليه إلى المحيل بتمام مقدار الحوالة بعيد عن الأذهان العرفية، لأن المحتملات في الحوالة على البري ء ثلاثة:

الأوّل: كونها ضمانا واقعا، لكن مع الاختلاف في العبارة و لا بأس به بعد استفادة الضمان منها عرفا، و حكمه ما تقدم من أن تدارك المضمون عنه للضامن انما هو بقدر الخسارة لا أن يجب التدارك بمجرد تحقق عقد الضمان.

الثاني: أن تكون التزاما خاصا من المحال عليه على نفسه بأن يعطي هذا المقدار الخاص أي: قدر المحال به إلى المحيل مطلقا و على أي تقدير و لا ريب في عدم كون هذا من الحوالة المصطلة، بل تكون هبة مستقلة تجري عليها أحكامها الخاصة بها من الجواز و اللزوم و غيرهما.

الثالث: أن تكون عين الحوالة المعروفة إلا أن في الحوالة المعروفة مال المحال به ثابت في ذمة المحال عليه بقدر ما خسر و يجوز له مطالبة المقدار قبل الأداء استيثاقا لما يؤدي بعد ذلك، و أما ثبوت حق مطالبة تمام مقدار الحوالة حتى مع إبراء المحتال أو الوفاء بالأقل فإثباته بحسب ما بأيدينا مشكل.

(88) فيكون المقتضي لصحة الحوالة موجودا و المانع عنها مفقودا فتشمله الأدلة.

ص: 328

و القول بعدم صحته قبل الحلول (89) لجواز تعجيز نفسه ضعيف، إذ غاية ما يكون كونه متزلزلا فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان الخيار، و احتمال عدم اشتغال ذمة العبد لعدم ثبوت ذمة اختيارية له فيكون وجوب الأداء تكليفيا، كما ترى (90).

ثمَّ أن العبد بقبول الحوالة يتحرر لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة، و لو لم يحصل الأداء منه فإذا أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه (91) و ما عن المسالك من عدم حصول الانعتاق قبل الأداء لأن الحوالة ليست في حكم الأداء بل في حكم التوكيل، و على هذا إذا أعتقه المولى صح و بطلت الكتابة و لم يسقط عن المكاتب الحوالة لأنه صار لازما للمحتال و لا يضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة (92).

فيه نظر من وجوه (93) و كأن دعواه أن الحوالة ليست في حكم

______________________________

(89) نسب هذا القول إلى الشيخ و القاضي (رحمهم اللّه) مستدلا بما في المتن و ضعفه ظاهر بما ذكره.

(90) لا دليل عليه من عقل أو نقل و مخالف لمرتكزات الناس حيث يرونه ذات ذمة تكليفية و وضعية.

(91) لحصول التحرر بالوفاء فلا يبقي موضوع للعتق بعد ذلك فيبطل لا محالة.

(92) أما قوله رحمه اللّه: «إن الحوالة ليست في حكم الأداء بل هي في حكم التوكيل»، فهو من مجرد الادعاء و لم يذكر له دليلا حتى نرى صحته و بطلانه مع أن المتعارف يرونها بحكم الأداء و إن لم يكن منه موضوعا، و أما قوله: «صح و بطلت الكتابة» فهو صحيح على مبناه رحمه اللّه لوجود المقتضي للصحة على هذا و فقد المانع، و أما قوله: «و لم يسقط عن المكاتب» فقد ذكر رحمه اللّه وجهه، و أما قوله:

«و لا يضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة» فلعل نظره إلى الأصل و يأتي ما فيه.

(93) ذكرها في الجواهر منها عدم كون الحوالة توكيلا و الا لم يكن وجه

ص: 329

الأداء إنما هي بالنظر إلى ما مر من دعوى توقف شغل ذمة المحيل للمحال عليه على الأداء كما في الضمان فهي و إن كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل و المحتال فبمجردهما يحصل الوفاء و تبرأ ذمة المحيل لكن بالنسبة إلى المحال عليه و المحيل ليس كذلك، و فيه منع التوقف المذكور كما عرفت فلا فرق بين المقامين في كون الحوالة كالأداء فيتحقق بها الوفاء (94).

مسألة 12: لو باع السيد مكاتبه سلعة فأحاله بثمنها صح

(مسألة 12): لو باع السيد مكاتبه سلعة فأحاله بثمنها صح لأن حاله حال الأحرار من غير فرق بين سيده و غيره (95) و ما عن الشيخ من المنع ضعيف (96)

مسألة 13: لو كان للمكاتب دين على أجنبي

(مسألة 13): لو كان للمكاتب دين على أجنبي فأحال سيده عليه من

______________________________

لانتقال المال من ذمة المحيل إلى المحال عليه في الحوالة على البري.

و منها: انها لو كانت توكيلا ينتفي موضوع التوكيل بالعتق فلا يبقي معنى لما ذكره من لزوم المال للمحتال.

و منها: أن لزوم المال للمحتال ملازم عرفا لاشتغال ذمة السيد لأجل الاستيفاء.

(94) و حينئذ يتحقق الانعتاق و يبطل عتق المولى بعد ذلك كما ذكره رحمه اللّه في المتن.

(95) فيكون المقتضي للصحة في كل منهما موجودا و المانع عنها مفقودا فتصح فيهما لا محالة.

(96) مع أنه تفرد و لم ينسب هذا القول إلى غيره و استدل عليه بأن الكتابة من العقود الجائزة و لو اشترى شيئا من سيده لزمه ثمنه، و يمكن فسخ الكتابة فيلزم حينئذ ثبوت شي ء في ذمة العبد لسيده و هو باطل.

و فيه: أنه مردود صغرى و كبرى، أما الصغرى فلا دليل على أن الكتابة من العقود الجائزة مع عمومات اللزوم بالنسبة إلى كل عقد، و أما الكبرى فلا وجه

ص: 330

مال الكتابة صح (97) فيجب عليه تسليمه للسيد و يكون موجبا لانعتاقه (98) سواء أدى المحال عليه المال للسيد أم لا (99).

مسألة 14: لو اختلفا في ان الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة فمع عدم البينة يقدم قول منكر الحوالة

(مسألة 14): لو اختلفا في ان الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة (100) فمع عدم البينة يقدم قول منكر الحوالة سواء كان هو المحيل أو المحتال، و سواء كان ذلك قبل القبض من المحال عليه أو بعده، و ذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمة المحيل للمحتال، و بقاء اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل، و أصالة عدم ملكية المال المحال به للمحتال، و دعوى أنه إذا كان بعد القبض يكون مقتضى اليد ملكية المحتال فيكون المحيل المنكر للحوالة مدعيا فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة، مدفوعة بأن مثل هذه اليد لا يكون إمارة على ملكية ذيها، فهو نظير ما إذا دفع شخص و ادعى أنه دفعه أمانة و قال الآخر دفعت لي هبة أو قرضا فإنه لا يقدم قول

______________________________

لبطلان البيع من الأوّل على فرض امتناع ثبوت شي ء في ذمة العبد لسيده بل ينفسخ البيع من حين فسخ الكتابة مع أن امتناع ثبوت شي ء في ذمة العبد لسيده أول الدعوى.

(97) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع فتشمله العمومات قهرا، و منه يعلم الوجه في وجوب التسليم إلى السيد لأنه من مقومات الصحة و لوازمها.

(98) لأنه بقبول المحال عليه تبرء ذمة العبد فينعتق قهرا بمقتضى عقد الكتابة، مع إنه لا خلاف فيه عندهم.

(99) لعدم أثر له بعد فراغ ذمة العبد عن مال الكتابة.

(100) قد تعرض رحمه اللّه في هذه المسألة فروعا أربعة إلى قوله رحمه اللّه: «أو بعده»، و ذلك لأن المنكر انما هو المحيل أو المحتال و على كل منهما إما أن يكون النزاع قبل القبض أو بعده، و يقدم قول منكر الحوالة المذكورة، للأصول الثلاثة المذكورة في المتن.

ص: 331

ذي اليد (101) هذا كله إذا لم يعلم اللفظ الصادر منهما و أما إذا علم و كان ظاهرا في الحوالة أو في الوكالة فهو المتبع (102) و لو علم أنه قال «أحلتك على فلان» و قال «قبلت» ثمَّ اختلفا في أنه حوالة أو وكالة، فربما يقال إنه يقدم قول مدعي الحوالة لأن الظاهر من لفظ أحلت هو الحوالة المصطلحة و استعماله في الوكالة مجاز فيحمل على الحوالة، و فيه منع الظهور المذكور (103).

______________________________

(101) للشك في شمول دليل اعتبار قاعدة اليد لمثل المقام لأنه إما الإجماع، و بناء العقلاء، أو أدلة لفظية واردة في موارد مختلفة، و المتيقن من الأوّل و المنساق من الأخير غير هذه الصورة، بل الشك في شمول دليل الاعتبار يكفي في عدم الاعتبار لأصالة عدم الحجية إلا بدليل معتبر.

نعم، لو كان مورد اعتبار قاعدة اليد طبيعي اليد بأي نحو تحقق لكان للقبول وجه، و لكنه أول الدعوى و لم يثبت ذلك بدليل.

(102) هذا هو الفرع الخامس و السادس المذكور في هذه المسألة و الوجه فيهما معلوم، لأن الظاهر حجة معتبرة و عليه المدار في الاحتجاجات و المخاصمات و لا إشكال في هذين الفرعين عند أحد.

(103) البحث .. تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى: بحسب الظهور الطبيعي اللفظي.

و ثالثة: بحسب الاستظهار العرفي.

أما الأولى: فمقتضاه عدم تحقق الحوالة للأصول الثلاثة التي مرت في الفروع الأربعة في أول المسألة، و قد نسب ذلك إلى الشيخ رحمه اللّه و لكن لا ربط لذلك بالنزاع في الظهور و عدمه، كما أن تقديم الوكالة بدعوى أن المتكلم أعرف بقصده لا ربط له أيضا بهذا النزاع.

و أما الثانية: فدعوى منع الظهور اللفظي لهذه المادة و متفرعا بها في

ص: 332

نعم، لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة و أما ما يشتق منها كلفظ «أحلت» فظهوره فيها ممنوع، كما أن لفظ الوصية ظاهر في الوصية المصطلحة و أما لفظ «أوصيت» أو «أوصيك بكذا» (104) فليس كذلك فتقديم قول مدعي الحوالة في الصورة المفروضة محل منع.

مسألة 15: إذا أحال البائع من له عليه دين على المشترى بالثمن

(مسألة 15): إذا أحال البائع من له عليه دين على المشترى بالثمن أو أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي برئ أو مديون للمشتري ثمَّ بان بطلان البيع بطلت الحوالة في الصورة (105) لظهور عدم اشتغال ذمة

______________________________

الحوالة المعهودة مكابرة كما لا يخفى على من راجع إلى وجدانه في الجملة.

و منه يظهر الوجه في الثالثة، إذ الاستظهار مترتب على الظهور هذا إذا لاحظنا نفس مادة «ح و ا ل ة»، و لكن مع ملاحظة النزاع الواقع في البين فإن صار قرينة على الإجمال أو على الخلاف تتبع لا محالة كما أنه لو كانت في البين قرائن خارجية على تعين إحداهما، و لكن المفروض عدم ذلك كله.

و بالجملة: إنكار الظهور العرفي في الحوالة المعهودة خلاف الوجدان كما صرح به بعض مشايخنا (1)، و منه يعلم سقوط احتمال إرادة مطلق التحويل بالمعنى اللغوي الذي هو مطلق النقل من محل إلى محل آخر لما ثبت في محله من أن الظهور العرفي مقدم على المعنى اللغوي.

(104) يمكن أن يقال: ان كلمة «أوصيك» كثيرا ما يستعمل في غير الوصية المعهودة كما في مقامات النصيحة و الوعظ و الإرشاد.

ثمَّ أنه يمكن أن يجعل النزاع في ظهور لفظ «أحلت» في الحوالة المعهودة و عدمه لفظيا كما لا يخفى، فمن ينكر الظهور ينكره فيما إذا كانت في البين قرائن على الإجماع حالية كانت أو مقالية، و لا ريب في تسالم الكل عليه.

(105) أي: بطلت من أصلها لا أن يعرضها البطلان بعد انعقادها صحيحة،

ص: 333


1- المحقق آية اللّه العظمى الشيخ آغا ضياء الدين العراقي قدس سرّه.

المشتري للبائع و اللازم اشتغال ذمة المحيل للمحتال، هذا في الصورة الثانية، و في الصورة الأولى و إن كان المشتري محالا عليه و يجوز الحوالة على البري إلا أن المفروض إرادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمته (106) فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمته لا عليه (107) و لا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده (108) فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقيا على ملك المشتري (109) فله الرجوع به و مع تلفه يرجع على المحتال في الصورة الأولى و على البائع في الثانية (110).

______________________________

و الوجه في ذلك فقدانها لشرط الصحة من الأوّل كما في المتن مضافا إلى ظهور إجماعهم على ذلك.

(106) بلا إشكال فيه إذا لوحظت هذه الحيثية قيدا للحوالة حينئذ من أصلها لانتفاء المقيد بانتفاء قيده، و أما إذا لم تلحظ هذه الحيثية أصلا أو كانت ملحوظة بنحو الداعي لا بعنوان التقييد فلا وجه للبطلان، بل مقتضى أصالة الصحة عدم البطلان.

(107) و الفرق بينهما واضح، لأن الذمة في الأوّل لوحظت بعنوان التقييد فتبطل الحوالة مع عدم اشتغال الذمة بخلاف الأخير فإنه إما إن لم يلحظ فيه شي ء أبدا بل لوحظت ذات الحوالة من حيث هي أو لوحظ الاشتغال بعنوان الداعي لا التقييد.

(108) لأن انتفاء المقيد بانتفاء القيد من الأمور الحقيقة التي لا فرق فيه بين الحالات.

(109) للأصل بعد عدم حدوث ما يوجب انتقاله عنه.

(110) لقاعدة «على اليد» الجارية في المحتال في الصورة الأولى و في البائع في الصورة الثانية.

ص: 334

مسألة 16: إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثمَّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة

(مسألة 16): إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثمَّ انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة لوقوعها في حال اشتغال ذمة المشتري بالثمن (111) فيكون كما لو تصرف أحد المتبايعين في ما انتقل إليه ثمَّ حصل الفسخ فإن التصرف لا يبطل بفسخ البيع و لا فرق بين أن يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده فهي تبقى بحالها (112).

و يرجع البائع على المشتري بالثمن (113) و ما عن الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر (114) من الفرق بين الصورتين و الحكم بالبطلان في الصورة الثانية و هي ما إذا أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي لأنها تتبع البيع (115) في هذه الصورة حيث أنها بين المتبايعين بخلاف الصورة الأولى ضعيف (116) و التبعية في الفسخ و عدمه ممنوعة.

______________________________

(111) و عدم حدوث ما يوجب البطلان، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود كما في المثال الذي يذكره بعد ذلك.

(112) لشمول دليل الصحة- و هو وجود المقتضي لها و فقد المانع عنها- لكلتا صورتي كون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده.

(113) الصحيح عكس ذلك بأن يقال: يرجع المشتري على البائع بالثمن كما هو معلوم.

(114) حكى البطلان في الصورة الثانية عن مبسوط الشيخ معللا له بما في المتن و قواه في مجمع البرهان و تردد في بيع الشرائع، و الأصل في الجميع قول الشيخ رحمه اللّه و تعليله كما لا يخفى على من راجع الكلمات.

(115) و إذا بطل المتبوع بطل التابع، و يمكن تصوير هذا الاستدلال بنحو الشكل الأوّل فيقال: هذه الحوالة تابعة للبيع و كل ما هو تابع لشي ء يبطل ببطلان متبوعه، فهذه الحوالة تبطل ببطلان متبوعه.

و لكن يأتي أن هذه مغالطة لا أن يكون برهانا.

(116) لأن التبعية لها مراتب كثيرة، ذاتية و وجودية و شأنية و اعتبارية

ص: 335

نعم، هي تبع للبيع حيث أنها واقعة على الثمن و بهذا المعنى لا فرق بين الصورتين (117) و ربما يقال (118) ببطلانها إن قلنا إنها استيفاء و تبقى

______________________________

و فرضية و تامة و ناقصة.

و قضية كل ما بطل المتبوع بطل التابع لا تجري في جميع ذلك كما هو واضح، و التبعية بنحو الإجمال حاصلة في الصورتين فلا إشكال كما انها بحسب بعض مراتبها مفقودة في كلتا الصورتين فلا موجب لاختصاص البطلان بالصورة الثانية، مع أن التفكيك بين التابع و المتبوع بالحيثيات و الاعتبارات سائغ في الفقه بل في كل علم.

(117) لأن ذلك تبعية جهتية و في الجملة، لا ينافي التفكيك من جهات أخرى بحسب الأدلة و المقتضيات.

(118) ذكره العلامة في القواعد و قال رحمه اللّه «في وجه ذلك انه مع كون الحوالة استيفاء تبطل لأنها نوع إرفاق فإذا بطل الأصل بطلت هيئة الإرفاق، و إن قلنا انها اعتياض لم تبطل كما لو استبدل عين الثمن ثوبا ثمَّ رد بالعيب فإنه يرجع بالثمن لا الثوب»، و خلاصة كلامه رحمه اللّه إن الاستيفاء خفيف المؤنة فإن كانت استيفاء يذهب أثره و يضمحل بأدنى شي ء و إن كانت معاوضة فأثرها يبقى و لا يزول للزومها، و لا بد أولا من بيان حقيقة الحوالة ثمَّ بيان ما يتعلق بكلامه، قيل في وجه إن الحوالة ليست استيفاء: «بأنها ليست وفاء حال وقوعها إذ لم يصل إلى الدائن شي ء من ماله، و لا حال القبض من المحال عليه لفراغ ذمته قبل ذلك، و إنما القبض وفاء عما في ذمة المحال عليه عوضا عما في ذمة المحيل، فإن ذلك غير مقصود و لا هو مفهوم من الحوالة عرفا- إلى أن قال- و لو كانت اعتياضا جرى عليها حكم بيع الصرف».

و فيه: إن الوفاء يترتب على تمام هذا العمل المعهود مجموعه من بدية إلى ختامه، و لا إشكال فيه من عقل أو شرع أو عرف كما في سائر العقود حيث

ص: 336

إن قلنا إنها اعتياض، و الأقوى البقاء و إن قلنا إنها استيفاء (119) لأنها معاملة مستقلة لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع، و ليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة كما إذا اشترى شيئا بدراهم مكسرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئا آخر وفاء (120) حيث إنه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشي ء الآخر لا الدراهم المكسرة فإن الوفاء بهذا النحو ليس

______________________________

إن الأثر مترتب على تحقق مجموع أجزائها و شرائطها، و يصح اعتبار الاعتياض فيها أيضا كما يصح اعتباره في القرض و أدائه.

إذ الاعتبار خفيف المؤنة و أحكام الصرف مختصة بمورده لا تجري فيما إذا تعنون الحوالة عرفا، و الوفاء قد يكون ملازما للاعتياض لاشتماله على معنى التسليم و لا محذور في أن تنزع من عقد واحد جهات من عقود كثيرة، من عقل أو شرع أو عرف هذا ما يتعلق بما قيل من عدم كونها وفاء، و لا اعتياضا.

و أما ما يتعلق بقول العلامة رحمه اللّه من انها تبطل إن قلنا أنها وفاء و تصح إن قلنا انها اعتياض، فإن أراد من الوفاء الارفاقي المجاملي الغير المقرون باللزوم فالحق معه و لكنه من مجرد الفرض و ان الوفاء في الحوالة يتحقق في العقد اللازم، و إن أريد به الوفاء العقدي فلا وجه للبطلان كما هو معلوم فيصير هذا النزاع لفظيا.

(119) مراده قدس سرّه الاستيفاء القرين للزوم لا الاستيفاء المجاملي الارفاقي فلا وجه لإشكال بعض الشراح و لا بعض المحشين (رحمهم اللّه تعالى).

(120) أشكل عليه بعض الشراح أن هذا لا يكون وفاء لأنه لا بد و أن يكون بما في الذمة.

و فيه: إن الوفاء بمعنى الأداء و التسليم بما يحصل به فراغ الذمة، سواء كان بعين ما في الذمة أو بغيره مما تراضيا عليه كما لا يخفى من راجع موارد

ص: 337

معاملة لازمة (121) بل يتبع البيع في الانفساخ، بخلاف ما نحن فيه حيث إن الحوالة عقد لازم و إن كان نوعا من الاستيفاء.

مسألة 17: إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معين خارجي

(مسألة 17): إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معين خارجي فأحال دائنه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل المحتال و المحال عليه وجب عليه الدفع إليه (122) و إن لم يكن من الحوالة المصطلحة (123) و إذا لم يدفع له الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمته، و لو لم يتمكن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل المحال عليه إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستندا إليه، للغرور (124).

(تمَّ كتاب الحوالة)

______________________________

استعمالاته في الشرع و العرف.

(121) هذا إذا لم يصدق عليه عنوان العقد من العقود و كان من مجرد الوفاء من دون انطباق أي عنوان عليه فإنه لا موضوع للزوم حينئذ، و أما لو كان داخلا تحت عقد من العقود و صدق عليه ذلك عرفا فتشمله أصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام، و لعل البحث في هذه المسألة بين اللزوم و عدمه يكون من النزاع اللفظي حينئذ.

(122) لالتزامه بذلك على نفسه بقبول الحوالة و إسقاط المالك حق الإرجاع إليه بإذنه بالدفع إلى المحتال.

(123) لعدم انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، كما أنه لا يجري حكم الحوالة على البري ء أيضا.

(124) إن أوجب أمانته ايتمان المحال عليه فحصل له الغرور بذلك عرفا لأن الغرور من الموضوعات العرفية و لا يتقوم بالضمان، بل بكل ما حكم العرف بصدقه يترتب عليه حكمه، و اللّه تعالى هو العالم.

و الحمد للّه أولا و آخرا.

ص: 338

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الكفالة

اشارة

كتاب الكفالة(1) و هي: التعهد و الالتزام بإحضار نفس لمن له الحق متى طلبه (1).

مسألة 1: الكفالة عقد واقع بين الكفيل و صاحب الحق و هو المكفول له

(مسألة 1): الكفالة عقد واقع بين الكفيل و صاحب الحق و هو المكفول له- (2) و يشترط فيها أمور:

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السّلام على محمد و آله الطاهرين.

(1) يدل عليه اللغة و عرف عامة الناس و هو المعهود بين المتشرعة خلفا عن سلف، و يظهر منهم الإجماع عليه.

(2) أما كونه عقدا فيدل عليه الإجماع، بل الضرورة الفقهية.

و أما كونه بين الكفيل و المكفول له فهو مما لا خلاف فيه بين الفقهاء و من

ص: 339


1- هذا الكتاب و ما يليه من الكتب الفقهية سوى قسم من مسائل كتاب النكاح و الوصية- لسيدنا الوالد قدس سرّه.

الأول: الإيجاب من الكفيل و القبول من المكفول له (3).

مسألة 2: يكفي في الإيجاب كل لفظ ظاهر في التعهد المزبور

(مسألة 2): يكفي في الإيجاب كل لفظ ظاهر في التعهد المزبور كأن يقول: «كفلت لك نفس فلان» أو «أنا كفيل لك بإحضاره» و نحو ذلك و في القبول كل ما هو ظاهر في الرضاء بذلك (4).

الثاني: يعتبر في الكفيل الشرائط العامة- كالبلوغ و العقل و الاختيار- و التمكن من الإحضار (5)

______________________________

المسلمات لديهم، و أنما الخلاف في اعتبار قبول المكفول و يأتي تفصيل القول فيه في المسألة التالية، و المراد بقبول المكفول له هنا أعم من قبول نفسه إن كان كاملا أو وليه ان لم يكن كذلك كما يأتي في المسألة الآتية أيضا.

ثمَّ أن المراد بالحق الثابت أعم من العين و الدين لإطلاق الكلمات و تصريح جمع بالتعميم، بل ظاهر الإطلاق يشمل مطلق الحق و لو كان حق إثبات الدعوى على المكفول.

و قد تقدم الفرق بين الكفالة و الضمان و الحوالة (1)، فلا وجه للتكرار بالإعادة.

(3) للإجماع و السيرة و التسالم عليه فتوى و عملا.

(4) لما تقدم غير مرة انه يكفي في تحقق العقود كل لفظ له ظهور عرفي محاوري في عنوان العقد المنشأ، سواء استند الظهور إلى الحقيقة أو إلى المجاز بواسطة القرينة المعتبرة، لشمول الإطلاقات و العمومات فيصح و يجزي لا محالة و إن شئت التفصيل فراجع ما قلناه في عقد البيع.

(5) الثلاثة الأولى من الشرائط العامة لكل عقد و تقدم دليل اعتبارها مفصلا في عقد البيع فراجع.

ص: 340


1- راجع صفحة: 212.

مسألة 3: لا يشترط في المكفول له البلوغ و العقل

(مسألة 3): لا يشترط في المكفول له البلوغ و العقل (6) فتصح الكفالة للصبي و المجنون إن قبلها الولي (7).

الثالث: رضاء الكفيل و المكفول له بلا إشكال (8) و كذا المكفول على الأحوط (9)

______________________________

و أما دليل اعتبار الأخير فمضافا إلى الإجماع أن الكفالة متقومة بذلك عرفا، فإنها عبارة عن التعهد و الالتزام بالإحضار.

و العاقل لا يلتزم بما لا يقدر عليه و لا يتمكن منه، فاعتبار التمكن من الإحضار من لوازم اعتبار العقل لزوما عرفيا.

(6) كما إذا جنى شخص على صبي أو مجنون و كفل شخص لهما بإحضار الجاني لإقامة الدعوى عليه و إثبات حق الجناية، و كذا في سائر موارد الحقوق نفسية كانت أو عرضية أو مالية، فالمقام نظير الضمان حيث تقدم انه لا يعتبر في المضمون عنه البلوغ و العقل.

(7) لفرض ان الكفالة عقد و هو متقوم بالإيجاب و القبول، فاذا لم يتحقق القبول من المكفول له يقوم وليه مقامه في ذلك، فالبلوغ و العقل شرط في المكفول له من باب الوصف بحال المتعلق أي من حيث العقد لا من باب الوصف بحال الذات، و في الكفيل معتبر من حيث الوصف بحال الذات فعلى هذا لو كفل صبي أو مجنون بإذن الولي و إيجابه لا تصح الكفالة، و ذلك معلوم في المجنون لعدم الاعتبار بلفظه و فعله عند العقلاء، و أما في الصبي فهو المشهور و تقدم البحث عنه في أول كتاب البيع، و مثل ذلك ما إذا قدر كلب شخص على إحضار المكفول و وقع عقد الكفالة بين صاحب الكلب و المكفول له.

(8) للإجماع و ضرورة عدم صحة الالتزام بحق من دون رضاء الطرفين.

(9) نسب إلى المشهور عدم اعتبار رضاه و نسبه العلامة في التذكرة إلى

ص: 341

بل ينبغي الاحتياط في جعله طرفا للعقد (10) بأن يكون عقدها مركبا من إيجاب و قبولين من المكفول له و المكفول (11).

مسألة 4: تصح الكفالة بإحضار من عليه حق مالي

(مسألة 4): تصح الكفالة بإحضار من عليه حق مالي (12)، و لا

______________________________

علمائنا؛ و تمسكوا أيضا بإطلاق أدلة الوكالة و ان الكفيل بمنزلة الوكيل الذي لا يشترط وكالته في رضاء الموكل عليه و أنه بمنزلة المضمون عنه.

فكما لا يعتبر رضاه لا يعتبر رضاء الكفيل أيضا.

و عن جمع منهم الشيخ و ابني حمزة و إدريس اعتبار رضاه و قواه العلامة في تحريره، و عن صاحب الجواهر تقويته أيضا، لأن الأدلة المذكورة لعدم اعتباره ساقطة أما الشهرة و الإجماع فلا اعتبار بهما مع فتوى جمع بالخلاف و مخالفة العلامة الذي هو مدعي الإجماع لنفسه، و أما الإطلاق فالشك في أصل ثبوته يكفي في عدم اعتباره، و أما البقية فأشبه بالقياس من الاستدلال.

نعم، هنا شي ء و هو أن العرف يرى تقوم الكفالة برضاء الكفيل و المكفول له و يرون إحضاره المكفول من لوازم عقد الكفالة لا من مقوماته فرضاه على فرض اعتباره يكون هكذا فالجهات الوضعية العقدية تتم برضاء الكفيل و المكفول له، و يكون ما يتعلق بالمكفول كوجوب التسليم بالنسبة إلى المتعاوضين، و حيث إن الكفالة استيلاء من الكفيل على إحضار المكفول و النفوس مختلفة في ذلك اختلافا كثيرا، و بعض النفوس يستنكرون استيلاء بعض الأشخاص عليهم و يتأذون من ذلك يمكن اعتبار رضاه من هذه الجهة.

و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن يعتبر رضاه أي: في المرتبة الخارجة عن مرتبة ذات الكفالة و من لا يعتبره أي: في مرتبة قوام ذات الكفالة.

(10) لعدم الاكتفاء المتعارف في مثل هذه الأمور بمجرد الرضاء القلبي ما لم يكن مبرز خارجي في البين و هو يلازم كونه طرفا للعقد كما لا يخفى.

(11) كما تقدم نظيره في الضمان.

(12) لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها فتشمله أدلة الكفالة، مضافا إلى ظهور إجماعهم على الصحة.

ص: 342

يشترط العلم بمبلغ ذلك المال (13).

الرابع: أن يكون المال ثابتا في الذمة بحيث يصح ضمانه (14) و يكفي المعرضية العرفية للثبوت أيضا (15) فتصح بالنسبة إلى مال الجعالة بعد حصول السبب و إن لم يعمل العامل بعد (16).

مسألة 5: تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور إلى مجلس الشرع

(مسألة 5): تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور إلى مجلس الشرع بأن تكون عليه دعوى مسموعة و إن لم تقم البينة عليه بالحق (17) و لا تصح كفالة من عليه عقوبة من حد أو تعزير (18).

______________________________

(13) للأصل بعد عدم دليل على اعتباره و تعلق الغرض بإحضار بدن المكفول لا كمية الحق الذي عليه و كيفيته.

(14) لأن الكفالة نحو من الضمان و مع عدم ثبوت الحق يكون من ضمان ما لم يجب و هو لا يصح على المشهور، و لكن قد مر مكررا أنه يكفي المعرضية العرفية للثبوت.

(15) لأنها بمنزلة الثابت عرفا.

(16) لثبوت المعرضية القريبة بالنسبة إلى المال حينئذ، و يصح من الناس الاستيثاق على أموالهم مع تحقق المعرضية للثبوت و وجود السبب.

(17) لثبوت حق الدعوى بالسماع و كل حق ثابت تصح الكفالة فيه، و تفصيل الحق بالبينة لا ربط له في ثبوت أصل حق الدعوى فإنه مقدم على تفصيله كما هو معلوم.

(18) لما رواه الفريقان عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «لا كفالة في حد» (1)، الشامل للتعزير أيضا، مضافا إلى الإجماع و لكن نفي الكفالة في الحد على أقسام:

ص: 343


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الضمان و في المغني لابن قدامة ج: 5 صفحة: 97 ط: بيروت.

مسألة 6: الكفالة على أقسام ثلاثة إما معجلة، أو مؤجلة

(مسألة 6): الكفالة على أقسام ثلاثة إما معجلة، أو مؤجلة (19) فحينئذ يعتبر تعيين الأجل على وجه لا يختلف زيادة و نقصا (20)، أو مطلقة فتكون مثل الأول (21).

مسألة 7: عقد الكفالة لازم

(مسألة 7): عقد الكفالة لازم (22).

______________________________

الأوّل: بعد ثبوته و إمكان إقامته فعلا.

الثاني: بعد ثبوته و عدم إمكان اقامته فعلا لوجود محذور في البين.

الثالث: بعد تحقق دعوى الحد و إمكان إثباته.

الرابع: بعد تحقق الدعوى و عدم إمكان الإثبات، و هل يشمل قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«لا كفالة في حد»، جميع هذه الأقسام أو يختص بالقسم الأوّل؟ الظاهر هو الاختصاص.

ثمَّ أنه هل يشمل حقوق الناس أيضا أو يختص بحق اللّه فقد الظاهر هو الثاني لما سيأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

(19) لإطلاق الأدلة الشامل لهما، و للإجماع في التأجيل و على المشهور في التعجيل و عن ابن إدريس: «انه حق اليقين»، و لكن عن جمع منهم الشيخين في المقنعة و النهاية عدم صحتها حالا (معجلا) و لم يستدلوا بدليل يصح الاعتماد عليه إلا دعوى انها إذا كانت حالة تكون بلا فائدة.

و فيه: إن الفوائد غير محدودة بحد خاص بل هي كسائر الأغراض العقلائية تختلف باختلاف الجهات و الخصوصيات، مع أن هذا النزاع صغروي لا يليق بالعلماء.

(20) للإجماع، و قاعدة نفي الغرر؛ و ما عن بعض العامة من جواز الجهالة هنا كما في العارية قياس أولا، و مع الفارق ثانيا للزوم الكفالة و جواز العارية.

(21) لأن التعجيل هو المنساق من العقود عند الإطلاق لدى متعارف الناس كما في سائر الإنشاءات المطلقة عقدا كان أو إيقاعا.

(22) لأصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل على الخروج في المقام، و تقدم أدلة إثبات أصالة اللزوم في كل عقد في أول البيع فراجع فلا وجه

ص: 344

لا يجوز فسخه إلا بالإقالة (23)، و يجوز جعل الخيار فيه لكل من الكفيل و المكفول له مدة معينة (24).

مسألة 8: يصح للمكفول له أن يطالب الكفيل

(مسألة 8): يصح للمكفول له أن يطالب الكفيل إن كانت الكفالة مطلقة أو معجلة مع حلول الحق، و بعد الأجل إن كانت مؤجلة (25)، فإن كان المكفول حاضرا وجب على الكفيل إحضاره (26)، فإن أحضره و سلّمه تسليما تاما بحيث يتمكن المكفول له منه فقد برئ مما عليه (27).

______________________________

للتكرار أصلا.

(23) كما هو شأن كل عقد لازم بناء على جريان الإقالة في كل عقد لازم، و تقدم ما يتعلق به في (فصل الإقالة) من كتاب البيع فراجع.

(24) أما جواز جعل الخيار لكل منهما، فلعموم أدلة الشرط.

و ما يقال: من أن الكفالة و الضمان في حاق الواقع يرجعان إلى الاستيثاق و شرط الخيار ينافي ذلك، فيكون من الشروط المخالفة لمقتضي العقد فتفسد الشرط و يفسد العقد.

باطل: لأنه إذا كان الشرط برضى المتعاقدين لا ينافي ذلك الاستيثاق الحاصل في البين.

و أما اعتبار تعيين المدة فللإجماع، و قاعدة نفي الغرر.

(25) لوجود المقتضي للمطالبة و فقد المانع عنها فعلا في القسمين الأولين، و بعد الأجل في القسم الأخير فيثبت حق المطالبة لا محالة، مضافا إلى مسلمية ثبوت حق المطالبة عندهم.

(26) لأن هذا هو الذي التزم الكفيل على نفسه في العقد الواقع بينهما فيجب الوفاء به.

(27) لخروجه عن عهدة ما التزم به فلا موضوع لوجوب شي ء آخر عليه

ص: 345

مسألة 9: لو امتنع الكفيل عن إحضار المكفول، فللمكفول له مطالبة حبسه عند الحاكم

(مسألة 9): لو امتنع الكفيل عن إحضار المكفول، فللمكفول له مطالبة حبسه عند الحاكم حتى يحضره أو يؤدي ما عليه (28).

______________________________

بعد ذلك.

(28) نسب ذلك إلى جمع منهم ابن إدريس و المحقق و الشهيدين لابتناء الكفالة على ذلك عرفا و لأن ذلك هو المقصود بين المتعاقدين في الكفالة، إذ المقصود في الكفالات استيفاء ما على المكفول، و الالتزام بإحضاره طريق إلى ذلك، و لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر عمار: «أتى أمير المؤمنين برجل قد تكفل بنفس رجل فحبسه، و قال أطلب صاحبك» (1)، و في خبر أصبغ بن نباتة قال:

«قضى أمير المؤمنين في رجل تكفل بنفس رجل أن يحبس و قال له: أطلب صاحبك» (2)، و عن الصادق عليه السّلام في خبر ابن عمار: «إن عليا عليه السّلام أتى برجل كفل برجل بعينه فأخذ بالمكفول فقال: أحبسوه حتى يأتي بصاحبه»


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الضمان.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الضمان.

(1)، و هذه الأخبار و إن اقتصر فيها على خصوص الحبس لكن يمكن حملها على ذكر أحد الفردين و الاستغناء به عن الآخر لأن الحبس أشد على الشخص من غيره، مع أنه قد ذكر الفرد الآخر في أخبار أخرى كقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «الكفالة خسارة و غرامة» (2)، و قوله عليه السّلام مكتوب في التوراة: «الكفالة ندامة و غرامة» (3)، و غيرهما فيقيد بها إطلاق الاخبار المتقدمة و هذه الأخبار و إن كانت قاصرة سندا لكنها تشهد للقرينة لتقييد الأخبار السابقة.

و احتمال أن لنفس الإحضار موضوعية خاصة لا أن يكون طريقا إلى الأداء كما يتحقق الدعوى مثلا، مع أن الأداء من خصوص المكفول ربما يكون مورد غرض عقلائي، و لذا اختار بعض تعيين الإحضار و هو صحيح واقعا، و لكن لا دليل له إثباتا لأن ملاحظة هذه الخصوصيات من الفروع المتعلقة

ص: 346


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الضمان.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الضمان: 2 و 5.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الضمان: 2 و 5.

مسألة 10: لو كان المكفول غائبا

(مسألة 10): لو كان المكفول غائبا فإن كان مكانه معلوما يمكن الكفيل رده منه أمهل بقدر ذهابه و مجيئه (29) فإذا مضى قدر ذلك و لم يأت به من غير عذر حبس كما مر (30)، و إن كان غائبا غيبة منقطعة لا يعرف موضعه و انقطع خبره لم يكلف الكفيل إحضاره (31)، و هل يلزم بأداء ما عليه؟ الأقرب ذلك (32) خصوصا إذا كان بتفريط من الكفيل بأن طالبه المكفول له و كان متمكنا منه فلم يحضره حتى هرب (33).

______________________________

بالموضوع و تشخيصها منوطة بنظر الحاكم الشرعي فهي بمنزلة الأحكام المترتبة لا أن تكون من مقومات ذات موضوع الكفالة.

(29) يجب ذلك مقدمة إن لم يكن طريق للإحضار إلا بذلك.

(30) لوجود المقتضي للحبس حينئذ و فقد المانع عنه فتشمله ما تقدم من الأدلة.

(31) لأن التكليف بالإحضار مشروط بالقدرة عليه و المفروض عدمها فينتفي التكليف قهرا.

(32) لما مر من أن مقتضى الكفالة إحضار الغريم أو أداء ما عليه من المال و الأصل بقاء هذا الأدلاء إلى أن يحصل المسقط، مع أن الكفيل وثيقة كالرهن فإذا تعذر استيفاء الحق ممن عليه الحق يستوفي من الوثيقة.

نعم، بناء على عدم التخيير في مورد الكفالة و انحصار موردها بالإحضار فقط لا موضوع للإلزام بالمال حينئذ، و عن جمع عدم وجوب المال عليه عند عدم التمكن من الإحضار، و نسب ذلك إلى التذكرة و المسالك و غيرهما فإن كان هذا القول منهم من جهة ذهابهم إلى عدم التخيير و وجوب الإحضار فقط فهو نزاع مبنائي، و قد تقدم استظهار التخيير و إن كان هذا القول منهم مع وجوب التخيير فلا دليل لهم عليه كما هو معلوم.

(33) لأنه إذا قلنا في الصورة السابقة بضمان المال يكون الضمان في هذه

ص: 347

نعم، لو كان بحيث لا يرجى الظفر به بحسب العادة يشكل صحة الكفالة من أصلها (34).

______________________________

الصورة بالفحوى.

(34) بناء على أن التمكن من الإحضار شرط الصحة حدوثا و بقاء تبطل أصل الكفالة، لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط، و إن قلنا بأنه يكفي في الصحة التمكن منه في مجرد الحدوث فقط تصح و لكن الشأن في صحة هذا الاحتمال، مع أن المتعارف في الوثائق المعهودة بين الناس مراعاة التمكن من الأداء مطلقا.

ثمَّ انه قد ذكر المشهور من الفقهاء انه لو قال الكفيل: «إن لم أحضره كان علىّ كذا» لم يلزم منه إلا إحضاره دون المال، و لو قال: «علىّ كذا- إلى كذا- إن لم أحضره» وجب عليه ما شرط من المال، و الأصل في المسألتين موثقتا البقباق الأولى: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل كفل لرجل بنفس رجل، و قال: إن جئت به و إلا عليك «فعلىّ» خمسمائة درهم، قال عليه السّلام: عليه نفسه و لا شي ء عليه من الدراهم، فإن قال: عليّ خمسمائة درهم إن لم أدفعه إليه، قال: تلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه» (1)، و المنساق من الجملة الأولى «رجل كفل بنفس رجل» أن الكفالة تمت بنفس هذه الجملة بإيجابها من الكفيل و قبولها من المكفول له و إن الكفالة كانت غير متضمنة لمال في عهدة المكفول بل كانت لأغراض صحيحة أخرى بقرينة قوله: «و قال إن جئت به» فإنه لو كانت متضمنة لمال في عهدة المكفول فمقتضى العادة بيان دفع نفس ذلك المال.

و حينئذ فتتم الكفالة بهذه الجملة و حكمها وجوب دفع المكفول نفسه لا وجوب شي ء آخر على الكفيل.

و أما قوله: «و قال إن جئت به و إلا فعليك خمسمائة درهم» فهو كلام

ص: 348


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الضمان: 1.

مسألة 11: إذا لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال

(مسألة 11): إذا لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال، فإن لم يأذن له المكفول لا في الكفالة و لا في الأداء ليس له الرجوع عليه بما أداه (35)، و إذا أذن له الأداء كان له أن يرجع به عليه، سواء أذن له في الكفالة أيضا أم لا (36)، و إن أذن في الكفالة دون الأداء فإن كان إذنه فيها

______________________________

المكفول له صدر منه بعد تمامية عقد الكفالة، فإن كان الكفيل قبله يكون من الشروط الابتدائية لا يجب الوفاء به على المشهور و إن لم يكن قبله فلا يجب الوفاء بالأولى و هذا هو المطابق للقاعدة و لما قاله الفقهاء في المسألة الأولى، و أما ذيل الحديث و هو قوله: «فإن قال علي خمسمائة درهم، إن لم أدفعه اليه» فهو أيضا مطابق للقاعدة إذا قال ذلك الكفيل و جعله من قيود الكفالة حين أنشأ عقدها كما لعله المنساق من الحديث فتطابقت القاعدة و قول المشهور و ذيل الحديث.

الثانية: ما عن الصادق عليه السّلام في خبر أبي العباس أيضا قال: «سألته عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا و كذا درهما؟ قال:

ان جاء به إلى أجل فليس عليه مال و هو كفيل بنفسه أبدا إلا أن يبدأ بالدراهم فإن بدأ بالدراهم فهو لها ضمان إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجله» (1)، و هذا الموثق أيضا مطابق للقاعدة و للمشهور لأن قوله «فإن لم يأت به فعليه كذا و كذا درهما» لم يعلم انه من قيود الكفالة التي ذكرها الكفيل، بل المقتضى أصالة عدم التقييد عدم كونه قيدا له.

نعم، ان بدأ الكفيل بالدراهم يكون ظاهرا في التقييد حينئذ عرفا فهذا الموثق موافق للقاعدة أيضا بكلا جزئية بعد التدبر و التأمل هذا، و أما الكلمات فهي مضطربة جدا كما لا يخفى على من راجع المطولات.

(35) لأصالة براءة ذمته بعد عدم حصول تسبيب منه في الاستيفاء.

(36) لصدق استيفاء مال الغير بعد الإذن، و لقاعدة الاحترام فيجب الأداء.

ص: 349


1- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الضمان: 2.

ملازما عرفا للأداء يرجع اليه (37) و الا فلا (38).

مسألة 12: لو عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين فلا يجب عليه تسليمه في غيره

(مسألة 12): لو عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين (39) فلا يجب عليه تسليمه في غيره، و لو طلب ذلك المكفول له لم تجب اجابته (40)، كما انه لو سلمه في غير ما عين لم يجب على المكفول له تسلمه (41).

مسألة 13: لو أطلق عقد الكفالة و لم يعين مكان التسليم

(مسألة 13): لو أطلق عقد الكفالة و لم يعين مكان التسليم فإن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه (42) و إن أوقعاه في

______________________________

(37) لما مر في سابقة من صدق الاستيفاء إذ لا فرق في الصدق العرفي بين الدلالة المطابقية و الالتزامية.

(38) لعدم حصول استيفاء منه لمال الغير بوجه لا بالدلالة المطابقية و لا بالالتزام.

نعم، لو تضرر الكفيل بشي ء و كان ذلك مستندا إلى المكفول له عرفا فمقتضى قاعدة «نفي الضرر» لزوم تداركه عليه.

(39) لعموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمنون عند شروطهم»(1)، و الالتزام الواقع بينهما.

(40) أما عدم وجوب التسليم على الكفيل في غيره فللأصل و الإجماع، و كذا الكلام بالنسبة إلى عدم وجوب إجابة المكفول له.

(41) لأصالة عدم وجوب التسلّم عليه في غير ما عين، مضافا إلى الإجماع.

نعم، يجب عليه التسلم في موضع التعيين لأن ذلك من لوازم العقد الواقع بينهما عرفا.

(42) كما في نظائر المقام من المعاوضات و السلم و إعطاء الزكاة و سائر

ص: 350


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

برية أو بلد غربة لم يكن من قصده القرار و الاستقرار فيه، فإن كانت قرينة على التعيين فهو بمنزلته (43) و إلا بطلت الكفالة من أصلها (44)

مسألة 14: يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول

(مسألة 14): يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول، حتى أنه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر لم يكن فيها مفسدة أو مضرة دينية أو دنيوية لم يبعد وجوبها (45).

مسألة 15: لو كان المكفول غائبا

(مسألة 15): لو كان المكفول غائبا و احتاج حمله إلى مئونة فعلى المكفول نفسه (46)، و لو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرع، له أن يرجع بها عليه (47)

______________________________

الحقوق و نحوها، و هذا الانصراف معتبر عند متعارف الناس فيعتبر شرعا أيضا.

(43) لأن القرائن المعتبرة كالظواهر حجة في المحاورات العقلائية.

(44) للغرر و الجهالة، و عدم اقدام متعارف الناس على مثل هذا الكفالة.

(45) أما وجوب الاستعانة لإحضار المكفول بكل وسيلة مشروعية فلأن إحضاره بالطرق المشروع من مقومات الكفالة فيشمله ما دل على وجوب الوفاء بالعقد و الالتزام الصحيح الجامع للشرائط.

و أما صحة التوسل بالقاهر مع عدم المفسدة فلأنه أيضا من مقدمات تحصيل الواجب عليه بالالتزام العقدي الواقع بينهما.

(46) لأنه السبب في صرف هذه فتشمله قاعدة «التلف بالتسبيب».

(47) لما مر من كونه سببا فيكون الضمان عليه.

ثمَّ إن المؤن المصروفة أقسام ثلاثة:

الأوّل: ما يحكم العرف بكونها من ناحية المكفول و للظفر أو الحمل به و لا ريب في كونها عليه.

الثاني: ما إذا حكم بأنها ليس من ناحية المكفول و لا تنسب اليه و ليست

ص: 351

على إشكال في بعضها (48).

مسألة 16: ينحل عقد الكفالة بأمور

(مسألة 16): ينحل عقد الكفالة بأمور:

الأول: لو برأ ذمة الكفيل بإحضار المكفول، أو حضوره و تسليم نفسه تسليما تاما (49).

الثاني: لو أخذ المكفول له المكفول طوعا أو كرها بحيث تمكن من استيفاء حقه أو إحضاره مجلس الحكم (50).

الثالث: ما إذا أبرأ المكفول له الحق الذي على المكفول.

الرابع: ما إذا رفع المكفول له يده عن الكفالة.

الخامس: ما إذا أدى المكفول حق المكفول له (51).

السادس: ما إذا مات الكفيل أو المكفول (52).

______________________________

للظفر أو الحمل به، فلا يرجع بها إليه للأصل بعد عدم صدق التسبيب.

الثالث: ما يشك في انها من أي القسمين؛ و مقتضى الأصل براءة ذمة المكفول فيها أيضا و لكن الأحوط التراضي.

(48) ظهر وجه الاشكال مما مر.

(49) لحصول الغرض فلا معنى لبقاء الكفالة بعد ذلك، و لا دليل على اعتبار كون ذلك من الكفيل بنفسه إلا أن يكون شرط في البين و هو خلف الفرض.

(50) لزوال الموضوع بحصول الغرض كما مر.

(51) كل ذلك لانتفاء الموضوع فلا وجه لبقاء الحكم بعد ذلك.

(52) أرسلوا بطلانها بموت الكفيل إرسال المسلمات و يظهر منهم الإجماع عليه و هو صحيح إذا كانت بعنوان مباشرة الكفيل للإحضار بنفسه، و أما أن كان بعنوان الأعم من المباشرة و التسبيب فيمكن أن يقال بانتقال الحق إلى ورثته لأصالة بقاء الحق، أي: حق الإحضار الحاصل بالعقد إلا أن يقال: بأنه ليس

ص: 352

مسألة 17: لو مات المكفول له فالكفالة باقية

(مسألة 17): لو مات المكفول له فالكفالة باقية و ينتقل حق المكفول له إلى ورثته (53).

مسألة 18: لو نقل المكفول له الحق

(مسألة 18): لو نقل المكفول له الحق الذي على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة (54).

مسألة 19: من خلّى غريما من يد صاحبه قهرا و إجبارا ضمن إحضاره أو أداء ما عليه

(مسألة 19): من خلّى غريما من يد صاحبه قهرا و إجبارا ضمن إحضاره أو أداء ما عليه (55)، و لو خلى قاتلا من يد ولي الدم لزمه إحضاره أو إعطاء الدية و إن كان القتل عمدا (56).

______________________________

من الحقوق القابلة للنقل و الانتقال عرفا فتأمل.

و أما بطلانها بموت المكفول فلزوال الموضوع.

نعم، لو كان غرض صحيح يترتب على رؤية جثته تبقى الكفالة إلى أن يحصل الغرض.

(53) لعموم أدلة الإرث بعد أصالة بقاء الحق.

(54) لزوال موضوع الكفالة، و لصيرورة من وقع العقد غير واجب الوفاء بالنسبة إليه و من وجب الوفاء بالنسبة إليه غير من وقع معه العقد هذا مع عدم إذن الكفيل في ذلك أو إجازته له و لا فالظاهر الصحة و تصير كفالة جديدة.

(55) للإجماع، و قاعدة «نفي الضرر و الضرار» و فحوى ما يأتي في الفرع التالي.

(56) إجماعا و نصا ففي صحيح حريز عن الصادق عليه السّلام: «عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي فدفع الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فوثب عليهم قوم فخلصوا القاتل من أيدي الأولياء، فقال عليه السّلام: أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل قيل فإن مات و هم في السجن؟

قال عليه السّلام: فإن مات فعليهم الدية يؤدونها جميعا إلى أولياء المقتول (1)».

ص: 353


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الضمان.

مسألة 20: يجوز ترامى الكفالات

(مسألة 20): يجوز ترامى الكفالات (57) بأن يكفل كفيل آخر ثمَّ يكفل كفيل الكفيل كفيل آخر و هكذا، و حيث إن الكل فروع الكفالة الأولى و كل لاحق فرع سابقة فلو ابرأ المستحق الكفيل الأول أو أحضر الأول المكفول الأول أو مات أحدهما برئوا أجمع، و لو برأ المستحق بعض من توسط برئ هو و من بعده دون من قبله، و كذا لو مات برئ من كان فرعا له.

مسألة 21: لو نهى الوالد ولده عن الكفالة فخالف و عصى

(مسألة 21): لو نهى الوالد ولده عن الكفالة فخالف و عصى و تكفل و لكن أحضر المكفول لدى المكفول له يترتب عليه الأثر، و كذا لو نذر أن لا يكفل شخصا ينعقد نذره و تجب الكفارة مع المخالفة (58).

مسألة 22: يجوز الكفالة مع العوض و غير العوض

(مسألة 22): يجوز الكفالة مع العوض و غير العوض سواء كان

______________________________

(57) لوجود المقتضي و فقد المانع و ظهور الإطلاق و الاتفاق، و حكم باقي المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان، و كذا يجوز كفالة واحد عن اثنين أو أكثر كما يجوز العكس أيضا تخييرا أو ترتيبا أو جمعا، و حكم الكل واضح بأدنى التأمل.

فرع: لو توجه إلى شخص دعوى حاضرا و المدعي يريد أن يحبسه لغرض، و تكفل له أحد بأن يطلقه و أن يحضره متى طلبه و الا غرم غرامة خاصة، فهل تكون هذه من الكفالة المعهودة موضوعا أو حكما أو لا يكون منها لا موضوعا و لا حكما، و شاع هذا النحو من الكفالة في هذه الأعصار؟

و الظاهر كونها من الكفالة المعهودة موضوعا لأن المراد بقولهم في تعريفها هي: «التعهد و الالتزام لشخص بإحضار نفس له حق عليها» أو ما قلناه أعم من أن يكون ذلك الشخص غائبا فعلا أو حاضرا و أريد إحضاره بعد مدة نعم الغالب هو الأوّل.

(58) أما المعصية فلمخالفة الوالد و أما ترتب الأثر فلتحقق الموضوع و كذا الكلام في النذر.

ص: 354

العوض على المكفول أو المكفول له أو الأجنبي (59).

مسألة 23: تجري الفضولية في الكفالة

(مسألة 23): تجري الفضولية في الكفالة و تصح مع الإجازة اللاحقة كما تصح مع الاذن السابق (60).

مسألة 24: يجوز كفالة المسلم عن الكافر

(مسألة 24): يجوز كفالة المسلم عن الكافر و بالعكس و إن كان الأحوط ترك العكس (61).

مسألة 25: لو تضرر الكفيل بالكفالة

(مسألة 25): لو تضرر الكفيل بالكفالة فلا يجب على المكفول له تداركه إن لم يكن منه تسبيب في البين (62).

مسألة 26: يكره التعرض للكفالات

(مسألة 26): يكره التعرض للكفالات و قد قال مولانا الصادق عليه السّلام في خبر لبعض أصحابه: «ما لك و الكفالات أما إنها أهلكت القرون الأولى» و عنه عليه السّلام: «الكفالة خسارة غرامة و ندامة» (63).

______________________________

(59) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك، و لقاعدة «السلطنة».

(60) لما مر في كتاب البيع من أن الفضولية موافقة للقاعدة تجري في كل عقد إلا ما دل دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(61) أما الأوّل فلإطلاق الأدلة، و كذا الأخير؛ و منشأ التردد احتمال أن يكون ذلك من السبيل المنفي في الآية المباركة (1).

(62) لأصالة براءة ذمة المكفول له عن ذلك.

(63) و عنه عليه السّلام: أيضا مكتوب في التوراة: «الكفالة ندامة و غرامة» (2)، هذا مع عدم المصلحة الراجحة في البين و إلا فقد تجب كانجاء المؤمن من القتل، و قيل في مدح في ذي الكفل أنه كفل سبعين نبيا من القتل (3)، كما أنها في غير كفالة اليتيم و نحوه من الضعفاء و الا فقد ورد في مدحها ما تبهر منه و هي غير الكفالة

ص: 355


1- سورة النساء: 141.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الضمان حديث: 5.
3- راجع مجمع البحرين مادة كفل.

مسألة 27: يجوز اشتراط كل شرط سائغ في عقد الكفالة

(مسألة 27): يجوز اشتراط كل شرط سائغ في عقد الكفالة سواء كان للكفيل أو للمكفول أو للمكفول له أو للجميع (64) و تصح اشتراط أصل الكفالة إلى مدة معينة (65).

مسألة 28: لو أنكر الكفيل الكفالة و ادعاها المكفول له

(مسألة 28): لو أنكر الكفيل الكفالة و ادعاها المكفول له فإن ثبت دعوى المدعي بحجة معتبرة يقبل قوله و الا فيحلف المنكر على نفي الكفالة (66).

تمَّ كتاب الكفالة.

______________________________

المذكورة.

(64) لعموم أدلة الشروط الجارية في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و هو مفقود.

(65) لما تقدم من العموم و تبطل الكفالة بعد انقضاء المدة لا محالة.

(66) أما الأوّل فلأن الحجة المعتبرة يترتب عليها الأثر الشرعي و هو ثبوت الدعوى، و أما الثاني فلانحصار قطع النزاع حينئذ بحلف المنكر.

و الحمد للّه أولا و آخرا.

تمَّ الجزء العشرون بحمد للّه بانتهاء كتاب الكفالة و يبتدئ الجزء الواحد و العشرون بكتاب الدين و القرض.

20، 9، 1403 محمد الموسوي السبزواري.

ص: 356

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.